مفاهيم أساسية التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 9 يناير 2023

كيف كشف العلماء النقاب عن عمليات الهجرة السرية للأسماك؟

ملخص

تعرف هجرة الحيوانات على أنها الانتقال الموسمي من منطقة إلى منطقة أخرى، ويمكن أن تتضمن هذه العملية هجرة الآلاف من هذه الحيوانات عبر القارات والمحيطات. وغالبًا ما يستخدم العلماء الوسوم الإلكترونية والمادية للتتبع علميات الانتقال للأسماك المهاجرة، بيد أن هذه الوسوم لا تعمل إلا مع الأسماك الكبيرة في الحجم، كما أنها تقدم رؤية محدودة عن الأماكن التي ذهبت إليها هذه الأسماك. ومع ذلك، اكتشف العلماء كيف يستخدمون حصى الأذن الخاص بالأسماك للكشف عن رحلة الهجرة السرية للأسماك المهاجرة على مدار عمرها بالكامل. وتُكوّن هذه الحصى طبقة جديدة مع كل يوم يمر من عمر السمكة، وهو ما يؤدي إلى إنتاجها لشرائط (خيوط) النمو، تمامًا كما تفعل الشجرة. كما تشتمل الحصى على مواد كيميائية تُستَخلص من المياه مع نمو الأسماك وتنقلها، وهو ما يقدم بدوره خريطة كيميائية للأماكن التي زارتها هذه الأسماك. وعلاوة على ذلك، تدلنا خيوط النمو أيضًا على الفترة الزمنية التي قضتها الأسماك في كل موطن/موئل زارته، فضلًا عن السرعة التي تنمو بها.

تساعد هذه المعلومات جماعات المحافظين على البيئة على فهم الموائل الأكثر أهمية وكيفية حماية الأنواع المهددة بالانقراض.

وستأخذك هذه الورقة البحثية في رحلة إلى هذا العالم العجيب حول هجرة الأسماك، كما أنها ستزودك بمعلومات حول حصى الأذن الدقيق الذي يتنصت على حياة الأسماك ويسجل كل حركاتها، فضلًا عن الكثير من المعلومات الأخرى ...

هجرة الأسماك: المقصود بها وسبب أهميتها

غالبا ما نسمع عن عمليات الهجرة الموسمية لأسراب الأسماك من أحد نصفي الكرة إلى النصف الآخر لتجنب فصول الشتاء الطويلة والباردة، أو عن عمليات الهجرة التي تقوم بها الحيوانات البرية في غابات السافانا الإفريقية. وعلى الرغم من أن الأسماك تقوم هي الأخرى بعمليات هجرة رائعة، فإن هذه العمليات تحدث تحت سطح الماء، وهو ما يجعل من الصعب رؤيتها [1]. وعلى غرار الطيور، يمكن للأسماك التحرك في جميع الاتجاهات. ففي المحيطات، تقوم العديد من الأسماك بتنفيذ عمليات ''الهجرة'' الرأسية كل يوم؛ حيث تصعد إلى السطح لتحصل على غذائها في الليل ثم تعود لتختبئ في الأعماق المظلمة أثناء النهار، وذلك كي تتجنب أن تراها المفترسات الجائعة. كما يمكن للأسماك أيضًا أن تسبح لمسافات طويلة، إذ يمكن مثلا لأسماك التونة العملاقة أن تقطع مسافة تقدر بآلاف الكيلومترات لتصل إلى نفس الأراضي التي تتكاثر فيها كل عام [1]. حتى أسماك الفلاوندر (الأسماك المفلطحة) بمقدورها الهجرة لمئات الكيلومترات عن طريق ركوب التيارات المائية في المحيط، والعجيب أنها تقطع هذه المسافات الشاسعة دون أن تمتلك عضلات ضخمة مثل تلك التي تتمتع بها أسماك التونة. وفي سبيل قيامها بهذا الأمر، تقوم هذه الأسماك المخادعة بدفن نفسها في الرمال عندما تقوم التيارات المائية بتغيير اتجاهها للتأكد من أنها لن تنجرف إلى الخلف. وهناك أيضًا بعض الأسماك، مثل السلمون والأنقليس، والتي تهاجر عبر المياه العذبة والمالحة خلال رحلتها للوصل إلى وجهتها النهائية. ربما أكل الكثير منكم، أيها القراء، سمك السلمون، ولكن هل تعلم أن هذه الأسماك قد قطعت مسافة أكثر من 3000 كم في الأنهار في طريق عودتها إلى المكان الذي ولدت فيه؟ إن هذه المسافة أطول من المسافة الفاصلة بين المكسيك وكندا!

