ملخص
هل تعرف كيف تتحدث لغة أجنبية؟ إن تعلم لغة أخرى أمر ممتع ومفيد! حيث يمكن أن يساعدك ذلك عندما تسافر إلى بلدان أخرى، وقد يساعدك أيضًا في التحدث مع أشخاص في بلدك لا يتحدثون لغتك. إذا سبق لك أن حاولت تعلم لغة أخرى، فقد تعلم أن الأمر ليس سهلًا في جميع الأحوال، فمن بين الجوانب الصعبة في تلك العملية أن نتعلم القواعد النحوية ـ وهي قواعد اللغة التي تحكم كيفية التقاء الكلمات لتكوين الجمل؛ وفي هذه الدراسة، بحثنا كيفية تسهيل تعلم الناس القواعد النحوية للغات الأجنبية، والنبأ السار في ذلك هو أن الأمر يُشبه ركوب الدراجة: كلما زادت ممارستك لها بنشاط، طورت من نفسك إلى الأفضل. لذا، اترك كتاب القواعد النحوية في الفصل الدراسي، وانطلق إلى العالم الحقيقي لممارسة اللغة!
لماذا نتعلم لغة أجنبية؟
هل تريد مشاهدة الألعاب النارية من برج إيفل؟ يزور ملايين الأشخاص هذه الوجهة الجذّابة كل عام، ولكن هل تعلم أنها موجودة في فرنسا، وهي بلد يتحدث أهلها لغة مختلفة عن اللغة الإنجليزية؟ في الولايات المتحدة، حيث نعيش وحيث قد يكون منها بعضًا منكم، اللغة الإنجليزية هي اللغة المنطوقة الأكثر شيوعًا، كما يتحدث العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة أيضًا لغات مختلفة، مثل الإسبانية.
وفي العديد من البلدان، اللغة الإنجليزية ليست اللغة الأكثر تحدثًا، فعلى سبيل المثال، معظم الناس في فرنسا يتحدثون اللغة الفرنسية. لذا، إذا كنت تخطط للذهاب لرؤية برج إيفل، فستكون فكرة سديدة أن تتعلم بعض أساسيات اللغة الفرنسية، وبهذه الطريقة، سوف تعرف كيف تتحدث مع السكان المحليين الذين يعيشون هناك. كذلك، عندما تتعلم لغة أجنبية، يمكنك أن تقدّر قيمة الموسيقى وتتذوق الأفلام بتلك اللغة بشكل أفضل، فتعلم لغة أجنبية يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات لتكوين صداقات جديدة والتعرف على ثقافات أخرى.
ماذا يعني تعلم لغة أجنبية؟
تحتوي اللغات المختلفة على كلمات مختلفة للأشياء - على سبيل المثال، لتقول كلمة "القط" باللغة الفرنسية يمكنك أن تقول "le chat" (وتُنطق: لوه شاه). من الأمور الأولى التي يجب تعلمها في لغة جديدة هي الكلمات، وتسمى أيضًا مفردات اللغة، التي تستغرق الكثير من الحفظ، لأنك تحتاج إلى الكثير من الكلمات لإجراء محادثة!
وبالطبع، مجرد تعلم كلمات جديدة لا يكفي للتحدث بلغة جديدة. إذ تحتوي اللغات المختلفة أيضًا على قواعد نحوية مختلفة (قواعد تحكم كيفية التقاء الكلمات معًا لتشكيل جملة). يظهر الشكل 1 مثالًا على اختلاف في القواعد النحوية بين اللغة الإنجليزية من جهة واللغتين الفرنسية والإسبانية من جهة أخرى. معظم الأشخاص الذين يحاولون تعلم لغة جديدة يجيدون حفظ المفردات ولكنهم يجدون صعوبة في تعلم القواعد النحوية.
كيف يمكننا أن نجعل تعلم القواعد النحوية أسهل؟
نظرًا للصعوبة الكبيرة التي يواجهها الأشخاص في تعلم القواعد النحوية الخاصة بلغة أجنبية يرغبون في إتقانها، حاولنا إيجاد طرق لمساعدة الناس في تعلم هذه القواعد . فكرنا أولًا في طريقة تمكّن الأشخاص من حفظ المفردات وتذكرها بشكل جيد. هل ما زلت تتذكر كيف تقول "the cat" أو "القط" بالفرنسية؟ خذ لحظات وفكر فيما إذا كان بإمكانك تذكرها دون النظر إلى المثال مرة أخرى، أم لا!
