ملخص
عادةً ما نُصدر حركات بأيدينا، تُسمى "إيماءات“، في نفس الوقت الذي نتحدث فيه. وعلى الرغم من أن هذه الإيماءات تصدر من الجميع تقريبًا أثناء الحديث، فإننا لا نعيرها انتباهانا عادةً. ولكن الحقيقة أن إيماءات اليدين تلعب دورًا مهمًا في مساعدتنا على التعلم والتذكر! فعندما نرى غيرنا يصدر إيماءات بيده وهو يتحدث - أو عندما نفعل نحن ذلك - من المرجح أن تواتينا قدرة أكبر على تذكر هذه المعلومات مقارنة بما هو الحال إذا غابت مثل هذه الإيماءات. بل إن إيماءات يدينا هذه قد تكون علامة على استعدادنا لتعلم أشياء جديدة! وسنسلط الضوء، في هذا المقال، على الطريقة التي تساعدنا بها إيماءات اليدين على التعلم. ولقد أجرينا دراسة على الأطفال الذين يدرسون مفهومًا رياضيًا جديدًا يسمى التكافؤ لتقصي هذا الأمر. ونتمنى أن يساعدك هذا المقال على ملاحظة إيماءات اليدين التي تقوم بها أنت أو أصدقاؤك أو عائلتك أو معلموك، كما نتمنى أن يساعدك أيضًا على فهم الطريقة التي تساعد بها إيماءات اليدين الناس في عملية التعلم.
ما أنواع إيماءات اليدين الموجودة؟
نُصدر جميعًا إيماءات اليدين التلقائية عندما نتحدث. وتصدر إيماءات اليدين المصاحبة للكلام على نحو يتوافق مع إيقاع الحديث، وتكون مرتبطة بالمعنى الذي يشير إليه كلامنا. على سبيل المثال، عندما تتحدث عن حضور حفل بيانو، ربما تقوم بتحريك أصابعك يمينًا ويسارًا أمامك في إشارة منك إلى عزف البيانو.
توجد أنواع عديدة من إيماءات اليد التي تخدم أغراضًا مختلفة. إذ تستخدم بعض إيماءات اليدين لوصف الأشياء أو الأشكال، كما ورد في مثال البيانو أعلاه. وتسمى إيماءات اليدين هذه إيماءات رمزية لأنها تخلق صورة في ذهن المرء. وأحيانًا لا ترسم إيماءات اليدين صورًا، ولكنها تتحرك وفق إيقاع الحديث، وتعرف بالإيماءات الإيقاعية، لأنها تتبع إيقاع الحديث الذي نُجريه. على سبيل المثال، يمكنك تحريك معصميك للأسفل حينما تنطق كلمة “مدهشًا” في الجملة التالية: “كان العرض الموسيقي مدهشًا”. وتساعد هذه الحركات المتحدث على التأكيد على بعض الكلمات المعينة. أما الإيماءات الإشارية، فهي تساعد المتحدث على توجيه انتباه المستمع من خلال الإشارة إلى شيء ما. فيمكنك، على سبيل المثال، الإشارة بإصبع السبابة تجاه عازف البيانو خلال حفل موسيقي عندما تهمس لصديقك حول مقطوعة معينة استمتعت بها.
تحظى هذه المصطلحات، التي تشير إلى الأنواع مختلفة من إيماءات اليد، بأهمية لدى الأشخاص الذين يدرسون إيماءات اليد؛ مثل علماء النفس، وعلماء الإدراك، واللغويون، وعلماء الأعصاب، حيث يدرس هؤلاء العلماء عادةً الأفكار المترابطة: إذ يدرس علماء النفس التفكير والسلوك الإنساني، بينما يدرس العلماء الإدراك التفكير والتعلم. أما اللغويون، فهم يُعنون بدراسة اللغة والتواصل، في حين يدرس علماء الأعصاب بناء المخ ووظيفته. ويتجه الكثير من الباحثين الآن إلى دراسة إيماءات اليدين المصاحبة للكلام، إذ بمقدور هذه الحركات أن تخبرنا بالمزيد عما يدور في أذهان الآخرين.
