مفاهيم أساسية صحة الإنسان نشر بتاريخ: 30 أبريل 2024

الإيدز: بين الواقع والخيال والمستقبل

ملخص

الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسب) هو الاسم المُستخدَم لوصف عدد من حالات العدوى والأمراض المهددة للحياة والتي تحدث عند تعرض الجهاز المناعي لتلف شديد بسبب فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). يُعتبر فيروس الإيدز جائحة، ففي عام 2020 وحده، كان هناك قرابة 38 مليون شخص مصاب به في العالم. وما من علاج شافٍ لهذا المرض، ولا لقاح للوقاية منه. لكن على الرغم من عدم توفّر علاج شافٍ نهائي لهؤلاء المرضى، يمكنهم العيش لسنوات إذا تلقوا علاجًا مناسبًا. إلى جانب صعوبة العيش مع مرض مزمن وشرس، يعاني مرضى الإيدز أيضًا مرارًا وتكرارًا من أشكال متعددة من الوصم الاجتماعي والتمييز. وفي هذا المقال، سأخبرك عن مرض الإيدز ورحلة اكتشاف الفيروس المسبب له والعلاجات المتاحة الحالية والفرص المستقبلية للحد من عدد المصابين بهذا المرض. وآمل أن تكون قد فهمت في نهاية المقال الأهمية العالمية للتعامل مع مرض الإيدز من الناحية العلمية والاجتماعية على حد سواء.

فازت البروفيسورة Françoise Barré-Sinoussi بجائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 2008 (مناصفةً مع Luc Montagnier) بفضل اكتشاف فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).

ما هو فيروس نقص المناعة البشرية؟

هو فيروس يهاجم الخلايا التي تساعد الجسم على مكافحة العدوى، ما يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بأمراض وحالات عدوى أخرى. ويستهدف على وجه التحديد نوعًا من خلايا الدم البيضاء اسمها خلايا CD4 (الشكل 1) [1]. وهذه خلايا ''مساعدة''، أي أنها تساعد الجهاز المناعي من خلال تنشيط خلايا مناعية أخرى عندما يتم اختراق الجسم بواسطة مهاجم خارجي مثل الفيروسات.

شكل 1 - الإصابة بفيروس الإيدز: (1) يلتصق فيروس الإيدز بخلية CD4 مناعية قبل اختراقها.
  • شكل 1 - الإصابة بفيروس الإيدز: (1) يلتصق فيروس الإيدز بخلية CD4 مناعية قبل اختراقها.
  • (2) تتحد المادة الوراثية الفيروسية (اللولب الأصفر) مع الحمض النووي لخلية CD4 (اللولب الأزرق)، وتسيطر على جهاز التكاثر في الخلية لإنتاج نسخ أخرى من الفيروس. (3) تترك جزيئات الإيدز الجديدة خلية CD4 وتنتقل إلى الدم لإصابة خلايا CD4 إضافية. وبهذه الطريقة، يواصل فيروس الإيدز التكاثر والانتشار في الجسم كله. وبمرور الوقت، يقضي الفيروس على خلايا CD4 وتقل قدرة الجسم على اكتشاف ومكافحة أنواع متعددة من حالات العدوى.

لا يستطيع الجسم البشري وحده التخلص من فيروس الإيدز، ولا يوجد علاج شافٍ وفعال متاح حاليًا، فبعد إصابة أي شخص بهذا الفيروس، يلازمه طوال حياته. وإذا لم يتلق المريض أي علاج، فسيصاب الجهاز المناعي في الجسم بتلف شديد لدرجة أن أي عدوى مثل الالتهاب الرئوي تكون أشد خطورة وتهديدًا للحياة [2].

