ملخص
البلوغ مرحلة طبيعية من مراحل التطور، إلا أنها تختلف من شخص لآخر. قد يسبق بعض المراهقين أقرانهم في البلوغ، وتكون هذه المرحلة أسرع عند بعض المراهقين الآخرين، لذلك يمكن أن يختلف شكل الأطفال من نفس الأعمار لأن أجسامهم تنمو بنسب مختلفة. وقد وجد الباحثون أن البلوغ لا يغير من شكل الجسم فحسب، وإنما يحدث تغييرات بالمخ أيضًا، ويرجع هذا إلى أن مرحلة البلوغ تتضمن تغييرات في الهرمونات المرتبطة بخلايا المخ أيضًا مما يغير من كيفية تعلم المخ ونموه. وتعد هذه التغييرات إيجابية لأنها تساعد على إعداد المخ لأشكال التعلم المختلفة، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى بعض ''العثرات'' في الطريق؛ فقد تقرر مثلًا المجازفة في مواقف خطرة. وسنشرح في هذا المقال تأثير مرحلة البلوغ على المخ، وأهمية هذه التغييرات لتجهيزك لمرحلة مرحلة النضج.
ما المقصود بالمراهقة؟ وما هي الهرمونات؟
تعد مرحلة البلوغ جزءًا طبيعيًّا في تطور الإنسان وتحدث في بداية سنوات المراهقة. وعندما نتحدث عن البلوغ قد يتبادر إلى ذهنك البثور ورائحة الجسد ونمو الشعر، والكثير من تغييرات الجسم الأخرى والغريبة أحيانًا. ولكن هل تعلم ما السبب الذي يُحدِث كل هذه التغييرات في الجسم؟
يرسل المخ الإشارات إلى الجسم لبدء عملية البلوغ من خلال إرسال الرسائل في هيئة هرمونات، والهرمونات هي جزيئات صغيرة يصنعها الجسم وتنتقل عبر مجرى الدم إلى أجزاء مختلفة من الجسم بما في ذلك المخ. وتلعب الهرمونات دورًا مهمًا في نقل الرسائل لمسافات بعيدة داخل الجسم، كي تستطيع الأعضاء المختلفة التواصل مع بعضها البعض. وعندما يصل الهرمون إلى وجهته، يلتحق بما يسمى المستقبل داخل الخلية أو عليها (انظر الشكل 1). هذا يحفز استجابة لدى الخلية من شأنها أن تؤثر على سلوك الخلية أو حتى بقائها، وتعتمد كيفية استجابة الخلية على نوع الخلية ونوع الهرمون على حد سواء.
وتلعب الهرمونات دورًا رئيسيًّا في انطلاق مرحلة البلوغ، حيث يبدأ البلوغ عندما يرسل المخ الإشارات للجسم لإفراز كميات أكبر من هرمونات محددة، ويوضح الشكل 2 كيفية حدوث ذلك.
يعد هرمونا التستوستيرون والإستراديول من الهرمونات الأساسية التي تسبب الكثير من التغيرات الجسدية المرتبطة بمرحلة البلوغ. حيث ترتفع مستويات التستوستيرون أكثر لدى الذكور، بينما تعلو نسبة هرمون استراديول أكثر لدى الفتيات. ويمكن للتستوستيرون على سبيل المثال أن ينتقل إلى خلايا الشعر مما يجعله أدكن وأكثر كثافة، كما يزيد من نمو الشعر تحت الإبط أو الوجه، ويلعب هرمون الإستراديول دورًا مهمًا في نمو الثدي لدى البنات، كما يعد هرمونا التستوستيرون والاستراديول عنصرين مهمين لعملية الخصوبة؛ أي القدرة على إنجاب الأطفال.
يختلف العمر الذي تحدث فيه كل هذه العملية من شخص لآخر، ففي المتوسط يبدأ سن البلوغ لدى الفتيات عند العاشرة، بينما يتأخر الذكور عامًا واحدًا عنهن، يرجع جزء من هذه الاختلافات إلى العوامل الوراثية ولكن جزء آخر يعود بالتأكيد إلى التجارب التي يمرون بها خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
على سبيل المثال، الأطفال الذين يمرون بالكثير من الأوقات العصيبة في طفولتهم المبكرة يميلون إلى الدخول في مرحلة البلوغ عند سن مبكرة.
