ملخص
مؤخرًا، تم اكتشاف آلاف الكواكب التي تدور حول النجوم البعيدة ونطلق على هذه الكواكب البعيدة اسم الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية. تم اكتشاف معظم الكواكب التي تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية من خلال البحث عن تغيرات بسيطة في شدة سطوع النجوم، فعندما تمر الكواكب الواقعة خارج نطاق المجموعة الشمسية في مسار يقع بين نجومها وكوكب الأرض تحجب هذه الكواكب جزءًا من ضوء النجوم، الأمر الذي يتسبب في انخفاض بسيط في شدة سطوع النجم. كشفت عملية عبور الكواكب التي تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية أمام نجومها أن حجم معظم الكواكب التي تدور حول النجوم الشبيهة بالشمس أكبر قليلًا من حجم كوكب الأرض وأصغر من حجم كوكب نبتون (Neptune) - على عكس أي كوكب آخر في مجموعتنا الشمسية.
لماذا يصعب إيجاد كواكب تدور حول النجوم البعيدة؟
نعلم بالكواكب التي تدور حول الشمس في مجموعتنا الشمسية منذ آلاف السنين، ولكن درايتنا بالكواكب التي تدور حول النجوم البعيدة الشبيهة بالشمس ترجع إلى عام 1995 فقط، حيث إنه من الصعب العثور على كوكب يدور حول النجوم البعيدة ويرجع ذلك إلى انخفاض شدة سطوع الكواكب انخفاضًا كبيرًا مقارنة بشدة سطوع النجوم التي تدور الكواكب حولها. كما أن النجوم والكواكب على حد سواء تقع على مسافة بعيدة للغاية. ! فالأمر أشبه بمحاولة رؤية بعوضة في الليل وهي تطير بجوار المصباح الأمامي للسيارة من على بعد 100 ميلًا! فكيف يمكن أن نعثر على كواكب أخرى في عالمنا؟
خسوف/كسوف واحد من شأنه إحداث تغيير كبير
تحقق إنجاز كبير في عام 2000 عندما وجه علماء الفلك التليسكوب الخاص بهم إلى النجم HD 209458. يتميز النجم f HD 209458 بأنه أكبر من الشمس حجمًا وأعلى منها من حيث درجة الحرارة، ويقع على بعد حوالي 150 سنة ضوئية في كوكبة الفرس الأعظم (constellation Pegasus). اهتم علماء الفلك بقياس شدة سطوع النجم بدقة كافية لرصد التغيرات التي تطرأ على شدة سطوع النجم بنسبة تصل إلى ١% ، حيث قاموا بقياس سطوع النجم في ليلتين مختلفتين ووجدوا أن سطوع النجم قد خفت بنسبة ١.٥% تقريبًا لمدة 3 ساعات قبل أن تعود شدة سطوعه إلى ما كانت عليه، وذلك في ليلتين مختلفتين [1].
كان هذا التغير الطفيف في شدة السطوع، الموضح في الشكل 1، بمثابة اكتشاف كبير، ويرجع ذلك إلى أن سبب هذا التغيير هو الكوكب الذي عبر بين كوكب الأرض وبين النجم HD 209458. عندما حجب الكوكب الضوء الصادر من النجم HD 209458 ، كان الضوء الصادر من النجم وفقًا لقياسات علماء الفلك التي أُجريت على كوكب الأرض أقل من الطبيعي بدرجة بسيطة، وعليه فإن مقدار الضوء المفقود من الضوء الصادر من النجم يعتبر مؤشرًا لعلماء الفلك على حجم الكوكب حيث حجم الكوكب يتناسب طرديًا مع مقدار الضوء المحجوب، فإذا كان حجم الكوكب كبيرًا فمقدار الضوء المحجوب سيكون كبيرًا وإذا كان حجم الكوكب صغيرًا مثل كوكب الأرض فسيحجب فقط جزءًا بسيطًا من ضوء النجم. يُطلق على عملية مرور كوكب أمام نجم وحجب ضوئه العبور.
