Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الفلك والفيزياء نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

نجم مرقط مذهل!

ملخص

يوجد على أسطح النجوم، مثل الشمس، بقع سوداء. وهذه البقع مهمة لرواد الفضاء، حيث تمكنهم من تعقب السرعة التي يدور بها النجم، وهو أمر متعلق بعمر النجم. وحيث إن الأرض تقع على مقربة من الشمس، فيمكن رؤية البقع بسهولة على سطح الشمس. وأما فيما يتعلق بالنجوم البعيدة عنا، فإن لدينا اليوم تليسكوبات تتمتع بما يكفي من القوة لتمكننا من رؤية هذه البقع على أسطح هذه النجوم. وهذا هو السبب الذي جعل علماء الفلك يشرعون في استخدام الكواكب لدارسة هذه البقع النجمية. فعندما يحجب كوكب ما نجمه، فإن كمية الضوء المحجوبة تعتمد على ما إذا كان الكوكب يحجب جزءًا مضيئًا أم معتمًا من النجم، مثل البقعة النجمية. وباستخدام هذه التقنية، قرر علماء الفلك أن نجم HAT-P-11، وهو نجم أقل حجمًا من الشمس بحوالي 20%، به بقع مثل الشمس، ولكن هذه البقع الموجودة على سطح هذا النجم أكثر بمائة مرة من نظيرتها على سطح الشمس.

نجوم مرقطة دوارة

تدور جميع النجوم في الفضاء. فعندما يولد نجم مثل الشمس، فإنه يدور بسرعة مذهلة، حيث يكمل دورة واحدة في ساعات قليلة. وحين تكبر النجوم في العمر، تدور ببطء. الشمس نجم متوسط العمر، وهي تتم دورة واحدة كل 26 يومًا. بعض النجوم الأكبر عمرًا من الشمس تدور على نحوٍ أكثر بطئًا من الشمس.

تخيل للحظة أنك تقوم بتدوير كرة قدم بيضاء ذات بقعة سوداء واحدة عليها. يمكنك حينها أن تقول إن الكرة تدور لأن بمقدورك أن ترى البقعة السوداء تتحرك من اليسار إلى اليمين على الكرة، حيث تختفي حول الجانب الآخر من الكرة ثم تعود على الجانب الأيسر مرة أخرى. تخيل الآن أن هذه الكرة موجودة على مسافة تبعد آلاف الأميال عنك، وأنك تنظر إليها من خلال تليسكوب. حينها، قد لا يمكنك رؤية البقعة السوداء تتحرك من اليسار إلى اليمين عبر الكرة، ولكن حين تصبح البقعة السوداء في مواجهتك، فإن الكرة تبدو أكثر ظلمة مما كانت عليه عندما كانت البقعة السوداء تدور خلف الكرة، حيث لم يمكن بمقدورك حينها أن ترى إلا الأجزاء البيضاء. وعليه، فعند قياس سطوع الكرة بدقة حال دورانها، يمكنك أن ترى أن الكرة تكون ساطعة عندما يكون الجزء الأبيض مواجهًا لك، في حين تكون الكرة أكثر إعتامًا عندما تكون البقعة السوداء مواجهة لك، ثم تصبح الكرة أكثر سطوعًا مرة أخرى عندما تدور البقعة السوداء بعيدًا عن مرمى رؤيتك مجددًا، حيث يمكنك حينها رؤية الأجزاء البيضاء فقط.

وينطبق الشيء نفسه على النجوم؛ حيث توجد بقع سوداء على أسطحها، ومن ثم تبدو أكثر سطوعًا وأكثر إعتامًا حال دورانها. إذا قست سطوع نجمٍ ما بدقة، فستجد أن سطوعه يتقلب بين الشدة والخفوت والشدة مرة أخرى، حيث إن دوران هذه البقع يجعلها تارة في مرمى العين، وتارة أخرى خارجه. وعليه، وبقياس المدة التي يستغرقها سطوع النجم ليتغير من حالة الشدة إلى الخفوت ثم إلى الشدة، يمكننا قياس سرعة دوران النجم، وذلك على الرغم من عدم قدرتنا على رؤية تفاصيل سطحه بدقة!

الكواكب تكشف أسرار الأسطح النجمية

معظم النجوم لها كواكب تدور حولها. ويحالفنا الحظ أحيانًا حينما يكون الكوكب هو ما يخسف (يحجب) الضوء المنبعث من نجمه المضيف بينما يدور الكوكب حول النجم في مداره. وإذا قسنا سطوع النجم بدقة فائقة هذه المرة، فيمكننا حينها ملاحظة حدث “العبور”، والذي وُصف بالتفصيل في هذا المقال من Frontiers for Young Minds. وخلال حدث العبور ، يحجب الكوكب جزءًا من الضوء المنبعث من النجم، ومن ثم يرى علماء الفلك على الأرض انخفاضًا في إجمالي كمية الضوء المنبعث من النجم، وهو ما يستمر عادةً لبضع ساعات [1].