تم تسجيل أول حالات للإصابة بالإيدز في أوائل الثمانينيات [2] وبعد ذلك بوقت قصير، تم إعلانه بصفته جائحة عالمية. يعتقد العلماء حاليًا أن إصابة البشر بفيروس الإيدز نتجت من الاتصال الجسدي مع الرئيسيات من غير البشر (مثل الشمبانزي والغوريلا) في أفريقيا، وهو ما يُعرف باسم الانتقال عبر الأنواع [3]. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية1، فإن نحو 80 مليون شخص أصيبوا بفيروس الإيدز منذ بداية الجائحة، وقد تُوفي 45% منهم تقريبًا2. في عام 2020، كان هناك 37.7 مليون مصاب بالفيروس، و1.5 مليون إصابة جديدة به، وإجمالي 680,000 حالة وفاة من الأمراض المرتبطة به.

هناك حالات مصابة بالإيدز في العالم كله، وثلثا (69%) هذه الحالات في أفريقيا، في حين توجد 15.5% من الحالات في آسيا والمحيط الهادئ، ونحو 6% في أمريكا الشمالية وأوروبا الوسطى، وحوالي 5.5% في أمريكا اللاتينية، و4% تقريبًا في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى (الشكل 2).

شكل 2 - التوزيع العالمي لحالات فيروس الإيدز في عام 2020.
  • شكل 2 - التوزيع العالمي لحالات فيروس الإيدز في عام 2020.
  • (الصورة مُعدلة من: التقديرات الوبائية لبرنامج 2021 UNAIDS).

كيفية انتشار فيروس الإيدز وأعراضه

هناك ثلاث طرق للإصابة بفيروس الإيدز، هي ممارسة الجنس بدون حماية والاتصال المباشر بالدم الملوث بالفيروس (على سبيل المثال، من خلال عمليات نقل الدم) ونقل العدوى من الأمهات المصابات إلى أطفالهن الرضع [5]. وبعد الإصابة بالفيروس، يمر المريض بثلاث مراحل (الشكل 3). المرحلة الأولى هي عدوى الإيدز الحادة، وتبدأ بعد الإصابة الأولية وتستمر إلى أن يقوم الجسم باستجابة مناعية ويبدأ في إنتاج مضادات حيوية لفيروس الإيدز. في هذه المرحلة، تكون فيروسات الإيدز في الدم [6] وتتكاثر بسرعة لتنتشر في الجسم كله. في المرحلة الحادة، تظهر على بعض المرضى أعراض شبيهة بالإنفلونزا، مثل الحمى والتهاب الحلق وآلام العضلات والإسهال والطفح الجلدي والإرهاق. وعادةً ما يبدأ ظهور هذه الأعراض بعد الإصابة الأولية بأسبوعين إلى أربعة أسابيع تقريبًا.

شكل 3 - مراحل الإصابة بفيروس الإيدز: عند أخذ عينات دم من المرضى في المراحل الثلاث للإصابة، نجد أن الفيروس ينتشر بسرعة في المرحلة الأولى (المرحلة الحادة) والتي تحدث بعد الإصابة ببضعة أسابيع أو أشهر.
  • شكل 3 - مراحل الإصابة بفيروس الإيدز: عند أخذ عينات دم من المرضى في المراحل الثلاث للإصابة، نجد أن الفيروس ينتشر بسرعة في المرحلة الأولى (المرحلة الحادة) والتي تحدث بعد الإصابة ببضعة أسابيع أو أشهر.
  • وفي هذه المرحلة، تظهر على بعض المرضى، وليس كلهم، أعراض شبيهة بالإنفلونزا. في المرحلة الثانية (الخالية من الأعراض) والتي تستمر لعدة سنوات، ينتشر الفيروس ببطء ولا تظهر على المرضى أي أعراض. في المرحلة الثالثة والأخيرة (المصاحبة للأعراض)، تنخفض أعداد خلايا CD4 لدى المرضى وتظهر عليهم أعراض شديدة (الصورة مُعدلة من: https://الإيدزinfo.nih.gov/understanding-الإيدز/fact-/sheets-infection-الإيدز/stages/).