الهرمونات تُغير طريقة تنظيم المخ وسلوك الخلايا
يمكن أن يتصل هرمونا التستوستيرون والإستراديول بخلايا المخ. ويختلف شكل خلية المخ عن الخلايا الأخرى في باقي أعضاء الجسم؛ إذ تتكون من جسم الخلية بالإضافة إلى أجزاء تشبه الأسلاك المتدلية (انظر الشكل 1). وعادةً ما تحتوي خلال المخ على ''أسلاك'' أقصر طولًا تدعى الزوائد الشجيرية، وهي مسؤولة عن استقبال الإشارات من الخلايا الأخرى. كما يوجد ''سلك'' طويل يسمى المحور العصبي، وهو المسؤول عن إرسال الإشارات إلى الخلايا الأخرى.
هناك طريقتان رئيسيتان تؤثر من خلالها الهرمونات على خلايا المخ [1].
أولًا، يمكن للهرمونات أن تؤثر على آلية تنظيم المخ، وهذا النوع من التغيير يستغرق بعض الوقت. وتشمل التغييرات التي تطرأ على المخ تغييرات في عدد الخلايا أو تغييرات في حجم وشكل الزوائد الشجيرية أو المحاور العصبية. على سبيل المثال، يؤثر هرمون التستوستيرون على نمو الخلايا الجديدة داخل منطقة بالمخ تسمى اللوزة الدماغية الوسطية، ولأن إفراز هرمون التستوستيرون يكون أكثر لدى الفتيان في فترة البلوغ، تصبح هذه المنطقة أكبر حجمًا لدى الذكور مقارنة بالإناث [2]. وقد توصلت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات إلى هذه النتائج. وتشير الأبحاث التي أجريت على الأشخاص لقياس مستويات الهرمون وحجم اللوزة الدماغية إلى تماثل طريقة عملها لدى الإنسان أيضًا.
ثانيًّا، يمكن أن يؤثر الهرمون على نشاط المخ الذي يحدث عند الاستجابة لموقف ما أو البيئة المحيطة. وقد تدعم الهرمونات الخلية أو تمنعها من تبادل الإشارات مع الخلايا الأخرى، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تغييرات بخلايا المخ على المدى البعيد أيضًا. فعلى سبيل المثال، ترتفع معدلات هرمون التستوستيرون عند الفئران (والبشر) أثناء المسابقة أو المشاجرة، وقد أظهرت دراسة أن الفئران التي تنتصر في المشاجرة تنتج مستقبلات أكثر لهرمون التستوستيرون في مناطق المخ المسؤولة عن المكافأة والسلوك الاجتماعي [3]. وقد تغير هذه المستقبلات الجديدة أيضًا من سلوك الفأر في المشاجرة التالية، ويوضح هذا المثال كيف يمكن أن تعمل الخبرات، مثل الفوز في مشاجرة، مع الهرمونات معًا لتشكيل تطور المخ. ولهذه العملية أهمية خاصة في فترة البلوغ، حين تكون مستويات الهرمون بالفعل أعلى منها في فترة الطفولة، والمخ لا يزال في حالة تطور.
لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه حول كيفية تأثير الهرمونات على تنظيم خلايا المخ لدى الإنسان، ولكننا نعلم أن هذه الآثار تختلف عند الفتيان والفتيات، كما تختلف من منطقة مخ لأخرى. وقد بدأ الباحثون مؤخرًا في إدراك أهمية التغييرات المرتبطة بالهرمونات داخل المخ فيما يتعلق بالسلوك والتعلم، لذلك لا يزال أمامنا الكثير من الأسئلة التي تنتظر منا إجابات.
تأثير فترة البلوغ على عملية التعلم
يمكن أن يتعلم الأطفال بعض الأشياء المحددة بصورة أفضل من المراهقين أو البالغين؛ فعلى سبيل المثال يكون الصغار أفضل في تعلم اللغات الجديدة على وجه التحديد، ويصبح تعلم لغة ثانية أكثر صعوبة بعد السن 11-9 عامًا. وربما يرجع ذلك إلى التغييرات التي تحدث في طريقة معالجة المخ للكلام والمعلومات الأخرى المتعلقة باللغة. وقد اهتمت إحدى الدراسات برصد دور مرحلة البلوغ في هذه التغييرات، استمع الأطفال إلى مقاطع كلامية من لغة ''غريبة'' وهمية، ودرس الباحثون كيف حاول المخ استخراج المعاني من هذه اللغة [4]. إذ يتغير النشاط في عدة مناطق بالمخ مسؤولة عن اللغات كلما تقدم الأطفال في العمر، وينخفض النشاط في بعض مناطق المخ المرتبطة باللغات لدى الأطفال في سن البلوغ. لذلك من المحتمل أن تلعب فترة المراهقة دورًا في التغييرات التي تطرأ على استجابات المخ للغات.
