ملخص
تُعدّ صحة العظام أمرًا بالغ الأهمية للأطفال في مرحلة النمو، إذ تمنحهم القوة والدعم اللازمين للتطور وممارسة الأنشطة اليومية، كما أنها تتعاون مع العضلات لمساعدتنا على الحركة. وتُعدّ التمارين الرياضية والتغذية السليمة عاملين أساسيين في بناء العظام القوية والحفاظ عليها؛ إذ أن المشاركة في الأنشطة والرياضات تُولّد الضغط المطلوب على العظام، مما يساعدها على النموّ والتقوّي بمرور الوقت. كما توفّر الأطعمة الغنية بالكالسيوم وفيتامين (د) والبروتين العناصر الغذائية الضرورية لنمو العظام. ورغم أن كلًا من هذه العوامل يُسهم في صحة العظام على حدة، فإن تأثيرها يكون أقوى عند تفاعلها معًا؛ فالتمارين تحفّز تكوين العظام، بينما تُوفّر التغذية السليمة الموارد اللازمة لهذه العملية. ومن دون العناصر الغذائية الكافية، لا تستفيد العظام بالكامل من الإجهاد الناتج من ممارسة التمارين، ومن دون التمارين، قد لا يتمكّن الجسم من استخدام العناصر الغذائية التي نتناولها بفعالية.
لذلك، فإن النشاط البدني المنتظم والنظام الغذائي المتوازن يساعدان الأطفال على بناء عظام قوية والحفاظ عليها، وهو أمر أساسي لصحتهم على المدى الطويل.
كيف تنمو العظام؟
في مرحلة الطفولة والمراهقة، تكون عظامنا في حالة نموّ سريع للغاية، ويحدث هذا التطور في أطراف العظام الطويلة في مناطق تُعرف باسم صفائح النموّ، تُعد بمثابة مصانع لإنتاج أنسجة عظمية جديدة وداخل هذه الصفائح، تعمل خلايا تُسمّى الخلايا البانية للعظم على بناء بروتين يُعرف باسم الكولاجين، وهو بروتين مهم في أجسامنا يُكوّن الهيكل الأساسي للعظام ويمنحها القوة والمرونة. يساعد الكولاجين أيضًا على تراكم المعادن مثل الكالسيوم، التي تعمل على تصلّب العظام وزيادة كثافتها. ولكي يستمر تكوين النسيج العظمي الجديد، تمرّ العظام بعملية تُعرف باسم ارتشاف العظم، حيث يتم تكسير العظم القديم ليُفسح المجال لنموّ عظم جديد، مما يضمن استمرار النموّ والحفاظ على بنية عظمية صحية [1].
متى تنمو العظام؟
تحدث فترة النموّ الأكبر والأسرع للعظام خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، وبعد هذه المرحلة، تتابع العظام النموّ ولكن بوتيرة أبطأ خلال مرحلة البلوغ المبكرة، ثم تبدأ تدريجيًا بفقدان كثافتها وتصبح أضعف وأكثر هشاشة مع التقدّم في العمر (انظر الشكل 1) [2]. تُعدّ فترة النموّ السريع -خاصةً خلال المراهقة- مرحلة حاسمة لصحة العظام على المدى الطويل، فهي تشبه بناء الأساس المتين للمنزل؛ فإذا كان هذا الأساس قويًا أثناء الشباب، سيبقى صلبًا لسنوات طويلة. لذلك تُعد الفترة المحيطة بسنّ البلوغ ≪فرصة ذهبية≫ لبناء عظام قوية وصحية، مما يساعد على تأخير فقدان الكتلة العظمية الذي يحدث في مرحلة الشيخوخة [2].
- شكل 1 - (A) العظم الصحي أو الفتي قوي وكثيف، وتكون تراكيبه متقاربة ومتماسكة.
- (B) العظم غير الصحي أو المسن ضعيف وهشّ، وتكون تراكيبه أقل عددًا وأكثر تباعدًا.
