مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 31 ديسمبر 2025

كيف يمكننا التحكم في أفكارنا وأفعالنا مع تقدّمنا في العمر؟

ملخص

هل جلست يومًا بجانب زميل في الفصل ووجدته لا يكفّ عن الكلام؟ تريد التركيز على شرح مُعلّمك ولكنك لا تستطيع تجاهل هذا الزميل الثرثار. هنا تتضح فائدة الكبح، أي القدرة على تجاهل وكتم ومقاومة المعلومات غير المهمة الواردة من البيئة المحيطة أو من عقولنا. وهذه مهارة صعبة جدًا بالنسبة للأطفال الصغار، ولكنها تكون في أفضل حالاتها في مرحلة الشباب وتزيد صعوباتها ونحن نكبر في العمر. كيف يعمل الكبح؟ ولماذا يتغيّر مع تقدمّنا في العمر؟ وهل يمكننا تدريبه؟ في هذه المقالة، سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.

ما هو الكبح؟

تخيّل نفسك في فصل وتريد الانتباه إلى شرح مُعلّمك. وفي الوقت نفسه، تسمع زميلين يتهامسان وتجد زميلاً آخر بجانبك يكتب رسالة على هاتفه تحت المكتب. للتركيز على ما يقوله مُعلّمك، تحتاج إلى أن يكتم عقلك الضجيج الناتج عن زملائك. وهذا ما يُطلق عليه الكبح، أي القدرة على تجاهل وكتم ومقاومة المعلومات غير المهمة الواردة من البيئة المحيطة أو من عقلك [1].

ويتيح لنا التفكير والتعلّم والاستدلال والتذكّر وحل المشكلات بدون إرهاقنا وإثقالنا بالكثير من المعلومات. وهو مهم أيضًا للتحكّم في جسدك وانفعالاتك. يمكنك قراءة مقالة Frontiers for Young Minds هذه للحصول على المزيد من المعلومات حول كيفية كبح الأفعال الجسدية، مثل منعك من عبور طريق عند سماع صوت شاحنة قادمة.

نهتم في مختبرنا بدور الكبح في تذكّر المعلومات واسترجاعها بدقة. يسمح لنا الكبح بفلترة الأشياء التي نفكر فيها أو التي نسترجعها من الذاكرة. ويقوم هذا الفلتر بثلاث وظائف (الشكل 1). الأولى وظيفة الدخول؛ حيث يسمح الكبح بوصول المعلومات إلى وعينا أو يمنعه من ذلك. وتساعدنا هذه الوظيفة في التركيز على تذكّر أهم المعلومات وتجاهل الكثير من المعلومات الأقل أهمية. والوظيفة الثانية هي الحذف، وتعمل على إزالة المعلومات المشتتة التي تصل إلى عقولنا أو المعلومات التي لم تعد مهمة. إذا فكرت في وجبة غداء تناولتها الأسبوع الماضي في المدرسة، فقد تتذكر الأصدقاء الذين كانوا يجلسون بجوارك وربما الطعام الذي أكلته، ولكنك لن تتذكر على الأرجح لون الكرسي الذي جلست عليه (إلا إذا كانت هذه المعلومات مهمة للغاية لك). الوظيفة الثالثة للكبح هي التقييد، وتسمح لنا بتقليل حدة الاستجابات أو الأفكار أو السلوكيات القوية وغير اللائقة في الوقت نفسه، مثل الصراخ عند لعب ألعاب الفيديو عندما يكون أشقاؤك نائمين.

مخطط انسيابي يوضح ثلاث عمليات ذهنية: الوصول، والحذف، والضبط. اللوحة (أ) تعرض حارسًا يمنع بعض الأشكال المسماة "معلومات"، ويسمح لأشكال معينة فقط بالمرور. اللوحة (ب) تصور الحارس وهو يزيل شكلاً غير ضروري. اللوحة (ج) توضح الحارس وهو يكبح الاستجابات غير اللائقة. تشرح الملصقات الوظائف: يتحكم الوصول في مدخلات المعلومات، ويزيل الحذف المعلومات غير المفيدة، ويعتدل الضبط السلوك غير المناسب.
  • شكل 1 - يقوم الكبح بثلاث وظائف: الدخول والحذف والتقييد، وهو كحارس بوابة يتحكم في الدخول إلى فعالية معينة.
  • (A) في البداية، يمكن للحارس منع الدخول إلى تلك الفعالية إذا لم يكن لدى الشخص تذكرة، وهذه هي وظيفة الدخول. (B) خلال الفعالية، يمكن للحارس طرد أي شخص يصبح سلوكه غير لائق، وهذا يوضح وظيفة الحذف. (C) يمكن أن يحذّر الحارس أي شخص يتصرف بشكل مبالغ فيه خلال الفعالية، وهذه هي وظيفة التقييد.

