Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 16 مايو 2022

فقدان الذاكرة وأنظمة الذاكرة المتعدِّدة في الدماغ

ملخص

عانت شخصيَّة ”دوري“ في فيلم ”البحث عن نيمو“ من مشكلات في الذاكرة. حيث واجهت سمكة دوري المسكينة صعوبةً في تذكُّر الأشياء. فقد نسيت أسرتها وأحداث حياتها. كما أنها تنسى ما يقوله لها أصدقاؤها في غضون دقيقتين فقط. ومن ذلك نرى أن صُنَّاع الأفلام يحاولون توضيح معنى فقدان الذاكرة، الذي يعدُّ إحدى مشكلات الذاكرة. إلا أن فقدان الذاكرة في الحقيقة يختلف كثيرًا عما نراه في الأفلام. وسنتحدث في هذا المقال عن حقيقة أن تعرُّض قرن آمون، وهو جزء خاص وصغير في الدماغ، إلى الضرر يمكن أن يتسبب في فقدان حقيقي للذاكرة. وسنتحدث كذلك عن صعوبة مهام التعلُّم وتذكُّر بعض المعلومات والتي منها الحقائق؛ مثل قواعد لعبة إلكترونية عند الإصابة بفقدان الذاكرة. ولكن هذه الصعوبة لا تنطبق على معلومات أخرى ومنها المهارات؛ مثل كيفية استخدام عصا التحكم في اللعب. وفي النهاية، سنتحدث عن الأشخاص المميَّزين على مرِّ التاريخ الذين زوَّدوا العلماء بأغلب ما يعرفونه عن فقدان الذاكرة، وأسبابه، وما الذي يمكن القيام به لمساعدة المصابين به.

هل نسيت اسم شخص رغم أنك التقيت به للتوِّ؟ أو هل نسيت المكان الذي وضعت فيه أي شيء في غرفتك؟ تعتبر هذه الصعوبات في تذكر الأشياء شائعة؛ حيث تصيب العديد من الأشخاص الأصحاء أحيانًا. لكن بعض الناس يواجهون صعوبةً في تذكُّر بعض الأشياء التي تحدث لهم طوال الوقت. وعندما يواجه الناس مشكلةً كبيرةً في تعلُّم المعلومات الجديدة وتذكرها، نقول إنهم يعانون من فقدان الذاكرة.

تُستخدم كلمة فقدان الذاكرة كثيرًا في التلفاز والأفلام عند وصف أي شخصٍ يعاني من مشكلات في الذاكرة. وشخصية دوري، من فيلم البحث عن نيمو، هي واحدة من أشهر الأمثلة (المربع 1). وقد تستيقظ بعض الشخصيَّات في المسلسلات والأفلام التلفزيونية في الصباح وتنسى هويَّتها وموطنها. وفي أوقاتٍ أخرى، تتلقى شخصيَّةٌ ضربة على الرأس وتنسى جميع أحداث حياتها. لا تحدث هذه الأشياء بهذه الكثرة في الحياة الواقعيَّة. حيث يبدو فقدان الذاكرة الحقيقي مختلفًا عن الأفلام. وفي السطور التالية، سنتحدث عن معنى فقدان الذاكرة الحقيقي.

صندوق 1. فقدان الذاكرة في الأفلام.