وتعتمد كمية الضوء المحجوبة خلال حدث العبور في الغالب على أمرين: ضخامة حجم الكوكب، ومقدار سطوع النجم. فكوكب بحجم المشترى يمكنه حجب 2% أو أكثر من الضوء المنبعث من نجم ما. بينما كوكب صغير بحجم الأرض يمكنه حجب 0.008% منه فقط. فاختلاف حجم الكوكب يغير من كمية الضوء المحجوبة من النجم.

تخيل أنك تشاهد تلفازًا ساطعًا في غرفة مظلمة. ثم أتى شقيقك الصغير للغرفة ومشى ببطء أمام التلفاز. حينها، يكون أخوك قد حجب التلفاز عنك، مع العلم بأن كمية الضوء التي ستراها من التلفاز ستقل في الوقت الذي يكون فيه شقيقك أمام التلفاز. ولكن، ماذا إذا أغلق التلفاز؟ ثم مر أخوك من أمامه؛ حينها لن يكون هناك أي ضوء مفقود، حيث إن التلفاز مظلم ومعتم بالفعل. وعليه، فبناء على كمية الضوء المفقود عند مرور أخيك أمام التلفاز، يمكنك التعرف على مدى سطوع التلفاز (وربما مقدار الضيق والانزعاج الذي حل بك جراء فعل شقيقك الصغير، أيضًا!).

والآن، دعونا نتخيل أن كوكبًا بحجم نبتون يدور حول نجم أصغر قليلًا من الشمس، مثل الكوكب HAT-P-11 b، والذي يدور حول نجم يسمى HAT-P-11. يدور النجم HAT-P-11 مرة واحدة كل 29 يومًا. ويحجب الكوكب 0.3% من ضوء النجم مرة كل 5 أيام، حيث يدور حول نجمه بسرعة في مدار قريب. إذا وجدت بقعة سوداء على سطح هذا النجم، مثل شاشة التلفاز التي خفتت إضاءتها جزئيًا، فإن كمية الضوء المفقود نتيجة مرور الكوكب أمام البقعة الساطعة من النجم ستكون أكثر مقارنة بالكمية المفقودة عند مروره أمام البقعة السوداء على النجم. وعليه، فلو قسنا سطوع النجم بدقة فائقة خلال عبور الكوكب، يكون بمقدورنا حينها أن نكتشف مقدار سطوع النجم وراء الكوكب بناءً على كم الضوء الذي يحجبه الكوكب عندما يمر أمامه.

HAT-P-11: نجم مليء بالبقع

التقط تليسكوب “كبلر” (Kepler) الفضائي التابع لوكالة ناسا صورة لـHAT-P-11 مرة كل 4 سنوات، لقياس سطوعه بدقة عالية. مر كوكب HAT-P-11 b الذي يقع خارج المجموعة الشمسية أمام نجمه أكثر من 200 مرة خلال المهمة، وهو ما مكّن علماء الفلك من قياس تغيرات السطوع على سطحه باستخدام تقنية “الأخ والتلفاز” التي وصفناها آنفًا. عندما يمر الكوكب عبر بقع نجمية معتمة على سطح النجم، تنبعث من النجم كمية أقل من الضوء مقارنة بما هو الحال إذا مر الكوكب أمام الأجزاء الساطعة منه. ومن ثم، فإن الكوكب قد مكن علماء الفلك من دراسة البقع النجمية المعتمة بصورة فردية بالتفصيل، وذلك على الرغم من أن التليسكوب لم يكن قويًا بما يكفي لتكبير النقط ورؤيتها مباشرةً [2]!

وقد وجد العلماء أن البقع على النجم HAT-P-11 تشبه تمامًا تلك الموجودة على سطح الشمس (انظر الشكل 1) [3]. تظهر هذه البقع من مواقع متماثلة على سطح النجم، والتي تكون أقرب إلى مركز النجم منه عن قطبيه (نهايتيه). ومقارنة بالبقع الشمسية، نجد أن البقع الموجودة على سطح HAT-P-11 مماثلة لها تمامًا - حيث إنها أشد إعتامًا من بقية سطح النجم بنسبة 30% تقريبًا. كما أن هذه البقع في نفس حجم البقع الشمسية، وحجمها عادةً أكبر من حجم الأرض 10 مرات.

شكل 1 - يظهر هذا الشكل مخططًا توضيحيًا لما يمكن أن يكون عليه نظام HAT-P-11.
  • شكل 1 - يظهر هذا الشكل مخططًا توضيحيًا لما يمكن أن يكون عليه نظام HAT-P-11.
  • نجم ذو لون أحمر مائل للبرتقالي يوجد على سطحه عدد من البقع الداكنة. وهناك كوكب من خارج مجموعتنا الشمسية بحجم نبتون يدور على مقربة من النجم.