المرحلة الثانية للإصابة بفيروس الإيدز هي الإصابة المزمنة. وفيها، يظل الفيروس نشطًا، ولكنه لا يتسبب في أي أعراض مرئية. ولهذا، تُسمى هذه المرحلة أيضًا بأنها الإصابة الخالية من الأعراض. وفي حالة عدم تلقي أي علاج، يمكن أن تستمر هذه المرحلة لسنوات قبل بدء المرحلة الثالثة للمرض المصاحبة للأعراض. على الرغم من عدم توفّر علاج شافٍ لهؤلاء المرضى، يمكنهم العيش في المرحلة الخالية من الأعراض لسنوات إذا تلقوا علاجًا مناسبًا. إذا لم يحصل المصابون بفيروس الإيدز على أي علاج، من الممكن أن ينقلوا الفيروس حتى لو لم تظهر عليهم أعراض هذه الإصابة. المرحلة الأخيرة الأشد خطورة للإصابة بفيروس الإيدز هي متلازمة نقص المناعة المكتسب أو الإيدز. تُشخص الحالات على أنها إصابات بالإيدز عند حدوث انخفاض شديد للغاية في أعداد خلايا CD4 لديهم أو إذا أصيب هؤلاء الأشخاص بعدوى أخرى مرتبطة بالإيدز، وهي العدوى الانتهازية. وتستغل هذه العدوى ضعف الجهاز المناعي، وقد تؤدي إلى الوفاة في النهاية إذا تُركت بدون علاج.

الوصمة الاجتماعية المرتبطة بفيروس الإيدز

في بداية الثمانينيات، كشفت الدراسات الأولية أن الإيدز كان منتشرًا بشكل خاص بين الأشخاص الذين كانوا يتعاطون المخدرات والأشخاص الذين تم نقل الدم إليهم وعن طريق العلاقة الجنسية [3]. انتشرت الوصمة المرتبطة بفيروس الإيدز وتأصلت جذورها في مجتمعات العالم كله. معنى هذا أن مجتمعات المصابين بهذا الفيروس تجعلهم يشعرون أحيانًا بالخزي والعار، وبالتالي لا يسعون للحصول على العلاج الطبي اللازم. هناك مواقف سلبية ومعتقدات خاطئة حول فيروس الإيدز والأفراد المصابين به تؤدي غالبًا إلى التمييز، ما قد يؤثر تأثيرًا شديدًا على الصحة والعافية العقلية لدى هؤلاء الأفراد [7, 8].

بالإضافة إلى الآثار النفسية السلبية للوصمة الاجتماعية التي يواجهها المصابون بفيروس الإيدز، فإن هذه الوصمة تقلل أيضًا من فاعلية استراتيجيات الوقاية والعلاج [9] التي يمكن أن تبطئ انتشار المرض. على سبيل المثال، بسبب هذه الوصمة الاجتماعية والتمييز، تقل احتمالية أن يصارح هؤلاء المصابون مَن يمارسون معهم الجنس بإصابتهم بهذا المرض، كما تزيد احتمالية ممارستهم لجنس غير آمن3، ويؤدي كلا الأمرين إلى زيادة فرص انتقال فيروس الإيدز [9]. بالإضافة إلى ذلك، يتردد بعض هؤلاء المرضى في تلقي العلاجات بسبب خوفهم من الوصمة الاجتماعية إذا علم آخرون بذلك [9]، كما أن هذه الوصمة يمكن أن تؤدي إلى قلة توفّر شبكات الدعم للمرضى [8]. لمزيد من المعلومات حول مرضى فيروس الإيدز من الشباب، يمكنك الاطلاع على هذا المقال من Frontiers for Young Minds [10].

هذه ليست سوى أمثلة قليلة على الآثار السلبية المتعددة لهذه الوصمة الاجتماعية والتي يمكن أن يتعرض لها هؤلاء المصابون، بل والمجتمع كله.

وأنا أرى أنه من المهم للغاية معالجة هذه الوصمة الاجتماعية من خلال توفير معلومات دقيقة للأشخاص مثلك (أي جيل الشباب) الذين يشكلون مستقبل المجتمعات. من خلال الحد من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بفيروس الإيدز وإحراز تقدمات علمية وطبية في معالجة المرض والوقاية منه، يمكن المساعدة في تحقيق الهدف الأساسي، وهو جيل خالٍ من مرض الإيدز [11].