وبالرغم من ارتباط إيماءات اليدين بالحديث، فإنه بمقدورها - في البعض الأحيان - إظهار معلومات لا ترد في الحديث. على سبيل المثال، إذا قلت “اصطدت سمكة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي”، فلا يمكنك أن تعرف حجم السمكة بمعلومية الجملة فقط. ولكن ماذا لو فتحت يدي على مسافة 18 بوصة وأنا أخبرك أنني اصطدت هذه السمكة؟ (الشكل 1).
يمكنك أن تعرف أنني اصطدت سمكة كبيرة رغم أنني لم أتفوه بكلمة حول حجمها! يستخدم الأشخاص إيماءات اليدين لنقل معلومات لم ترد في حديثهم، حتى إنهم يفعلون ذلك في بعض الأحيان دون إدراك. ويستخدم المستمع هذه المعلومات التي لم ترد في الحديث وإنما قدمت عبر إيماءات اليدين في إدراك ما يقال وفهمه. وبالتالي، تكون إيماءات اليدين مفيدة للمستمع الذي يرى هذه الحركات وللمتحدث الذي يقوم بها، وسنطلعك على كيفية حدوث الأمر.
كيف تساعد إيماءات اليدين المستمع؟
تستطيع إيماءات اليدين أن تقدم للمستمع معلومات لا ترد في الحديث، ولذلك قام العلماء باختبار ما إذا كانت إيماءات اليدين تساعد على فهم ما يقوله المتحدث أم لا. وقد قام العديد من الباحثين باختبار هذا الأمر باستخدام طريقة بسيطة. إذ قارن الباحثون بين مجموعتين من الأشخاص لاختبار أهمية إيماءات اليدين في إثراء عملية الفهم: الأولى ترى شخصًا يتحدث ويستخدم إيماءات اليد، بينما ترى المجموعة الثانية شخصًا يتحدث دون أن يستخدم إيماءات اليد. ثم تحققوا بعدها مما إذا كانت المجموعة التي شاهدت إيماءات اليدين قد فهمت الحديث على نحوٍ أفضل من المجموعة التي لم تشاهدها، أم لا. وقد توصلت الأبحاث في النهاية إلى أن مشاهدة إيماءات اليدين أثناء الاستماع إلى كلام شخص ما تساعد المستمع على تذكر المعلومات بطريقة أفضل. وقد قامت إحدى الباحثات بإجراء تحليل شمولي لهذا العمل [1]. وفي هذا النوع من التحليلات، يجمع الباحث نتائج الكثير من الدراسات التي تسعى إلى الإجابة عن أسئلة متشابهة، وهو ما يتيح للباحثين إمكانية الوصول إلى نتائج أكثر ثقة لأنهم يدرسون معطيات كثيرة مستقاة من دراسات مختلفة. وفي هذا الإطار، قامت الباحثة بمقارنة نتائج 38 بحثًا من هذه الأبحاث، وحاولت أن تفهم متى تتحقق الإفادة القصوى من إيماءات اليدين في عملية التعلم، حيث وجدت أن إيماءات اليدين تساعد الناس على الحصول على فهم أفضل عندما تعبر عن الأفعال الحركية (مثل إلقاء كرة بيسبول)، عما إذا كانت تعبر عن معانٍ مجردة (تحريك قبضة اليد تعبيرًا عن الغضب). وتندرج معظم إيماءات اليدين تحت فئة الإيماءات الرمزية؛ لأنها توضح كيفية عمل شيء ما. فعندما يرى الأطفال والكبار إيماءات اليدين الرمزية المصاحبة للحديث، فإنهم يفهمون الرسالة المقصودة بصورة أفضل ويتذكرونها أكثر من هؤلاء الذين سمعوا الحديث فقط ولم يروا إيماءات اليد. وبالرغم من أن إيماءات اليدين قد ساعدت الجميع على التعلم والفهم، فإن فائدتها كانت أكبر بالنسبة للأطفال!