وعلى الجانب الآخر يمكن أن تمثل فترة البلوغ مرحلة انفتاح على أنواع مختلفة من التعلم، فيمكن أن تقدم فرصًا جديدة لمعرفة ذاتك وتعلم المهارات الاجتماعية والعاطفية التي تُجهز المراهقين لمرحلة النضج. وربما يتغير المخ أثناء سنوات المراهقة فيما يتعلق بطرق دعم عملية التعلم؛ فعلى سبيل المثال، تعد الاستجابة للتقييم والتعليقات أحد العناصر المهمة في عملية تعلم المهارات الجديدة. أي بعبارة أخرى كيف يستخدم المخ المعلومات التي تخبرك بما إذا كنت حصلت على الإجابة الصحيحة أم لا. ورصدت إحدى الدراسات التي أجريت على أكثر من 200 طفل ومراهق وبالغ كيفية استجابة المخ عندما يتلقى تقييم معين. حيث ارتبط مستوى استفادة المشاركين من التقييم بنشاط في أجزاء مختلفة من الجسم المخطط، وهو منطقة أساسية بالمخ فيما يخص التعلم. وكانت بعض أجزاء الجسم المخطط أكثر نشاطًا عند المراهقين مقارنة بالأطفال أو البالغين، مما يشير إلى أن الأشخاص قد يتلقون التقييم بصورة مختلفة في سنوات المراهقة [5].
يستوجب تعلم المهارات الجديدة الاكتشاف وخوض المخاطر أيضًا؛ مثل مشاركة بعض المعلومات عن نفسك، أو تجربة هواية جديدة قد لا تكون متقنًا لها، أو محاولة التحدث إلى شخص ما تشعر بالإعجاب نحوه. ويرتبط قرار خوض تجربة بها نسبة مخاطرة بالتجارب التي تعتقد فيها أنك على صدد الحصول على مكسب ما؛ مثل المكافأة. وقد رأي العلماء أن أجزاء من الجسم المخطط تنشط أيضًا عندما يحصل شخص ما على مكافأة بما في ذلك الطعام والنقود. وركزت إحدى الدراسات التي أجريت على مشاركين تتراوح أعمارهم بين 27-8 عامًا على هذه المنطقة من المخ بالتحديد، وقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين قطعوا وقتًا أطول في سن البلوغ والأشخاص الذين لديهم ارتفاع في معدل هرمون تستوستيرون في أجسامهم ازداد نشاط مخهم في هذا الجزء من الجسم المخطط عندما حصلوا على المكافأة، وهذا يشير إلى أن الهرمونات قد تلعب دورًا مهمًا في زيادة حساسية المخ تجاه المكافآت في فترة البلوغ [6].
توضح هذه الدراسات أن الطريقة التي يستجيب بها المخ للتعليقات والمكافآت تتغير خلال فترة البلوغ. قد تشجع هذه النتائج المراهقين على التعلم أكثر حول أنفسهم والآخرين، وتدعم اكتشاف الذات والنمو الشخصي، إلا إن هذه التغييرات ربما يشير إلى بحقيقة أن بعض المشكلات المتعلقة بالصحة العقلية، وإدمان المخدرات يميل إلى الظهور بكثرة خلال سنوات المراهقة. على سبيل المثال إذا كان المراهق أكثر حساسية تجاه المكافآت، فربما يكون أكثر حساسية تجاه الشعور بالمكافأة الذي يستمده من تناول الكحول أو المخدرات. كما أن الأطفال الذين يدخلون في مرحلة البلوغ أسرع من أقرانهم يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الصحة النفسية. ويعتقد الباحثون أن هذا قد يرجع جزئيًّا إلى الهرمونات التي يكون لها تأثيرًا مختلفًا على المخ، ولكن لا يزال هناك الحاجة إلى المزيد من الأبحاث لمعرفة صحة هذا الاعتقاد. يمر أغلب الأطفال من مرحلة البلوغ دون مواجهة أي مشكلات بالصحة النفسية، ويبحث العلماء عن طرق تحفز النتائج الإيجابية لدى المزيد من الأطفال.
الخلاصة
تعد مرحلة البلوغ مرحلة التغييرات الكبيرة، بما في ذلك التغييرات التي قد تكون غريبة أو محيرة أو ملحوظة. وترجع بعض هذه التغييرات إلى نشاط الهرمونات على الخلايا في أنحاء الجسم، بما في ذلك المخ. حيث يمكن أن تؤثر الهرمونات على المخ على المدى البعيد من خلال تغييرها المباشر لطريقة تنظيمه أو تغيير استجابته لمواقف محددة.