ما هي مؤشرات العظام؟
كيف تتواصل أجسامنا داخليًا لتضمن إنتاج كتلة عظمية كافية؟ الإجابة هي: ≪بفضل مؤشرات العظام≫. مؤشرات العظام هي مواد تدور في الدم ويمكنها أن تُظهر مدى جودة نمو عظامنا، فهي تكشف لنا مقدار العظم الذي نبنيه ومقدار العظم القديم الذي يتم تكسيره. وثمة نوعان رئيسيان من مؤشرات العظام: النوع الأول هو نواتج بناء الكولاجين، وهي تُخبرنا عن نشاط تكوين العظام وسرعته. أما النوع الثاني فهو نواتج تحلُّل الكولاجين، وهي تُظهر مدى ارتشاف العظم.
أهمية التمارين الرياضية لصحة العظام
تُعدّ التمارين الرياضية من أهم العوامل التي تؤثر على صحة العظام، لأنها تُطبِّق الإجهاد الضروري لتحفيز تكوين العظام [3]. وثمة فئتان رئيسيتان من التمارين يمكن أن تساعد في تقوية عظامنا: التمارين التي تبني المزيد من العضلات (مثل تمارين المقاومة أو رفع الأوزان)، وتلك التي تُقاوم الجاذبية (مثل التمارين عالية التأثير وتمارين تحمّل الوزن؛ انظر الشكل 2).
- شكل 2 - أنواع مختلفة من التمارين وتأثيرها على صحة العظام.
- (A) تمارين رفع الأثقال. (B) تمارين عالية التأثير. (C) تمارين المقاومة. (D) تمارين منخفضة التأثير. فيما يخص مقدار النشاط البدني المناسب للصحة العامة، توصي الإرشادات الكندية للحركة على مدار 24 ساعة بأن يقضي الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة حوالي 180 دقيقة يوميًا في ممارسة الأنشطة البدنية، بينما ينبغي لللأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا ممارسة 60 دقيقة يوميًا من النشاط البدني المعتدل إلى الشديد، بالإضافة إلى عدة ساعات من النشاط الخفيف.
تُساعد تمارين بناء العضلات على تقوية العظام؛ فعندما نمارس أنشطة أو رياضات تتطلّب مجهودًا عضليًا كبيرًا، مثل رفع الأوزان أو أداء تمرينات الضغط، تشدّ عضلاتنا على العظام، مما يُنشئ ضغطًا إضافيًا يحفّز العظام على أن تصبح أكثر كثافةً وقوة [4].
أما التمارين التي تُقاوم الجاذبية، مثل الجري والقفز والرقص، فهي تُعرف بالتمارين عالية التأثير أو تمارين حَمْل الأوزان، لأن العظام فيها تتحمّل وزن الجسم أثناء الحركة. بينما يؤدي تحريك الجسم ضد الجاذبية إلى توليد ضغط وتأثير أكبر على العظام، ما يجعلها أكثر صلابة ومتانة [4]. فعلى سبيل المثال، أثناء الجري، تتحمّل الساقان والعمود الفقري وزن الجسم في كل خطوة، وهو ما يُحفّز نمو العظام وتقويتها. وفي المقابل، تُمارس التمارين منخفضة التأثير ضغطًا أقل على الهيكل العظمي، لذا تحتاج إلى شدةٍ أعلى ووقتٍ أطول حتى تحقق الفائدة المرجوّة للعظام [1, 4].
التغذية السليمة ودورها في بناء عظام قوية
وتُعدّ التغذية السليمة كذلك عاملًا بالغ الأهمية في بناء العظام القوية والحفاظ عليها؛ فالعناصر الغذائية الأساسية مثل الكالسيوم وفيتامين د والبروتين لها دور حيوي في تكوين عظام كثيفة وقوية [2].