من خلال اختبار تعلم الرياضيات، قام الباحثون بدراسة كيفية تعلم الأطفال من خلال إيماءات اليد. وفي إحدى الدراسات المعنية، قام الباحثون باختبار ما إذا كان الأطفال في الصف الثاني والثالث والرابع يتعلمون الرياضيات بصورة أفضل حين يقوم المعلم بإيماءات اليدين أثناء الشرح [2]. وقامت المعلمة بتعليم الطلاب كيفية حل مسألة رياضية حول التكافؤ . وفيما يلي مثال على مسألة من مسائل التكافؤ:
4 + 3 + 6 = __ + 6
كان على الطلاب أن يقرروا الرقم الذي يجب أن يملأ الفراغ، ليصبح الجانب الأيمن مكافئًا للجانب الأيسر. على سبيل المثال، في المعادلة التي وردت أعلاه، يجب أن يوضع الرقم 7 في الفراغ لتصبح قيمة الجانبين 13. شرحت المعلمة الدرس لنصف الطلاب من خلال الحديث فقط. وفي هذه الحالة، تكون المعلمة قد شرحت موضوع التكافؤ للطلاب كلاميًا، بمعنى أن التكافؤ هو “أن يساوي الطرف الأول الطرف الثاني”.
قامت المعلمة بتدريس النصف الآخر من الطلاب باستخدام الحديث وإيماءات اليدين معًا. وكلما قالت “أحد الطرفين”، أشارت إلى الطرف الأيسر من المعادلة مستخدمة إحدى إيماءات اليدين العامة. وكلما قالت “الطرف الآخر”، أشارت إلى الطرف الأيمن من المعادلة مستخدمة إحدى إيماءات اليدين العامة.
ثم خضع جميع الطلاب إلى اختبارين حول مسائل التكافؤ: أُجري الاختبار الأول بعد الدرس مباشرة، بينما أُجري الاختبار الثاني بعد 24 ساعة من الدرس. ثم خضع هؤلاء الطلاب أيضًا إلى اختبار انتقالي؛ وهو اختبار مصمم لقياس قدرة الطلاب على تطبيق معلوماتهم بطرق جديدة. إذ أراد الباحثون معرفة ما إذا كان من الممكن أن يستفيد الطلاب من معرفتهم بالتكافؤ في حل مسائل أخرى باستخدام قوانين مشابهة، أم لا. على سبيل المثال، حلّ طلاب الصف الثالث والرابع مسألة تكافؤ تتضمن عملية ضرب مثل:
3 × 4 × 2 = __ × 4
أما طلاب الصف الثاني الذين لم يكونوا مستعدين بعد لحل مسائل بها عملية ضرب، فقد قاموا بحل مسائل جمع أكثر تعقيدًا في الاختبار الانتقالي، ولم تحتوِ تلك المسائل على رقمين متشابهين في طرفيها مثل:
7 + 2 + 5 = __ + 9
قارن العلماء بين عدد الإجابات الصحيحة للطلاب الذين شاهدوا إيماءات اليد، والطلاب الذين تلقوا الدرس كلاميًا فقط. ووجدوا أن الطلاب الذين شاهدوا إيماءات اليدين حصلوا على نتائج أفضل في الاختبار الأول، والاختبار الثاني، والاختبار الانتقالي مقارنة بالطلاب الذين استمعوا للدرس كلاميًا فقط. ويوضح الشكل 2 الفرق بين هاتين المجموعتين. وعلاوة على ذلك، أظهر الطلاب الذين تلقوا الدرس المدعوم شرحه بإيماءات اليدين نتائج أفضل بشكل ملحوظ في الاختبار الثاني مقارنة بالاختبار الأول، وهو ما يشير إلى أن إيماءات اليدين لا تعزز تجربة الطلاب التعليمية فحسب، وإنما تساعدهم أيضًا على تحسين أدائهم مع مرور الوقت. ولم تتحسن نتائج الطلاب الذين تلقوا الدرس كلاميًا فقط في الاختبار الثاني مقارنة بالاختبار الأول.