ماذا بعد؟ هل ما زلت تتذكر ما معنى "the cat" أو "القط" بالفرنسية؟ إذا خمنت أنها "le chat"، فستكون على حق! ما لم تكن تتحدث الفرنسية بالفعل، ربما كان هذا سؤالًا صعبًا، ويرجع السبب في صعوبة ذلك إلى أننا طلبنا منك أن تتوصل إلى معنى الكلمة بلغة أجنبية؛ بالنسبة لمعظمكم، ممن هم على دراية كافية باللغة العربية ليتمكنوا من قراءة هذا المقال، كان من الأسهل لو سألناها بالعكس - أي نسألكم ما تعنيه الكلمات الفرنسية "le chat" باللغة العربية أو لغة أخرى تتقنونها، فهذا أسهل لأنه ليس عليك أن تأتي بالكلمات الفرنسية، لأنها أمامك مباشرة. فلماذا قدمنا لكم السؤال الأكثر صعوبة؟ لأن الدراسات أظهرت [1] أنه عندما يتعين عليك أن تتوصل إلى كلمة من الذاكرة بنفسك، فسوف تتذكرها بشكل أفضل لاحقًا.
يُعد السؤال السهل (ماذا تعني كلمة "le chat" باللغة العربية) مثالًا على أحد أسئلة استيعاب اللغة – وهو سؤال يختبر فهمك للغة واستيعابها، بينما السؤال الأكثر صعوبة (هل يمكنك أن تقول "the cat" أو "القط" باللغة الفرنسية) هو مثال على سؤال حول إنتاج اللغة. الإنتاج يعني التحدث باللغة، وعادة ما يكون الحديث أكثر صعوبة من الفهم، لأنه يجبرك على الخروج بكلمات من الذاكرة.
أردنا معرفة ما إذا كان التحدث بلغة يساعدك أيضًا في تعلم القواعد النحوية بشكل أفضل من عدمه؛ ولأن أسئلة الإنتاج تجعلك تعمل بجد أكثر من أسئلة الاستيعاب، فقد تساءلنا عما إذا كان التدريب على إنتاج اللغة يمكن أن يساعد الأشخاص في تعلم القواعد النحوية للغة أفضل من التدريب على الفهم، وسنخبرك عن تجربة صممناها للإجابة عن هذه الأسئلة، ولهذا سنأخذك إلى الفضاء الخارجي!
لماذا نأخذك إلى الفضاء الخارجي من أجل تجربة لغوية؟ في تجربتنا، استخدمنا لغة وهمية أو اصطناعية تسمى "Alienese" أو "الأجنبية الفضائية" التي يتحدث بها الفضائيون الأجانب فقط. طلبنا من 100 طالب في المرحلة الجامعية من الناطقين باللغة الإنجليزية التظاهر بأنهم رواد فضاء وتعلم بعض جوانب لغة "Alienese" أو "الأجنبية الفضائية". كما ترى في الشكل (2A)، نلاحظ أن الفضائيين الأجانب عاشوا على كواكب باردة!
قد تتساءل عن سبب تعليمنا لغة غريبة للناس، والسبب في ذلك أننا أردنا مقارنة قدرة تعلم الناس للغة، وهذا لن يكون عادلًا إذا كان بعض الأشخاص يعرفون بالفعل بعض الكلمات في تلك اللغة، فالطريقة الوحيدة للتأكد تمامًا من عدم معرفة أي شخص عن اللغة هي ابتكار لغة جديدة بأنفسنا.
لغة "Alienese" أو "الأجنبية الفضائية" لها قواعد نحوية مختلفة عن اللغة الإنجليزية، وأحد تلك الاختلافات يكمن في ترتيب الكلمات، ففي اللغة الإنجليزية مثلًا، تقول "with spots"، ولكن في تلك اللغة الغريبة تعكس الكلمات؛ فعبارة "Stam ot" هي ترجمة "spots with"، لتجد كلمة "ot" وهي (with) تأتي في الترتيب بعد spots وليس قبلها.
كيف عَلَّمنا الناس لغتنا الغريبة؟
أولًا، تم تعليم جميع رواد الفضاء أساسيات لغة "Alienese"؛ في هذا الجزء، كل ما كان عليهم فعله هو النظر إلى الفضائيين على شاشة الكمبيوتر أثناء سماعهم الكلمات بهذه اللغة. الجزء التالي هو الذي تغيرت فيه الأمور: حيث انقسم رواد الفضاء الآن إلى مجموعتين؛ تم تقديم تمارين استيعاب اللغة لبعض رواد الفضاء، مما يعني أن دروسهم الجديدة كانت في الغالب حول محاولة تعلم هذه اللغة عن طريق الاستماع والفهم، متبوعة باختيار الإجابة الصحيحة على سؤال يخص اللغة على الشاشة.
