ملخص
نقضي ثلث حياتنا تقريبًا نائمين. معنى ذلك أنك لو عشت حتى التسعين من عمرك، فستنام لمدة 30 سنة تقريبًا، أي سيستغرق النوم من حياتك وقتًا أطول على الأرجح من أي وقت ستقضيه في أي شيء آخر. وتكم أهمية النوم أننا لا نستطيع العيش بدونه ويستغرق من حياتنا وقتًا كبيرًا للغاية. ولكن على عكس الدوافع الحيوية الأساسية الأخرى كالأكل والتكاثر، لا نفهم حتى الآن سبب حاجتنا للنوم بالضبط. كان الاعتقاد التقليدي أن النوم يهدف في الأساس إلى الراحة واستعادة طاقة ونشاط الجسم والعقل وحمايتنا من الحيوانات المفترسة التي كانت تصطاد في الليل. ولكن على مدار الـ 15 عامًا الماضية، تغيرت هذه الفكرة تغييرًا جذريًا. فنحن نعرف الآن أن النوم يؤدي دورًا أساسيًا في التعلم والذاكرة والصحة العاطفية. في هذا المقال، سنناقش أولا عناصر النوم الهانئ في الليل، ثم دور النوم في التعلم والذاكرة.
ليلة من النوم الهانئ
تمامًا كما تتكون الوجبة الجيدة من أنواع مختلفة من الطعام، فالليلة الهانئة تحتاج إلى أنواع مختلفة من النوم. يمكن تقسيم ليلة النوم إلى نوم حركة العين السريعة (REM) ونوم حركة العين غير السريعة (non-REM) ويمكن بعد ذلك تقسيم نوم حركة العين غير السريعة إلى أربع مراحل مختلفة على أساس نوع نشاط الدماغ (انظر الشكل 1). ويمكن قياس هذا النشاط باستخدام طريقة اسمها تخطيط كهربائية الدماغ (EEG) حيث يتم وضع أجهزة استشعار على فروة الرأس ترصد النشاط الكهربائي في الدماغ. خلال الليل، تنتقل بين المراحل المختلفة للنوم، من النوم الخفيف إلى العميق ذهابًا وإيابًا بشكل متكرر كل 90 دقيقة. وفي ساعات الصباح الباكر، يكون النوم أخف وتقضي وقتًا أطول في نوم حركة العين السريعة، ما يعني الكثير من الأحلام. بالإضافة إلى ذلك، فهناك وظائف مختلفة لأنماط نشاط الدماغ المختلفة المرصودة في مراحل النوم هذه، ونتيجة لذلك تساعد كل مرحلة في أنواع محددة من التعلم والذاكرة.
النوم والتعلم والذاكرة
كان العلماء يعتقدون في السابق أن كل أشكال التعلم تحدث خلال النهار ونحن مستيقظون. ولكننا نعرف حاليًا أن الدماغ يستمر في العمل على المعلومات الجديدة لأيام، بل ولسنوات وأن قدرًا كبيرًا من التعلم المستمر يحدث ونحن نائمون. يسهم النوم في تقوية الذكريات الجديدة والتوفيق بينها وبين ما نعرفه بالفعل، وتغيير وتحديث الذكريات القديمة على أساس ما تعلمناه للتو. ولكننا لا نتذكر كل شيء نتعلمه خلال النهار. فالدماغ النائم يعرف بشكل أو بآخر ما المعلومات المهمة بما فيه الكفاية للاحتفاظ بها وما المعلومات التي يمكن تركها تتلاشى [1]. وإليك بعض الأمثلة على الأنواع العديدة للتعلم والذاكرة التي يسهم فيها النوم.