يُعدّ الكالسيوم من أهم العناصر لنمو العظام وصحتها، إذ يشكّل مع الفسفور نحو %65 من نسيج العظام [5]، لذلك، يساعد الكالسيوم على زيادة كثافة العظام، مما يجعلها أقوى وأقل عُرضة للكسر. وتُعدّ منتجات الألبان مثل الحليب والجبن والزبادي من أفضل مصادر الكالسيوم. وقد أظهرت الدراسات البحثية أن الأطفال والمراهقين الذين يستهلكون كميات وفيرة من منتجات الألبان يتمتعون بكثافة عظمية أعلى ونمو أفضل [5]. لكن منتجات الألبان ليست المصدر الوحيد للكالسيوم؛ إذ يمكن الحصول عليه أيضًا من الخضراوات الورقية، واللوز، وعصير البرتقال، والعدس (انظر الشكل 3). ونحن عندما نضيف هذه الأطعمة إلى نظامنا الغذائي فإننا نزوِّد الجسم بما يكفي من الكالسيوم لدعم نمو العظام الصحي. ويُوصى بتناول 700 ملغم من الكالسيوم يوميًا للأطفال بين 1–3 سنوات، و1,000 ملغم للأطفال بين 4–8 سنوات، و1,300 ملغم للمراهقين بين 9–18 سنة (https://www.canada.ca/en/health-canada/services/food-nutrition/healthy-eating/dietary-reference-intakes/tables/reference-values-elements.html).
- شكل 3 - الأطعمة التي تُسهم في تقوية العظام هي تلك التي تحتوي على (A) الكالسيوم، و(B) فيتامين د، و(C) البروتين.
كما يُعدّ فيتامين د من العناصر الغذائية المهمة جدًا لصحة العظام، لأنه يساعد أجسامنا على امتصاص الكالسيوم من الأطعمة التي نتناولها [2]؛ فمن دون كميات كافية من فيتامين د، حتى النظام الغذائي الغني بالكالسيوم لن يكون فعّالًا. ويمكننا الحصول على فيتامين د من أشعة الشمس، ومن الأسماك الدهنية وصفار البيض (انظر الشكل 3). ويساعد قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق يوميًا مع اتباع نظام غذائي متوازن على الحفاظ على مستويات صحية من فيتامين د في الجسم. ويُوصى بتناول 400 إلى 1,000 وحدة دولية يوميًا من فيتامين د (https://www.healthandbone.ca/en/living-with-osteoporosis/nutrition/).
وأخيرًا، يُعدّ البروتين عنصرًا أساسيًا في صحة العظام، لأنه يمثّل اللبنة الأساسية لبناء الجسم؛ إذ تساهم البروتينات الحيوانية والنباتية في نمو العظام وإصلاحها، مما يساعد على تقويتها والحفاظ على سلامتها. وتُظهر الأبحاث أن الحصول على كميات كافية من البروتين مهم جدًا خصوصًا للبنين والبنات في مرحلة ما قبل البلوغ، إذ يؤثر على قوة العظام العامة [2].
إنّ تناول مجموعة متنوعة وكميات مناسبة من مصادر البروتين الغنية بالكالسيوم وفيتامين د -مثل اللحوم، والفاصوليا، والمكسّرات، والتوفو- يساهم في بناء عظام أكثر صحة (انظر الشكل 3). ويُوصى بتناول 1.05 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم يوميًا للأطفال بين 1–3 سنوات، و0.95 غرام للأطفال بين 4–13 سنة، و0.85 غرام للمراهقين بين 14–18 سنة (https://www.canada.ca/en/health-canada/services/food-nutrition/healthy-eating/dietary-reference-intakes/tables/reference-values-macronutrients.html).
الخاتمة: الدمج بين التمارين الرياضية والتغذية السليمة
ختامًا، يُعد بناء عظام قوية خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة أمرًا أساسيًا للصحة على المدى الطويل، ويتطلب مزيجًا من التمارين المنتظمة والتغذية السليمة. وتُسهم التمارين المنتظمة -لا سيما تلك التي تعتمد على تحمّل الوزن وتقوية العضلات مثل المشي والجري والقفز وتمارين المقاومة- بدور مهم في تعزيز صحة العظام. كما تؤدي التغذية المتوازنة الغنية بالكالسيوم وفيتامين د والبروتين دورًا حيويًا في بناء عظام كثيفة وقوية.