مقدار الضوء المفقود من النجم 209458 HD (والذي بلغ ١.٥% من شدة السطوع) كان حتمًا نتيجة كوكب أكبر من المشترى؛ وهو أكبر كوكب في مجموعتنا الشمسية. أطلق العلماء على هذا الكوكب اسم "كوكب b 209458 HD الواقع خارج المجموعة الشمسية"، حيث يشير الحرف b إلى أنه أول كوكب تم اكتشافه في المجموعة (إذا تم اكتشاف كواكب أخرى تدور حول النجم نفسه سيتم تعيين حرف c للكوكب الثاني، وحرف d للثالث على التوالي، وهكذا)، وعلى الرغم من أن حجم الكوكب b 209458 HD يماثل حجم كوكب المشترى، فإنه يختلف عنه اختلافًا كبيرًا. فكوكب المشترى يدور حول الشمس على مسافة أبعد بخمسة مرات من المسافة التي يدور منها كوكب الأرض حول الشمس،
بينما يدور كوكب HD 209458 b حول نجمه على مسافة أقرب من المسافة التي يدور عليها كوكب الأرض حول الشمس بمقدار 21 مرة. نظرًا إلى أن كوكب b 209458 HD هو الكوكب الأقرب لنجمه فإن درجة حرارته مرتفعة للغاية؛ إذ تبلغ حوالي 1,200 درجة مئوية! وعلى غرار كوكب المشترى، فإن هذا الكوكب "كوكب غازي عملاق"؛ مما يعني أنه لا يمتلك سطحًا صلبًا. ففي ظل غياب السطح الصلب، وبالإضافة إلى درجة الحرارة المرتفعة، يشكل كوكب HD 209458 b بيئة غير صالحة للحياة.
العثور على آلاف الكواكب
نعرف الآن كيفية اكتشاف كوكب واحد - حيث نُجري قياسًا لشدة سطوع النجم بدقة لفترة معينة، وإذا خفت سطوعه لعدة ساعات أثناء عملية العبور فقد نكون بذلك اكتشفنا كوكبًا! ولكن منذ عام 2000 تم اكتشاف الآلاف من الكواكب، فكيف وجد علماء الفلك هذا العدد الكبير من الكواكب؟
معظم الكواكب التي تم اكتشافها تم العثور عليها بواسطة التليسكوب الفضائي "كبلر" (Kepler) الذي تولى عملية مراقبة ١٥٠ ألف نجم لمدة ٤ سنوات، وتسجيل قياسات سطوع كل نجم بدقة كل نصف ساعة. تمت ملاحظة أكثر من 2,000 نجم قد تم تسجيل اختلاف في درجة سطوعها مما كشف عن وجود مجموعة هائلة من الكواكب مختلفة الأحجام، تتراوح أحجامها ما بين الأحجام الصغيرة مثل كوكب عطارد (Mercury) إلى الأحجام الكبيرة مثل كوكب المشتري، وما بينهما [2].
مفاجأة الكوكب متوسط الحجم
واحدة من أكبر المفاجآت التي تم اكتشافها عن طريق التليسكوب الفضائي كلبر هي أن الحجم الأكثر شيوعًا للكواكب هو الذي يقع ما بين حجم كوكب الأرض وكوكب نبتون، حيث إن الأرض هي أكبر كوكب صخري في المجموعة الشمسية ونبتون هو أصغر كوكب غازي في المجموعة الشمسية، ولا يوجد في مجموعتنا الشمسية كواكب تبلغ أحجامها ما بين حجم كوكب الأرض وكوكب نبتون، ومع ذلك فإن معظم الكواكب التي تم اكتشافها بواسطة التليسكوب الفضائي كلبر تقع أحجامها في هذا النطاق. يبذل علماء الفلك اليوم قصارى جهدهم لمعرفة كيف تبدو هذه الكواكب متوسطة الحجم [3]، وهل هي كواكب غازية صغيرة الحجم مثل نبتون الصغير أم أنها كواكب صخرية مثل الأرض الهائلة؟
لا بشديدة الحرارة ولا قارسة البرودة؛ بل معتدلة المناخ!
