ملخص
يبرز نجم رائع من بين آلاف النجوم المعروفة باستضافتها لكواكب خارجية، وهي كواكب تقع خارج نظامنا الشمسي. ويُعرف هذا النجم باسم ”ترابيست-1“ (TRAPPIST-1): وهو نجم صغير بحجم كوكب المشتري، وموطن لسبعة كواكب بحجم الأرض وليس واحدًا أو اثنين! من المحتمل أن تكون هذه الكواكب عوالم صخرية مثل الأرض، وقد تكون درجة حرارة بعضها مناسبة لوجود ماء سائل، ولكن هذا يرجع في الأساس إلى وجود الغلاف الجوي بها من عدمه؛ وماهية مكونات هذا الغلاف الجوي. ويعمل علماء الفلك حاليًا على اكتشاف ما إذا كان نجم ”ترابيست-1“ يحتوي على نقاط مضيئة أو مظلمة، فذلك قد يؤثر على الطريقة التي نرى بها كواكبه.
اكتشاف الكواكب البعيدة
لمعظم النجوم كواكب تدور حولها. تسمى هذه النجوم بالنجوم المضيفة. والكواكب الخارجية هي الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى (بخلاف الشمس) خارج نظامنا الشمسي. وإذا شاهدنا نظامًا كوكبيًا خارج المجموعة الشمسية من الزاوية الصحيحة، فسيتبين أن هذه الكواكب تبدو وكأنها تحجب نجمها المضيف أثناء تحركها حول النجم في مداراتها. وإذا قمنا بقياس سطوع النجم بدقة عالية عندما يحجب نجمه، فيمكننا ملاحظة ظاهرة العبور، والذي تم وصفه بالتفصيل في هذا المقال التابع لمبادرة Frontiers for Young Minds. خلال ظاهرة العبور، يحجب كوكبًا بعضًا من ضوء نجمه، ويرى علماء الفلك على الأرض انخفاضًا في إجمالي كمية ضوء النجم، ويستمر هذه الانخفاض عادةً لبضع ساعات (الشكل 1).
"ترابيست-1" هو نجم أحمر صغير للغاية يقع على بعد 40 سنة ضوئية في كوكبة الدلو. ويعتبر "ترابيست" صغيرًا للغاية لكنه في النطاق الطبيعي لحجم النجوم - وإذا كان حجمه أصغر قليلًا، لكان اعتبره العلماء ليس نجمًا، لأنه لن يكون كبيرًا بما يكفي لإنتاج ضوء عن طريق انصهار الهيدروجين في الهيليوم في لُب النجم. ويتساوى حجم نجم "ترابيست-1" مع حجم كوكب المشتري تقريبًا، لكنه يزن 80 مرة قدر وزن كوكب المشتري، ويضيء بنسبة %0.05 فقط من لمعان الشمس [1]. معظم النجوم في المجرة عبارة عن نجوم صغيرة مثل "ترابيست-1"، مما يجعل دراستها تحديًا صعبًا.
سبعة كواكب صغيرة
لم تمنع هذه التحديات فريقًا واحدًا من علماء الفلك المتمركزين في بلجيكا من محاولة العثور على كواكب تدور حول النجم "ترابيست-1"، وقد وجدوا مجموعة متنوعة من الكواكب! فهناك سبعة كواكب خارجية معروفة تدور حول هذا النجم الصغير، كل منها يمر أمام النجم عند رؤيته من الأرض، مما يتسبب في إحداث عبور. ويمكننا معرفة حجم كل كوكب بواسطة قياس مقدار الضوء المحجوب عندما يمر الكوكب أمام النجم. وتحجب الكواكب الصغيرة القليل من الضوء، مقارنة بالكواكب الأكبر حجمًا والتي تحجب قدرًا أكبر من الضوء. أشارت قياسات السطوع لنجم "ترابيست-1" إلى أن هذه الكواكب لها أحجام مماثلة للأرض - فأصغر كوكب يبلغ ثلاثة أرباع حجم الأرض، وأكبرها أكبر بحوالي 13% من الأرض (انظر الشكل 2) [1].
تدور كواكب "ترابيست-1" حول نجمها المضيف بشكل أقرب بكثير مقارنة بالكواكب الموجودة في نظامنا الشمسي والتي تدور حول الشمس. ويُكمل أقرب كوكب من هذا النجم، وهو كوكب TRAPPIST-1 b، دورة واحدة كاملة حول نجمه مرة كل 1.5 يوم، تخيل هذا الأمر وقارنه بالأرض التي تستغرق عامًا كاملًا لتُكمل دورة كاملة حول الشمس. أما أبعد كوكب، فهو TRAPPIST-1 h، حيث يكمل دورة كاملة كل 18 يومًا. ولو وضعنا كل كواكب هذا النجم في نظامنا الشمسي، لكانت مداراتها كلها تقع داخل مدار عطارد، وهو الكوكب الأقرب للنظام الشمسي.