كيف تساعد إيماءات اليدين المتكلم؟
لا يتعلم الطلاب بصورة أفضل حين يستخدم معلموهم إيماءات اليدين فحسب، بل يتعلمون أفضل حين يستخدمون هم أنفسهم مثل هذه الإيماءات. فقد قامت مجموعة من العلماء بدراسة ما إذا كان طلاب الصف الثالث والرابع يتعلمون الرياضيات بصورة أفضل حال استخدامهم إيماءات اليدين في الفصل، أم لا [3]. قامت المعلمة بتدريس الطلاب كيفية حل مسائل التكافؤ التي تعتمد على الجمع مثل التي ذُكرت أعلاه. وكررت مجموعة من الطلاب كلام المعلمة: “أريدكم أن تجعلوا الطرف الأول مساويًا للطرف الثاني، في حين كررت المجموعة الثانية إيماءات يد المعلمة وليس كلامها؛ فاستخدموا إحدى يديهم للإشارة أولًا إلى الأرقام على الجانب الأيسر من المعادلة، ثم استخدموا يدهم الأخرى للإشارة إلى الأرقام في الجانب الأيمن منها؛ أما المجموعة الثالثة، فقامت بتكرار إيماءات اليدين والكلمات معًا. وبعد الدرس، خضع جميع الطلاب إلى اختبار عبارة عن مسائل جديدة من مسائل التكافؤ التي تعتمد على الجمع. وبعد 4 أسابيع، أكمل جميع الطلاب اختبار متابعة يحتوي على نفس نوع الأسئلة. أتاح اختبار المتابعة للباحثين معرفة ما إذا كانت إيماءات اليدين تساعد على التعلم على المدى البعيد، أم لا.
وتشابهت نتائج طلاب المجموعات الثلاث في الاختبار الذي أجري مباشرة بعد الدرس: فلم تؤثر إيماءات اليدين في العملية التعليمية بصورة فورية. ولكن في اختبار المتابعة الذي أجري لاحقًا بعد مرور 4 أسابيع، تفوق الطلاب الذين قاموا بتكرار إيماءات اليدين فقط والطلاب الذين قاموا بتكرار إيماءات اليدين مع الحديث على الطلاب الذين كرروا الحديث فقط (الشكل 3)، حيث ساعدت إيماءات اليدين الطلاب على الاحتفاظ بما تعلموه عبر الزمن، بينما لم يحصل الطلاب الذين كرروا الكلام فقط على هذه الفائدة. ويرى الباحثون أن إيماءات اليدين أثناء العملية التعليمية تساعد الأطفال على تكوين ذكريات أقوى؛ لأن مثل هذه الإيماءات تُنشط المناطق الحركية في المخ، بينما لا تَنشط هذه المناطق لدى الطلاب الذين لم يحركوا أيديهم أثناء التعلم.
هل يمكن أن تخبرنا إيماءات اليدين بمدى جاهزية الأطفال للتعلم؟
شرحنا لكم كيف تساعد إيماءات اليدين على تحسين العملية التعليمية في كلتا الحالتين: عندما يشاهد الأطفال أناسًا يقومون بها، وعندما يقوم بها الأطفال بأنفسهم. ولكن هل هناك شيء ما يتعلق بإيماءات اليدين يجعلها قادرة على إخبارنا بمدى استعداد الطفل لتعلم شيء جديد؟ يبدو أن هذه الفكرة تنطبق على الأطفال الرضع الذين يتعلمون اللغة. فالرضع يتواصلون من خلال الإشارة قبل أن يتعلموا الكلام، إذ يبدأ الأطفال في الإشارة لطلب أشياء محددة؛ مثل زجاجة أو لعبة في الفترة من عمر 9 أشهر إلى 12 شهرًا. والاستخدام المبكر لإيماءات اليدين هذه ينبئ بالكلمات الأولى التي سيقولها الطفل بعد بضعة أشهر قليلة، إذ عادةً ما ينطق الصغار بكلماتهم الأولى عند عمر 12 شهرًا. وقبل أن يبدأ الصغار في دمج عدد من الكلمات معًا، فإنهم يقومون أولًا بالدمج بين الكلمات وإيماءات اليد. على سبيل المثال، قد يشير الصغير إلى كرة ويقول: ”هذه ملكي“، للإشارة إلى أن الكرة خاصة به. ويُطلق على هذه الحالة من الدمج اسم ”عدم التوافق بين الإيماءات والكلام“، لأن المعلومة التي يقدمها الكلام تختلف عن المعلومة التي تشير إليها الإيماءات، أو غير متوافقة معها. وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن نضرب مثالًا على التوافق بين الحديث والإيماءات عندما يشير الصغير إلى الكرة فيقول: ”كرة“. ويعتبر عدم التوافق بين الإيماءات والكلام من الأمور الجيدة لأنه يشير إلى قدرة الصغير على الدمج بين فكرتين. وفي الحقيقة، يساعدنا عدم التوافق هذا على التنبؤ بمدى قدرة الصغير على تعلم اللغة: فالأطفال الذين يُظهرون الكثير من حالات عدم توافق بين الحركة والكلام عندما يبلغون عمر 18 شهرًا يكونون أكثر قدرة على تكوين جمل أكثر تعقيدًا عند بلوغهم سن 3 سنوات! [4].
