مفاهيم أساسية علم الفلك والفيزياء نشر بتاريخ: 29 مايو 2024

ما هي النجوم المتغيرة؟ ولماذا نرصدها؟

ملخص

النجوم جزء مهم من الكون وتعتبر ''محرّكات'' التطور الكوني لأنها تنتج كل العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم أي العناصر التي تدخل في تكويننا وتكوين العالم الذي نعيش فيه. وعلى الرغم من أن سطوع أغلب النجوم يبدو ثابتًا، يمكن ملاحظة تغيّر في مستوى سطوع بعض النجوم عند استخدام التلسكوبات أو حتى المناظير. ويُطلق على هذه النجوم اسم ''النجوم المتغيرة''. من المهم دراسة النجوم المتغيرة لأن المعلومات الواردة عنها تساعد العلماء على فهم خصائص كل النجوم وطبيعة الكون كذلك. سنتناول في هذا المقال مفهوم النجوم المتغيرة وما الذي يمكننا تعلمه منها وكيف يمكن لغير المتخصصين بمن فيهم أنت المساهمة في جمع البيانات حول النجوم المتغيرة لمساعدة علماء الفلك في فهم الكون بصورة أفضل.

ما النجوم المتغيرة؟

نعرف جميعًا أن وجود الشمس (وهي أحد نجوم المجرة) ضروري لاستمرار الحياة على وجه الأرض. ولكن الكون يمتلئ بمئات آلاف النجوم، وهي أكثر أجسام معروفة في الفضاء. ينظر علماء الفلك إلى النجوم على أنها ''المحركات'' الكونية التي تصنع المجرات وكل ما فيها. فارتفاع درجة الحرارة والضغط داخل النجوم يسمح بإنتاج كل العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم، أي العناصر مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين التي تدخل في تكوين الأرض وأجسامنا [1].

عند النظر إلى أغلب النجوم من الأرض، تبدو تلمع بضوء ثابت. ولكن هناك بعض النجوم التي يتغير سطوعها بمرور الوقت. وهذه التغيرات قد لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولكن يمكن رصدها بالتلسكوب، بل وأحيانًا بالمنظار. وهذه النجوم التي نرصد تغيّرًا في سطوعها بمرور الوقت تُسمّى النجوم المتغيرة. وحتى الآن سُجل وجود ما يزيد عن 150,000 نجم متغير [2]. يتغير سطوع النجوم المتغيرة على مدار فترات زمنية تتراوح بين جزء من الثانية وسنوات، ويمكن أن تكون تغيرات السطوع ضئيلة أو كبيرة للغاية. لماذا يتغير سطوع النجوم المتغيرة؟ هناك عدة أسباب وراء ذلك، ويمكن شرحها بسهولة من خلال تقسيم النجوم المتغيرة إلى فئتين كما سنناقش أدناه.

أنواع النجوم المتغيرة

تُصنّف النجوم المتغيرة إلى فئتين استنادًا إلى سبب تفاوت مستوى الضوء، وهما: النجوم المتغيرة الأصيلة والنجوم المتغيرة غير الأصيلة. في حالة النجوم المتغيرة الأصيلة، ينتج تفاوت مستوى الضوء عن تغيرات فيزيائية مثل النبض أو الانفجار داخل النجم. والنجوم المتغيرة النابضة، على سبيل المثال، تتضخم وتتقلص بسبب نشاط دائر داخل النجم. في حالة النجوم المتغيرة غير الأصيلة، يمكن أن ينتج تفاوت مستوى الضوء عن حجب نجم بواسطة نجم أو كوكب آخر [3]. فضوء النجوم المتغيرة غير الأصيلة يخفت عند حجبها بواسطة هذا الجسم السماوي، ثم يسطع من جديد عند ابتعاده. وهناك نجوم متغيرة غير أصيلة أخرى تكون في الواقع أزواج نجوم متجاورة كثيرًا، وتتبادل الكتلة عندما يقتطع أحد النجوم الغلاف الجوي من النجم الآخر.