هل يمكن أن توجد مياه سائلة (وربما حياة) على أي كوكب من هذه الكواكب؟
قد تتساءل ما إذا كانت هذه الكواكب قريبة من النجم بدرجة تجعل الحياة عليها أو زيارتها من قبل الإنسان دون الانصهار أمرًا مستحيلًا، وتبين أن النجم "ترابيست-1" قاتم جدًا، مما يستدعي بقاء الكواكب على مسافة قريبة جدًا منه لتبقى دافئة. ويشبه عمل النجوم طريقة عمل المعسكرات في الأساس - إذ كلما اقترب الكوكب من النجم زادت احتمالية بقائه دافئًا، لكن المسافة من النجم ليست العامل الوحيد الذي يحدد درجة حرارة كوكب ما.
من المهم أيضًا أخذ الغلاف الجوي للكوكب في الاعتبار، لأن بعض الأغلفة الجوية تحافظ على كواكبها أكثر دفئًا من غيرها. عطارد والزهرة مثالان جيدان على تأثير الدفء الناتج عن الغلاف الجوي. عطارد أقرب إلى الشمس مرتين من كوكب الزهرة، لذلك قد تخمن أنه سيكون أكثر الكواكب سخونة في نظامنا الشمسي. لكن أعلى درجة حرارة لسطح عطارد تبلغ حوالي 430 درجة مئوية (800 درجة فهرنهايت)، بينما تكون درجة حرارة سطح كوكب الزهرة أكثر سخونة، عند حوالي 460 درجة مئوية (860 درجة فهرنهايت). سبب ارتفاع حرارة كوكب الزهرة عن عطارد هو أن غلافه الجوي يتكون في الغالب من ثاني أكسيد الكربون، الذي يحبس الحرارة في الغلاف الجوي للزهرة، في ظاهرة تسمى تأثير البيت الزجاجي (أو الاحتباس الحراري). لا يحتوي عطارد على غلاف جوي، لذلك لا توجد ظاهرة الاحتباس الحراري هناك، ولا ترتفع درجة الحرارة بنفس درجة ارتفاعها على كوكب الزهرة.
تعتمد درجة حرارة سطح كل كوكب من كواكب النجم "ترابيست-1" على ما إذا كان به غلاف جوي أم لا، ومما تتكون تلك الأغلفة الجوية. حتى الآن لا نعرف ما إذا كان أي كوكب من كواكب هذا النجم يمتلك غلافًا جويًا أم لا، كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار تنوع الأغلفة الجوية المحتملة التي يمكن أن توجد على مختلف الكواكب والتي تلعب دورًا كبيرًا بالتأكيد في درجة حرارة الكوكب.
تعيق كل هذه التساؤلات حول الأغلفة الجوية معرفتنا لدرجات حرارة سطح كل كوكب من كواكب هذا النجم كما أننا لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان أي منها يمكن أن يحتوي على ماء سائل على سطحه أم لا. لكننا عازمين على اكتشاف ذلك!
وتعتبر مشاهدة كل كوكب يمر أمام نجمه إحدى الطرق الفعالة لاكتشاف هذا الأمر. إذ إن الكواكب التي لها أغلفة جوية تحجب ألوانًا معينة من الضوء أكثر من الكواكب التي ليست لها أغلفة جوية. وتلعب المواد الكيميائية الموجودة في الغلاف الجوي للكوكب دورًا أساسيًا في تحديد الألوان المحجوبة. ويمكننا تحديد ما إذا كانت الكواكب لها أغلفة جوية أم لا وماهية تلك الأغلفة الجوية عن طريق قياس لون النجم بدقة بالغة عند مرور الكوكب أمامه.
البقع الغامضة على سطح النجم "ترابيست-1"
ولكن يبقى هناك تحد كبير يجعل دراسة الغلاف الجوي لكواكب هذا النجم صعبة: وهو أننا لا نعرف في الأساس كيف يبدو سطح النجم، فقد تكون هناك نقاط نجمية كبيرة أو حتى صغيرة على سطح النجم يطلق عليها اسم البقع النجمية تؤثر على درجة السطوع وبالتالي تؤثر على دقة قياسات الألوان التي نقوم برصدها [2]. ولأننا نعتمد على قياسات السطوع لتحديد ما إذا كان للكوكب غلاف جوي أم لا، ومن ثم تحديد إمكانية تواجد مياه سائلة عليه، فيجب أن نعرف بدقة كيف تؤثر البقع النجمية على النجم ولونه وشدة سطوعه.
