ملخص
ترتبط صحة الإنسان بالطبيعة من عدة نواح، والشمس والأطعمة الصحية التي نتناولها مثالان على هذا الارتباط. فالطبيعة، ولا سيما الشمس، تساعد أجسادنا على تصنيع أحد العناصر الغذائية الضرورية، وهو فيتامين د الذي يحافظ على صحة الجسم. في هذا المقال، سنشرح كيف يصنع الجسم فيتامين د الذي يسمى أيضًا ''فيتامين أشعة الشمس''. سنتناول أيضًا الأدوار المهمة التي يؤديها فيتامين د بالنسبة للبشر، مثل مساعدة الجهاز المناعي وتنظيم الهرمونات والحفاظ على صحة العظام والقلب والدماغ.
ما هي الفيتامينات؟
المغذيات الدقيقة هي مغذيات يجب الحصول عليها بكميات صغيرة حتى تعمل وظائف الجسم بصورة طبيعية، والفيتامينات نوع من المغذيات الدقيقة. في العادة، لا يصنع الجسم المغذيات الدقيقة، ولهذا نحتاج إلى الحصول عليها من وجباتنا الغذائية. يحتاج الجسم إلى 13 نوعًا من الفيتامينات الأساسية. ويمكن تقسيم الفيتامينات إلى نوعين، الفيتامينات الذائبة في الماء والفيتامينات الذائبة في الدهون.
بناءً على الاسم، الفيتامينات الذائبة في الماء هي تلك الفيتامينات التي يمكن أن تذوب في الماء، في حين أن الفيتامينات الذائبة في الدهون هي تلك الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون. وتشمل أمثلة الفيتامينات الذائبة في الماء ''ب1'' و''ب2'' و''ب3'' و''ب5'' و''ب6'' و''ب7'' و''ب9'' و''ب12'' و''سي''. أما فيتامينات ''أ'' و''د'' و''هـ'' و''ك''، فهي فيتامينات ذائبة في الدهون. لا يحتفظ الجسم بالفيتامينات الذائبة في الماء، أي أنه إذا دخل إلى الجسم قدر زائد عن الحاجة منها، فسنتخلص منه عن طريق البول. ولهذا السبب، من المهم الحصول على الفيتامينات الذائبة في الماء بانتظام من خلال وجباتنا الغذائية. على الجانب الآخر، يحتفظ الكبد والأنسجة الدهنية بأي فائض من الفيتامينات الذائبة في الدهون لاستخدامها في المستقبل.1 يؤدي كل فيتامين وظيفة مختلفة في الجسم. وبالتالي، من الضروري تناول وجبات غذائية متوازنة لأنه لا يمكن لفيتامين معين سدّ العجز الخاص بفيتامين آخر.
ما السبب في تسمية فيتامين د ''فيتامين أشعة الشمس''؟
فيتامين د هو المغذي الدقيق الأكثر نفعًا ويطلق عليه أحيانًا اسم ''فيتامين أشعة الشمس'' وهو فيتامين ذائب في الدهون. هناك نوعان من هذا الفيتامين مختلفان قليلاً، وهما فيتامين د2 وفيتامين د3. المصدر الرئيسي لفيتامين د هو ضوء الشمس. وتحتوي الخلايا في الطبقة العليا من الجلد (خلايا البشرة) على مركب اسمه ''بروفيتامين د''.
يحوّل ضوء الشمس بروفيتامين د إلى مادة وسيطة اسمها طليعة فيتامين د، ويتم تحويلها بعد ذلك إلى فيتامين د3. وهذا التفاعل هو مصدرنا الرئيسي لفيتامين د، أما الطعام والمكملات الغذائية فهي مصادر ثانوية. الأطعمة الحيوانية، مثل لحم الأسماك الدهنية (السلمون المرقط والسلمون والتونة والماكريل) وزيوت كبد السمك وكبد البقر وصفار البيض والجبن، عادةً ما تحتوي على فيتامين د3. أما الأطعمة النباتية، مثل المشروم والفطر، فتحتوي على فيتامين د2.2 وفيتامين ''د3'' و''د2'' ليسا الشكلين النشطين لفيتامين د، ولهذا السبب يمران بتغيرات كيميائية في الكبد والكليتين (شكل 1) لتصنيع الشكل النشط من فيتامين د [1].