اكتشاف فيروس الإيدز

سألخص الآن رحلة اكتشاف فيروس الإيدز الذي نلت عنه جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 2008، مناصفةً مع لوك مونتانييه. في دراساتي للدكتوراة، كنت أركز على العلاقة بين السرطان وعائلة من الفيروسات اسمها الفيروسات القهقرية، وهي فيروسات شريرة للغاية تتسبب في أمراض خطيرة. مادتها الوراثية هي الحمض النووي الريبوزي (RNA) ويجب تحويله إلى حمض نووي (DNA) بواسطة إنزيم خاص في الفيروس، اسمه إنزيم النسخ العكسي. ويتيح هذا التحويل دمج المادة الوراثية للفيروس القهقري في الحمض النووي (DNA) للخلايا المضيفة التي تعيد بعد ذلك إنتاج الحمض النووي الريبوزي الفيروسي والبروتينات الفيروسية، ما يؤدي إلى إطلاق جزيئات جديدة للفيروس القهقري قادرة على إصابة الخلايا السليمة الأخرى.

عند ظهور مرض الإيدز في عام 1981، كان أغلب الباحثين يحاولون اكتشاف الفيروسات المسؤولة عنه، ولكن لم يحالفهم الكثير من التوفيق. جاءت مجموعة من الأطباء في فرنسا إلى مختبرنا في معهد باستور في باريس لعلمهم بأننا خبراء في مجال الفيروسات القهقرية. وطرحوا علينا سؤالاً بسيطًا للغاية، وهو ما إذا كنا نعتقد أن الفيروس المسؤول عن الإيدز هو فيروس قهقري وليس فيروسًا عاديًا.

افترضوا أن السبب المحتمل لمرض الإيدز هو الفيروس القهقري البشري الذي لم نكن نعرف غيره في ذلك الوقت، وهو فيروس لوكيميا الخلايا التائية البشري (HTLV). ولكننا كنا نرى هذه الفرضية غير صحيحة لأن فيروس HTLV يسبب نوعًا من سرطان الدم اسمه ابيضاض الدم (اللوكيميا)، حيث لا تموت الخلايا أبدًا وتتكاثر وتنتشر بسرعة في الجسم. في المقابل، وجد الأطباء في ملاحظاتهم السريرية أن مرضى الإيدز فقدوا خلايا الدم البيضاء، ما يعني أنه على عكس اللوكيميا، فإن الخلايا في حالة فيروس الإيدز تموت وتتكاثر بوتيرة أقل من المستوى الطبيعي. وبالتالي، لم يكن فيروس HTLV هو المسبب للإيدز.

تساءلنا عما إذا كان علينا البحث عن فيروس قهقري مختلف قد يكون هو المسبب للمرض، ومن هنا بدأت القصة. بناءً على علمنا بأن فيروس الإيدز يهاجم خلايا CD4 المناعية، بحثنا عن فيروس قهقري في هذه الخلايا. في ذلك الوقت، كنت أعرف بالفعل كيفية اكتشاف الفيروسات القهقرية التي تنتجها الخلايا، وهذا من خلال محاولة رصد نشاط إنزيم النسخ العكسي، أي إنزيم الفيروس القهقري المُستخدم لتوليد DNA من حمض نووي ريبوزي (RNA). إذا كان هذا الإنزيم موجودًا في السوائل الطافية للخلايا، فهذا يلمح إلى أنها تنتج فيروسات قهقرية. في يناير من عام 1983 (بعد أيام قليلة من تكوين مزرعة خلايا تائية من خزعة عقدة لمفاوية لمريض بمتلازمة ما قبل الإيدز)، اكتشفنا في النهاية نشاطًا لإنزيم النسخ العكسي في هذه المزرعة. بعد ذلك، رُصدت جزيئات فيروس قهقري بواسطة المجهر الإلكتروني، وتبين أنه فيروس قهقري جديد اسمه الإيدز (سُميَ في ذلك الوقت بالفيروس المرتبط بتضخم العقد اللمفاوية أو LAV) [12].