كانت شخصية دوري في فيلمي ”البحث عن نيمو“ و“البحث عن دوري“ مثالًا على الشخصيَّات الخياليَّة التي تعاني من فقدان الذاكرة أو من مشكلات فيها. وتشبه بعض الأشياء التي تفعلها دوري في هذين الفلمين أعراض فقدان الذاكرة الحقيقي. على سبيل المثال، تنسى دوري أنها التقت بمرلين، وهي شخصية أخرى في الفيلم. وهو مثال على فقدان الذاكرة التقدُّمي. وعلى صعيدٍ آخر، فإن بعض الأشياء التي تفعلها دوري في تلك الأفلام لا تشبه أعراض فقدان الذاكرة الحقيقي. حيث تنسى دوري العديد من ذكريات طفولتها. فعلى سبيل المثال، تنسى أبويها وكيف انفصلت عنهما في صغرها. فلا يعتبر نسيان ذكريات الطفولة أمرًا شائعًا في فقدان الذاكرة. وتقول دوري كذلك إنها تعاني من ”فقدان ذاكرة قصير المدى”، وذلك مثال آخر على عرض الأفلام لحالة فقدان الذاكرة بصورة خاطئة. حيث إن دوري لا تواجه مشكلةً في الاحتفاظ بالمعلومات لفترة ”قصيرة”، وإنما تكمن مشكلتها في الاحتفاظ بها في ذاكرتها طويلة الأمد لتتمكن من استرجاعها في وقتٍ لاحق.

ما الذي يُسبِّب فقدان الذاكرة؟

ما الذي يُسبِّب فقدان الذاكرة الحقيقي؟ عادةً ما يحدث فقدان الذاكرة نتيجة تضرُّر جزء من الدماغ يُدعى الحُصين. يوجد اثنان من الحُصين لدى كلِّ شخص: واحد في النصف المخي الأيمن، والآخر في النصف المخي الأيسر.

الحُصين صغير جدًا؛ إذ يبلغ حجمه حوالي 3.5 ملليمتر مكعَّب (أو 0.21 إنش مكعَّب)، إلا أنَّه جزء مهم جدًّا في الدماغ (الشكل 1). وتضرُّر الحُصين هو أكثر طريقة شائعة للإصابة بفقدان الذاكرة، إلا أن تضرُّر مناطق أخرى في الدماغ متصلة بالحُصين قد يُسبِّب فقدان الذاكرة أيضًا. وسنركز، في هذه الدراسة، على الحُصين، لأنه تمت دراسة دوره في حدوث فقدان الذاكرة أكثر من غيره.

شكل 1 - مكان الحُصين في المخ.
  • شكل 1 - مكان الحُصين في المخ.
  • توضح هذه الصورة مكان الحُصين (باللون الأزرق) في المخ. يوجد اثنان من الحُصين في الدماغ: واحد على الجانب الأيسر (باللون الأزرق الداكن)، وواحد على الجانب الأيمن (باللون الأزرق الفاتح) من الدماغ. الحُصين ضروري جدًا لقدرتك على تعلُّم الحقائق والأحداث الجديدة (حقوق الصورة: Jay Leek, UC Davis).

يتحدَّث العلماء عن فقدان الذاكرة بطريقتين. الأولى، أن فقدان الذاكرة قد يحدث ضمن مشكلات أخرى. فعلى سبيل المثال، هناك بعض الأمراض والإصابات التي تتسبَّب في إتلاف الحُصين وتؤدي إلى فقدان الذاكرة. تشمل هذه الأمراض والإصابات داء ألزهايمر وإصابات الدِّماغ الرضيَّة. حيث تؤدي هاتان المشكلتان إلى فقدان الذاكرة، إلا أنَّهما تسبِّبان كذلك العديد من المشكلات الأخرى التي تؤثر على قدرة الفرد على التفكير. فعلى سبيل المثال، قد يواجه شخصٌ مصابٌ بداء ألزهايمر أو بإصابةٍ رضيَّةٍ في الدماغ صعوبةً في التخطيط ليومه أو اتخاذ القرارات الصائبة. لذا، عندما يعاني المصابون بداء ألزهايمر أو بإصابات الدماغ الرضيَّة من النسيان، نقول إن فقدان الذاكرة واحدٌ من أعراضها. ويُصاب الناس بدرجاتٍ مختلفةٍ من فقدان الذاكرة كعَرَض، حيث يتدرَّج الأمر من مشكلات بسيطة في الذاكرة وصولًا إلى المشكلات الكبيرة. ويشيع فقدان الذاكرة كجزء من مجموعةٍ كبيرةٍ من المشكلات. إلا أن فقدان الذاكرة قد يحدث أيضًا وحده، بدون أي مشكلات مصاحبة.