لماذا نحتاج إلى فيتامين د؟
تتعدد الأسباب وراء أهمية فيتامين د لأجسامنا. أولاً، يساعد الفيتامين الأمعاء في امتصاص الكالسيوم، كما يساهم في المحافظة على صحة العظام وتنظيم مستويات هرمون الأنسولين حتى تحصل الخلايا على الطاقة اللازمة من السكر، كما يعزز الفيتامين وظائف الجهاز المناعي في الجسم. ومن المعروف أيضًا أن فيتامين د يساعد الجسم على مقاومة الخلايا السرطانية، ويعاون القلب والدماغ على أداء وظائفهما بصورة طبيعية. الفائدة الأخيرة هنا أن فيتامين د ينظم ضغط الدم. سنركز فيما تبقى من المقال على دور فيتامين د في جهاز المناعة لدى البشر وفي حصولنا على ما يكفي من الكالسيوم.
ما دور فيتامين د في الجهاز المناعي؟
هناك نوعان من المناعة يتم من خلالهما حماية أجسامنا من الكائنات المهاجمة الخطيرة: وهما المناعة الفطرية والمناعة التكيفية. فما المقصود بكل منهما وكيف يساعدهما فيتامين د؟
تقاوم خلايا الجهاز المناعي الفطري أي مسبب مرض وتكون خط الدفاع الأول عندما يتسلل مسبب المرض إلى جسم الإنسان. ومن أنواع الخلايا المناعية الفطرية الخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا البلعمية وخلايا العدلات والخلايا المتغصنة. وتنتج هذه الخلايا موادًا اسمها الببتيدات المضادة للميكروبات تساهم في القضاء على مسببات الأمراض. يساعد فيتامين د على تصنيع المزيد من هذه الببتيدات المضادة للميكروبات، وبالتالي تحسين وظائف الجهاز المناعي الفطري.
تتميز خلايا الجهاز المناعي التكيفي بالتخصص، أي أن بعض الخلايا تهاجم مسبب أمراض معينًا فقط. يقوم الجهاز المناعي التكيفي بدور خط الدفاع الثاني أثناء أي هجوم من مسبب أمراض. والخلايا البائية والتائية هي الخلايا الرئيسية في الجهاز المناعي التكيفي. تتعدد أنواع الخلايا التائية، فبعضها يزيد الالتهاب، وبعضها يحد منه. ومن المعروف أن فيتامين د يثبط الخلايا التائية التي تزيد الالتهاب، ويحفز الخلايا التائية التي تحد من الالتهاب [2]. وهذا مهم لأن الالتهاب يساعد في التعافي فقط عندما يكون قصير المدة، في حين أن الالتهاب المطول قد يتسبب في أضرار للجسم. ولهذا السبب، من المهم إبقاء عدد الخلايا التائية الالتهابية منخفضًا.
ما دور فيتامين د في أيض الكالسيوم؟
يؤدي فيتامين د دورًا أساسيًا معروفًا في امتصاص الكالسيوم الموجود في التجويف داخل خلايا الأمعاء. فالكالسيوم الذي نحصل عليه من الطعام يجب امتصاصه من قِبل الأمعاء الدقيقة وتمريره في مجرى الدم لتزويد الجسم بالكالسيوم، وهذه العملية اسمها أيض الكالسيوم. ولا بد من وجود فيتامين د حتى تمتص الأمعاء الدقيقة الكالسيوم. يرتبط فيتامين د بجزيء اسمه مستقبِل فيتامين د (VDR)، وهو موجود في كل الخلايا تقريبًا، بما فيها خلايا الأمعاء. وينتج عن هذا الارتباط زيادة في عدد قنوات الكالسيوم على سطح خلايا الأمعاء، مما يسمح بدخول المزيد من الكالسيوم إلى الخلايا. كالبيندين هو بروتين يرتبط بالكالسيوم داخل الخلايا ويحمله إلى جزيء يشبه الناقل. وهذه النواقل تطلق الكالسيوم في مجرى الدم (شكل 2) [3].