في هذه الحالات، تخبرنا إيماءات اليدين بما يعلمه الصغير بالفعل، كما تساعدنا على التنبؤ بموعد تعلم الصغير للكلمات الجديدة. وقد أثارت قدرة إيماءات اليدين على التنبؤ باستعداد الأطفال للتعلم في سن المدرسة فضول الباحثين، حيث قاموا بدراسة إيماءات اليدين التي يقوم بها الأطفال عندما يشرحون كيفية قيامهم بحل المسائل الرياضية الخاصة بالتكافؤ، مثل التي سبق ذكرها من قبل [5]. وظن الباحثون أنه بالرغم من أن الأطفال غير قادرين على التعبير عن كيفية حل المسائل كلاميًا، فإنهم ربما يعبرون عن معرفتهم بالتكافؤ باستخدام إيماءات اليد. على سبيل المثال، بالنسبة للمسألة 4 + 3 + 6، ربما يقول طفل عمره 8 سنوات: ”لقد جمعت جميع الأرقام وحصلت على الناتج 19“، ويشير هذا إلى أن الطفل لم يدرك مفهوم التكافؤ؛ لأن علامة ”يساوي“ توضح أن هناك طرفين في المعادلة يجب أن يكونا متساويين، ولكن ربما يتضح من خلال إيماءات اليدين أن الأطفال قد بدؤوا في إدراك أن طرفي المعادلة عبارة عن وحدتين منفصلتين. على سبيل المثال، قد يشير الطفل بيده بحركة عامة إلى الجانب الأيسر للمعادلة أولًا ثم إلى الجانب الأيمن مثلما فعلت المعلمة في التجربة أعلاه. وقد تساءل الباحثون ما إذا كانت الإشارة باليد تجاه كل طرفٍ على جانبي علامة يساوي تعد علامة على فهم الطفل لمفهوم التكافؤ، أم لا، رغم عدم قدرته على التعبير عن ذلك بالكلام بعد.
ولاختبار هذه الفرضية، أعطى الباحثون طلاب الصف الثالث والرابع اختبارًا يحتوي على مسائل تكافؤ رياضية قبل أن يتعلموا كيفية حلها. وبينما كان الطلاب يحاولون حل هذه المسائل، طُلب منهم أن يشرحوا كيف حصلوا على النتائج. ثم شُرح للطلاب الذين لم يحصلوا على أي نتائج صحيحة في اختبار ما قبل التعلم كيفية حل مسائل التكافؤ، ولم تستخدم المعلمة إيماءات اليدين بل قامت بشرح المسائل للطلاب وطلبت منهم مرة أخرى أن يشرحوا كيف حصلوا على النتائج. ثم خضع الطلاب لاختبار آخر لقياس مدى استيعابهم الدرس.