حدوث فقدان الذاكرة وحده أمرٌ نادر الحدوث، لأن تلف الحُصين وحده أمرٌ شديد النُّدرة. ويمكن أن يؤذي الشخص حُصينه عندما يُصاب بحالةٍ حادةٍ من مرض التهاب الدماغ الهربسي البسيط، أو عندما يخضع لجراحةٍ في الدماغ لاستئصال الحُصين أو جزء منه، أو بالتعرُّض لحادثٍ يتسبَّب في انقطاع الأكسجين عن الحصين (المربع 2). لحسن الحظ، لا تحدث هذه الأشياء كثيرًا. لكن إذا تضرَّر الحُصين لدى شخص ما، فسيواجه هذا الشخص مشكلات في الذاكرة. ومن المثير للاهتمام، أن المصابين بفقدان الذاكرة يواجهون صعوبةً في حفظ بعض أنواع المعلومات، ولا يواجهون مشكلةً مع أنواع أخرى من المعلومات. ولعلك تعلم أن المصابين بفقدان الذاكرة نادرون، إلا أنهم مهمُّون لتعليم الأطباء والعلماء المزيد عن طريقة عمل الذاكرة، وتعليم العلماء كيفية مساعدة المصابين بمشكلات الذاكرة ودفعهم نحو التحسُّن.

صندوق 2. تضرُّر الحُصين.

يعد انقطاع الأكسجين عن الدماغ من طرق إصابة الشخص بفقدان الذاكرة. وهو ما قد يحدث نتيجةً للأزمة القلبية، أو نوبات التشنُّج العنيفة، أو التعرُّض لإصابة رضيَّة في الدماغ. وعندما لا يحصل المخ على ما يكفيه من الأكسجين، تبدأ أنسجة المخ في الانكماش (يُعرف أيضًا بالضمور) ولا تعمل بكفاءة بعد ذلك. والجدير بالذكر أن الحُصين حساسٌ جدًا تجاه أي نقصٍ في الأكسجين. وهو ما يعني أنه يضمر أسرع من أجزاء المخ الأخرى عند نقص الأكسجين. ولسوء الحظ، لا يتعافى الدماغ عند تعرضه لإصابة بنفس الطريقة التي يتعافى بها الجلد عند الإصابة بجرح أو خدش. وفي بعض الأحيان، يظلُّ المخ مصابًا وضامرًا وهو ما يؤدي إلى مشكلات؛ مثل فقدان الذاكرة.

المرضى المصابون بفقدان الذاكرة

تعلَّم العلماء الكثير عن فقدان الذاكرة، وأنواعه المختلفة عن طريق دراسة المصابين بتلفٍ في الحُصين. عادةً ما يُسمى هؤلاء الأشخاص ”مرضى“ في السياق العلمي، ولكن من المهم أن نتذكَّر أن المرضى ما زالوا بشرًا. أشهر مريض بفقدان الذاكرة كانت أحرف اسمه الأولى: هـ.م. يستخدم العلماء الأحرف الأولى لحماية هويَّة المرضى عند الكتابة عنهم في مقالاتهم العلميَّة. ونعرف أن اسم المريض كان هنري مولايسون. وُلد هنري مولايسون عام 1926. وأصيب السيد مولايسون بنوبات في طفولته، وهو ما يعني أن دماغه لم يكن يعمل بشكلٍ طبيعي. تسبَّبت هذه النوبات في الكثير من المصاعب للسيد مولايسون. وللتخلُّص من هذه النوبات، قام جرَّاحٌ يُدعى الدكتور وليام سكوفيل باستئصال جزأَي الحُصين من دماغ السيد مولايسون [1]. ولأن ذلك قد حدث قبل وقتٍ طويل، لم يتمكن الجرَّاح من التنبؤ بما سيحدث بالضبط. ولم يكن العلماء يعلمون بأهميَّة الحُصين بعد، واعتقد الدكتور سكوفيل أنه قادر على علاج نوبات السيد مولايسون عن طريق استئصال حُصينه. ومن النتائج الإيجابيَّة للعمليَّة أنَّ نوبات السيد مولايسون تحسَّنت. إلا أن إزالة حُصين السيد مولايسون أدَّت - لسوء الحظ - إلى إصابته بمشكلات مستعصية في الذاكرة. وأصيب بفقدان الذاكرة.

