ملخص
هل تود معرفة المزيد عن عدوى فيروس كورونا؟ ماذا حدث بالفعل ولماذا ظهر هذا الفيروس الآن؟ ما حجم هذا الفيروس؟ كيف يلحق الضرر بالأشخاص؟ من أين جاء هذا الفيروس وكيف انتشر بين البشر؟ أو ربما تريد معرفة كيف يدافع جسدك عن نفسه ضد الفيروس. حسنًا، يمكنك العثور على أجوبة عن جميع هذه الأسئلة في هذا المقال القصير. نأمل أن تستمتع بقراءته.
كيف ظهر هذا الفيروس من حيث لا ندري؟
قد تكون في المنزل مرتديًا ثياب نومك، وربما تستعد لفصلك الدراسي عبر الإنترنت، وفجأة تفكر قائلًا: “ما الذي حدث بالفعل ولماذا الآن؟”، وتنظر إلى الخارج ولا يبدو أن شيئًا قد تغير حقًا. لا يزال العشب والأشجار موجودة، والطيور تزقزق، والشمس والقمر يطاردان بعضهما البعض كما هو الحال دائمًا. لا يمكنك رؤية المشكلة الفعلية، ومع ذلك تجد عائلتك وأصدقاؤك يتحدثون مع بعضهم البعض من مسافة بعيدة، بل وقد يهرولون مبتعدين عندما يأتي شخص ما تجاههم ويدنو منهم.
عندما تتصفح الإنترنت أو تستمع إلى الأخبار، ستعرف أن هناك فيروسًا جديدًا بالجوار، يُطلق عليه “سارس-كوف-2”، يسبب مرضًا يُطلق عليه كوفيد-19، يمكن أن يُلحق ضررًا خطيرًا بالأشخاص. يسبب هذا الفيروس جائحة، مما يعني أنه انتشر في جميع أنحاء العالم. ثم تفكر وتتساءل: “لكن أين هو؟ وكم عدده؟ لم أر أي شئ. كيف يأذي الأشخاص؟” من حيث الأرقام، ربما تكون الفيروسات أكثر “الكائنات الحية” تواجدًا على هذا الكوكب. إذ يُقدر إجمالي عددها بمائة نونيليون، أي 100.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000! يوجد الكثير من الفيروسات حولك، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك فقط حوالي 7.7 مليارات (7,700,000,000) شخص على الأرض. سبب عدم قدرتنا على رؤية الفيروسات هو أن حجمها يتراوح من 20 نانومتر (0.0000008 بوصة) إلى 400 نانومتر. وهذا يعني أن الفيروسات عادة ما تكون أصغر بـ 5000 مرة من خصلة الشعر، لذلك لا يمكن رؤيتها حتى بالمجهر العادي.
عندما تنظر إلى الفيروسات مستعينًا بمجهر إلكتروني قوي، فستجدها رائعة نوعًا ما بسبب هيكلها المتناسق وبنيتها المنظمة. وبالنسبة إلى فيروس “سارس-كوف-2”، أصبح هذا الشكل المتناسق أكثر جاذبية من خلال حلقة من البروتينات تطوّق الفيروس، مثل التاج المرصع بالجواهر. هذا الهيكل هو السبب وراء نسب اسم فيروس كورونا (أو الفيروس التاجي) إلى عائلة الفيروسات هذه. ويُعرف الهيكل الخارجي للفيروس باسم القفيصة، وهي تخدم بمثابة حاوية للمواد الجينومية للفيروس (الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي). وعندما تصيب الفيروسات أجسامنا، تقوم بحقن مادتها الوراثية في خلايانا. بعدئذ تصبح الخلايا المصابة بالفيروس مصانع لإنتاج فيروسات جديدة، من خلال عملية يُطلق عليها استنساخ الفيروس. تنطلق هذه الفيروسات الجديدة إلى خارج الخلية المضيفة وتقتل الخلية خلال هذه العملية.