التعلم الإجرائي
التعلّم الإجرائي هو تعلّم كيفية القيام بشيء ما. عندما تتعلّم مهارة جديدة، مثل التزلج أو عزف البيانو، قد تصل إلى مرحلة خلال التدريب تجد نفسك لم تعد تتطور. ولكن عند المحاولة مجددًا في اليوم التالي، يتحسن أداؤك أكثر كثيرًا على الفور. مع أغلب أنواع التعلم الإجرائي، يحدث هذا التحسّن أثناء النوم وليس فقط بعد مرور بعض الوقت. على سبيل المثال، إذا قضيت 10 دقائق في الكتابة باستخدام مجموعة مفاتيح على لوحة مفاتيح كمبيوتر مرارًا وتكرارًا بأكبر سرعة ممكنة، فستجد أن سرعتك لا تزيد بعد أول 5 دقائق. ولكن في الصباح التالي، لن تجد فقط أن سرعتك تزيد، بل ستجد نفسك تكتب بسلاسة أكبر. على الجانب الآخر، إذا تدربت في الصباح واختبرت ذلك في المساء بدون أن تنام في الفترة الفاصلة، فماذا سيحدث؟ لا شيء على الإطلاق. لن تشعر بأي تحسن [2]. من المثير للاهتمام أن بعض أنواع النوم لا تفيد. إن التحسن بين عشية وضحاها يكون أكبر إذا قضيت وقتًا أطول في نوم المرحلة 2 (انظر الشكل 1) واستفدت من مغازل نوم أكبر، وهي دفعات وجيزة قوية من نشاط الدماغ تحدث خلال نوم المرحلة 2.
التبصر
أغلبنا سمع عن مقولة ''الصباح رباح'' (بمعنى أن تنام على مسألة أو معضلة)، ولكن هل ينجح الأمر فعلاً؟ قامت مجموعة من الباحثين الألمان بتعليم الطلاب كيفية حل نوع محدد من المسائل الرياضية [3].
وكانت هناك طريقة مختصرة أسهل كثيرًا للحل ولكن لم يتوصل لها أي من الطلاب تقريبًا. وبعد مرور 12 ساعة أخرى، خضعوا للاختبار من جديد. وتدرب بعض الطلاب في الصباح واختُبروا بعد 12 ساعة (دون حصولهم على قيلولة) في ذلك المساء، ولكن لم يتحسن أداؤهم. ولم يتوصل للطريقة المختصرة سوى 22% من الطلاب تقريبًا. في المقابل، عندما تدرب الطلاب في المساء واختُبروا بعد 12 ساعة حظوا فيها بليلة نوم هانئ، تمكّن 60% منهم (أي نسبة أكبر من النسبة السابقة مرتين ونصف) من التوصّل إلى الطريقة المختصرة. نستنج من ذلك أن النوم يمكن أن يؤدي إلى التبصّر.
الانفعال
من المعروف للجميع أن حرمانك من النوم الهانئ في الليل قد يجعلك أكثر انفعالاً في اليوم التالي. ولذا ليس من المستغرب وجود دليل على أن النوم المضطرب يصعّب التحكم في المشاعر. على سبيل المثال، بعد الحصول على قسط غير كافٍ من النوم، نجد أن الأشخاص الذين تُعرَض عليهم صور مبهجة أو مزعجة يتعرضون لزيادة في نشاط اللوزة، وهي جزء من الدماغ يؤدي دورًا في الانفعالات. في إحدى الدراسات، لم تتواصل اللوزة الدماغية أيضًا مع جزء آخر في الدماغ يساعد عادةً على التحكم في التفاعلات الانفعالية، وهو القشرة أمام الجبهية (انظر الشكل 2).
للأسف، يجيد الدماغ النائم تذكّر الذكريات المزعجة أكثر من الذكريات المحايدة. وعلى الرغم من أن هذه الذكريات قد تكون أكثر أهمية لبقائنا على قيد الحياة، فإن اقتصار أغلب ما تتذكره على الأحداث السيئة يمكن أن يؤثر على نظرتك للأمور والقرارات التي تتخذها.
حلّ المتاهات أثناء الأحلام
عندما يلعب الطلاب لعبة فيديو كلاسيكية عليهم فيها إيجاد طريق الخروج من متاهة معقدة، يمكنهم في الواقع تحسين أداءهم في اللعبة من خلال أخذ قيلولة بعد التدرّب. فهل للأحلام أي علاقة بهذا التحسن في ذاكرتهم عن تصميم المتاهة؟ يبدو أن الإجابة هي نعم. عندما أيقظ الباحثون الطلاب خلال قيلولتهم وسألوهم عما كانوا يحلمون به، تبيّن أن هؤلاء الذين قالوا إنهم كانوا يحلمون بشيء متعلق بالمتاهة تحس ّن أداؤهم لاحقًا عشر مرات مقارنةً بأولئك الذين لم يحلمون بأي شيء عن المتاهة. (انظر الشكل 3).