قد تكون هذه التغييرات مهمة لفتح الأبواب أمام فرص جديدة للتعلم الذي يعد المراهقين إلى مرحلة النضوج، على الرغم من أن نفس هذه التغييرات قد تغلق الباب أمام أنواع مختلفة من التعلم التي كانت تحدث في الطفولة المبكرة. ربما تستطيع المدارس الاستفادة من هذه التغييرات بالمخ مع طلابها، على سبيل المثال يمكن أن تتيح لهم فرص الاستكشاف وخوض المخاطر بطريقة إيجابية. إن التعلم ليس فقط تعلم الرياضيات والقراءة، بل يفوق ذلك بكثير؛ إنه تعلم اتخاذ القرارات التي تساعدنا على فهم أنفسنا بصورة أفصل وفهم الآخرين، وهو نوع آخر غاية في الأهمية من أنواع التعلم يكون المخ حساسًا تجاهه للغاية في مرحلة البلوغ.
مسرد للمصطلحات
الهرمونات (Hormones): ↑ هي الرسل الصغيرة التي تنتقل عبر مجرى الدم لأجزاء مختلفة من الجسم. ويلعب هرمونا التستوستيرون والاستراديول أدوارًا حيوية في عملية البلوغ.
المُستَقبِل (Receptor): ↑ هو هيكل يوجد داخل الخلية أو عليها يلتحق به الهرمون أو أي رسول آخر.
الزوائد الشجيرية (Dendrite): ↑ هي جزء في خلية المخ مسؤول عن استقبال الإشارات التي تأتي من الخلايا الأخرى.
المحور العصبي (Axon): ↑ المحور العصبي هو جزء في خلية المخ مسؤول عن إرسال الإشارات إلى الخلايا الأخرى.
اللوزة الدماغية (Amygdala): ↑ هي منطقة صغيرة بالقرب من أسفل المخ، لها أهمية كبيرة في معالجة المشاعر مثل الخوف.
الجسم المخطط (Striatum): ↑ منطقة في منتصف المخ مسؤولة عن معالجة المكافآت والتقييمات، وتسمى الجسم المخطط لأن أنواع الأنسجة المتبادلة بها تجعل شكلها مخططًا.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
إن TC مدعومة من قبل المركز الوطني لتطوير العلوم التحويلية التابع للمعاهد الوطنية للصحة تحت رقم الجائزة TL1TR002371. يتحمل المؤلفون وحدهم مسؤولية المحتوى الذي لا يعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للمعاهد الوطنية للصحة. نود أن نتقدم بشكر الخالص لكل من ساعدنا في ترجمة المقالات في هذه المجموعة، لتكون هذه المقالات متاحة لعدد أكبر من الأطفال الذين يعيشون في بلاد لا تتحدث باللغة الإنجليزية، ولمؤسسة جاكوبز لتقديم الدعم المادي اللازم لترجمة هذه المقالات. وقد ترجم MB هذا المقال إلى اللغة الهولندية.
المراجع
[1] ↑ Schulz, K. M., Molenda-Figueira, H. A., and Sisk, C. L. 2009. Back to the future: the organizational-activational hypothesis adapted to puberty and adolescence. Horm. Behav. 55:597–604. doi: 10.1016/j.yhbeh.2009.03.010
[2] ↑ Ahmed, E. I., Zehr, J. L., Schulz, K. M., Lorenz, B. H., DonCarlos, L. L., and Sisk, C. L. 2008. Pubertal hormones modulate the addition of new cells to sexually dimorphic brain regions. Nat. Neurosci. 11:995–7. doi: 10.1038/nn.2178
[3] ↑ Fuxjager, M. J., Forbes-Lorman, R. M., Coss, D. J., Auger, C. J., Auger, A. P., and Marler, C. A. 2010. Winning territorial disputes selectively enhances androgen sensitivity in neural pathways related to motivation and social aggression. Proc. Natl. Acad. Sci. U. S. A. 107:12393–8. doi: 10.1073/pnas.1001394107
[4] ↑ McNealy, K., Mazziotta, J. C., and Dapretto, M. 2011. Age and experience shape developmental changes in the neural basis of language-related learning. Dev. Sci. 14:1261–82. doi: 10.1111/j.1467-7687.2011.01075.x
[5] ↑ Peters, S., and Crone, E. A. 2017. Increased striatal activity in adolescence benefits learning. Nat. Commun. 8:1983. doi: 10.1038/s41467-017-02174-z
[6] ↑ Braams, B. R., van Duijvenvoorde, A. C. K., Peper, J. S., and Crone, E. A. 2015. Longitudinal changes in adolescent risk-taking: a comprehensive study of neural responses to rewards, pubertal development, and risk-taking behavior. J. Neurosci. 35:7226–38. doi: 10.1523/JNEUROSCI.4764-14.2015