ما عواقب عدم كفاية فيتامين د؟
تدرك الآن سبب أهمية فيتامين د القصوى في أداء الجسم لوظائفه بشكل بطبيعي، فهو ينظم مستويات الكالسيوم ويحافظ على عمل الجهاز المناعي بفعالية. وكما يبين شكل 3، يؤدي النقص الكبير في فيتامين د في الدم إلى عدة مشاكل. ويمكن إجراء اختبار دم بسيط للاطلاع على مستويات فيتامين د. المستوى الطبيعي لفيتامين د هو 50–20 نانوجرام/ملليلتر، ويعاني الشخص من نقص في فيتامين د إذا قل مستواه عن 20 نانوجرام/ملليلتر، في حين أن زيادة المستوى عن 50 نانوجرام/ملليلتر قد تكون خطيرة أيضًا. تتكون العظام بشكل رئيسي من الكالسيوم والفوسفور، ويؤدي نقص فيتامين د إلى سوء امتصاص الكالسيوم من الأطعمة التي نتناولها، وبالتالي لا تحصل العظام على كفايتها من الكالسيوم. يؤدي نقص فيتامين د أيضًا إلى نقص الفوسفور، وتصبح العظام في النهاية ضعيفة ولينة لعدم حصولها على الكالسيوم والفوسفور. تُسمّى هذه الحالة بين الأطفال ''الكساح''، وبين البالغين ''تلين العظام''. تشيع بين البالغين أيضًا حالة اسمها هشاشة العظام عند انخفاض مستويات الكالسيوم، إذ تصبح العظام مسامية (مليئة بالثقوب الصغيرة) وتقل كثافتها، ويمكن أن يتعرض الإنسان للكسور بسهولة كبيرة في هذه الحالات.
يؤثر نقص فيتامين د أيضًا في أداء الجهاز المناعي لوظائفه، ما قد يؤدي إلى عدة مشاكل صحية، مثل أمراض القلب والسرطان [4].
مَن المعرّض لنقص فيتامين د؟
يُعد موقع الشخص الجغرافي من العوامل المهمة لخطر الإصابة بنقص فيتامين د. فمناطق خطوط العرض العالية (المناطق التي تقترب من أقطاب سطح الأرض) تحصل على ضوء الشمس بنسبة أقل من مناطق خطوط العرض المنخفضة (المناطق القريبة من خط الاستواء). وبالتالي، يكون المقيمون عند خطوط العرض العالية أكثر عرضة لنقص فيتامين د. ومن عوامل الخطر الأخرى لون البشرة. هل يمكنك تخمين السبب؟ صبغة الميلانين، التي تمنح الجلد لونه، تحمينا بصورة طبيعية من الأشعة فوق البنفسجية للشمس. ونظرًا لأن أصحاب البشرة الداكنة لديهم ميلانين أكثر من أصحاب البشرة الفاتحة، فهم معرّضون بدرجة أكبر لنقص فيتامين د. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة معرضون بصورة أكبر على الأرجح لنقص فيتامين د [5]. من ناحية أخرى، مع تقدم الناس في السن، يزيد احتمال تعرضهم لنقص فيتامين د لأن بروفيتامين د، أي سلف فيتامين د الموجود في الجلد، تقل مستوياته عند كبار السن مقارنة بالفئات الأصغر عمرًا.
كيف يمكننا منع نقص فيتامين د؟
يرى العلماء أنه يمكن لأجسامنا عادةً تصنيع كفايتها من فيتامين د بالتعرض للشمس (بكشف الوجه والذراعين واليدين والقدمين بدون واقي شمس) من 5 دقائق إلى 30 دقيقة يوميًا أو مرتين أسبوعيًا على الأقل، وخاصةً بين الساعة 10 صباحًا و4 عصرًا. ومن الطرق الشائعة لتفادي نقص فيتامين د تناول مكملات هذا الفيتامين، إذ يُنصَح عمومًا بتناول جرعة يومية قدرها 1,000 وحدة دولية (أو 25 ميكروجرام) من فيتامين د3 للحفاظ على المستوى الأمثل لهذا الفيتامين في الجسم [6]. ولكن علينا توخي الحذر عند استخدام المكملات، لأن الإفراط في تناول فيتامين د مضرّ ويمكن أن تنتج عنه حالة فرط كالسيوم الدم، ما قد يؤدي بدوره إلى الغثيان والقيء.
بعد أن عرفت مدى أهمية فيتامين د للجسم، يمكنك أخذ بعض الخطوات المهمة لضمان حصولك على كفايتك من فيتامين د، بدون تفريط ولا إفراط. احرص على اتباع نظام غذائي صحي، وتناول الجرعة الموصوفة من مكملات فيتامين د، والتعرض لضوء الشمس، وممارسة الأنشطة البدنية. يتيح لنا «فيتامين أشعة الشمس» فرصة التواصل مع الطبيعة من خلال التعرض للشمس وتصنيع القدر المناسب من فيتامين د، ما يساعدنا في الحفاظ على صحة أجسامنا ولياقتها وعافيتها.