ما عواقب النوم غير الكافي؟
تشعر بالتعب إن لم تنم بما فيه الكفاية. وبصرف النظر عن العواقب الصحية السيئة لقلة النوم (فالأشخاص الذين لا يحظون بنوم كافٍ يميلون للشراهة في الطعام وتناول المأكولات غير الصحية وتزيد أوزانهم ويصابون بالمرض)، فإنك لا تحصّل معلومات أيضًا في اليوم التالي وتعاني صعوبات في الانتباه. الحالة تقريبًا كما لو أن دماغك ممتلئ كثيرًا لدرجة أنه لا يستطيع استيعاب المزيد من المعلومات. وبالنسبة لبعض المعلومات التي تعلمتها في اليوم السابق، فالأمر كما لو نسيت الضغط على زر الحفظ، وبالتالي ستضيع هذه المعلومات للأبد. بالنسبة لأنواع التعلم الأخرى، لن يظهر عليك التحسن الطبيعي المعتمد على النوم (مثلاً بالنسبة لمقطوعة البيانو الموسيقية التي تدربت عليها). ستجد ردود أفعالك أكثر انفعالية تجاه الأحداث المبهجة والمزعجة على حد سواء، ما قد يشعرك بالإجهاد ويدفعك إلى الصراخ على أصدقائك واتخاذ قرارات سيئة بناءً على انفعالاتك العاطفية أكثر من العقل.
الملخص
احصل على قسط كافٍ من النوم ولا تنم وهاتفك الخلوي بجوارك. يجب ألا تفوت النوم، فهو في غاية الأهمية. إن حصولك على ليلة نوم هانئ يشبه سيمفونية لإيقاعات الدماغ، وكل حركة فيها تقوم بوظيفة مختلفة. عند الحرمان من النوم أو انقطاعه بسبب رسالة نصية أو تغريدة على تويتر، قد تفوت على نفسك فرصة حل تلك المعضلة التي كنت تفكر فيها قبل نومك أو إتقان مقطوعة البيانو في الوقت المحدد لعزفها. وما من مجال لتعويض ذلك في الليلة التالية، بل ستبدأ على الأرجح من الصفر. ضع في اعتبارك أن أغلب المراهقين يحتاجون إلى النوم لمدة 9 ساعات على الأقل كل ليلة. لذا نتمنى لك ليالٍ عديدة من النوم الهانئ والأحلام السعيدة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Stickgold, R., and Walker, M. P. 2013. Sleep-dependent memory triage: evolving generalization through selective processing. Nat Neurosci. 16:139–45. doi: 10.1038/nn.3303
[2] ↑ Walker, M. P., Brakefield, T., Morgan, A., Hobson, J. A., and Stickgold, R. 2002. Practice with sleep makes perfect: sleep-dependent motor skill learning. Neuron. 35:205–11.
[3] ↑ Wagner, U., Gais, S., Haider, H., Verleger, R., and Born, J. 2004. Sleep inspires insight. Nature 427:352–5. doi: 10.1038/nature02223
[4] ↑ Gujar, N., Yoo, S. S., Hu, P., and Walker, M. P. 2011. Sleep deprivation amplifies reactivity of brain reward networks, biasing the appraisal of positive emotional experiences. J. Neurosci. 31:4466–74. doi: 10.1523/JNEUROSCI.3220-10.2011
[5] ↑ Yoo, S.S., Gujar, N., Hu, P., Jolesz, F. A., and Walker, M. P. 2007. The human emotional brain without sleep-a prefrontal amygdala disconnect. Curr. Biol. 17:877–8. doi: 10.1016/j.cub.2007.08.007
[6] ↑ Wamsley, E.J., Tucker, M., Payne, J. D., Benavides, J. A., and Stickgold, R. 2010. Dreaming of a learning task is associated with enhanced sleep-dependent memory consolidation. Curr. Biol. 20:850–5. doi: 10.1016/j.cub.2010.03.027