مفاهيم أساسية صحة الإنسان نشر بتاريخ: 16 أغسطس 2021

دور الكالسيوم في قلب الإنسان: مع القدرة العظيمة تأتي المسؤولية الضخمة!

ملخص

القلب عبارة عن مضخة تنقل الدم إلى كل جزء من أجزاء الجسم. ويلعب الكالسيوم أدوارًا مهمة في النشاط الكهربائي للقلب ووظيفته المتمثلة في ضخ الدم. حيث تدخل جزيئات الكالسيوم إلى خلايا عضلة القلب أثناء كل نبضة قلب وتُسهم في إرسال الإشارة الكهربائية التي تنظم وظيفة القلب. كما ترتبط جزيئات الكالسيوم أيضًا بالآلية الموجودة داخل الخلية التي تساعد الخلية على الانضغاط معًا (الانقباض)، مما يجعل القلب يضخ الدم. وفي بعض الأمراض، تتعطل وظيفة البوابات المتحكمة في حركة الكالسيوم، مما يؤدي إلى إصدار إشارات كهربائية غير طبيعية، وهو الأمر الذي يسبب حدوث مجموعة من أمراض القلب تسمى اضطرابات ضربات القلب. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التنظيم غير الطبيعي للكالسيوم إلى إعاقة وظيفة الضخ أو ارتخاء القلب بشكل مباشر. ولقد اعتبر العلماء أن اضطرابات عملية تنظيم الكالسيوم تلعب دورًا رئيسيًا في العديد من اضطرابات ضربات القلب. ومع ذلك، فعلى الرغم من التقدم في التقنيات الطبية (الحيوية)، فإنه لا تزال توجد العديد من التساؤلات المهمة حول الآليات الخاصة بمشكلات تنظيم الكالسيوم وعلاجها.

لماذا يعتبر الكالسيوم مهمًا جدًا للقلب؟

يوجد الكالسيوم في معظم الأطعمة، لا سيما منتجات الألبان، مثل الحليب والجبن، وغالبًا ما يوجد في الأسماك الصغيرة وبعض الخضراوات. ولطالما كان معروفًا منذ فترة طويلة أن الكالسيوم مفيد من أجل قوة عظامنا. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشف العلماء أن الكالسيوم يلعب أيضًا دورًا مهمًا في القلب (الشكل 1). فالقلب ينبض أكثر من ملياري نبضة خلال حياة الشخص العادي لتحريك الدورة الدموية، وهو أمر ضروري لتوفير الطاقة لكل جزء من أجزاء الجسم. ويتكون القلب، من بين أشياء أخرى كثيرة، من ثلاثة مليارات خلية عضلية للقلب تنضغط معًا (تنقبض) خلال كل نبضة قلبية، وتكون مسؤولة معًا عن وظيفة ضخ الدم الخاصة بالقلب. ولضمان انقباض كل خلية في اللحظة المناسبة، يستخدم القلب إشارات كهربائية تنتقل من خلية إلى أخرى، مثل الموجة في الاستاد، حيث يعمل نشاط الشخص الواحد على تنشيط الأشخاص المجاورين له. وقد كشفت الأبحاث التي أجريت خلال العقود الماضية أن جزيئات الكالسيوم هي المسؤولة عن الارتباط بين النشاط الكهربائي والانقباض الميكانيكي (الشكل 1). حيث تدخل جزيئات الكالسيوم، التي تحتوي على شحنة كهربائية، خلايا عضلة القلب أثناء كل نبضة وتُسهم في إصدار الإشارة الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، تبدأ هذه الجزيئات من الكالسيوم في الانقباض عن طريق الارتباط بآلية متخصصة داخل الخلية. وعندما يرتبط الكالسيوم، تبدأ الآلية في التحرك وتجعل الخلية تنضغط معًا. ومن ناحية أخرى، عندما تتم إزالة جزيئات الكالسيوم من خلايا القلب، يؤدي ذلك إلى الانبساط، مما يسمح للقلب بأن يُعاد ملؤه بالدم قبل بدء النبضة القلبية التالية. وبالتالي، بدون الكالسيوم ستتوقف قلوبنا عن النبض على الفور، وهو ما تم إيضاحه بالفعل تجريبيًا بواسطة الدكتور Sydney Ringer في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر.