ثم فحص الباحثون شرح الطلاب؛ بغرض الربط بينه وبين عدم التوافق بين الإيماءات والكلام، على غرار المثال الذي ورد في حركة اليد العامة سابقًا. ووجدوا أن بعض الطلاب قد استخدموا إيماءات اليدين التي تندرج تحت تصنيف عدم التوافق بين الإيماءات والكلام قبل وأثناء التعلم، حيث قدموا حلين: أحدهما بالكلام، والآخر بإيماءات اليد. وتبين أن الطلاب كانوا أكثر قدرة على التعبير عن الحل الصحيح بإيماءات اليدين مقارنة بالكلام. وأراد الباحثون بعد ذلك معرفة ما إذا كان الطلاب الذين صدر منهم حالات عدم توافق بين الإيماءات والكلام قد حققوا نتائج أفضل في الاختبار بعد الشرح مقارنة بالطلاب الذين لم تصدر منهم مثل هذه الحالات أثناء التعلم. وقد قام الباحثون بمقارنة أداء المجموعات الثلاث:
(1) الأطفال الذين صدر منهم عدم توافق بين الإيماءات والكلام حينما كانوا يشرحون الحلول قبل التعلم، (2) الأطفال الذين بدأوا في إصدار عدم التوافق لاحقًا أثناء التعلم، (3) الأطفال الذين لم يصدر منهم عدم توافق على الإطلاق. وعلى الرغم من أن جميع الأطفال قد شرعوا في تقديم حلول كلامية خاطئة في بادئ الأمر، فإن الأطفال الذين صدر منهم عدم توافق بين الإيماءات والكلام قبل وأثناء التعلم قدموا عددًا أكبر من الإجابات الصحيحة في اختبار ما بعد الشرح مقارنة بالأطفال الذين لم يصدر منهم أي عدم توافق (الشكل 4).
ومثلما يقوم الرضع بإيصال معلومات مختلفة باستخدام إيماءات اليدين والتخاطب، يمكن للأطفال فعل ذلك أثناء شرح المسائل الرياضية. واعتقد الباحثون أن عدم التوافق بين إيماءات اليدين والحديث يشير إلى أن الأطفال قد بدأوا في إدراك مفهوم التكافؤ؛ إلا أنهم لم يستطيعوا أن يترجموا ذلك في صورة كلام بعد، وأن كل ما كان يحتاجه الأطفال هو القليل من التوجيه من المعلمة، وبعدها يستطيعون حل مسائل التكافؤ بنجاح في اختبار ما بعد الشرح. أما الأطفال الذين لم يصدر منهم أي عدم توافق بين الإيماءات والكلام، فلم يستفادوا كثيرًا من شرح المعلمة، ومن ثم لم يقدموا إجابات صحيحة إلا لعديد قليل من مسائل اختبار ما بعد الشرح. لا تساعد إيماءات اليدين الأطفال على التعلم فحسب، ولكن يمكن للحركات التلقائية التي يقوم بها الأطفال بأيديهم أن تخبرنا بأنهم على وشك إدراك مفهوم جديد.
اكتشاف الصلة بين إيماءات اليدين والتعلم
إيماءات اليدين ليست مجرد تلويحًا باليد. ولقد شرحنا لك الآن كيف يمكن لإيماءات اليدين أن تُثري العملية التعليمية للأطفال الذين يشاهدونها أو يمارسونها. وعلاوة على ذلك، تظهر لنا إيماءات يدين الأطفال متى يكونون على وشك إدراك مفهوم جديد، ولكن السؤال الذي يبقى دون إجابة حتى الآن، ولا يزال العلماء يبحثون عن تفسير له، هو كيف يحدث ذلك؟ كيف تساعد إيماءات اليدين على التعلم؟
بالرغم من عدم وجود إجابة عن هذا السؤال بعد، فإن العلماء قد طرحوا بعض الفرضيات، على النحو التالي: الاحتمال الأول هو أن إيماءات اليدين تقدم طريقة بصرية لإيصال الأفكار، وتعتبر وسيلة مكملة لما يسمعه الطفل أو يقوله بلغة الحديث. فبدلًا من مجرد الاستماع إلى الحديث، يتمكن الطفل من رؤيته أيضًا. والاحتمال الآخر هو أن إيماءات اليدين تساعد الأطفال على تركيز انتباههم على النقاط الأكثر أهمية في الموضوعات التي يتم شرحها، في الوقت المناسب والصحيح. على سبيل المثال، عندما يتعلم الأطفال التكافؤ في الرياضيات ويقال لهم ”هذا الطرف يكون مساويًا لهذا الطرف”، فإن حركة يد المعلمة تساعد على جذب انتباه الأطفال إلى الأجزاء المعنية وقت حديثها؛ فإيماءات اليدين تزيد من فرص الأطفال في معرفة أي جزء بالتحديد من المعادلة تقصده المعلمة. وأخيرًا، قد تكون إيماءات اليدين أيضًا عنصرًا مساعدًا للذاكرة من خلال توظيف أجزاء أكثر من المخ، فإيماءات اليدين تقوم بتوظيف الأجزاء الحركية من المخ بالإضافة إلى تلك الأجزاء التي تشترك بالفعل في عملية إنتاج اللغة. ومن شأن إشراك العديد من أجزاء المخ أن يؤدي إلى تحسين عملية التعلم، وتعميقها، وإثرائها.