تسهم النجوم المتغيرة بدور مهم في فهمنا للكون، فكل نوع من النجوم المتغيرة يتميز بسمة فريدة تعلّمنا شيئًا ما عن الخصائص النجمية، مثل الكتلة ونصف القطر واللمعان ودرجة الحرارة والهيكل الداخلي والخارجي والتكوين والتطور.

تحديد المسافات الكونية

من الأشياء التي تعلّمها علماء الفلك من النجوم المتغيرة هو أن بإمكانها مساعدتنا في تحديد مدى بُعد النجوم عنا. فمن الصعب عادةً قياس المسافات إلى النجوم لأن النجوم الفردية يمكن أن تتفاوت في مدى لمعانها، تمامًا كما في حالة المصابيح الكهربائية التي تختلف في القوة الكهربائية. وفي الغالب، لا يستطيع علماء الفلك تحديد ما إذا كان النجم خافتًا لأنه بعيد للغاية أو لانخفاض مستوى لمعانه. النجوم القيفاوية (السيفيدية) هي من أنواع النجوم المتغيرة (الشكل 1) التي يمكن أن تساعدنا في التغلب على هذه المشكلة وتحديد المسافات إلى المجرات البعيدة.

شكل 1 - يتكون هذا الفيلم من سلسلة من الصور التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي.
  • شكل 1 - يتكون هذا الفيلم من سلسلة من الصور التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي.
  • يمثل النجم اللامع في الوسط نجمًا متغيرًا قيفاويًا (سيفيديًا) في مجرة أندروميدا (المرأة المسلسلة) القريبة. تعرض سلسلة الصور كيف يتغير سطوع هذا النجم بمرور الوقت.

النجوم القيفاوية هي نجوم نابضة كبيرة صفراء، وعادةً ما تكون ألمع من الشمس من 1,000 إلى 10,000 مرة. وتتراوح فترتها عمومًا من 3 أيام إلى 50 يومًا1 ، ولذا يسهل على علماء الفلك رصدها. يمكن أن تساعد النجوم القيفاوية علماء الفلك في تحديد المسافات الكونية حيث تبين أن فترات هذه النجوم ترتبط مباشرةً بمتوسط لمعانها (كلما طالت الفترة، زاد اللمعان). معنى هذا أنه في حالة قياس فترة نجم قيفاوي بدقة، يمكن لعلماء الفلك تحديد مستوى لمعانه الفعلي ومقارنته بمدى سطوع النجم الظاهر من الأرض وحساب الفرق، ما سيؤدي إلى تحديد بُعد النجم.

تطور النجوم

قد تكون الشمس أهم نجم متغير نابض يمكننا دراسته. وأغلب ما نعرفه عن حياة النجوم جاء مباشرةً من دراسة تغيّر الشمس. ولكن دراسة الشمس لا يمكن أن تخبرنا كل شيء حول كل النجوم لأنها نجم واحد فقط بكتلة وعمر محددين. وإذا أردنا معرفة مبادئ عامة حول كل النجوم، فعلينا دراسة العديد من النجوم. ومن خلال دراسة الكثير من النجوم المتغيرة، سنعرف معلومات مهمة حول الكون، وهو أنه دائم التغير. لا تبقى النجوم كما هي على امتداد دورة حياتها. فهي تبدأ كسحب منهارة من الغاز والغبار، ثم يحترق الهيدروجين في نواتها وتلمع بسطوع لمليارات السنين. وبعد ذلك، ينفد منها الوقود في النهاية وتنتهي حياتها وهي نجوم صغيرة كثيفة تُسمى الأقزام البيضاء أو المستعر الأعظم في الانفجارات الشديدة. وعملية تطور النجوم هذه تحدث على مدار إطار زمني طويل جدًا لدرجة يستحيل معها رصده مباشرةً.

ونظرًا لوجود نجوم متغيرة تمر بكل مرحلة من مراحل تطور النجوم، فدراسة العديد من النجوم المتغيرة يمكن أن تمدنا بمعلومات قيّمة حول كل مرحلة. ويمكن تعميم هذه المعلومات لمساعدتنا على تحسين فهم كل النجوم (بما فيها الشمس)، وبالتالي فهم الكون بشكل أفضل.