في حالة فيروس “سارس-كوف-2”، تكون الخلايا المصابة بالعدوى هي تلك التي تبطن الجزء العلوي من الجهاز التنفسي. ونتيجة لذلك، عندما تنفجر فيروسات “سارس-كوف-2” المتكونة حديثًا خارجةً من خلايا الرئتين، تُقذف هذه الفيروسات في الهواء الذي نتنفسه. وعلى وجه التحديد، تكون هذه الفيروسات مدمجة على هيئة فقاعات صغيرة من الماء والهواء تُقذف عادةً عند التنفس. وتتحول هذه الفقاعات المتبخرة، والمعروفة أيضًا باسم قطيرات الرذاذ، فعليًا إلى كرات فيروسية مُعدية عندما نعطس ونسعل. ويمكن أن تدفع هذه القطرات الفيروس إلى الهواء بسرعة عالية وعبر مسافة كبيرة. وتشير التقديرات إلى أن هذه القطرات الناتجة عن العطس يمكن أن تنتقل لمسافة تصل إلى 6 أقدام (1.8 متر)، ويمكن للسحب الغازية الكبيرة الناتجة عن العطس أن تنتقل لمسافة تصل إلى 27 قدمًا (8.2 أمتار).
ربما بدأت الآن تدرك سبب التباعد الجسدي بين الأشخاص أثناء تبادلهم أطراف الحديث، وسبب ارتداء الكمامات التي تغطي أنوفهم وأفواههم.
منشأ الفيروس
ربما لم تسمع قط عن فيروس كورونا أو كوفيد-19 قبل عام 2020، وقد تتساءل لماذا أصبح هذا الموضوع رائجًا ومثيرًا للجدل في الآونة الأخيرة. بدأت القصة في ديسمبر من عام 2019، عندما أعُلن للعالم أن هناك فيروسًا جديدًا تم اكتشافه في مدينة ووهان، وهي مدينة كبيرة في مقاطعة هوبي في الصين. وعلى النقيض من الفيروسات الأخرى، انتشر هذا الفيروس بسرعة، وتفشى كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، وحصد أرواح ما يزيد عن 545 ألف إنسان في غضون 6 أشهر1. ويستمر الفيروس، المسمى “سارس-كوف-2”، والذي يسبب مرض كوفيد-19، في الانتشار من بلد إلى آخر، وكان السبب وراء مطالبة العديد من الحكومات مواطنيها بالبقاء في المنزل. وقد أُغلقت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم لكونها لم تشهد مسبقًا جائحة على نطاق مماثل خلال السنوات الأخيرة، وأتى ذلك في إطار الجهود المستمرة الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس.
كيف بدأ كوفيد-19 في الصين؟ لتفسير ذلك، علينا أن نلقي نظرة أشمل على الفيروسات، وأن نفهم كيفية تأقلمها مع بيئتها المحيطة. فبوجه عام، لا تميل الفيروسات إلى التكاثر والاستنساخ إلا داخل فصائل محددة من الحيوانات تكون مألوفة لها. ومع ذلك، يمكن أن تؤقلم بعض الفيروسات، التي يُطلق عليها حيوانية المنشأ، نفسها على العيش داخل فصائل مختلفة، أو على “الانتقال” من فصيلة إلى أخرى كما يقول العلماء في أغلب الأحيان. لا يصيب فيروس “سارس-كوف-2” في الأصل إلا الخفافيش [1]، ولكن لأسباب غير واضحة تمامًا، تطورت قدرته على “الانتقال” إلى حيوان البنغول (آكل النمل الحرشفي) (الشكل 1). [1]. تحظى هذه الحيوانات بشعبية في الطب الصيني، حيث تُستَخدم لحومها وحراشفها في علاج مجموعة واسعة من الأمراض. واعتقد الباحثون أنه بعد إصابة فيروس “سارس-كوف-2” لحيوانات البنغول، استطاع الفيروس التكيف واكتساب القدرة على الانتقال إلى فصائل أخرى.
كيف تمكن فيروس كورونا هذا من إصابة البشر؟ عندما يصيب فيروس “سارس-كوف-2” البشر، يستخدم البروتينات الموجودة على سطحه، والتي يُطلق عليها البروتينات الشوكية، والتي يمكنها “الالتصاق” ببروتين آخر موجود في الخلايا المبطنة للجهاز التنفسي العلوي في الإنسان، التي يُطلق عليها الخلايا الظهارية. يُطلق على هذا البروتين البشري الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE-2) (الشكل 2) [2]. يسمح ارتباط البروتينات الشوكية مع إنزيم ACE-2 لفيروس كورونا بالاستقرار بشكل محكم على الخلايا الظهارية التي يصيبها.