شكل 1 - دور الكالسيوم في خلايا عضلة القلب.
  • شكل 1 - دور الكالسيوم في خلايا عضلة القلب.
  • يتكون قلب الإنسان الواحد من أكثر من ثلاثة مليارات خلية من خلايا عضلة القلب وكل خلية لها آليتها الخاصة للقيام بانقباض عضلة القلب وانبساطها. وتظهر المنطقة المظللة باللون الأزرق الدور المهم للكالسيوم في خلايا عضلة القلب. حيث يرتبط الكالسيوم بمركب التروبونين في الخلايا (المُشار إليه بالسهم الأحمر الكبير)، مما يجعل الخلايا تنضغط معًا، في عملية تسمى تزامن الاستثارة والانقباض (الموضحة بالأسهم الخضراء على الجانب الأيسر من المنطقة المظللة باللون الأزرق). بالإضافة إلى ذلك، يسهم الكالسيوم في إصدار الإشارة الكهربائية التي تنتقل من خلية إلى أخرى لخلق انقباض منتظم (وهو مُوضح على الجانب الأيمن من المنطقة المظللة باللون الأزرق).

خلية عضلة القلب: منزل متعدد الأبواب والغرف

تشبه خلية عضلة القلب منزلًا كبيرًا به أبواب وغرف متعددة (الشكل 2). فيمكن لجزيئات الكالسيوم أن تتدفق داخل الخلية وخارجها من خلال هياكل تشبه البوابة تسمى القنوات الأيونية [1]. وتساعد هذه القنوات الأيونية الخلية على التحكم في كمية الكالسيوم بداخلها. وبالإضافة إلى توفير الكالسيوم من خارج الخلية، توجد غرفة كبيرة داخل الخلية، يُطلق عليها الشبكة الساركوبلازمية، تخزن معظم الكالسيوم اللازم لانقباض القلب كما تحتوي حجرة الشبكة الساركوبلازمية أيضًا على بوابات لدخول الكالسيوم وخروجه. وتسمى بوابات الدخول للشبكة الساركوبلازمية SERCA، بينما يُطلق على بوابات الخروج مستقبلات الريانودين. ويعمل الكالسيوم الذي يدخل خلية القلب من خلال قناة أيون الكالسيوم على تنشيط مستقبلات الريانودين لإطلاق ما يكفي من الكالسيوم من الشبكة الساركوبلازمية لبدء عملية انقباض عضلة القلب. ويتم ذلك عن طريق الارتباط ببنية أخرى، تسمى التروبونين، داخل خلية عضلة القلب. وأثناء الانبساط، يجب فصل الكالسيوم عن التروبونين وطرده من الخلية أو تخزينه مرة أخرى داخل الشبكة الساركوبلازمية.

شكل 2 - خلية عضلة القلب ومكوناتها.
  • شكل 2 - خلية عضلة القلب ومكوناتها.
  • يدخل الكالسيوم إلى الخلية من خلال "بوابات" تسمى القنوات الأيونية، ويتفاعل مع مختلف مكونات الخلية. فعلى سبيل المثال، ينظم الكالسيوم عملية فتح وغلق بوابات الصوديوم والبوتاسيوم ومستقبلات الريانودين، ويرتبط بمركب التروبونين لجعل خلايا القلب تنضغط معًا (الانقباض)، فتقوم بوظيفة ضخ الدم الخاصة بالقلب. وفي خلايا عضلة القلب، يُخزن معظم الكالسيوم داخل حجرة تسمى الشبكة الساركوبلازمية. ويتم إطلاق الكالسيوم الموجود في الشبكة الساركوبلازمية أثناء انقباض عضلة القلب ويُنقل مرة أخرى إلى داخل الشبكة الساركوبلازمية أثناء الانبساط. وتشير الأسهم الحمراء إلى حركة / تدفق الكالسيوم من مكان إلى آخر.

وفضلًا عن بوابات الكالسيوم، خلايا عضلة القلب مجهزة أيضًا ببوابات أخرى مسؤولة عن حركات الجزيئات الأخرى داخل الخلية وخارجها، مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد. وقد اكتشف العلماء مؤخرًا أن الكالسيوم قادر على تنظيم نشاط تلك البوابات الأخرى، فيجعل فتحها أسهل أو أصعب، مما يوضح المسؤولية الكبرى للكالسيوم في خلايا عضلة القلب [2].