واجه السيد مولايسون الكثير من المصاعب بسبب فقدان الذاكرة. إلا أن السيد مولايسون أيضًا ساعد العلماء في معرفة المزيد عن المخ ووظيفة الحُصين [2]. لقد كان العلماء الذين عملوا مع السيد مولايسون أوَّل من اكتشفوا أهميَّة الحُصين ودوره فيما يخص الذاكرة. في الوقت الذي عمل فيه العديد من العلماء مع السيد مولايسون، كان أشهرهم العالمتين بريندا ميلنر وسوزان كوركين. فقبل جراحة السيد مولايسون، اعتقد العلماء أنه لم يكن هناك أي جزء في الدماغ خاص بالذاكرة. وبعد جراحة السيد مولايسون، وجد العلماء أن الحُصين جزء خاص بالذاكرة؛ أي أنك إذا أتلفت الحُصين، فستعاني من مشكلات في الذاكرة.

قدرات إدراكية أخرى

ومن الأشياء الأخرى التي تعلَّمها العلماء من جراحة السيد مولايسون هو أن تضرُّر الحُصين لا يؤثر إلا على الذاكرة. فبعد العملية الجراحية، لم يكن السيد مولايسون قادرًا على الاحتفاظ بذكرياتٍ جديدةٍ في صورة حقائق أو أحداث. قد تظنُّ أنَّ السيد مولايسون يعاني من مشكلات أخرى بجانب الذاكرة، إلا أنَّ ذلك لم يحدث. فبعد الجراحة، لم يتغير معدل ذكاء السيد مولايسون، وكذلك قدرته على حلِّ المشكلات ظلت كما هي. وقد بدا أن قدرته على التفكير وقدراته اللغويَّة طبيعيَّة. كما أن شخصية السيد مولايسون ظلَّت كما هي بعد الجراحة. وقد كانت تلك القدرات الطبيعيَّة مفاجِئةً للعلماء، لأن العديد من إصابات الدماغ (كتلك التي تحدث بسبب داء ألزهايمر أو إصابة الدماغ الرضيَّة) تسبِّب العديد من المشكلات في وقت واحد.

توقيت المعلومات

يواجه المصابون بفقدان الذاكرة صعوبةً في تعلُّم المعلومات الجديدة وتذكرها. وفي حالة فقدان الذاكرة الحقيقي، لا ينسى الناس عادةً أشياء عن أنفسهم أو عما حدث لهم في الماضي. بل بشكل عام، يواجه المصابون بفقدان الذاكرة صعوبةً في تعلُّم معلومات جديدة [3]. كما أنهم يواجهون صعوبةً في تذكُّر الأشياء الجديدة التي حدثت بعد تضرُّر الحُصين. يُعرف هذا النوع من فقدان الذاكرة باسم: فقدان الذاكرة التقدُّمي (الشكل 2). ولا يواجهون صعوبةً في تذكُّر الأشياء التي حدثت لهم قبل تضرُّر الحُصين. وهو ما يعني أن البالغين المصابين بفقدان الذاكرة عادةً ما يتذكرون ما حدث في طفولتهم، بالرغم من عدم قدرتهم على تذكُّر ما تناولوه على الإفطار في ذلك الصباح. وجد العلماء الذين عملوا مع السيد مولايسون أنه قادرٌ على تذكُّر أشياء من طفولته، رغم أنه لم يتمكن من تذكُّر العمل معهم يوميًا. لذا اضطرَّت سوزان كوركين إلى إخبار السيد مولايسون كل مرةً تراه فيها باسمها. فبالرغم من أنها عملت معه لسنوات؛ فإنه لم يتمكن من تذكُّر هذه المعلومة [4]. في الوقت الذي يستطيع فيه المصابون بفقدان الذاكرة تذكُّر أشياء من الماضي السحيق، قد لا يستطيعون تذكُّر أشياء حدثت معهم مباشرةً قبل تعرُّض حُصينهم للإصابة مباشرة. يدعى نسيان الأشياء التي حدثت قبل تضرُّر الحُصين بفقدان الذاكرة الرَّجعي.