أما مجموعة رواد الفضاء الأخرى فقد جربنا معها شيئًا مختلفًا – إذ كان عليهم أن يحاولوا التحدث باللغة الغريبة. كانت هذه المجموعة من رواد الفضاء هي مجموعة الإنتاج اللغوي، حيث كانوا يحاولون تعلم اللغة من خلال التحدث بها، على الرغم من أنهم بدأوا للتو في تعلمها!
قد يبدو من الجنون أن تطلب من الناس ممارسة شيء لا يعرفون الكثير عنه، ولكن يمكنك القيام بذلك بنفسك دون أن تعي! على سبيل المثال، لتعلم ركوب الدراجة، لا نقرأ كتبًا عن كيفية القيام بذلك (الاستيعاب)، ولكن نقف على الدراجة ونبدأ في الممارسة (الإنتاج)، وهذا ما يجري اختباره في مجموعة الإنتاج - تعلم قواعد اللغة الجديدة عن طريق التعليم العملي أو التطبيق الفعلي.
في نهاية التجربة، كان على جميع رواد الفضاء اجتياز اختبار أخير خاص بالقواعد النحوية. الشكل (2B) يعرض مثالًا على أحد أسئلة القواعد النحوية لهذه اللغة في الاختبار، حيث أدت المجموعتان الاختبار نفسه حتى نتمكن من مقارنتهما.
ما الذي اكتشفناه؟
ما الذي تظن أنه حدث؟ هل تعتقد أن مجموعة الإنتاج حققت نتائج أفضل في اختبار القواعد النحوية من مجموعة الاستيعاب؟ إذا قلت نعم، فأنت على حق! الشكل 3 يوضح أن مجموعة الإنتاج لم تحصل على إجابات صحيحة في اختبار القواعد النحوية فحسب، بل أجابت أيضًا عن الأسئلة بشكل أسرع! فقط من خلال محاولة التحدث بصوت عالٍ بلغة "Alienese"، أصبحت مجموعة الإنتاج بالفعل أفضل في قواعد اللغة من مجموعة الاستيعاب. قد يبدو هذا غريبًا لأن هذه المجموعة من رواد الفضاء لم تعرف حتى جميع الكلمات والقواعد الخاصة بلغة "Alienese" تمامًا، ولكن التحدث بلغة لم يعرفوها تمامًا ساعدهم أكثر من مجرد الاستماع إليها.
لماذا يكون الإنتاج اللغوي مفيدًا للغاية؟
بعض الأمور، مثل تعلم لغة وركوب دراجة، قد تكون خادعة للغاية - فقط الممارسة ربما تكون صعبة. نعتقد أن العمل الجاد أثناء ممارسة اللغة يمكن أن يعود بالنفع على التعلم على المدى الطويل. لقد درس باحثون آخرون آلية استجابة المخ عندما يتعلم الإنسان مفردات لغة أجنبية جديدة [3]. فلقد درسوا أجزاء المخ التي تُستخدم عندما يفكر الناس بجد. ووجد الباحثون أن هذه المناطق من المخ كانت أكثر نشاطًا خلال المهام الصعبة، مثل مهمة الإنتاج هنا، مقارنةً بمهام أسهل، مثل مهمة الاستيعاب، ووجدوا أيضًا أن مهمة الإنتاج كانت أفضل من مهمة الاستيعاب في تقوية ذاكرة اللغة الأجنبية في المخ.
بالطبع، قمنا باختبار تعلم القواعد النحوية وتعلم المفردات معًا - وليس فقط تعلم المفردات - ويمكننا تخمين ما كان يحدث في عقول رواد الفضاء في تجربتنا. نعتقد أن رواد الفضاء تعلموا أكثر عندما كانوا يتحدثون اللغة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المخ كان يعمل بنشاط. تزف هذه التجربة التي أجريناها أخبارًا سارة للطلاب، لأنها توضح لنا أنه على الرغم من أننا قد لا نعرف كيف نتحدث لغة "Alienese" أو نؤدي حركات بهلوانية باستخدام دراجتنا الجديدة، فإنه يمكننا تعلمها بمجرد المحاولة، فالتعليم العملي أو التطبيق رائع!