ماذا يحدث إذا خرج الكالسيوم عن السيطرة؟

في بعض الحالات، تتعطل البوابات التي تتحكم في حركة الكالسيوم، مما يتسبب في دخول الكثير من الكالسيوم أو القليل منه إلى الخلية. وفي بعض الأحيان، يحدث هذا الخلل بسبب التقدم في العمر أو الإصابة بأمراض أخرى. ومن جهة أخرى، يمكن للتغييرات / الاختلافات في جيناتنا (ويُطلق عليها الطفرات الجينية) أن تغير شكل القناة الأيونية التي قد تمنع القناة من الفتح أو الغلق بشكل صحيح، وذلك في الحالات الخطيرة. و يمكن أن يؤدي ذلك إلى إصدار إشارات كهربائية غير طبيعية، قد تسبب مجموعة من أمراض القلب تسمى اضطراب نُظم القلب.

يحدث اضطراب نظم القلب عندما يصبح الاتصال الكهربائي بين الخلايا غير منسق أو عندما تنتج مجموعات من الخلايا تلقائيًا إشارات كهربائية إضافية. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الاتصالات الكهربائية في القلب تشبه الموجة في استاد كرة القدم، والتي تعتمد أيضًا على الاتصال الواضح فيما بينها. فإذا كانت الأنوار مغلقة ولا يستطيع المتفرجون رؤية بعضهم البعض، فلن يحدث الاتصال ولن يكون من الممكن صنع موجة جيدة. ولا تعمل الموجة أيضًا بشكل صحيح إلا إذا تحرك الناس فقط عندما تصل الموجة إلى مقاعدهم. ويُطلق على النشاط الكهربائي غير المنسق والفوضوي للقلب اسم الرجفان. ويجعل الرجفان القلب يضخ الدم على نحو غير فعال، مما يؤدي إلى انخفاض إمداد الطاقة لأعضاء جسم الشخص.

فضلًا عن ذلك، قد تؤدي حركة الكالسيوم غير الطبيعية إلى إضعاف انقباض القلب أو انبساطه مباشرةً، مما يعيق وظيفة الضخ الطبيعية. وفي ظل ظروف كهذه، يمكن أن تصبح خلايا القلب في النهاية “متعبة” وتفشل. ويمكن أن يسبب فشل القلب مجموعة كبيرة من المشكلات؛ تتراوح من مشكلات طفيفة (السعال والإرهاق) إلى مشكلات شديدة (ضيق في التنفس وتورم الأعضاء). وبالطبع سيقلل هذا الأمر من إنتاجية الشخص. وقد اكتشف العلماء مؤخرًا أن الكالسيوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور فشل القلب. ويؤدي فشل القلب أيضًا إلى زيادة احتمالية حدوث اضطرابات ضربات القلب المميتة [3].

ما الذي قام به العلماء حتى الآن لتحسين فهمنا لدور الكالسيوم في قلب الإنسان؟

بالنظر إلى تأثير أمراض القلب، قد نتساءل عما يمكن للعلماء فعله لمنع حدوث تلك الأمراض. فلعدة عقود، كان العلماء يدرسون دور الكالسيوم في خلايا عضلة القلب. والآن هم يعرفون أن الخلل في تنظيم الكالسيوم يلعب دورًا رئيسيًا في بعض أمراض القلب مثل الرجفان وفشل القلب [2]. وفي الوقت الحالي، يمكن للعلماء دراسة حركة الكالسيوم عن طريق أخذ خلية واحدة من خلايا عضلة القلب من الحيوانات أو المرضى ودراسة هذه الخلايا المفردة باستخدام طريقة معقدة تسمى الالتقاط الرقعي، والتي تمكنهم من قياس الإشارات الكهربائية التي تمر عبر قنوات أيونية معينة. ويُجرى ذلك عن طريق ربط إبرة زجاجية صغيرة للغاية (أصغر من الشعرة الواحدة بأكثر من 20 مرة) بسطح الخلية. كما يمكن للعلماء أيضًا قياس عدد القنوات داخل خلية القلب وتحديد أماكنها عن طريق ربط مؤشرات باعثة للضوء بالقنوات، يمكن رؤيتها تحت المجهر. وفي الآونة الأخيرة، بدأ العلماء في استخدام نماذج الكمبيوتر لتجميع كل هذه المعلومات معًا، لمساعدتهم في التنبؤ بالتأثير الذي تحدثه التغييرات في تنظيم الكالسيوم داخل خلايا القلب [4].