شكل 2 - فقدان الذاكرة التقدُّمي والرَّجعي.
  • شكل 2 - فقدان الذاكرة التقدُّمي والرَّجعي.
  • يواجه المصابون بفقدان الذاكرة صعوبةً في صنع ذكرياتٍ جديدة. وهو ما يُعرف بفقدان الذاكرة التقدُّمي. ويعني أن الشخص قد يواجه مشكلةً في تذكُّر الأشياء التي حدثت له بعد تعرُّضه للإصابة (كالوقت الذي قضاه في المستشفى). وفي الوقت الذي يواجه فيه المصاب بفقدان الذاكرة التقدُّمي صعوبةً في تذكُّر المعلومات الجديدة، فإنه لا ينسى ذكريات طفولته. ومن المحتمل أن ينسى المصاب بفقدان الذاكرة بعضًا من ذكرياته قبل الإصابة. وهو ما يُعرف بفقدان الذاكرة الرجعي. وعادةً ما تكون الذكريات المنسيَّة هي تلك التي حدثت قبل الإصابة مباشرةً. لذا، قد ينسى الشخص الموجود في هذه الصورة ما كان يفعله قبل السقوط من على السلَّم مباشرةً (قد ينسى أنه كان يحاول الإمساك بالطائرة الورقيَّة). إلا أنه من المستبعد أن ينسى ذكريات طفولته.

نوع المعلومات

توقيت المعلومات ليس العامل المؤثر الوحيد الذي يواجهه المصابون بفقدان الذاكرة عند تذكُّر الأشياء. فنوع المعلومات التي يحاول الشخص تذكُّرها مهمٌ أيضًا. ونجد أن المصابين بفقدان الذاكرة يواجهون صعوبةً في تذكُّر الحقائق والأحداث على وجه الخصوص. فعلى سبيل المثال، يواجه المصاب بفقدان الذاكرة صعوبةً في تذكُّر معلومة قرأها في كتاب مدرسي. إذا لم يكن هذا الشخص يعرف سابقًا أن جورج واشنطن هو أول رئيس للولايات المتحدة، فلن يُحدث عدد المرات التي تخبره فيها بهذه المعلومة فارقًا، وسيظل غير قادر على تذكُّرها. كما أن المصاب بفقدان الذاكرة يواجه صعوبةً في تذكُّر الأحداث الجديدة في حياته.

لذا فقد يذهب ذلك الشخص للمشي معك في الحديقة. وبعد ساعة، إذا حاولت تذكيره بكلبٍ مرحٍ رأيتماه في الحديقة، فلن يتمكن المصاب بفقدان الذاكرة من تذكُّر ذلك الكلب، أو أنه ذهب للمشي في الحديقة على الإطلاق. تسمَّى الذكريات المتعلِّقة بالحقائق والأحداث بالذكريات التقريريَّة. يواجه المصابون بفقدان الذاكرة مشكلةً مع الذاكرة التقريريَّة على وجه الخصوص.