ولكن السؤال الآن: لماذا ينبغي علينا أن نهتم بهجرة الأسماك؟ بغض النظر عن أن عمليات الهجرة هذه بمثابة أحداثٍ مذهلة إذ غالبًا ما تتضمن آلاف الحيوانات، فإنها تؤثر أيضًا على الطريقة التي ندير بها المجموعات البرية ونحافظ بها على الأنواع المهددة بالانقراض. إن البشر في كل أرجاء العالم يحبون أكل الأسماك. ومع ذلك، فلكي نتجنب صيد كميات كبيرة من الأسماك، فإننا بحاجة إلى أن نفهم أولًا الأماكن التي يمكن أن نعثر فيها على الأسماك خلال فترة عمرها. والحق أن هذا الأمر يعد من الأمور الصعبة فيما يتعلق بالأسماك المهاجرة، ولكنه في الوقت ذاته يُمكِّن مديرو مصائد الأسماك من وضع القواعد، متى اقتضى الأمر، لتقليل الصيد في موائل معينة، مثل تلك التي تجتمع فيها الأسماك للتكاثر والنمو. ولا يستطيع العديد من الأسماك اليوم الهجرة بنجاحٍ إلى الموائل اللازمة لها للعيش والتكاثر، حيث إن البشر قد أغلقوا الطرق أمامها بالسدود وغيرها من التركيبات والموانع.

لماذا نقوم بوسم الحيوانات؟ وكيف نقوم بهذه العملية؟

دائما ما يتملك الفضولُ البشر لمعرفة الأماكن التي تقصدها الحيوانات. على سبيل المثال، يضع الكثير من الأشخاص الأجراس على كلابهم أو قططهم كي يتمكنوا من تحديد مواقعها. ولقد كان هذا الفعل معروفًا بالفعل في مصر القديمة قبل آلاف السنين. ويقوم الرعاة بفعل الأمر ذاته مع الماشية. ومن ثم، يمكن للجرس البسيط أن يعمل كوسمٍ يمكن الشخص من معرفة مكان الحيوان. إلا أن هذا الوسم لا يمكننا إلا من تتبع الحيوانات التي تكون في نطاق سمعنا أو بصرنا، كما أنه لزام أن يكون الحيوان ضخمًا بما يكفي لارتداء الطوق.