ساعد تحسين فهم اضطرابات ضربات القلب على التنبؤ بالمرضى المعرضين لخطر الإصابة بهذه المشكلات كما أدى أيضًا إلى اكتشاف علاجات أفضل [5]. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الأدوية لإغلاق القنوات الأيونية بحيث تظل البوابات مغلقة ويتم التحكم في كمية الكالسيوم داخل الخلية. ومن ناحية أخرى، يمكن للأطباء المتخصصين إدخال جهاز صغير في القلب، من خلال الأوعية الدموية، لإخراج خلايا القلب التي تنتج إشارات غير مرغوب فيها بحيث لا تتسبب في حدوث الرجفان (الشكل 3). وعلى الرغم من التطورات المذهلة في التقنيات الطبية (الحيوية)، فإنه لا تزال توجد الكثير من الأسئلة المهمة حول الآليات الخاصة بمشكلات الكالسيوم داخل خلايا عضلة القلب وعلاجها. وتعمل العديد من مجموعات البحث في جميع أنحاء العالم بجد واجتهاد للإجابة على هذه الأسئلة.

شكل 3 - آثار اضطرابات معالجة الكالسيوم في القلب والطرق المتاحة حاليًا للكشف عن هذه المشكلات وعلاجها.
  • شكل 3 - آثار اضطرابات معالجة الكالسيوم في القلب والطرق المتاحة حاليًا للكشف عن هذه المشكلات وعلاجها.
  • قد تؤدي مشكلات معالجة الكالسيوم في خلايا عضلة القلب (الموضحة على اليسار) إلى اضطرابات في ضربات القلب و / أو فشل القلب (المجموعة الأولى من الأسهم الحمراء). وتُتاح حاليًا عدة طرق لدراسة دور الكالسيوم في هذه الأمراض، بما في ذلك تسجيل الكالسيوم، وصبغ / تلوين البروتين، والتحليل باستخدام نماذج الكمبيوتر (على النحو الموضح في العمود الثالث). وباستخدام تلك الأساليب، يتم تطوير علاجات جديدة لهذه الأمراض الخاصة بالقلب، وتشمل الأدوية التي تعمل على إغلاق القنوات الأيونية والتقنيات لإزالة خلايا القلب التي تصدر إشارات كهربائية غير منضبطة (الموضحة على اليمين).

مسرد للمصطلحات

الانقباض (Contraction): انضغاط خلايا عضلة القلب معًا، مما يجعل القلب يضخ الدم.

القنوات الأيونية (Ion channel): بُنى تشبه البوابة موجودة في خلايا عضلة القلب تسمح للجسيمات المشحونة بالدخول إلى الخلية أو مغادرتها.

مستقبلات الريانودين (Ryanodine receptor): بوابة مهمة للكالسيوم موجودة داخل خلايا عضلة القلب على مخازن الكالسيوم داخل الخلايا في الشبكة الساركوبلازمية.

الطفرة الجينية (Genetic mutation): تغير يحدث في الجين قد يغير وظيفة البروتين الناتج.

اضطراب نظم القلب (Heart rhythm disorder): نشاط كهربائي غير طبيعي للقلب.

الرجفان (Fibrillation): اضطراب خطير في ضربات القلب مع حركة سريعة غير منتظمة لخلايا عضلة القلب.

فشل القلب (Heart failure): هي حالة يكون فيها القلب غير قادر على ضخ كمية كافية من الدم في الجسم.

الالتقاط الرقعي (Patch-clamp): تقنية لقياس نشاط القنوات الأيونية في خلايا عضلة القلب.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Bartos, D. C., Grandi, E., and Ripplinger, C. M. 2015. Ion channels in the heart. Compr. Physiol. 5:1423–64. doi: 10.1002/cphy.c140069

[2] Heijman, J., Schirmer, I., and Dobrev, D. 2016. The multiple proarrhythmic roles of cardiac calcium-handling abnormalities: triggered activity, conduction abnormalities, beat-to-beat variability, and adverse remodelling. Europace. 18:1452–4. doi: 10.1093/europace/euv417

[3] Johnson, D. M., and Antoons, G. 2018. Arrhythmogenic mechanisms in heart failure: linking beta-adrenergic stimulation, stretch, and calcium. Front. Physiol. 9:1453. doi: 10.3389/fphys.2018.01453

[4] Sutanto, H., van Sloun, B., Schonleitner, P., van Zandvoort, M., Antoons, G., and Heijman, J. 2018. The subcellular distribution of ryanodine receptors and L-type Ca2+ channels modulates Ca2+-transient properties and spontaneous Ca2+-release events in atrial cardiomyocytes. Front. Physiol. 9:1108. doi: 10.3389/fphys.2018.01108

[5] Heijman, J., Ghezelbash, S., and Dobrev, D. 2017. Investigational antiarrhythmic agents: promising drugs in early clinical development. Expert Opin. Invest. Drugs. 26:89–90. doi: 10.1080/13543784.2017.1353601