على الرغم من أن الشمس ما زالت تحرق الهيدروجين وسيستمر ذلك على الأرجح لعدة سنوات، فإنها ستصل يومًا ما إلى نهاية حياتها النجمية. ويمكننا الحصول على معلومات حول تطور الشمس في المستقبل من خلال دراسة نجوم ميرا المتغيرة، وهي نوع من النجوم المتغيرة الأصيلة في أواخر مراحل حياتها. تمر نجوم ميرا المتغيرة في الغالب بتغيرات كبيرة في اللمعان لأنها تتوسع وتتقلص باستمرار بالتزامن مع حرقها لبقايا الوقود2. وهي ضخمة وسهل رصدها، ولذلك نجد أن رصد بعض هذه النجوم مستمر منذ أكثر من 100 سنة. وما يتعلّمه علماء الفلك من نجوم ميرا المتغيرة يمكن أن يساعدهم في توقع كيف ستنتهي الحياة النجمية للشمس.

كيفية رصد النجم المتغير وتسجيل سلوكه

يجب رصد النجوم المتغيرة بدقة على امتداد عقود لتحديد سلوكها طويل الأجل. ولا يملك علماء الفلك المحترفون الوقت الكافي اللازم لجمع البيانات حول التغيرات في سطوع آلاف النجوم المتغيرة، كما لا يتاح لهم استخدام التلسكوبات بشكل غير محدود لهذا الهدف. وبالتالي، نجد أن علماء الفلك الهواة في الأساس هم من يقدمون إسهامات حقيقية وعالية الفائدة للعلماء من خلال رصد النجوم المتغيرة وإرسال ملاحظاتهم إلى قاعدة بيانات دولية.

هنا يأتي دور الجمعية الأمريكية لراصدي النجوم المتغيرة (AAVSO). تأسست الجمعية عام 1911 لتنسيق ملاحظات رصد النجوم المتغيرة (التي يقدمها في الغالب علماء فلك هواة) لصالح مرصد كلية هارفارد. والجمعية منظمة دولية غير هادفة للربح تسمح لأي شخص في أي مكان على كوكب الأرض بالمشاركة في الاكتشافات العلمية المعنية بعلم فلك النجوم المتغيرة. واليوم مع وجود مشاركين نشطاء في أكثر من 50 بلدًا وأرشيف يضم ما يزيد عن 44 مليون ملاحظة من رصد النجوم المتغيرة، نجد أن هذه المنظمة هي أكبر جمعية في العالم لراصدي النجوم المتغيرة المحترفين والهواة على حد سواء. وبفضل الجمعية الأمريكية لراصدي النجوم المتغيرة (AAVSO) لدينا الآن علماء فلك هواة يرصدون السماء ليلاً في كل أنحاء العالم ويساعدونا على فهم النجوم بشكل أفضل.

وعلى الرغم من أن الانضمام إليهم قد يبدو معقدًا، فهو ليس كذلك، إذ يمكنك مشاهدة فيديوهات إرشادية والمشاركة في ندوات معلوماتية عبر الإنترنت لمعرفة كيفية تحديد موقع النجوم المتغيرة باستخدام منظار بسيط أو تلسكوب منزلي، ثم المساهمة بنفسك ببيانات. يمكنك التعرف على موقع الجمعية على ما يأمل العلماء اكتشافه من خلال رصد النجوم وسيساعدك ذلك بدوره على معرفة ما عليك التركيز عليه عند النظر إلى السماء ليلاً. ومع اكتساب الخبرة كعالم فلك هاوٍ، يمكنك الانضمام إلى المهمة من خلال إرسال نتائجك إلى قاعدة بيانات الجمعية الأمريكية لراصدي النجوم المتغيرة (AAVSO) لمساعدة العلماء على التوصّل إلى حلول لبعض أكبر الألغاز في الحياة.