كيف يمكننا قياس الكبح؟

هناك عدة مهام نستخدمها في المختبر لقياس الكبح، أحدها "تأثير ستروب" (الشكل 2A). في هذا الاختبار، يُسأل الأفراد عن لون خط الكلمات الملونة، مثل الأزرق والأحمر والأخضر. ويجب أن يكبحوا أي استجابة تلقائية عندما يسألهم القائم على الاختبار عن لون الكلمة.

توضيح يبيّن ثلاثة اختبارات إدراكية. أ: اختبار ستروب مع مهام لقراءة الكلمات، وتسمية الألوان، وتسمية ألوان الخطوط بكلمات ألوان غير متطابقة. ب: مهمة سيمون تعرض شاشة حاسوب مع ارتباطات بين الألوان والأهداف، واستجابات يُشار إليها بأزرار يدوية. ج: اختبار هايلنج مقسوم إلى جزأين: سهل وكبح، حيث يكمل المشاركون الجمل بمعاني ذات دلالة أو بغير معنى، مع إعطاء أمثلة.
  • شكل 2 - يمكن استخدام عدة اختبارات معملية لقياس الكبح.
  • (A) في "اختبار ستروب"، يجب أن يكبح المشاركون أي استجابة تلقائية عندما يسألهم القائم على الاختبار عن لون خط الكلمة. (B) في "اختبار سيمون"، يجب أن يكبحوا التناقض بين مكاني النقطة وزر الإجابة. (C) يُعد اختبار استكمال الجملة مثالاً على مهمة كبح لفظي يتعيّن فيها على المشاركين كبح استخدام كلمات ذات معنى لاستكمال الجمل بشكل صحيح.

عند رؤية كلمة "أزرق"، يقرأ الدماغ تلقائيًّا الكلمة بدلاً من الإجابة بكلمة "أحمر"، وهي لون خط الكلمة، وهذا يُسمى "تأثير ستروب". من المهام الأخرى التي تقيس الكبح "تأثير سيمون" (الشكل 2B). في هذه المهمة، يرى المشاركون إما نقطة صفراء أو خضراء على يسار أو يمين الشاشة. يجب الضغط على الزر الأيسر للنقطة الصفراء والزر الأيمن للنقطة الخضراء. يستجيب المشاركون ببطء أكبر ودقة أقل إذا كان موقع النقطة على الشاشة وموقع زر الإجابة لا يتطابقان، وهذا عندما تظهر النقطة على الشاشة على اليمين ويكون الزر على اليسار مثلاً، ولذلك نحتاج إلى كبح معلومات موقع النقطة على الشاشة، وهذا هو "تأثير سيمون". المهمة الأخيرة هي الكبح اللفظي (الشكل 2C)، وفيها يجب أن يكمل المشاركون جملاً. في الجزء السهل، يجب إكمال الجمل بكلمات ذات معنى. أما الجزء الصعب، فهو إكمال الجمل بكلمات ليس لها معنى. غالبًا ما يواجه المشاركون صعوبات عندما يُطلب منهم إكمال الجمل بكلمات ليس لها معنى، بل يقولون الكلمة التي تكمل الجملة عادةً.

من الطرق الأخرى لدراسة الدماغ هي فحصه باستخدام تقنيات تصويره، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI؛ لمعرفة المزيد من المعلومات عنه، يمكنك الاطلاع على مقالة Frontiers for Young Minds هذه). أثبتت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي أنه خلال مهام مثل "اختبار ستروب" التي تتطلب كبح الدخول، يكون جزء من الدماغ اسمه القشرة أمام الجبهية في غاية النشاط. ويعتقد العلماء أن هذا النشاط الإضافي قد يعكس جُهد الدماغ لكبح دخول المعلومات غير المهمة، ما يسمح لنا بالتركيز على المعلومات المهمة فقط.