تثبت قصة النجاح هذه الأهمية القصوى للنقاش والتفاعل بين الباحثين والأطباء. ففي حالتنا، بناءً على ملاحظات الأطباء، استطعنا معًا تحديد استراتيجية فعالة للبحث عن الفيروس. وقد كان التواصل مع الأطباء مهمًا في كل المراحل، بدءًا من تحديد أعراض المرض وسببه وطريقته في الهجوم وتطوير أفضل علاجات واستراتيجيات ممكنة للوقاية.

علاج فيروس الإيدز - التوجهات الحالية والمستقبلية

ما زال لا يوجد علاج شافٍ لفيروس الإيدز حتى الآن، كما لا يتوفر لقاح للوقاية من الإصابة بهذا المرض. ولذلك، فإن هؤلاء المرضى في حالة مزمنة تستلزم تناول الأدوية كل يوم طوال حياتهم. نطلق على العلاج الطبي لفيروس الإيدز اسم العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (ART)، ويتكون من مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية تحد من قدرة الفيروس على التكاثر، مما يحافظ على انخفاض كميات الفيروس في الجسم4. وعندما تقل كميات فيروس الإيدز نسبيًا في الجسم، يمكن للجهاز المناعي التعافي من تلف خلايا CD4 الناتج عن الفيروس. العمر الافتراضي للمصابين الذين يتلقون العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (ART) هو نفسه للأشخاص غير المصابين، ولا سيما إذا تم علاجهم في وقت مبكر بعد الإصابة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المصابين الذين يتلقون هذا العلاج وليس لديهم حمل فيروسي قابل للاكتشاف لا ينقلون الفيروس إلى الآخرين. يمكن أيضًا استخدام العلاج المضاد للفيروسات القهقرية كعلاج وقائي لما قبل التعرض، بهدف توفير وقاية فعالة من الإصابة بفيروس الإيدز للأشخاص المعرضين لها. إن الحد من كمية فيروس الإيدز في الجسم يقلل أيضًا من احتمالية نقله إلى أشخاص آخرين، فعند عدم رصد الفيروس في الدم، لا يمكن نقله، كما أن هذا العلاج يقي هؤلاء المرضى من الإصابة بحالات عدوى ضارة أخرى قد تؤدي إلى الوفاة.

لقد ساهمت العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية في انخفاض كبير للوفيات المرتبطة بالإيدز على الرغم من أن معدلات الوفاة ما زالت مرتفعة. يُعتقد أن هذه الأرقام المرتفعة ناتجة في المقام الأول عن تأخر تشخيص الإصابة بفيروس الإيدز (أي أن الجهاز المناعي كان شديد التلف بالفعل عند تشخيص الحالة) وقلة توفر العلاجات (خصوصًا في الدول النامية) ورفض بعض المرضى تلقي هذه العلاجات وانخفاض مستوى الالتزام بها (أي أن المرضى لا يتبعون المشورة الطبية) [13, 14]. علاوة على ذلك، فإن تلقي العلاج المضاد للفيروس القهقري على مدى الحياة له عدة أوجه قصور، مثل احتمالية نشوء مقاومة للعلاج (بمعنى أن فعالية العلاج ستقل بمرور الوقت) والآثار الجانبية التي يمكن أن تتراكم مع مرور الزمن وارتفاع التكلفة الذي يتسبب في عبء مالي مستحيل بالنسبة للمرضى محدودي الموارد [15].

بالإضافة إلى العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية المستخدمة في العالم أجمع، فهناك علاجات جديدة أخرى يمكن بدرجة كبيرة أن تتحول إلى علاج شافٍ في المستقبل.