وتوصلت إحدى محاولات دراسة النجم "ترابيست-1" باستخدام تليسكوبي "كبلر" (Kepler) و" سبيتزر" (Spitzer) الفضائيين التابعين لوكالة ناسا إلى أن النجم قد لا يحتوي على بقع نجمية داكنة مثل الشمس، وإنما على بقاع نجمية ساخنة وساطعة على سطحه [3]. تجعل هذه البقع المضيئة النجم يبدو أكثر زرقةً وإشراقًا عندما تواجهنا البقع المضيئة، ويصبح أكثر احمرارًا وخافتًا عندما تدور البقع المضيئة بعيدًا عن الأنظار أثناء دورانه. وتعد معرفة عدد هذه البقع وحرارتها ومدى سطوعها أمرًا غايةً في الأهمية لفهم الآثار التي تتركها هذه الكواكب على الضوء النجمي الصادر من "ترابيست-1". في الآونة الأخيرة، توصلت مجموعتان أخريان من العلماء الذين يدرسون لون هذا النجم إلى إمكانية وجود بقع ساطعة (ساخنة) على سطحه [4, 5]. ورغم تزايد الأدلة على وجود هذه البقع الغريبة يبقى الغموض حولها مستمرًا. حيث أن الشمس- وهو النجم الوحيد الذي يمكننا دراسته عن قرب- ليس لديها نقاط ساخنة مشرقة مماثلة على سطحها.
نظرة جديدة إلى السماء
يبدو أن علماء الفلك لن يحصلوا على إجابات عن أسئلتهم حول البقع الموجودة على سطح النجم "ترابيست-1" إلا بعد إطلاق التليسكوب الفضائي الجديد الذي يطلق عليه اسم "جيمس ويب" الفضائي (James Webb Space Telescope (JWST))، ومن المتوقع أن يكون هذا التليسكوب أكبر تليسكوب فضائي شيَّده البشر على الإطلاق، ومن المقرر أن يراقب الكواكب التابعة لنجم ترابيست-1 في وقت مبكر من مهمته التي ستستغرق 5 سنوات. وعلاوة على ما تم رصده بالتليسكوبات الأرضية، سيقوم علماء الفلك بتوظيف ما يتم رصده من تليسكوب "جيمس ويب" لمعرفة شكل سطح النجم، ومن ثم نأمل أن يكونوا قادرين على تحديد ما إذا كانت كواكب هذا النجم تمتلك غلافًا جويًا أم لا لمعرفة إذا كانت صالحة لمفهوم الحياة كما نعرفها نحن، أم لا.
مسرد للمصطلحات
النجم المضيف (Host Star): ↑ وهو نجم يدور حوله كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية.
كوكب خارج المجموعة الشمسية (Exoplanet): ↑ كوكب يدور حول نجم غير الشمس.
العبور (Transit): ↑ هو حدث يحجب فيه كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية الضوء عن نجمه المضيف.
السنة الضوئية (Light Year): ↑ المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة.
الانصهار (Fusion): ↑ التفاعل النووي الذي يحدث في قلب النجوم مما يجعلها تلمع وتسطع.
اللمعان (Luminosity): ↑ السطوع الكلي لجسم فلكي.
الغلاف الجوي (Atmosphere): ↑ طبقة من الغازات تحيط بكوكب ما (مثل هواء الأرض).
تأثير البيت الزجاجي أو الاحتباس الحراري (Greenhouse Effect): ↑ هو حالة تنشأ عندما يتكون الغلاف الجوي لكوكب معين من غاز يحبس الحرارة، مما يؤدي إلى زيادة درجة حرارة سطح الكوكب.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Gillon, M., Triaud, A. H. M. J., Demory, B.-O., Jehin, E., Agol, E., Deck, K. M., et al. 2017. Seven temperate terrestrial planets around the nearby ultracool dwarf star TRAPPIST-1. Nature. 542:456–60. doi: 10.1038/nature21360
[2] ↑ Rackham, B. V., Apai, D., and Giampapa, M. S. 2018. The transit light source effect: false spectral features and incorrect densities for M-dwarf transiting planets. Astrophys. J. 853:122. doi: 10.3847/1538-4357/aaa08c
[3] ↑ Morris, B. M., Agol, E., Davenport, J. R. A., and Hawley, S. L. 2018. Possible bright starspots on TRAPPIST-1. Astrophys. J. 857:39. doi: 10.3847/1538-4357/aab6a5
[4] ↑ Ducrot, E., Sestovic, M., Morris, B. M., Gillon, M., Triaud, A. H. M. J., De Wit, J., et al. 2018. The 0.8–4.5 μm broadband transmission spectra of TRAPPIST-1 planets. Astron. J. 156:218. doi: 10.3847/1538-3881/aade94
[5] ↑ Wakeford, H. R., Lewis, N. K., Fowler, J., Bruno, G., Wilson, T. J., Moran, S. E., et al. 2019. Disentangling the planet from the star in late-type M dwarfs: a case study of TRAPPIST-1g. Astron. J. 157:11. doi: 10.3847/1538-3881/aaf04d