عندما وجد العلماء في البداية أن تضرُّر الحُصين يؤدي إلى عجز الشخص عن تذكُّر الحقائق أو الأحداث الجديدة، فقد ظنُّوا أن المصابين بفقدان الذاكرة عاجزون عن تعلُّم أي شيءٍ جديد. إلا أن العلماء الذين عملوا مع السيد مولايسون اكتشفوا على الفور أن المصابين بفقدان الذاكرة قادرون على تذكُّر بعض أنواع المعلومات الجديدة [5]. والمعلومات الجديدة التي يستطيع المصابون بفقدان الذاكرة تذكُّرها هي المهارات والعادات الجديدة [6]. يوضح الشكل 3 مثالًا على الكيفية التي اكتشف بها العلماء قدرة المصابين بفقدان الذاكرة على تعلُّم مهارات جديدة. لذا، يستطيع المصاب بفقدان الذاكرة تعلُّم الحياكة أو كيفية استخدام عصا التحكم في لعبة فيديو جديدة. تُسمَّى ذكريات المهارات والعادات بالذكريات غير التقريريَّة. وعادةً لا يواجه المصابون بفقدان الذاكرة مشكلةً مع الذاكرة غير التقريريَّة . يوضِّح الشكل 4 أمثلةً على الذاكرة التقريريَّة وغير التقريريَّة.

شكل 3 - تجربة التتبُّع بالمرآة.
  • شكل 3 - تجربة التتبُّع بالمرآة.
  • كان أداء هنري في تجربة تتبُّع المرآة أحد العوامل التي ساعدت العلماء على معرفة أنه لا يزال قادرًا على تعلُّم المهارات الجديدة بعد عمليته الجراحيَّة. وإليك شرح التجربة: يُطلب من المشارك في البحث تتبُّع مسار نجمة والبقاء بين الخطوط. يكمن الجزء الصعب في عدم قدرة الشخص على النظر إلى يده مباشرة؛ وإنما يجب عليه النظر إليها في المرآة. وهو ما يجعل تتبُّع مسار رسم النجمة أمرًا في غاية الصعوبة. ففي البداية، يرتكب الناس الكثير من الأخطاء. إلا أن تتبُّع الكثير من النجوم يجعل أداء الشخص أفضل في هذه المهمَّة. ويتعلَّم الشخص مهارةً جديدة. ويتحسن مستوى الأشخاص الأصحاء في تتبع النجمة في كل محاولة. وتوضِّح النجمات الثلاث مثالًا على قدرة الشخص على التحسُّن بمرور الوقت. في البداية، يخرج الخط الأحمر عن حدود الخط الأسود كثيرًا. في المرة التالية، يصبح خروج الخط الأحمر عن حدود الخط الأسود أقل. وفي المرة الأخيرة، يصبح الشخص قادرًا على إبقاء الخط الأحمر بين الخطوط السوداء طوال الوقت. يرتكب الناس أخطاء أقل بمرور الوقت. ووجدت العالمة بريندا ملينر أن هنري قادر على القيام بهذه المهمَّة أيضًا. وأنه كان يتتبَّع النجمة بشكل أفضل في كل مرة عن سابقتها. والمثير للاهتمام أن هنري لم يكن قادرًا على تذكُّر قيامه بهذه المهمة. لذا، فبالرغم من أن أداءه في هذه المهمة كان يتحسَّن من يوم لآخر، فإنه لم يتمكن من تذكُّر قيامه بهذه التجربة في اليوم السابق. وهذا مثال على المصاعب التي واجهها هنري مع الذاكرة التقريريَّة (مثل، مصاعب في تذكُّر أنه قام بهذه المهمَّة) لكنه لم يواجه أي مشكلةٍ مع الذاكرة غير التقريريَّة (مثل، تحسُّن تلك المهارة بمرور الوقت). ويستطيع الشخص الذي لا يعاني من مشكلات في الذاكرة تذكُّر قيامه بالمهمَّة والقيام بها بشكل أفضل بمرور الوقت.
شكل 4 - أنظمة ذاكرة متعدِّدة.
  • شكل 4 - أنظمة ذاكرة متعدِّدة.
  • توضِّح هذه الصورة الفرق بين الذاكرة التقريريَّة والذاكرة غير التقريريَّة. الذاكرة التقريريَّة هي المسؤولة عن الحقائق والأحداث. أما الذاكرة غير التقريريَّة فهي المسؤولة عن المهارات والعادات. وفي الوقت الذي تُعبِّر فيه جميع الأمثلة الموجودة على اليسار عن الذاكرة التقريريَّة، فإن المصاب بفقدان الذاكرة لن يواجه غالبًا صعوبةً مع أي منها. هل تستطيع استخدام ما تعلَّمته في الشكل 2 لتخمين الأمثلة التي سيواجه المصاب بفقدان الذاكرة صعوبةً فيها؟ من هذه الأمثلة، غالبًا ما سيواجه المصاب بفقدان الذاكرة صعوبةً في تذكُّر ما تناوله على الإفطار هذا الصباح. وغالبًا ما سيتمكن من تذكُّر حفلة عيد ميلاد من طفولته. كما أنه قد يتذكَّر أن جورج واشنطن كان أول رئيس للولايات المتحدَّة، إذا كان قد علم بهذه المعلومة قبل تعرُّضه للإصابة. إلا أنه لن يتمكن من تذكُّر أي حقائق جديدة تعلَّمها بعد الإصابة. هل تستطيع التفكير في أي معلومة قد يواجه المصاب بفقدان الذاكرة صعوبةً في تذكُّرها؟