من التوجهات الواعدة عملية زرع الخلايا الجذعية، وفيها حُقنت الخلايا الجذعية في جسم المريض للمساعدة على إعادة نمو الخلايا المناعية5. أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الأبحاث العلمية لصنع دواء شافٍ موثوق به ومتداول عالميًا لفيروس الإيدز ولإنتاج لقاحات يمكنها المساعدة في الوقاية من الإصابة بهذا المرض [16]. ولكن على الرغم من ضرورة تركيز جهودنا على الحل العلمي، يجب أيضًا محاولة إجراء تغييرات أوسع نطاقًا [7]. فعلى سبيل المثال من خلال توفير معلومات موثوقة لهؤلاء المرضى وتثقيف المجتمع كله حول الفيروس، سننجح في الحد من انتشاره ومعدلات وفياته العالمية في المستقبل.

نصائح للعلماء الصغار

أرى الناس حاليًا في منتهى الأنانية. لذا نصيحتي الأساسية لك أيها العالِم الصغير أن تحدد الشيء الأكثر أهمية في حياتك، هل هو نفسك أم مساعدة الآخرين. برأيي، أهم شيء في الحياة هو العطاء، بصرف النظر عن مجالك، والمساعدة بأي طريقة ممكنة. من واقع تجربتي، إذا كنت كريم العطاء للآخرين، فسيُرد إليك هذا الجميل، وهذا ما يجعل الحياة سعيدة. على الجانب الآخر، إذا عشت حياتك لنفسك فقط، فلن تجد السعادة الكاملة أبدًا.

أود أيضًا أن أخبرك بوجهة نظري حول التحديات في هذا المجال. إن أكثر شيء استمتعت به في مسيرتي العلمية هي التحديات التي واجهتها، فهي دائمًا ما تدفعك لطرح الأسئلة على نفسك. في المجال البحثي، لا يمكن التيقن أبدًا من صحة المعلومات التي تحصل عليها، ولهذا عليك محاولة إثبات صحتها وتكرار التجارب بناءً على هذه المعلومات للتأكد من حصولك على النتائج نفسها مرارًا وتكرارًا. وإذا حصلت على نتائج غير متوقعة، فقد تحتاج إلى تغيير استراتيجيتك البحثية، بل وتغيير فرضيتك أيضًا في بعض الأحيان. أعتقد أن العلم كلعبة تلعبها مع نفسك، حيث تتحداها بشكل متكرر وتغيّر أفكارك باستمرار. إذا اخترت طريق العلم، أنصحك أن تحترم عنصر المفاجأة وتقدّره لأنه جزء طبيعي من رحلة كل اكتشاف علمي. وإذا كنت مهتمًا بالعلوم الحياتية والأبحاث السريرية، فمن المهم للغاية أن تبقى على تواصل مع الأطباء وكل الأشخاص المتأثرين بالمرض حتى تواكب دائمًا تحديات الحياة الواقعية من جهة والأعمال البحثية في المختبرات من جهة أخرى. وقد كان هذا عنصرًا حاسمًا بكل تأكيد في رحلة دراستي لفيروس الإيدز.

أخيرًا، أود إرسال رسالة تفاؤل لكل عالمات المستقبل. عندما بدأت مسيرتي المهنية في السبعينيات، كانت التحديات التي تواجهها العالمات أكبر كثيرًا من الوقت الحالي. فعندما كنت طالبة، قيل لي أنه ما من أمل في حصولي على منصب بحثي في معهد باستور. ولكن في النهاية، حصلت بالفعل على منصب في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية (INSERM) وعملت في معهد باستور لمدة 40 عامًا تقريبًا إلى أن تقاعدت قبل بضعة أعوام. واليوم هناك نحو 50 أستاذة جامعية في معهد باستور مقارنةً بوقت انضمامي للمعهد عندما كان هناك 5 فقط.

إذًا، يمكن ملاحظة الكثير من التقدم في آخر 50 عامًا. وعلى الرغم من ذلك، ما زال الطريق طويلاً للارتقاء بوضع المرأة أكثر في مجال العلوم. بصفتنا عالِمات، علينا دعم بعضنا البعض كثيرًا والتعاون معًا بهدف تحقيق المساواة الكاملة في هذا المجال. وأعتقد أننا سنظل نرى تغييرات إيجابية في هذا الشأن في الأعوام المقبلة.