وربما يكون الاكتشاف الأبرز في هذا الصدد هو عدد البقع التي وجدها علماء الفلك على سطح النجم HAT-P-11. ويبدو أن المنطقة المغطاة بالكامل في النجم HAT-P-11 أكبر من نظيرتها المغطاة على سطح الشمس بمائة مرة [3]. ومن المحتمل أن هذه البقع تغطي نسبة 14% من سطح هذا النجم [4]. هذه هي حكاية البقع! ويتفق هذا الاكتشاف مع توقعنا أن النجوم الأصغر حجمًا من الشمس والتي لها نفس فترة الدوران يجب أن يكون عليها عددًا أكبر من البقع مقارنة بهذه الموجودة على الشمس.

المنظر من HAT-P-11 B

لو قُدِر لنا زيارة كوكب HAT-P-11 b شديد الحرارة، فسيكون لدينا قدرة محدودة على الرؤية في ضوء النهار، حيث إن الكوكب يدور على مقربة شديدة من نجمه. ولو نظرت إلى النجم من على هذا الكوكب، فسيبدو لك أكبر مما تبدو لنا الشمس من على الأرض بحوالي 15 مرة. أما عن أضخم بقعة نجمية اكتشفها علماء الفلك على سطح HAT-P-11، فإنها تعادل حجم الشمس مرتين عندما نراها من على الأرض. وبالطبع، سيكون من الصعب زيارة كوكب HAT-P-11 b في الحقيقة، حيث إنه كوكب غازي عملاق ليس له سطح، وهو ما يعني عدم وجود مكان لنقف عليه. وإضافة إلى ذلك، فإنه قريب جدًا من نجمه، وهو ما يعني أن درجة حرارة جوه ستبلغ آلاف الدرجات. وعليه، فسيكون HAT-P-11 b مكانًا غير مرحب بزيارته.

ماذا بعد؟

يتبين لك الآن من قراءة هذا المقال أن النجوم التي تدور يوجد على أسطحها بقع معتمة، وأن النجوم الأقل حجمًا من الشمس ربما يوجد عليها بقع تشبه البقع النجمية في سلوكها. لقد تعلمت كيف يستخدم علماء الفلك الكواكب التي تدور في مدارات حول النجوم البعيدة لدراسة بقعها النجمية.

وللتعرف على إذا ما كان HAT-P-11 يتصرف في الحقيقة مثل الشمس أم لا، فهناك شيء آخر يود علماء الفلك اكتشافه. إذ تدور الشمس في دورة تستغرق 11 سنة، ومن ثم يبدأ عدد قليل من البقع في الظهور، ثم يزداد هذا العدد، ثم يعود للانخفاض مرة أخرى. وعليه، نود أن نعرف إذا ما كان لـHAT-P-11 دورة مدتها 11 عامًا مثل الشمس، ولكننا لم نقض أكثر من 11 عامًا في مراقبة هذا النجم بعد، وهو ما يعني أنه من السابق لأوانه معرفة إذا ما كان لهذا النجم دورة مثل الشمس أم لا [5]. وسيواصل علماء الفلك استخدام التليسكوبات في السنوات القادمة لرصد واكتشاف HAT-P-11 لمعرفة ما إذا كانت دورته مماثلة لتلك الخاصة بالشمس أم لا.

مسرد للمصطلحات

الخسوف أو الحجب (Eclipse): يحدث عندما يحجب أحد الأجرام السماوية ضوء جرم آخر.

النجم المضيف (Host Star): وهو النجم الذي يدور حوله كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية.

العبور (Transit): هو الحدث الذي يحجب فيه كوكب من خارج المجموعة الشمسية الضوء المنبعث من نجمه المضيف.

كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية (Exoplanet): كوكب يدور حول نجم آخر غير الشمس.

البقع النجمية (Starspots): البقع السوداء الموجودة على أسطح النجوم والتي تنشأ نتيجة مجالات مغناطيسية قوية.

البقع الشمسية (Sunspots): البقع السوداء الموجودة على سطح الشمس والتي تنشأ نتيجة مجالات مغناطيسية قوية.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Morris, B. M. 2019. How to discover a planet orbiting a distant star. Front. Young Minds 7:74. doi: 10.3389/frym.2018.00074

[2] Sanchis-Ojeda, R., and Winn, J. N. 2011. Starspots, spin–orbit misalignment, and active latitudes in the HAT-P-11 exoplanetary system. Astrophys. J. 743:61. doi: 10.1088/0004-637X/743/1/61

[3] Morris, B. M., Hebb, L., Davenport, J. R. A., Rohn, G., and Hawley, S. L. 2017. The starspots of HAT-P-11: evidence for a solar-like dynamo. Astrophys. J. 846:99. doi: 10.3847/1538-4357/aa8555

[4] Morris, B. M., Hawley, S. L., and Hebb, L. 2018. Large starspot groups on HAT-P-11 in activity cycle 1. Res. Notes Am. Astron. Soc. 2:26. doi: 10.3847/2515-5172/aaac2e

[5] Morris, B. M., Hawley, S. L., Hebb, L., Sakari, C., Davenport, J. R. A., Isaacson, H., et al. 2017. Chromospheric activity of HAT-P-11: an unusually active planet-hosting K star. Astrophys. J. 848:58. doi: 10.3847/1538-4357/aa8cca