ملخص
تتواجد البكتيريا الفيلقية في مصادر المياه الطبيعية مثل الأنهار والبرك، وكذلك في المصادر التي من صنع الإنسان مثل نوافير المياه. أما الأميبا فهي كائنات وحيدة الخلية تعيش أيضًا في مصادر المياه وتتغذى بشكل عام على البكتيريا. ومع ذلك، لا يتم هضم البكتيريا الفيلقية بواسطة الأميبا، بل إن البكتيريا تطورت لتتكاثر داخل الأميبا التي تحاول هضمها! هذه المقاومة مكّنت البكتيريا الفيلقية من البقاء على قيد الحياة في مصادر المياه والانتقال إلى البشر من خلال قطرات الماء الملوثة. كما سمحت هذه القدرة على البقاء للبكتيريا الفيلقية بالتكاثر داخل الخلايا في رئتي الإنسان، مما يؤدي إلى الالتهاب الرئوي!
القصة من البداية
في صيف عام 1976، بدأ مرض غير معروف ينتشر بين نزلاء فندق في مدينة فيلادلفيا الأمريكية [1–3]. شملت الأعراض الشعور بضيق في التنفس والسعال والقشعريرة والصداع وألم في الصدر وأحيانًا الإسهال. أصيب 180 شخص وتوفي 29 منهم نتيجةً لهذا المرض الغامض، بما في ذلك العديد من أعضاء الفيلق الأمريكي، وهي منظمة لقدامى المحاربين الأمريكيين.
تدخل المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) على الفور لتحديد سبب هذا المرض الغامض. أخذ الباحثون عينات من أنسجة الرئة من الضحايا المتوفين وحاولوا معرفة ما إذا كانت العدوى عن طريق بكتيريا أو فيروس أو فطريات مستنشقة. بعد خمسة أشهر من التجارب، حدد العلماء سبب الوباء الغامض، ولدهشتهم كان السبب بكتيريا موجودة عادةً في الطبيعة لم تكن معروفة من قبل أنها تصيب البشر.
أطلق عليها العلماء اسم ليجونيلا نموفيلا (أو الفيلقية المستروحة)، ليجونيلا (الفيلقية) نسبة لأوائل المصابين الذين هم عساكر، ونموفيلا لأنها تصيب الرئتين. كان المرض الناجم عن هذه البكتيريا يسمى مرض الفيالقة.
ولكن كيف أصيب المرضى بهذه البكتيريا؟ عرف الباحثون أنه في الطبيعة توجد البكتيريا الفيلقية في البيئات المائية كالأنهار والمستنقعات. لذلك كانت إحدى النظريات هي أن المرضى استنشقوا رذاذ الماء الملوث بالفيلقية المسببة للالتهاب الرئوي إما داخل الفندق أو في المنطقة المحيطة. بعد جمع عينات من خزانات المياه وأبراج تبريد المياه في نظام تكييف الهواء بالفندق، وُجد أن أبراج التبريد في نظام تكييف الهواء المركزي بالفندق ملوثة بهذه البكتيريا الفيلقية.
من الأميبا إلى البشر
ولكن لماذا أصبح البشر فجأة هدفًا جديدا للبكتيريا الفيلقية؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعود ملايين السنين إلى الوراء، عندما كانت البكتيريا الفيلقية موجودة في بيئتها المائية الطبيعية مع العديد من الكائنات الحية الدقيقة الأخرى، بما في ذلك كائن وحيد الخلية يسمى الأميبا. تأكل الأميبا في المقام الأول البكتيريا الموجودة في بيئاتها المائية، وتأكل الأميبا البكتيريا عن طريق إحاطتها وإحضارها لداخلها، مما يخلق حجرة مغلقة بغشاء تسمى الفجوة الغذائية، ثم يتم تكسير البكتيريا بواسطة إنزيمات الهضم داخل الفجوة (شكل 1).
لكن على مدى ملايين السنين، تطورت البكتيريا الفيلقية بطرق ساعدتها على تجنب تناولها بواسطة الأميبا - وحتى التحكم في العديد من العمليات الخلوية داخل الأميبا ومعالجتها! على سبيل المثال، طورت البكتيريا الفيلقية قدرتها على البقاء والتكاثر داخل الأميبا (شكل 1B)، وداخل الكائنات الحية الأخرى الشبيهة بالأميبا بما في ذلك الخلايا التي تسمى الخلايا الأكولة (أو الخلايا البلعمية)، والتي تعد جزءًا من الجهاز المناعي في الجسم ويمكن العثور عليها في رئتي الإنسان (شكل 1C) [4].
ساعد تطوير أنظمة المياه الاصطناعية، مثل أنظمة تكييف الهواء وأبراج التبريد والنوافير وغيرها من الأجهزة التي تطلق الرذاذ، البكتيريا الفيلقية على إصابة البشر. عندما يستنشق شخص رذاذ الماء الملوث بالبكتيريا الفيلقية، تصل البكتيريا إلى الرئتين، وكآلية دفاعية، فإن الخلايا المناعية الموجودة في الرئتين، على وجه التحديد الخلايا الأكولة، تقوم بمهاجمة والتهام البكتيريا الفيلقية للقضاء عليها. ولكن لأن البكتيريا الفيلقية تطورت لتبقى على قيد الحياة في الخلايا الشبيهة بالأميبا، فإنها بدأت تتحكم في الخلايا الأكولة وتتكاثر داخلها، مما يؤدي إلى الالتهاب الرئوي.
كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة هم الأكثر عرضة للإصابة بمرض الفيالقة [5]. ولحسن الحظ، يمكن للأشخاص المصابين التعافي عن طريق تناول المضادات الحيوية - الأدوية التي تقتل البكتيريا. البكتيريا الفيلقية ليست معدية، لذلك لا يمكن للأشخاص المصابين نقل المرض إلى الأشخاص الأصحاء.
