ملخص
كلما نظرت حولك، تجد الناس يتصفحون الإنترنت من هواتفهم، وعلى وجه الخصوص شبكات التواصل الاجتماعي. إذا كنت من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، تعرف بالطبع أن بإمكانك ''الإعجاب'' بالمنشورات ومشاركتها مع الأصدقاء والتعليق عليها والرد على آراء الآخرين. لكن كيف يتذكر الدماغ شبكات التواصل الاجتماعي؟ هل نتذكر منشورات التواصل الاجتماعي بشكل أفضل لو تفاعلنا معها بطريقة معينة؟ لدراسة هذا الموضوع، طلبنا من أشخاص الاطلاع على منشورات حقيقية على إنستغرام والتعليق على بعضها. واختبرنا بعد ذلك ذاكرتهم بشأن هذه المنشورات، فوجدنا أنهم تذكروا في الغالب المنشورات التي علقوا عليها. من المهم وضع هذه النتائج في الاعتبار عند استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. فعند التفاعل بنشاط مع منشورات التواصل الاجتماعي، من المرجح أن تثبت في الذاكرة، ولذا علينا أن نختار بعناية ما نتفاعل معه للحفاظ على سلامتنا.
لماذا من المهم دراسة ذاكرتنا الخاصة بمحتوى منصات التواصل الاجتماعي؟
توجد شعبية عارمة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك وسناب شات وإنستغرام. فهناك مثلاً ما يزيد على مليار مستخدم لإنستغرام وأكثر من 3 مليارات مستخدم لفيسبوك. وعلى عكس الكتب أو المجلات، شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلية، أي أننا لا نكتفي بالنظر إلى منشورات التواصل الاجتماعي، بل نتفاعل معها كثيرًا أيضًا بالتعليق عليها أو إضافة إشارة إلى الأصدقاء فيها أو مشاركتها أو الإعجاب بها أو حفظها كمفضلة. ويمكننا إضافة تعليقات على المنشورات، مثل ''رائع، لذيذ'' و''يعجبني كثيرًا'' أو إضافة هاشتاج إلى التعليقات مثل #أكل_عربي. إن عدد تفاعل المستخدمين مع منشورات التواصل الاجتماعي هائل للغاية، ما يحتّم علينا فهم كيفية معالجة الدماغ لشبكات التواصل الاجتماعي. في البحث الذي قمنا به، أجرينا دراسات لفهم ما نتذكره عن شبكات التواصل الاجتماعي وكيفية تذكرنا له.
وفي دراساتنا، كان يهمنا بشكل خاص منشورات التواصل الاجتماعي ذات الصلة بالطعام. فما السبب في اختيار موضوع الطعام؟ ركزنا على الطعام لأن منشورات التواصل الاجتماعي بشأن الأكل والطهي والنظام الغذائي رائجة للغاية. على سبيل المثال، يتم ذكر هاشتاج #foodie في أكثر من 178 مليون منشور على إنستغرام، بينما يشار إلى هاشتاج #food في أكثر من 143 مليون منشور. معنى هذا أن عدد مرات تحميل أو مشاهدة صور الطعام على هذه المنصة يصل إلى الملايين، وهذا عدد ضخم للغاية بالطبع. من النقاط التي أثارت دهشتنا ضآلة المعلومات التي يعرفها العلماء حول مدى تأثير شيء بسيط ككتابة تعليق في الشخص الذي يكتبه. أردنا في هذا البحث معرفة مدى جودة ذاكرة الأشخاص حول منشورات التواصل الاجتماعي. نظرًا لاهتمامنا بالطعام، اختبرنا مخزون ذاكرة المشاركين حول منشورات الأطعمة الصحية وغير الصحية وعدة أنواع أخرى من محتوى التواصل الاجتماعي الرائج، مثل المنشورات الخاصة بالكلاب والقطط والمناظر الطبيعية. هدفنا كان معرفة كيف أن التفاعل مع أنواع معينة من منشورات التواصل الاجتماعي، ولا سيما المحتوى الرائج المتعلق بصحة الجسم (مثل الأطعمة الصحية وغير الصحية)، يؤثر في ذاكرتنا حول هذا المحتوى.
إن المعلومات المخزّنة في الذاكرة تؤثر في الغالب في كيفية شعورنا وتفكيرنا واتخاذنا للقرارات وسلوكنا، ولذلك من المهم معرفة كيفية تخزين هذه المعلومات في الذاكرة. كيف يؤثر تصفح منصات التواصل الاجتماعي في حياتنا داخل وخارج هذه المنصات؟ ما الذي نحتفظ به في ذاكرتنا بعد تصفح إنستغرام؟
أنت تتذكر ما تتحدث عنه
تشير الدراسات العلمية للذاكرة إلى أننا نتذكر في الغالب الأشياء التي نقولها بأنفسنا بشكل أفضل من الأشياء التي يقولها الآخرون لنا [1]. وتوضح دراسات الذاكرة بشكل عام أن المعلومات التي تنشئها أنت (generate) يمكن تذكرها في الغالب بصورة أفضل من المعلومات التي تكتفي بقراءتها أو النظر إليها أو قولها في سرك [2, 3]. على سبيل المثال، أثبت الباحثون أنك إذا نظرت إلى صورة وذكرت اسم المعروض فيها بصوت عالٍ (بقول: ''هذا كلب'' مثلاً)، فإنك ستتذكر الصورة لاحقًا على الأرجح أكثر مما إذا نظرت إلى الصورة فحسب.