مواد إضافية

Global HIV Statistics—World AIDS Day 2021 (UNAIDS).

Why Is It Difficult for Young People With HIV to Share Their Diagnosis? Frontiers for Young Minds (frontiersin.org).

How the Innate Immune System Fights for Your Health.

Flu, Flu Vaccines, and Why We Need to Do Better.

مسرد للمصطلحات

الجهاز المناعي (Immune System): جهاز في الجسم يحميه من الكائنات الحية المسببة للأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات.

الجائحة (Pandemic): تحدث الجائحة عند انتشار مرض في أكثر من قارة واحدة وإصابته لعدد كبير جدًا من الأشخاص.

حالات العدوى الانتهازية (Opportunistic Infections): عدوى ''تستغل'' ضعف الجهاز المناعي لدى المصابين بفيروس الإيدز. وهذه العدوى هي في العادة السبب في وفاة المصابين بالإيدز.

التمييز (Discrimination): عدم العدل في معالجة الناس بسبب انتمائهم إلى مجموعات أو فئات مختلفة عن الأغلبية.

الفيروس القهقري (Retrovirus): فيروس يعمل على إنتاج نسخة حمض نووي (DNA) من حمضه النووي الريبوزي (RNA)، ويدخلها في الحمض النووي (DNA) لخلية مضيفة. وهذا عكس النمط الجيني المعتاد حيث يتم إنتاج RNA من DNA ومن هنا يأتي اسم قهقري (أي بالعكس).

إنزيم النسخ العكسي (Reverse Transcriptase): إنزيم تستخدمه الفيروسات القهقرية لإنتاج DNA من RNA. ومن خلال قياسات إنزيم النسخ العكسي في الخلايا، يتم التأكد مما إذا كانت مصابة بفيروس قهقري.

العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (Antiretroviral Therapy): علاج طبي لفيروس الإيدز يتكون من مواد كيميائية تحد من قدرة الفيروس على التكاثر.

الخلايا الجذعية (Stem Cells): خلايا غير مكتملة يمكن أن تتطور لأغلب أنواع الخلايا الأخرى، مثل خلايا العضلات والدماغ والكبد وغيرها.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إقرار

أود شكر نوا سيغيف على إجراء المقابلة التي استند إليها هذا المقال وعلى مشاركتي في تأليفه. والشكر موصول أيضًا لشارون أملاني على توفير الأشكال.

الحواشي

1. لمزيد من المعلومات، يمكنك الانتقال إلى: https://www.who.int/data/gho/data/themes/الإيدز-aids#:~:text=Globally%2C_37.7_million_[30.2]~,considerably_between_countries_and_regions.

2. تبلغ تقديرات معدّل الوفيات العالمي الناتج عن فيروس كورونا. <%6 [4]. معنى ذلك أن معدلات الوفيات من فيروس الإيدز أكبر سبع مرات من معدلات الوفيات من فيروس كورونا.

3. تثبت الأبحاث أن الضائقة النفسية والافتقار إلى الدعم الاجتماعي (في الغالب نتيجة وصمة فيروس الإيدز) يزيدان من احتمالية الانخراط في سلوك جنسي محفوف بالمخاطر. لمعرفة المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يمكنك الانتقال هنا.

4. للحصول على المزيد من المعلومات حول علاج فيروس الإيدز، يمكنك الانتقال هنا: https://hivinfo.nih.gov/understanding-hiv/fact-sheets/hiv-treatment-basics

5. لمعرفة المزيد من المعلومات حول زرع الخلايا الجذعية، يمكنك الانتقال هنا حيث تتوفر تفاصيل حول الإجراء الجراحي مع مرضى الإيدز، كما يمكنك قراءة هذا المقال حول حالة مريض تعافى من فيروس الإيدز من خلال عملية زرع خلايا جزعية محددة.