أبحاث الذاكرة في وقتنا الحالي

ما زال العلماء في وقتنا الحالي يتعاونون مع المصابين بفقدان الذاكرة لمعرفة الكيفيَّة التي يعمل بها نظام الذاكرة لدى الإنسان [7]. وبالنَّظر إلى التقدُّم التكنولوجي المستمر، أصبح العلماء يملكون أدوات جديدة تساعدهم على معرفة المزيد عن الذاكرة والقدرة على التعلُّم [8]. ومن هذه الأدوات ما يُعرف باسم fMRI، الذي يعني التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي العلماء على معرفة أجزاء الدماغ الأكثر نشاطًا أثناء القيام بمهمات معينة. وقد يستخدم العلماء تقنية التصوير هذه لمعرفة كيفيَّة عمل أدمغة الأشخاص الأصحاء أثناء تذكُّر المهارات وتعلُّمها. وقد ساعد التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي العلماء على معرفة أن أجزاء مختلفة من الحُصين مهمة لمختلف الأشياء، وأن أجزاء أخرى من المخ بخلاف الحُصين مهمة للذاكرة أيضًا. كما يدرس العلماء الذاكرة والقدرة على التعلُّم لدى حيوانات أخرى. حيث تملك الثدييات مثل الفئران والقرود حُصينًا بدورها وقد تواجه مشكلات في الذاكرة إذا تعرَّض حُصينها للضرر.

يدرس العلماء الذاكرة في البشر والحيوانات لفهم كيفيَّة عمل الدماغ. كما أنَّهم يدرسون الذاكرة لمعرفة كيفيَّة مساعدة الناس الذين يواجهون مشكلات في الذاكرة. ولسوء الحظ، لا يوجد علاج لفقدان الذاكرة. ومن الطرق التي حاول بها العلماء مساعدة الأشخاص أمثال السيد مولايسون، كانت استخدام أنواع الذاكرة الجيدة لديهم (الذاكرة غير التقريريَّة) لمساعدتهم على تعلُّم أشياء جديدة لا يستطيعون تذكُّرها (الحقائق الجديدة، أو الذاكرة التقريريَّة). تساعد هذه التقنيات الأشخاص المصابين بفقدان الذاكرة على تذكُّر الحقائق الجديدة، إلا أنهم لا يستطيعون تذكُّرها بنفس السرعة التي يتعلَّم بها دماغ شخص سليم. يستمرُّ العلماء في محاولتهم لمعرفة المزيد عن الذاكرة، وفهم الكيفيَّة التي نتعلَّم ونتذكَّر الأشياء الجديدة بها، ومساعدة المرضى الذين يواجهون مشكلات في الذاكرة.