قد تتساءل ”هل يمكننا العيش على أي من هذه الكواكب؟” يحاول علماء الفلك الإجابة عن هذا السؤال، وعلى وجه التحديد، يريدون معرفة ما إذا كان كل كوكب يحتوي على ماء سائل على سطحه أم لا. يوجد الماء السائل في كل مكان على كوكب الأرض ولذلك توجد حياة، لذلك سنبدأ رحلة البحث عن الحياة على الكواكب التي تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية بالبحث عن الكواكب التي تحتوي على ماء سائل على سطحها. يتميز بعض الكواكب مثل كوكب HD 209458 b بدرجة الحرارة المرتفعة التي لا تسمح بوجود الماء السائل، بينما يتميز بعض الكواكب الأخرى بدرجات الحرارة المنخفضة للغاية، فنحن نبحث عن الكواكب التي تقع في ”المنطقة المجرية المعتدلة” (Goldilocks zone) في المنتصف ونطلق عليها اسم ”النطاق الصالح للحياة” (habitable zone).
يوجد اثنان من الكواكب التي تدور في النطاق الصالح للحياة حول نجمهما المضيف وهما Kepler-62 e وKepler-62 f [5 ,4]. تدور هذه الكواكب حول نجم كبير حجمه أقل من حجم الشمس بنسبة ٣٠% ويقع على بعد 1,200 سنة ضوئية منا، كما أن حجم الكوكبين أكبر من حجم كوكب الأرض. هذا ويأمل علماء الفلك في استخدام تليسكوب جيمس ويب الفضائي (James webb space telescope) الذي سيجري إطلاقه قريبًا، لقياس كتل هذه الكواكب التي تقترب أحجامها من حجم كوكب الأرض، وذلك لمعرفة ما إذا كانت هذه الكواكب صخرية أم غازية، وبالتالي معرفة ما إذا كانت تحتوي على أسطح (وربما تحتوي على ماء)، وما إذا كان من الممكن أن تمثل هذه الكواكب بيئات جيدة صالحة للحياة كما عرفناها.
الباحثون عن الكواكب الجديدة
هناك مجموعة متنوعة من المهام التي تخطط وكالة ناسا (NASA) ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA) للقيام بها ستكتشف أو تدرس من خلالها الكواكب العابرة التي تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية، ويتضمن ذلك مهمات لبعثات فضائية تسمى ”تيس” (TESS)، و”بلاتو” (PLATO)، و”كيوبس” (CHEOPS). هذا وعندما نكتشف المزيد والمزيد من الكواكب، سنحتاج بالتأكيد إلى المزيد من علماء الفلك أمثالك لمساعدتنا في معرفة أي من هذه الكواكب صالح للحياة.
مسرد للمصطلحات
السنة الضوئية (Light year): ↑ المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة.
العبور (Transit): ↑ عندما يحجب كوكب ما ضوء النجم الذي يدور حوله.
التليسكوب الفضائي كبلر (Kepler space telescope): ↑ يدور التليسكوب الفضائي حول الشمس للكشف عن الكواكب التي تقع خارج نطاق المجموعة الشمسية ورصدها باستخدام طريقة العبور.
النطاق الصالح للحياة (Habitable zone): ↑ المنطقة التي تقع حول نجم ما حيث يوجد فيها كوكب يتميز بدرجة الحرارة المناسبة ليس شديد الحرارة ولا شديد البرودة— ويوجد ماء سائل على سطح الكوكب الصخري.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Charbonneau, D., Brown, T. M., Latham, D. W., and Mayor, M. 2000. Detection of planetary transits across a sun-like star. Astrophys. J. 529:L45. doi: 10.1086/312457
[2] ↑ Akeson, R. L., Chen, X., Ciardi, D., Good, J., Harbut, M., Jackson, E., et al. 2013. The NASA exoplanet archive: data and tools for exoplanet research. Publ. Astron. Soc. Pac. 125:989. doi: 10.1086/672273
[3] ↑ Rogers, L. A. 2015. Most 1.6 earth-radius planets are not rocky. Astrophys. J. 801:41. doi: 10.1088/0004-637X/801/1/41
[4] ↑ Borucki, W. J., Agol, E., Fressin, F., Kaltenegger, L., Rowe, J., Isaacson, H., et al. 2013. Kepler-62: a five-planet system with planets of 1.4 and 1.6 earth radii in the habitable zone. Science. 340:587–90. doi: 10.1126/science.1234702
[5] ↑ Shields, A. L., Barnes, R., Agol, E., Charnay, B., Bitz, C., and Meadows, V. S. 2016. The effect of orbital configuration on the possible climates and habitability of Kepler-62f. Astrobiology. 16:443–64. doi: 10.1089/ast.2015.1353