كيف يؤثر فيروس ”سارس-كوف-2“ على البشر؟
نظرًا لأن الرئتين هما الموقع الرئيسي للعدوى، يعاني العديد من المرضى المصابين بفيروس ”سارس-كوف-2“ أعراضًا تتعلق بالتهاب الرئتين أو اعتلالهما. وتشمل هذه الأعراض ضيقًا في التنفس، وسعالًا جافًّا متواصلًا، وحمى، ووجعًا في العضلات، وآلامًا بالمفاصل (الشكل 3) [1]. قد تذكرك هذه الأعراض بما تشعر به عند الإصابة بنزلة برد، وأنت محق في الاعتقاد بوجود قواسم مشتركة بين كوفيد-19 ونزلات البرد الشائعة، إلا أن هناك اختلافات محورية بينهما أيضًا. فأولًا، في بعض الحالات الشديدة، قد يعاني المرضى المصابون بفيروس ”سارس-كوف-2“ من التهاب شديد في الرئيتين يُطلق عليه الالتهاب الرئوي (الشكل 3) [1]. وقد يصيب ذلك الرئتين بالضعف وعدم الكفاءة، ويمكن أن يسبب مشكلات تتعلق بتشبع الدم بالأكسجين. ونتيجة لذلك، قد يعاني المرضى حالة مرضية يُطلق عليها متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. وعلى الرغم من أن هذا يحدث - في الغالب - في المرضى المصابين بحالات شديدة الإعياء، فإن الضائقة التنفسية الحادة قد تؤدي إلى الوفاة. وثانيًا، وربما وجه الاختلاف الأهم، هو أن حوالي 80% من المصابين بفيروس ”سارس-كوف-2“ لا تظهر عليهم إلا أعراض طفيفة جدًا، أو لا تصيبهم أعراض مطلقًا، مما يعني أنهم لا يظهرون أي علامات على الإصابة بالعدوى [1]. وعليه، يمكن انتقال هذا الفيروس من شخص لآخر بشكل غير متوقع تمامًا. وإذا جمعت حقيقة أن الأشخاص قد يصابون دون معرفة ذلك، إلى جانب معدل انتقال العدوى المرتفع، فيمكنك البدء في إدراك سبب تحول كوفيد-19 إلى جائحة عالمية.
كيف يواجه جهاز المناعة فيروس ”سارس-كوف-2“
يرغب فيروس ”سارس-كوف-2“ في البقاء في رئتينا والاستمرار في التكاثر، إلا أن أجسامنا مصممة لكي تتفادي حدوث ذلك. وهذا مهم، لأن تكاثر الفيروس يدمر الخلايا الظهارية، ويمنع، في نهاية المطاف، رئتينا من أداء وظيفتها بشكل صحيح. ولمواجهة فيروس ”سارس-كوف-2“ وغيره من الكائنات الحية غير المرئية التي قد تصيبنا، طور الجسم جيشًا من الخلايا التي تحميه: ألا وهو جهاز المناعة (يمكنك التعرّف على الخلايا المناعية عن طريق الاطلاع على مقالات أخرى منشورة على موقعنا، مثل [3–5]). تتمثل إحدى السمات الرئيسية لجهاز المناعة في قدرته على التعرّف على الفيروسات والكائنات المسببة للمرض الأخرى والقضاء عليها عند اكتشافها. ويتعلم جهاز المناعة فعل ذلك عن طريق التعرض للكائن المسبب للمرض لأول مرة، والتعرّف على كل شيء عنه. يُطلق على هذه العملية التعلم المناعي (الشكل 4، على اليسار). يسمح التعلم المناعي للجسم بتعلم أفضل طريقة لمحاربة كائن مسبب للمرض معين. إذا اكتشف الجسم لاحقًا الكائن المسبب للمرض نفسه مرة أخرى، فيمكنه التصدي له بطريقة أفضل وأسرع، بناءً على ما تعلمه في المرة الأولى. تُسمى هذه العملية بالذاكرة المناعية (الشكل 4، على اليمين).
من الجدير بالذكر أن مفهوم التعلم المناعي والذاكرة المناعية هما الأساس المنطقي لعملية التحصين باللقاحات. فعادة ما تُصنع اللقاحات من الكائنات المسببة للمرض الميتة أو الضعيفة، أو الأجزاء المهمة من تلك الكائنات المسببة للمرض. وعندما يؤخذ اللقاح، نعطي لنظام المناعة فرصة للتعامل مع نسخة آمنة وغير ضارة من الكائن المسبب للمرض، والتعلم منه، دون المجازفة بأن يصيب الكائن المسبب للمرض الشخص المراد تحصينه. حاليًا، ليس لدينا لقاح ضد فيروس ”سارس-كوف-2“، لذا هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها أجهزة المناعة البشرية لهذا الفيروس.