الخُلاصة

في المرة المقبلة التي تشاهد فيها فيلمًا أو برنامجًا تلفزيونيًا يعرض شخصًا مصابًا بمشكلةٍ في الذاكرة، انتبه إلى الطريقة التي يتحدَّث بها الفيلم عن فقدان الذاكرة. خاصةً أنك أصبحت تُدرك أن فقدان الذاكرة لا يؤثر على جميع ذكريات الشخص، وإنما على قدرته على تذكُّر معلومات جديدة فحسب. كما أنك تعلم أنه في الوقت الذي يواجه فيه المصابون بفقدان الذاكرة صعوبةً في تذكُّر المعلومات الجديدة، فإنهم قادرون على تعلُّم مهارات جديدة. وفي الختام، لقد علمت أن المصابين بفقدان الذاكرة قد يواجهون مشكلات مستعصية في الذاكرة، لكن عادةً ما يكون معدَّل ذكائهم طبيعيًا، ومهارات تفكيرهم ثابتة دون تغيير. والأهم من ذلك، أنَّك تعلَّمت أن المصابين بفقدان الذاكرة هم أشخاص مثلي ومثلك، وقد ساعدوا العلماء على معرفة الكثير عن كيفيَّة عمل الدماغ أثناء التعلُّم والتذكُّر.

مسرد للمصطلحات

فقدان الذاكرة (Amnesia): نسيان الأشياء والمعلومات وصعوبة تعلم معلومات جديدة.

الحُصين (Hippocampus): جزءٌ مهمٌ في الدماغ يساعد على التعلُّم والتذكُّر.

نوبة (Seizure): نشاط غير طبيعي في المخ.

فقدان الذاكرة التقدُّمي (Anterograde Amnesia): صعوبة تذكُّر معلوماتٍ جديدةٍ بعد الإصابة.

فقدان الذاكرة الرجعي (Retrograde Amnesia): صعوبة في تذكُّر الأشياء التي حدثت قبل الإصابة.

الذاكرة التقريريَّةَ (Declarative Memory): الذاكرة الخاصة بالحقائق والأحداث.

الذاكرة غير التقريريَّةَ (Non-Declarative Memory): الذاكرة الخاصة بالمهارات والعادات.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إقرار

يودُّ المؤلفون إهداء الشكر إلى روب فانديرفين الذي قام برسم الأشكال 4 – 2، وإليانور داف على تعليقاتها على المسوَّدة البحثية السابقة. الدعم مقدَّم من NIDCD بمنحة رقم R01 DC011755.


المراجع

[1] Scoville, W. B., and Milner, B. 1957. Loss of recent memory after bilateral hippocampal lesions. J. Neurol. Neurosurg. Psychiatry 20:11–21. doi: 10.1136/jnnp.20.1.11

[2] Corkin, S. 2002. What’s new with the amnesic patient H. M.? Nat. Rev. Neurosci. 3:153–160. doi: 10.1038/nrn726

[3] Ribot, T. 1881. Les Maladies de la Memoire. New York: Appleton-Century-Crofts.

[4] Corkin, S. 2013. Permanent Present Tense: The Unforgettable Life of the Amnesic Patient, HM. New York: Basic Books.

[5] Milner, B. 1962. “Physiologie de l’hippocampe,” in Physiologie de l’’hippocampe, ed P. Passouant, 257–272. Paris: Centra National de la Recherche Scientifique.

[6] Cohen, N. J., and Squire, L. R. 1980. Preserved learning and retention of a pattern- analyzing skill in amnesia: dissociation of knowing how and knowing that. Science 210:207–210. doi: 10.1126/science.7414331

[7] Rosenbaum, R. S., Gilboa, A., and Moscovitch, M. 2014. Case studies continue to illuminate the cognitive neuroscience of memory. Ann. N. Y. Acad. Sci. 1316(1):105–33. doi: 10.1111/nyas.12467

[8] Addis, D. R., Barense, M., and Duarte, A. 2015. The Wiley Handbook on the Cognitive Neuroscience of Memory. Hoboken, NJ: John Wiley & Sons.