كيف يتغيّر الكبح بتقدّم العمر

عادةً ما ينشأ الكبح في عمر 3 أو 4 سنوات تقريبًا ويصبح أكثر كفاءة أثناء الطفولة والمراهقة ويكتمل تطوره في بداية البلوغ. ولكن ماذا يحدث على الجانب التالي من نمو الإنسان؟ ونحن نكبر في العمر، يقل الكبح في الغالب، ما قد يؤثر على سلوكياتنا في الحياة اليومية [2]. في تجارب المختبر، يمكننا المقارنة بين الشباب (18 إلى 40 عامًا) وكبار السن (60 إلى 80 عامًا) من خلال مهام كبح مثل تلك الواردة في الشكل 2. يعاني كبار السن في الغالب من صعوبات أكبر عند تنفيذ هذه المهام [3]. على سبيل المثال، يمكن أن يزيد "تأثير ستروب"، ما يدلّ على صعوبات في وظيفة الحذف. ويمكن أن يكون "تأثير سيمون" أكثر وضوحًا أيضًا، ما يدلّ على انخفاض في وظيفة التقييد. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه كبار السن مشاكل أكبر في منع دخول المعلومات غير المهمة إلى عقولهم. على سبيل المثال، قد يحتاجون إلى مزيد من الوقت لقراءة نص إذا تمت إضافة كلمات غير مهمة إليه، وهذا يشير إلى انخفاض في وظيفة الدخول. في الحياة اليومية، يمكن أن تؤثر مشاكل الكبح على السلوكيات البسيطة جدًا. على سبيل المثال، قد نشتري التفاح بدلاً من الكمثرى لأننا نتأثر بالإعلانات المعروضة بالقرب من التفاح على أرفف السوبر ماركت.

يمكن حدوث انخفاض الكبح بالتوازي مع انخفاض الانتباه أو ضعف الذاكرة المرتبطين بالتقدّم في العمر. فكما شرحنا سابقًا، يعمل الكبح على فلترة المعلومات المُخزّنة في الذاكرة والتي يتم استرجاعها منها. وعندما يقل أداء الفلتر، قد يتم اختيار المعلومات الخاطئة وقد يعاني الناس أيضًا من صعوبات في رفض المعلومات المُسترجعة من الذاكرة بشكل خاطئ.

لماذا تقل كفاءة الكبح؟

درس العديد من الباحثون أجزاء الدماغ المسؤولة عن الكبح بين الشباب وكبار السن. وقد لاحظوا، كما وضحنا بالفعل، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن الجزء الأساسي من الدماغ المشارك في الكبح هو القشرة أمام الجبهية، وبالتحديد جزء منها اسمه التلفيف الجبهي السفلي (الشكل 3) [4].

رسم تخطيطي يوضح مناطق الدماغ الموسومة داخل مخطط للرأس. القشرة أمام الجبهية باللون البني، والقشرة الجبهية باللون الأحمر، والقشرة الجدارية باللون البرتقالي، والقشرة القذالية باللون الأزرق، والقشرة الصدغية باللون الأصفر. يبرز شكل مُدرج التلفيف الجبهي السفلي باللون الأخضر.
  • شكل 3 - يتم دعم الكبح في الدماغ من خلال القشرة أمام الجبهية، وبالتحديد جزء فيها اسمه التلفيف الجبهي السفلي.
  • ومع تقدّم الناس في العمر، تصغر القشرة أمام الجبهية وتقل كفاءتها بعض الشيء، مما قد يؤثر سلبيًّا على الكبح.

أثبت الباحثون أن هذا الجزء من الدماغ يكون في الغالب منخفض النشاط لدى كبار السن مقارنةً بالشباب، ما يعني أن التلفيف الجبهي السفلي يعمل بكفاءة أقل مع تقدّم الناس في العمر. ولكن، ما السبب؟ أظهرت بعض الدراسات أن القشرة أمام الجبهية تصغر ونحن نكبر في العمر.

الشيخوخة لا تؤثر على كل جوانب الكبح

قارنت دراسة أخيرة 11 مهمة كبح (تشبه كثيرًا تلك المهام الموضحة في الشكل 2) [5]. باستخدام أساليب إحصائية جديدة، لاحظ الباحثون أن انخفاض الكبح لا يكون بالدرجة نفسها في المهام أو الوظائف المختلفة. ففي بعض المهام، لم يكن هناك أي اختلاف بين الشباب وكبار السن. أثبت علماء آخرون أنه حتى لو انخفضت كفاءة القشرة أمام الجبهية لدى كبار السن، فأجزاء الدماغ الأخرى قد تأخذ زمام المبادرة وتعوّض نقص كفاءة القشرة أمام الجبهية. إذًا الجانب الإيجابي أن الشيخوخة ليست عملية مدمرة لكل شيء. فهي تشمل توظيف استراتيجيات جديدة في الدماغ للتكيف مع تداعيات الشيخوخة التي تؤثر على بعض جوانب الكبح أكثر من غيرها.