لذلك، ولتحقيق صحة ونمو مثاليين للعظام، ينبغي للأطفال ممارسة النشاط البدني بانتظام والحفاظ على نظام غذائي مغذٍ ومتوازن، ويمكن للوالدين دعم أبنائهم عبر دمج هذه الممارسات في روتينهم اليومي. تذكّر أن أفضل وقت لبناء عظام قوية هو خلال مرحلة الشباب؛ فحين تعتني بعظامك الآن، ستعتني بك مدى الحياة!
مسرد للمصطلحات
صفائح النمو (Growth Plates): ↑ هي منطقة من الغضاريف اللينة تقع عند أطراف العظام، حيث تتكوّن أنسجة عظمية جديدة تسمح للعظام بالنموّ طولًا.
الخلايا البانية للعظم (Osteoblasts): ↑ هي أنواع من الخلايا تساعد على بناء العظام وتقويتها من خلال إنتاج أنسجة عظمية جديدة.
الكولاجين (Collagen): ↑ هو بروتين يُشكّل إطارًا داعمًا في الأنسجة مثل الجلد والعظام والغضاريف، ويساعد على تقوية العظام والحفاظ على مرونتها ومتانتها.
البروتين (Protein): ↑ هو عنصر غذائي يوجد في أطعمة مثل اللحوم والبقوليات ومنتجات الألبان، ويساعد على بناء الأنسجة وإصلاحها، بما في ذلك العظام، وهو ضروري للنموّ العام وصحة العظام.
الكالسيوم (Calcium): ↑ هو معدن يوجد في العديد من الأطعمة، وخاصةً منتجات الألبان، ويُعدّ أساسيًا للعظام والأسنان القوية، ويساعد على الحفاظ على صلابة العظام وصحتها.
ارتشاف العظم (Resorption): ↑ هي العملية التي يقوم فيها الجسم بتفكيك الأنسجة العظمية القديمة وامتصاصها لإفساح المجال لنموّ أنسجة عظمية جديدة.
مؤشّرات العظام (Bone Markers): ↑ هي علامات خاصة في الدم تُظهر كيفية نموّ العظام وتغيّرها، وتساعد الأطباء على فهم مدى صحة عظام الشخص.
كثافة العظام (Bone Density): ↑ هي مقياس يُعبّر عن مدى قوة وصلابة العظام؛ فكلّما زادت كثافة العظام، أصبحت أقوى وأكثر متانة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي
تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.
المراجع
[1] ↑ Klentrou, P., and Kouvelioti, R. 2021. “Biochemistry of exercise training: effects on bone” in Routledge Handbook on Biochemistry of Exercise, eds. P. M. Tiidus, R. E. K. MacPherson, P. J. LeBlanc, and A. R. Josse (New York, NY: Routledge/Taylor and Francis Publishers), 513–31.
[2] ↑ Budek, A. Z., Hoppe, C., Michaelsen, K. F., Bügel, S., and Mølgaard, C. 2007. Associations of total, dairy, and meat protein with markers for bone turnover in healthy, prepubertal boys. J. Nutr. 137:930–4. doi: 10.1093/jn/137.4.930
[3] ↑ Kottaras, S., Stoikos, J., McKinlay, B. J., Ludwa, I. A., Josse, A. R., Falk, B., et al. 2022. Bone Turnover markers and osteokines in adolescent female athletes of high- and low-impact sports compared with nonathletic controls. Pediatr. Exerc. Sci. 35:41–7. doi: 10.1123/pes.2022-0025
[4] ↑ Kohrt, W. M., Barry, D. W., and Schwartz, R. S. 2009. Muscle forces or gravity: what predominates mechanical loading on bone? Med. Sci. Sports Exerc. 41:2050–5. doi: 10.1249/MSS.0b013e3181a8c717
[5] ↑ Klentrou, P., McKee, K., McKinlay, B. J., Kurgan, N., Roy, B. D., and Falk, B. 2021. Circulating levels of bone markers after short-term intense training with increased dairy consumption in adolescent female athletes. Children 8:961. doi: 10.3390/children8110961 Erratum in: Children 2023. 10:96. doi: 10.3390/children10010096