تعد هذه الأسئلة غير المجاب عنها حتى يومنا هذا فرصًا سانحة للعلماء لبحث وفهم كيف نتعلم ونتذكر بصورة أعمق، فإيماءات اليدين تصدر بشكل تلقائي أثناء الحديث، ويمكنها أن تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الأطفال في العملية التعليمية. وباستمرار دراسة إيماءات اليدين، سنستطيع مساعدة الأطفال على التعلم بطريقة أفضل داخل الفصل وخارجه.
هل لاحظت من قبل معلمتك وهي تستخدم إيماءات اليدين في الفصل؟ إذا كانت إجابتك لا، فقد حان الوقت لتطلب منها فعل ذلك!
مسرد للمصطلحات
إيماءات اليدين المصاحبة للكلام (Co-Speech Gestures): ↑ الحركات التي نصدرها بأيدينا بطريقة تلقائية أثناء الكلام.
الإيماءات الرمزية (Iconic Gestures): ↑ إيماءات اليدين التي ترسم صورًا لوصف أشياء أو أفعال.
الإيماءات الإيقاعية (Beat Gestures): ↑ إيماءات اليدين المتكررة التي تتبع إيقاع الكلام.
الإيماءات الإشارية (Deictic Gestures): ↑ الإيماءات التي توجه انتباه المستمع، مثل الإشارة لشيء محدد.
التحليل الشمولي (Meta-Analysis): ↑ نهج رياضي يجمع بين نتائج دراسات كثيرة تتقصى أسئلة متشابهة للوصول إلى نتائج أكثر قوة وموثوقية.
التكافؤ (Equivalence): ↑ يشير إلى التماثل في القيمة أو التساوي فيها؛ مثل أن تكون قيمة المعطى الذي يقع على يسار علامة “يساوي” مكافئة لقيمة المعطى على يمينها في المعادلة الرياضية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Hostetter, A. B. 2011. When do gestures communicate? A meta-analysis. Psychol. Bull. 137:297–315. doi: 10.1037/a0022128
[2] ↑ Cook, S. W., Duffy, R. G., and Fenn, K. M. 2013. Consolidation and transfer of learning after observing hand gesture. Child Dev. 84:863–1871. doi: 10.1111/cdev.12097
[3] ↑ Cook, S. W., Mitchell, Z., and Goldin-Meadow, S. 2008. Gesturing makes learning last. Cognition 106(2):1047–58. doi: 10.1016/j.cognition.2007.04.010
[4] ↑ Rowe, M. L., and Goldin-Meadow, S. 2009. Early gesture selectively predicts later language learning. Dev. Sci. 12(1):182–7. doi: 10.1111/j.1467-7687.2008.00764.x
[5] ↑ Goldin-Meadow, S., and Singer, M. A. 2003. From children’s hands to adults’ ears: gesture’s role in the learning process. Dev. Psychol. 39(3):509. doi: 10.1037/0012-1649.39.3.509