ولقد سمح لنا التقدم التكنولوجي الذي نراه اليوم من تجاوز استخدام الأجراس في عمليات تحديد أماكن الحيوانات، حيث مكنننا من تتبع عمليات الهجرة ذات المسافات الطويلة أثناء قطعها من قبل بعض الأنواع [1]. وتتنوع علامات الوسم الإلكترونية بين مستشعرات ضوئية بسيطة والتي تتبع عمليات هجرة الطيور من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وصولًا إلى تلك الوسوم المعقدة التي تستخدم النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) والتي تسجل موقع الحيوان في أي لحظة وفي أي مكان على سطح الأرض. وتُستخدم وسوم GPS التي تكون على هيئة أطواق مع العديد من الأنواع البرية، مثل الأسود والغوريلا والفيلة والحمر الوحشية والدببة وحيوانات الباندا، في حين أن هناك أنواع أخرى من هذه الوسوم يتم تثبيتها مثل ثقوب الجسد في الزعانف أو على أظهر الحيوانات المائية الضخمة، مثل السلاحف والحيتان والتونة وأسماك القرش [1] في الشكل 1، يمكنك رؤية مسار الهجرة الذي صنعه قرش الماكو قصير الزعنفة في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلنطي، وهو ما أتاحه لنا تتبع هذا القرش عن طريق وسم GPS. وعادة ما تكون وسوم GPS كبيرة وثقيلة، ومن ثم فلا يمكن استخدامها مع الحيوانات الصغيرة أو الضعيفة [1]. ولهذا السبب، يتم وسم معظم الطيور بحلقات معدنية صغيرة وخفيفة أو شرائط بلاستيكية ذات رموز مميزة، حيث إن هذه الوسوم أخف بكثير من نظيرتها التي تعتمد تقنية GPS في عملها، مع التأكيد على أنها في الوقت ذاته أقل منها على صعيد التقدم التكنولوجي؛ ومن ثم فهي لا تتيح لنا تحديد مكان الطائر الموسوم إلا إذا كانت ساق هذا الطائر أو جناحه مرئيًا لنا. ولكن، ماذا عن الأسماك التي تعتبر صغيرة جدًا كي تتحمل وسوم الـ GPS والتي تسبح في المياه بحيث لا يمكننا رؤيتها أو سماعها؟

شكل 1 - (A) مسار الهجرة لقرش الماكو صغير الزعنفة في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلنطي، وهو المنطقة المظللة بالصندوق الأخضر.
  • شكل 1 - (A) مسار الهجرة لقرش الماكو صغير الزعنفة في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلنطي، وهو المنطقة المظللة بالصندوق الأخضر.
  • (B) وُسم هذا القرش بجهاز GPS من على شاطئ ميريلاند (الولايات المتحدة) في 23 مايو 2015. نقل جهاز GPS حركات القرش لمدة 626 يومًا، حيث بيّن أن هذا القرش قد سبح مسافة 21.974 كم خلال هذه الفترة الزمنية. (B، C) يمثل الخط الأخضر حركات هذا القرش وعمليات انتقاله خلال عام 2015. (D، E) بينما يمثل الخط الأسود حركاته وانتقالاته خلال عام 2016. (F) أما الخط البنفسجي، فإنه يمثل تحركات نفس القرش خلال عام 2017. ومن المثير أن تعلم أن هذا القرش قد هاجر عائدًا إلى نفس الشاطئ في ميريلاند بعد عام واحد من وسمه هناك. يمكنك تتتبع عملية الهجرة للأسماك الأخرى على http://cnso.nova.edu/sharktracking. تمت الاستعانة بالصور الواردة في هذا الشكل من هذا الموقع الإلكتروني (المذكور آنفًا)، حيث أتاحها لنا معهد جاي هارفري للأبحاث، جامعة نوفا الجنوبية الشرقية.

ويمكن أيضًا وسم الأسماك الصغيرة بالعديد من الأجهزة، فيمكن وسمها بالوسوم المعدنية أو البلاستيكية المميزة برموز فريدة، أو بوسوم إلكترونية مصغرة توضع في بطونها أو رؤسها [1]. ومن حسن حظنا أن الأسماك ذات الهياكل العظمية، مثل السردين والفلاوندر والسلمون، تولد بوسوم طبيعية، وهو ما يمكن العلماء من دراسة حركاتها وتنقلاتها من مولدها وحتى مماتها، دون الحاجة إلى وسمها بوسوم مادية [1]. وهذا الوسم الطبيعي عبارة عن عظمة خاصة تعرف باسم ''الحصى السمعي'' أو ''حصى الأذن''، وتقوم هذه الحصى بتسجيل عمليات الهجرة التي تقوم بها الأسماك على مدار اليوم والموسم والسنة، فضلًا عن تسجيل العديد من الجوانب الأخرى لحياتها [1]. أما الأسماك ذات الهياكل المكونة من غضاريف، أو ما تعرف بالأسماك الغضروفية مثل أسماك القرش والراي، فإنها لا تمتلك حصى الأذن هذا.