الخلاصة
ربما تعتقد أن كوفيد-19 قد غيّر الطريقة التي نعيش بها حياتنا. فلقد أثر على كل شيء في حياتنا الاجتماعية، بدءًا من المدرسة، ووصولًا إلى قدرتنا على الخروج للاستمتاع أو قضاء العطلات. ومع ذلك، فعلى غرار العديد من الأمراض الأخرى التي شهدناها في الماضي، نكتشف الكثير عن فيروس ”سارس-كوف-2“، وكيفية الوقاية من حالات العدوى في المستقبل. وسوف نتعلم كذلك طرقًا جديدة للتفاعل والمخالطة الاجتماعية!
بالنسبة للبعض منا، الذين لا يعملون في خطوط المواجهة الأمامية في المستشفيات أو الذين يدرسون الفيروس في المختبر، قد يبدو أنه ليس بوسعنا المساعدة إلا بقدر ضئيل جدًا. إلا أن قراءة هذا المقال لا تقل أهمية عما يقوم به الأطباء والعلماء حاليًا! فمن خلال هذا المقال، أنت تتعرف على الفيروس، وتفهم سبب ضرورة الالتزام بالسلوكيات الاحترازية؛ مثل الحفاظ على التباعد الاجتماعي وترك مسافة قدرها مترين بينك وبين الآخرين، وارتداء كمامات الوجه. وقد تعطينا هذه الجائحة درسًا عن الحياة: ربما أصبح لدينا الآن إدراك أكبر بأن حياتنا ليست محكومة فقط بما نراه. فما لا نراه يمكن أن يؤثر على حياتنا تأثيرًا كبيرًا للغاية أيضًا! إذن، ما الذي يمكنك فعله للبقاء آمنًا؟ اغسل يديك، وارتد كمامة، وثقف نفسك والآخرين عن الفيروس! جميعنا في نفس المركب في مواجهة هذه الجائحة، لذا دعونا ننسق جهودنا ونعمل معًا كمجتمع متناغم لكبح جماح هذا الفيروس.
مسرد للمصطلحات
“سارس-كوف-2” (SARS-COV-2): ↑ الفيروس التاجي المسؤول عن المرض الذي نطلق عليه كوفيد-19.
كوفيد-19 (Covid-19): ↑ المرض الذي يسببه فيروس “سارس-كوف-2”.
جائحة (Pandemic): ↑ مرض معدٍ ينتشر ويستشري في عدة قارات أو في جميع أنحاء العالم.
استنساخ الفيروس (Viral Replication): ↑ تكوّن فيروسات جديدة في الخلية البشرية المصابة بالعدوى.
مرض حيواني المنشأ (Zoonotic Disease): ↑ مرض معدٍ يسببه كائن مسبب للمرض انتقل من حيوان إلى إنسان.
إنزيم ACE-2: ↑ البروتين الذي يستخدمه فيروس كورونا لغزو الخلايا البشرية.
الذاكرة المناعية (Immune Memory): ↑ قدرة جهاز المناعة على التعرّف بسرعة وبشكل انتقائي على الكائنات المسببة للمرض، والتي سبق أن واجهها الجسم.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
هامش
[1] ↑ https://coronavirus.jhu.edu/map.html.
المراجع
[1] ↑ Wu, F., Zhao, S., Yu, B., Chen, Y. M., Wang, W., Song, Z. G., et al. 2020. A new coronavirus associated with human respiratory disease in China. Nature. 579:265–9. doi: 10.1038/s41586-020-2008-3
[2] ↑ Guzik, T. J., Mohiddin, S. A., Dimarco, A., Patel, V., Savvatis, K., Marelli-Berg, F. M., et al. 2020. COVID-19 and the cardiovascular system: implications for risk assessment, diagnosis, and treatment options. Cardiovasc. Res. 116:1666–87. doi: 10.1093/cvr/cvaa106
[3] ↑ Davis, R., and Hollis, T. 2016. Autoimmunity: why the body attacks itself. Front Young Minds 4:23. doi: 10.3389/frym.2016.00023
[4] ↑ Fuertes Marraco, S., Neubert, N., and Speiser, D. 2017. Good news from immunotherapy: our immune defense stands up to cancer. Front. Young Minds 5:40. doi: 10.3389/frym.2017.00040
[5] ↑ Lundy, S. 2018. The immune system, in sickness & in health—part 1: microbes and vaccines. Front. Young Minds 6:49. doi: 10.3389/frym.2018.00049