السبب في أن ذكر الموجود بصورة يمكّننا من تذكرها بشكل أفضل، أنه عند التحدث عن شيء ما بصوت عالٍ، تُميزه أكثر في عقلك. إذا نظرت فقط إلى صورة كلب، فقد تتذكر شكله، ولكن إذا نظرت إلى ذلك الكلب للمدة نفسها وفكرت في كيفية التحدث عنه، قد تلاحظ أنه سعيد أو غزير الفرو أو أن لعابه يسيل. فالتفكير في شيء بعدة طرق قد يعزز قدرتك على تذكره لاحقًا. وعندما ترى شخصًا يسيل لعابه بعد ذلك، قد تتذكر ذلك الكلب، أو أنه سيخطر ببالك على الأرجح عندما ترى وسادة زغبية.
هناك سبب آخر لثبات الشيء في الذاكرة عند التحدث عنه، ولكنه يرتبط بمدى تأثير التحدث عن الشيء في الدماغ. أثبت العلماء أنه يتم ''تنشيط'' مناطق محددة في الدماغ معنية بالتفكير بدرجة أكبر عند التحدث عن شيء بدلاً من مجرد التفكير فيه [4]. بالرجوع إلى حديثنا عن منصات التواصل الاجتماعي، افترضنا في تجاربنا أن التعليق على منشور بهذه المنصات سيميزه بدرجة أكبر في العقل، ويجعله بالتالي أكثر سهولة في التذكر.
كيف تتأثر الذاكرة بالتعليق على منشور؟
لاختبار فرضيتنا، أجرينا تجربتين مختلفتين، واحدة على 100 شخص والأخرى على 150 شخصًا. وفي كلتا التجربتين، عرضنا على المشاركين 100 منشور من إنستغرام يضم صورًا لأطعمة صحية مثل السلطات والفاكهة وأطعمة غير صحية مثل البسكويت والكيك، بالإضافة إلى صور أخرى لمحتوى رائج مثل القطط والكلاب والمناظر الطبيعية (الشكلان 1، 2). وطلبنا من المشاركين التعليق على نصف الصور بالطريقة نفسها التي يعلقون بها على منشورات في حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي. وبالنسبة للنصف الآخر من الصور، طلبنا منهم مجرد النظر إلى المنشورات تمامًا كما يتصفحون حساباتهم بدون التعليق على أي منشور فيها.
وبعد النظر إلى 100 منشور على إنستغرام والتعليق على نصف هذا العدد، اختبرنا ذاكرة المشاركين حول المنشورات التي رأوها. قمنا بذلك من خلال عرض 200 منشور إنستغرام منها 100 منشور رأوها بالفعل و100 منشور لم يروها مطلقًا. ومع كل منشور، طلبنا منهم النقر على ''قديم'' إذا كانوا رأوه بالفعل، و''جديد'' إذا لم تسبق لهم رؤيته. وبفضل هذه الطريقة، تمكنا بسهولة من اختبار عدد الصور التي تعرفوا عليها في الجزء الأول من التجربة. أردنا التأكد مما إذا كانت احتمالية تعرّف الأشخاص على المنشورات التي علقوا عليها ستكون أكبر مقارنةً بالمنشورات التي رأوها فقط ولم يعلقوا عليها.
إذا أردت تذكّر منشور بسهولة، علّق عليه!
أوضحت النتائج أن المشاركين تذكروا منشورات إنستغرام التي علقوا عليها بشكل أفضل من المنشورات التي رأوها ولم يعلقوا عليها (شكل 3). وتشابهت هذه النتائج مع نتائج الدراسات السابقة التي بينت لنا أن هذا التأثير على الذاكرة يرجع إلى التعليق على المنشورات، وليس مجرد قضاء المزيد من الوقت في النظر إلى هذه المنشورات [3]. اكتشفنا أيضًا أن الذاكرة تحسنت مع التعليقات الأطول، فالشخص الذي كتب تعليقًا طويلاً على منشور (مثل: ''هذا الطبق يبدو لذيذًا وصحيًا للغاية! أريد تذوقه.'') تَذكّر ذلك المنشور بشكل أفضل من الشخص الذي كتب تعليقًا أقصر (مثل ''لذيذ!'').