هل يمكنك أيضًا تعلم لغة جديدة بهذه الطريقة؟
نعم! إذا قررت تعلم لغة جديدة، فأنت الآن تعرف شيئًا مهمًا: يساعدنا التحدث بلغة جديدة على تعلم تلك اللغة الجديدة أسرع من مجرد الاستماع إليها. نحن بحاجة إلى ممارسة اللغة من خلال التحدث بها. قد يكون هذا عملًا شاقًا بالنسبة لك ولمخك، ولكن الأمر يستحق ذلك، خاصة إذا جعلته ممتعًا. يتيح لك تعلم لغة جديدة التحدث إلى المزيد من الأشخاص حول العالم، وحتى داخل بلدك. هذا وتظهر بعض الدراسات أن الإلمام بلغتين له فوائد عديدة لمخك؛ مثل التعود على السرعة في التبديل بين مختلف المهام [4–6].
هل أنت على استعداد لخوض مغامرة تعلم اللغة مثلما فعل رواد الفضاء في تجربتنا؟ إذا كان الأمر كذلك، فهناك بعض التطبيقات المتاحة للأطفال التي تسمح لك بممارسة التحدث بصوت عال. اطلب من والديك مساعدتك في العثور على هذه التطبيقات وتنزيلها حتى تتمكن من البدء لتصبح مغامرًا في بحر اللغات!
إسهامات المؤلفين
صمم كل من EH وMM الدراسة الأصلية وقامتا بإجرائها، في حين كتب CR المسودة البحثية الأولى من هذه الورقة البحثية تحت إشراف EH، وقام CR وEH بوضع الأشكال وتحرير المسودة الثانية من هذه الورقة البحثية، بينما قدمت MM اقتراحات طوال الوقت وقرأت الورقة البحثية في شكلها النهائي ووافقت عليها.
مسرد للمصطلحات
أجنبي (Foreign): ↑ كلمة Foreign تعني أجنبيًا (وتُنطق "for-in") أي من بلد مختلف عن بلدك. لذا، إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة، مثلنا، فإن الفرنسية مثال على لغة أجنبية.
المفردات اللغوية (Vocabulary): ↑ تعني الكلمات الموجودة في لغة معينة، فمفرداتك في اللغة الإنجليزية مثلًا هي الكلمات الإنجليزية التي تعرفها.
القواعد النحوية (Grammar): ↑ هي قواعد اللغة التي تحدد كيفية التقاء الكلمات معًا لتكوين الجمل.
استيعاب اللغة (Language comprehension): ↑ استيعاب اللغة هو فهم اللغة وإدراكها، لذا عندما تقرأ اللغة أو تستمتع إليها، فانت بذلك تقوم بعملية استيعاب اللغة.
إنتاج اللغة (Language production): ↑ إنتاج اللغة هو التحدث بلغة، بحيث متى كنت تتحدث بلغة أو تكتبها، فأنت بذلك تقوم بعملية إنتاج اللغة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
نتوجه بالشكر إلى كل من Misty Kabasa، وMark Koranda، وEthan Seidenberg، وRubiarbriana Jamison، و Zoe Hansen على التعليقات البناءة حول مسودات هذه الورقة البحثية، كما نود أيضًا أن نشكر جميع أولياء الأمور والمعلمين والأطفال من مدرسة Milwaukee French Immersion School الذين تواصلوا معنا بحماس وقدموا الملاحظات حول هذا المشروع.
مقال المصدر الأصلي
↑ Hopman, E. W. M., and MacDonald, M. C. 2018. Production practice during language learning improves comprehension. Psychol. Sci. 29:961–71. doi: 10.1177/0956797618754486
المراجع
[1] ↑ Karpicke, J. D. and Roediger, H. L. 2008. The critical importance of retrieval for learning. Science 319:966–8. doi: 10.1126/science.1152408
[2] ↑ Hopman, E. W. M. and MacDonald,M. C. 2018. Production practice during language learning improves comprehension. Psychol. Sci. 29:961–71. doi: 10.1177/0956797618754486
[3] ↑ van den Broek, G. S. E., Takashima, A., Segers, E., Fernández, G., and Verhoeven, L. 2013. Neural correlates of testing effects in vocabulary learning. Neuroimage 78:94–102. doi: 10.1016/j.neuroimage.2013.03.071
[4] ↑ Bialystok, E., Craik, F. I., and Luk, G. 2012. Bilingualism: consequences for mind and brain. Trends Cogn. Sci. 16:240–50. doi: 10.1016/j.tics.2012.03.001
[5] ↑ Marian, V. and Shook, A. 2012. The cognitive benefits of being bilingual. Cerebrum 2012:13. Available online at: https://www.dana.org/article/the-cognitive-benefits-of-being-bilingual/
[6] ↑ Costa, A., Hernández, M., and Sebastián-Gallés, N. 2008. Bilingualism aids conflict resolution: evidence from the ANT task. Cognition 106:59–86. doi: 10.1016/j.cognition.2006.12.013