باختصار، الكبح هو قدرة ضرورية ومعقدة في الوقت نفسه. وتكون في غاية التطور أثناء الطفولة، ثم تنقص بعض الشيء ونحن نكبر في العمر. وعلى الرغم من دراسة الباحثين للمفهوم العام للكبح بشكل جيد، فهناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهم العمليات الإدراكية والعصبية الرئيسية التي تعرّف هذا المفهوم.

شُكر وتقدير

أُجري البحث في هذه المقالة بدعم من جامعة لييج: [منحة العلوم الإنسانية رقم BSH-2018]. ونحن نشكر Flaticon (https://www.flaticon.com/)، وهي قاعدة بيانات للصور الرمزية المجانية، على صور اليد والحارس الرمزية الواردة في الشكلين 1 و2. تم تصميم صور الدماغ في الشكل 3 في WFU_PickAtlas (https://www.nitrc.org/projects/wfu_pickatlas) وMRIcroGL (https://www.nitrc.org/projects/mricrogl/). وبشكل إجمالي، أنشأت المؤلفة الأولى الأشكال باستخدام Microsoft Office Powerpoint.

مسرد للمصطلحات

الكبح (Inhibition): قدرة العقل على التحكّم في السلوكيات والانفعالات والأفكار غير المرغوب فيها بإيقافها أو بمنع حدوثها.

وظيفة الدخول (Access Function): وظيفة الكبح التي تمنع دخول المعلومات غير المهمة إلى وعينا، وتُدخل فقط المعلومات المهمة التي نحتاجها.

وظيفة الحذف (Deletion Function): وظيفة الكبح التي تزيل المعلومات المشتتة التي تنجح في الدخول إلى العقل، أو تزيل المعلومات التي لم تعد مُهمة.

وظيفة التقييد (Restraint Function): وظيفة الكبح التي تقلل حدة الاستجابات أو الأفكار أو السلوكيات القوية وغير اللائقة.

التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic Resonance Imaging (MRI)): جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي يستخدم مغناطيسًا قويًّا لالتقاط صور للدماغ. ويساعد العلماء في التعرّف على أماكن الدماغ التي تنشط عند مشاركتنا في أنشطة مختلفة.

القشرة أمام الجبهية (Prefrontal Cortex): جزء من الفص الجبهي للدماغ، وهو أكثر أجزاء الدماغ تطورًا في البشر مقارنةً بالرئيسيات. وهي تدعم تنظيم الوظائف العقلية والانفعالية والسلوكية المعقدة.

التلفيف الجبهي السفلي (Inferior Frontal Gyrus): منطقة في القشرة أمام الجبهية تشارك في الكبح وإنتاج اللغة والاستجابات التعاطفية من بين آليات أخرى.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي

تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.


المراجع

[1] Gorfein, D. S., and MacLeod, C. M. 2007. Inhibition in Cognition. Washington, DC: American Psychological Association.

[2] Collette, F., Schmidt, C., Scherrer, C., Adam, S., and Salmon, E. 2009. Specificity of inhibitory deficits in normal aging and Alzheimer’s disease. Neurobiol. Aging 30:875–89. doi: 10.1016/j.neurobiolaging.2007.09.007

[3] McDowd, J. M., Oseas-Kreger, D. M., and Filion, D. L. 1995. “Inhibitory processes in cognition and aging,” in Interference and Inhibition in Cognition, eds F. N. Dempster and C. J. Brainerd (San Diego, CA: Academic Press). p. 363–400.

[4] Attout, L., Grégoire, C., Querella, P., and Majerus, S. 2022. Neural evidence for a separation of semantic and phonological control processes. Neuropsychologia 176:108377. doi: 10.1016/j.neuropsychologia.2022.108377

[5] Rey-Mermet, A., and Gade, M. 2018. Inhibition in aging: what is preserved? What declines? A meta-analysis. Psychon. Bullet. Rev. 25:1695–716. doi: 10.3758/s13423-017-1384-7