تَبيّن لنا أيضًا أن الأشخاص تذكروا المنشورات حول الأطعمة غير الصحية بشكل أفضل من تلك المنشورات حول الأطعمة الصحية أو المنشورات حول الكلاب أو القطط أو الطبيعة. وهذا مهم لأنه يحمل لنا إشارة إلى أن الأشخاص ينتبهون للأطعمة غير الصحية ويتذكرونها عند رؤيتها على منصات التواصل الاجتماعي. قد يرجع ذلك إلى أن الأطعمة غير الصحية كالحلويات يسهل على البشر تذكرها بدرجة كبيرة بطبيعة الحال لأنها شهية ومليئة بالسعرات التي يمكنها مساعدتنا في البقاء على قيد الحياة [5, 6]. ولكن الإفراط في تناول الأطعمة غير الصحية يمكن أن يضر بأجسامنا بالتأكيد.
نستنتج من هذه النتائج أن بعض الأشياء التي نختار النظر إليها على منصات التواصل الاجتماعي قد يسهل تذكرها بدرجة أكبر من غيرها... ولذلك ينبغي بنا التفكير مليًا فيما ننظر إليه ونعلق عليه.
فكّر قبل التفاعل
توضح النتائج أن مخزون الذاكرة المتعلق بمنشورات التواصل الاجتماعي جيد للغاية، كما أننا نتذكر بشكل أفضل المنشورات التي نعلق عليها. وكلما زاد طول التعليق على منشور، كان من الأسهل تذكره. معنى هذا أنه مهما كان المحتوى الذي نتابعه ونتفاعل معه على منصات التواصل الاجتماعي، فمن المرجح أن يثبت في الذاكرة. ولهذا السبب، من المهم التفكير فيما نقضي وقتنا في النظر إليه ويجذب تفاعلنا على الإنترنت.
في المستقبل، قد تفيد دراسة مدى تأثر صحتنا العقلية بالتعليق على أشياء على الإنترنت. فبعض المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي إيجابية ونافعة لنا، ولكن هناك أنواع أخرى من المنشورات لا فائدة منها أو مسيئة أو سلبية. ونظرًا لتفاوت الفائدة التي تعود علينا من مطالعة المنشورات، من المهم فهم كيفية إدراك العقل وتذكّره للأشياء التي نراها على الإنترنت. ختامًا، في حال عدم اعتقادك بفائدة التفكير مليًا في منشور معين أو تذكره، إياك والنظر إليه، وكذلك التعليق عليه بالطبع.
التمويل
تم تحضير المقال بدعم جزئي من المؤسسة الوطنية للعلوم من خلال المنحتين 56700-15 و 21492-19 BCS المقدمتين إلى SB-S.
مسرد للمصطلحات
(Generate): ↑ عند ذكر كلمة ''generate''، نعني شيئًا قلناه أو فعلناه بأنفسنا.
سهل التذكّر (Memorable): ↑ شيء ''سهل التذكّر'' أي يمكن تذكره بسهولة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Zimmerman, J., and Brown-Schmidt, S. 2020. #foodie: implications of interacting with social media for memory. Cogn. Res. 5:16. doi: 10.1186/s41235-020-00216-7
المراجع
[1] ↑ McKinley, G. L., Brown-Schmidt, S., and Benjamin, A. S. 2017. Memory for conversation and the development of common ground. Mem. Cogn. 45:1281–94. doi: 10.3758/s13421-017-0730-3
[2] ↑ Zormpa, E., Brehm, L. E., Hoedemaker, R. S., and Meyer, A. S. 2019. The production effect and the generation effect improve memory in picture naming. Memory 27:340–52. doi: 10.1080/09658211.2018.1510966
[3] ↑ Macleod, C. M., Gopie, N., Hourihan, K. L., Neary, K. R., and Ozubko, J. D. 2010. The production effect: delineation of a phenomenon. J. Exp. Psychol. Learn. Mem. Cogn. 36:671–85. doi: 10.1037/a0018785
[4] ↑ Hassall, C. D., Quinlan, C. K., Turk, D. J., Taylor, T. L., and Krigolson, O. E. 2016. A preliminary investigation into the neural basis of the production effect. Can. J. Exp. Psychol. 70:139. doi: 10.1037/cep0000093
[5] ↑ Frank, S., Laharnar, N., Kullmann, S., Veit, R., Canova, C., Hegner, Y. L., et al. 2010. Processing of food pictures: influence of hunger, gender, and calorie content. Brain Res. 1350:159–66. doi: 10.1016/j.brainres.2010.04.030
[6] ↑ Simmons, W. K., Martin, A., and Barsalou, L. W. 2005. Pictures of appetizing foods activate gustatory cortices for taste and reward. Cerebr. Cortex 15:1602–8. doi: 10.1093/cercor/bhi038