شكر وتقدير
تتوجه المؤلفات بخالص الشكر إلى أكاديمية شانموغا للفنون والعلوم والتكنولوجيا والبحوث (ساسترا) في ثنجفور، تقديرًا لتحفيزها وتشجيعها وحفاوتها ولإتاحة بنيتها التحتية لهنّ على نطاق واسع.
مسرد للمصطلحات
المغذيات الدقيقة (Micronutrients): ↑ مغذيات يحتاجها جسم الإنسان بكميات صغيرة.
المناعة الفطرية (Innate Immunity): ↑ نوع من المناعة نولد به بشكل طبيعي، ومن الأمثلة الجيدة على المناعة الفطرية الدموع، إذ تحتوي على إنزيمات تقتل مسببات الأمراض التي تدخل العينين.
المناعة التكيفية (Adaptive Immunity): ↑ نوع من المناعة يتطور على امتداد الحياة، ومن الخصائص المميزة للمناعة التكيفية أنها تتذكر مسبب المرض (ومرضه ذا الصلة) عند إصابتنا به لأول مرة وتحمي جسمنا من أي هجمات مستقبلية منه.
مسبب المرض (Pathogen): ↑ أي كائن حي يسبب الأمراض.
الببتيدات المضادة للميكروبات [Antimicrobial Peptides (AMPS)]: ↑ جزيئات تنتجها الخلايا البشرية وتستطيع القضاء مباشرةً على مسببات الأمراض، مثل البكتيريا أو الفطريات أو الفيروسات، بل وحتى الخلايا السرطانية.
التجويف (Lumen): ↑ الفراغ الداخلي لأي هيكل أنبوبي (مثل الأمعاء).
أيض الكالسيوم (Calcium Metabolism): ↑ حركة وتنظيم أيونات الكالسيوم داخل وخارج الجسم للحفاظ على ثبات مستويات الكالسيوم.
مستقبِل فيتامين د (Vitamin D Receptor): ↑ جزيء كيميائي يتعرف على فيتامين د ويتيح ارتباطه به.
كالبيندين (Calbindin): ↑ بروتينات مرتبطة بالكالسيوم.
الميلانين (Melanin): ↑ مادة تفرزها الخلايا وتمنح الجلد صبغته (أو لونه).
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
الحواشي
1. ↑مزيد من المعلومات على: https://ritual.com/articles/1-what-vitamins-are-water-soluble
2. ↑مزيد من المعلومات على: https://ods.od.nih.gov/factsheets/VitaminD-HealthProfessional/
المراجع
[1] ↑ Bikle, D. 2009. Nonclassic actions of vitamin D. J. Clin. Endocrinol. Metabol. 94:26–34. doi: 10.1210/jc.2008-1454
[2] ↑ Jeyaraman, M., Gulati, A., Anudeep, T. C., Shetty, D. U., Latha, S., Ajay S. S., et al. 2020. Vitamin-d: an immune shield against ncovid-19. Int. J. Curr. Res. Rev. 12:95. doi: 10.31782/IJCRR.2020.12095
[3] ↑ Christakos, S., Dhawan, P., Porta, A., Mady, L. J., and Seth, T. 2011. Vitamin D and intestinal calcium absorption. Mol. Cell. Endocrinol. 347:25–9. doi: 10.1016/j.mce.2011.05.038
[4] ↑ Chang, S. W., and Lee, H. C. 2019. Vitamin D and health - The missing vitamin in humans. Pediatr. Neonatol. 60:237–44. doi: 10.1016/j.pedneo.2019.04.007
[5] ↑ Leary, P. F., Zamfirova, I., Au, J., and McCracken, W. H. 2017. Effect of latitude on vitamin D levels. J. Am. Osteopath. Assoc. 117:433–9. doi: 10.7556/jaoa.2017.089
[6] ↑ Amrein, K., Scherkl, M., Hoffmann, M., Neuwersch-Sommeregger, S., Köstenberger, M., Berisha, A. T., et al. 2020. Vitamin D deficiency 2.0: an update on the current status worldwide. Eur. J. Clin. Nutr. 74:1498–513. doi: 10.1038/s41430-020-0558-y