الخاتمة

النجوم المتغيرة هي أنواع مدهشة من النجوم يتغير سطوعها بمرور الوقت. وعلى الرغم من أن ذلك لا يبدو مهمًا، تسهم هذه النجوم في الواقع بدور أساسي للغاية في فهمنا للكون. يوفّر تغيّر سطوعها معلومات مهمة من دونها ستصعب أو تستحيل الإجابة عن بعض الأسئلة حول النجوم. ويمدنا إجراء الأبحاث حول النجوم المتغيرة بمعلومات عن الخصائص النجمية، مثل الكتلة ونصف القطر واللمعان ودرجة الحرارة والهيكل الداخلي والخارجي والتكوين والتطور. وتعرّفنا كل هذه المعلومات على تاريخ الكون وتساعدنا في توقّع المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فلأن النجوم وأنظمتها الكوكبية هما على الأرجح المكان الوحيد الذي يمكن أن توجد فيه أشكال الحياة بالكون، يمكن أن تساعدنا دراسة النجوم (بما فيها الشمس) في التعرّف على الأماكن الأخرى المحتملة لوجود الحياة.

يحتاج علماء الفلك المحترفون إلى جمع بيانات من كل أنحاء العالم. فهذه البيانات تساعدهم على تحليل السلوك المتغير للنجوم وجدولة عمليات رصد لبعض النجوم بالأقمار الصناعية وربط البيانات المستمدة من الرصد البري والرصد بالأقمار الصناعية وإعداد نماذج محوسبة للنجوم المتغيرة. ولكن مع استمرار التبدلات في آلاف النجوم المتغيرة، يستحيل على علماء الفلك المحترفين الحصول على كل المعلومات اللازمة. وهنا يأتي دورك أنت، فعلماء الفلك يحتاجون إلى مساهمتك في جمع المعلومات الضرورية من النجوم المتغيرة. ويمكن للجميع في العالم كله رصد السماء والانضمام إلى مجموعة جمع البيانات لدينا. تتوفر عدة طرق يمكنك من خلالها المساهمة في علم الفلك3. ويوجد دائمًا المزيد لاكتشافه. وعلماء الفلك الهواة أمثالك يمكنهم حتى أن يصبحوا سفراء للجمعية الأمريكية لراصدي النجوم المتغيرة (AAVSO)، والمساهمة في التوصل إلى اكتشافات علمية كل يوم.

مسرد للمصطلحات

النجوم المتغيرة (Variable stars): نجوم يتغير سطوعها بمرور الوقت.

النجوم المتغيرة الأصيلة (Intrinsic variable stars): نوع من النجوم المتغيرة ينتج فيه تفاوت مستوى الضوء عن تغيرات فيزيائية مثل النبض أو الانفجار داخل النجم.

النجوم المتغيرة غير الأصيلة (Extrinsic variable stars): نوع من النجوم المتغيرة ينتج فيه تفاوت مستوى الضوء عن شيء خارج النجم، مثل حجبه بواسطة نجم أو كوكب آخر.

اللمعان (Luminosity): كمية الطاقة المنبعثة من نجم ما والتي تكون في شكل ضوء.

النجم القيفاوي (السيفيدي) (Cephid): نوع من النجوم المتغيرة يمكن أن يساعد علماء الفلك في تحديد المسافة الكونية بسبب ارتباط فترات هذه النجوم بلمعانها.

الفترة (Period): الوقت الذي يستغرقه نجم متغير للتنقل من أقوى سطوع له إلى أعلى مستويات خفوته.

تطور النجوم (Stellar evolution): دورة حياة النجم كاملة، من مولده حتى موته.

نجم ميرا المتغير (Mira variable): نوع من النجوم المتغيرة يقترب من نهاية حياته. ونجوم ميرا المتغيرة كبيرة جدًا بشكل عام وتمر بتغيرات كبيرة في اللمعان بسبب نبضها.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

الحواشي

1. لقراءة المزيد، يمكنك الانتقال إلى: https://courses.lumenlearning.com/astronomy/chapter/variable-stars-one-key-to-cosmic-distances.

2. لقراءة المزيد، يمكنك الانتقال إلى: https://en.wikipedia.org/wiki/Mira_variable.

3. لقراءة المزيد، يمكنك الانتقال إلى: https://www.aavso.org/tutorials.


المراجع

[1] Percy, J. R. 2011. Understanding Variable Stars. Cambridge: Cambridge University Press.

[2] Hellier, C. 2001. Cataclysmic Variable Stars: How and Why They Vary. Berlin: Springer.

[3] Levy, D. H. 1998. Observing Variable Stars: A Guide for the Beginner. Cambridge: Cambridge University Press.