المراجع

[1] Doitsh, G., and Greene, W. C. 2016. Dissecting how CD4 T cells are lost during HIV infection. Cell Host Microbe. 19:280–91. doi: 10.1016/j.chom.2016.02.012

[2] Gottlieb, M. S., Schroff, R., Schanker, H. M., Weisman, J. D., Fan, P. T., Wolf, R. A., et al. 1981. Pneumocystis carinii pneumonia and mucosal candidiasis in previously healthy homosexual men: evidence of a new acquired cellular immunodeficiency. N. Engl. J. Med. 305:1425–31. doi: 10.1056/NEJM198112103052401

[3] Barré-Sinoussi, F., Ross, A. L., and Delfraissy, J. F. 2013. Past, present and future: 30 years of HIV research. Nat. Rev. Microbiol. 11:877–83. doi: 10.1038/nrmicro3132

[4] Baud, D., Qi, X., Nielsen-Saines, K., Musso, D., Pomar, L., and Favre, G. 2020. Real estimates of mortality following COVID-19 infection. Lancet Infect. Dis. 20:773. doi: 10.1016/S1473-3099(20)30195-X

[5] Becker, M. H., and Joseph, J. G. 1988. AIDS and behavioral change to reduce risk: a review. Am. J. Public Health. 78:394–410. doi: 10.2105/AJPH.78.4.394

[6] Rubinstein, P. G., Aboulafia, D. M., and Zloza, A. 2014. Malignancies in HIV/AIDS: from epidemiology to therapeutic challenges. AIDS. 28:453–65. doi: 10.1097/QAD.0000000000000071

[7] Remien, R. H., Stirratt, M. J., Nguyen, N., Robbins, R. N., Pala, A. N., and Mellins, C. A. (2019). Mental health and HIV/AIDS: the need for an integrated response. AIDS. 33:1411–20. doi: 10.1097/QAD.0000000000002227

[8] Baingana, F., Thomas, R., and Comblain, C. 2005. HIV/AIDS and Mental Health.. World Bank. Available online at: https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/13741

[9] Mahajan, A. P., Sayles, J. N., Patel, V. A., Remien, R. H., Ortiz, D., Szekeres, G., et al. 2008. Stigma in the HIV/AIDS epidemic: a review of the literature and recommendations for the way forward. AIDS. 22 (Suppl 2):S67–79. doi: 10.1097/01.aids.0000327438.13291.62

[10] Evangeli, M. 2020. Why is it dificult for young people with HIV to share their diagnosis? Front. Young Minds. 8:163. doi: 10.3389/frym.2019.00163

[11] Havlir, D., and Beyrer, C. 2012. The beginning of the end of AIDS? N. Engl. J. Med. 367:685–7. doi: 10.1056/NEJMp1207138

[12] Barré-Sinoussi, F., Chermann, J. C., Rey, F., Nugeyre, M. T., Chamaret, S., Gruest, J., et al. 1983. Isolation of a T-lymphotropic retrovirus from a patient at risk for acquired immune deficiency syndrome (AIDS). Science. 220:868–71. doi: 10.1126/science.6189183

[13] Smith, C. J., Ryom, L., Weber, R., Morlat, P., Pradier, C., Reiss, P., et al. 2014. Trends in underlying causes of death in people with HIV from 1999 to 2011 (D: A: D): a multicohort collaboration. Lancet. 384:241–8. doi: 10.1016/S0140-6736(14)60604-8

[14] Aldaz, P., Moreno-Iribas, C., Egüés, N., Irisarri, F., Floristan, Y., Sola-Boneta, J., et al. 2011. Mortality by causes in HIV-infected adults: comparison with the general population. BMC Public Health. 11:300. doi: 10.1186/1471-2458-11-300

[15] Trono, D., Van Lint, C., Rouzioux, C., Verdin, E., Barré-Sinoussi, F., Chun, T. W., et al. 2010. HIV persistence and the prospect of long-term drug-free remissions for HIV-infected individuals. Science. 329:174–80. doi: 10.1126/science.1191047

[16] Deeks, S. G., Lewin, S. R., Ross, A. L., Ananworanich, J., Benkirane, M., Cannon, P., et al. 2016. International AIDS Society global scientific strategy: towards an HIV cure 2016. Nat. Med. 22:839–50. doi: 10.1038/nm.4108