كيف تسيطر البكتيريا الفيلقية على الخلايا؟
كيف تمكنت البكتيريا الفيلقية من البقاء على قيد الحياة والتكاثر داخل الأميبا والخلايا الأكولة (البلعمية)؟ اكتشف العلماء أن أحد أهم العوامل هو بنية متكاملة في غشاء البلازما في البكتيريا الفيلقية، تسمى Dot/Icm (شكل 2). يشبه هذا الهيكل الإبرة، ويستخدم لحقن أكثر من 350 بروتينا بكتيريًّا من الفيلقية في الأميبا أو الخلايا الأكولة. تتداخل هذه البروتينات البكتيرية مع الأنشطة الخلوية الطبيعية للأميبا أو الخلايا الأكولة، مما يمنع تلك الخلايا من هضم الفيلقية ويخلق الظروف التي تسمح للفيلقية بالبقاء والتكاثر.
كانت دراسة الحمض النووي للفيلقية ضرورية لفهم كيف يمكن لهذه البروتينات البكتيرية التحكم في الأنشطة الخلوية للأميبا أو الخلايا الأكولة. لذلك اكتشف العلماء أن 5% من شفرات الحمض النووي للبروتينات البكتيرية متشابهة في التركيب والوظيفة مع البروتينات الموجودة في الأميبا أو الخلايا الأكولة التي تصيبها. ربما تلعب هذه البروتينات المماثلة دورًا في التدخل في الوظائف الخلوية للخلايا المصابة، مما يسمح للفيلقية بالبقاء والتكاثر.
ولكن من أين أتت هذه الجينات المهمة - المشابهة جدًا لتلك الموجودة في الأميبا والخلايا البلعمية؟ على مدى ملايين السنين، من المحتمل أن تكون الفيلقية قد اكتسبت هذه الجينات بعد أن تم تناولها بواسطة الأميبا، أو من البيئة المائية التي كان يعيش فيها كلا الكائنين. من المعروف أن الفيلقية قادرة على امتصاص أجزاء الحمض النووي الموجودة في البيئات المائية، بغض النظر عن نوع الكائن الحي الذي تأتي منه!
الخلاصة
البكتيريا الفيلقية كائن حي مثير للاهتمام موجودة بشكل طبيعي في البيئات المائية. ولكن مع تطور أنظمة المياه الاصطناعية على مدى العقود القليلة الماضية، زادت فرص تعرض الإنسان لرذاذ الماء الملوث بالفيلقية.
نظرًا لأن الخلايا الأكولة في رئتي الإنسان تشبه الأميبا، فإن بعض البروتينات التي تنتجها البكتيريا الفيلقية يمكنها التحكم في الأنشطة الخلوية للخلايا الأكولة. سمح هذا للفيلقية بتجنب الهضم بل ولتتكاثر داخل الخلايا الأكولة البشرية، مؤدية بذلك الالتهاب الرئوي. يمكن القول أن العلاقة الطويلة بين الأميبا والفيلقية ساعدت الفيلقية على البقاء على قيد الحياة في الطبيعة، بل أصبحت تصيب حتى البشر.
مسرد للمصطلحات
الأميبا (Amoeba): ↑ كائن وحيد الخلية غير منتظم الشكل يعيش غالبًا في التربة والمياه العذبة الدافئة.
الفجوة الغذائية (Food Vacuole): ↑ كيس محاط بغشاء، يتكون من الغشاء الخارجي للخلية بعد البلعمة. تحتوي الفجوة العصارية على إنزيمات هاضمة تكسر الطعام، توجد الفجوة الغذائية في الأوليات وحيدة الخلية مثل الأميبا.
الخلايا الأكولة (Macrophages): ↑ خلايا الجهاز المناعي، وظيفتها الرئيسية هي ابتلاع وهضم الأجسام الغريبة مثل البكتيريا والفيروسات. وتسمى أيضًا بالخلايا البلعمية.
الجهاز المناعي (Immune System): ↑ عبارة عن شبكة معقدة من الخلايا والأنسجة والأعضاء. يساعدون معًا الجسم على محاربة الجراثيم (البكتيريا أو الفيروسات) التي تغزو جسمك.
المضادات الحيوية (Antibiotics): ↑ هي الأدوية التي تحارب الالتهابات البكتيرية في البشر والحيوانات. وهي تعمل عن طريق قتل البكتيريا أو عن طريق الحد من نمو وتكاثر البكتيريا.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Al-Quadan T, Price C, Abu Kwaik Y. 2012. Exploitation of evolutionarily conserved amoeba and mammalian processes by Legionella. Trends Microbiol 20:299-306, doi: 10.1016/j.tim.2012.03.005.
[2] ↑ Abu Kwaik Y, Gao LY, Stone BJ, Venkataraman C, Harb OS. 1998. Invasion of protozoa by Legionella pneumophila and its role in bacterial ecology and pathogenesis. Appl Environ Microbiol 64:3127-33.
[3] ↑ Molmeret M, Horn M, Wagner M, Santic M, Abu Kwaik Y. 2005. Amoebae as training grounds for intracellular bacterial pathogens. Appl Environ Microbiol 71:20-8.
[4] ↑ Fraser DW, Tsai TR, Orenstein W, Parkin WE, Beecham HJ, Sharrar RG, Harris J, Mallison GF, Martin SM, McDade JE, Shepard CC, Brachman PS. 1977. Legionnaires’ disease: description of an epidemic of pneumonia. NEnglJMed 297:1189-1197.
[5] ↑ Best A, Abu Kwaik Y. 2018. Evolution of the arsenal of Legionella pneumophila effectors to modulate protist hosts. MBio 9:e01313-18.