ماذا يقصد بحصى الأذن في الأسماك؟

تنمو الحصيات السمعية، أو حصى الأذن، في الأذن الداخلية للأسماك العظمية - التي يبلغ تعدادها ما يزيد على 28 ألف لف انوعٍ، بما في ذلك هذه الأنواع المتنوعة مثل أسماك المهرج وأسماك حصان البحر وأسماك السلمون وأسماك التونة. ويوجد ثلاثة أزواجٍ من حصى الأذن في الأسماك العظمية، وهي: الحصى السهمية، واللويبات، والنجمية (الشكل 2). تتكون حصى الأذن من كربونات الكالسيوم، وهو نفس المركب الكيميائي الداخل في تكوين الطباشير والحجر الجيري. وتختلف أحجام حصى الأذن وأشكالها باختلاف الأسماك، ومن ثم يستطيع العلماء العثور على حصى الأذن في براز الطيور والفقمات لمعرفة أنواع الأسماك التي تأكلها هذه الحيوانات! كما تمكن حصى الأذن الأسماك من البقاء متزنة، فضلًا عن تمكينها إياها من اكتشاف الأصوات وعمق المياه. وتنمو هذه الحصى باستمرار مع نمو السمكة على مدار حياتها، وذلك بمعدل يبلغ بضع ميكرونات يوميًا، من الميلاد حتى الموت [2]، علما بأن الميكرون الواحد يصغر عن الملليمتر الواحد بألف مرة، ومن ثم تكون هذه الحصى تقريبًا بحجم حبة الرمل في الأسماك الصغيرة وبحجم الظفر في معظم الأسماك البالغة.

شكل 2 - (A) صورة لسمكة الباس المخططة.
  • شكل 2 - (A) صورة لسمكة الباس المخططة.
  • (B) أشعة سينية على سمكة الباس المخططة. (C) تبين تفاصيل الرأس التي أظهرتها الأشعة السينية موقع حصى الأذن. (D) تمتلك الأسماك ثلاثة أزواجٍ من الحصيات السمعية وهي: الحصى السهمية، واللويبات، والنجمية. (E) هذه الصورة هي شريحة من الحصى السهمية اليسرى، وهو الموقع الذي يظهر بالخطوط البيضاء المتقطعة في (D). وتظهر المربعات البيضاء لب حصى الأذن، والذي تكون عندما كانت هذه السمكة في طور اليرقة. وتظهر كل نقطة بيضاء خيطًا رفيعًا وآخر ثخينًا تكون خلال الشتاء، وهو ما يعني أن عمر هذه السمكة هو 4 أعوام. وقد نُفِذَت التجربة التي استخدمت فيها أشعة سينية في كلية الطب البيطري (جامعة كاليفورنيا، دافيس) من قبل فريق كبير من العاملين في العيادة البيطرية تحت إشراف الدكتور/ Kathryn L. Phillips.

ما المعلومات التي تخزن في حصى الأذن؟

تعرف حصى الأذن بين العلماء على أنها نسخة جهاز تسجيل الصندوق الأسود في الطائرات التي تتمتع بها الأسماك، والتي تسجل باستمرار مسار الرحلة التي تقوم بها الطائرة. وعلى غرار مسجل الرحلة، تسجل الحصى توقيت ومدة الأحداث المهمة في حياة السمكة. ويمكن للعلماء باستخدام المجاهر والتكنولوجيا المتقدمة حل شفرات الرسائل المرئية والكيميائية المطبوعة المخزنة في هذه الحصيات، مثل عمر السمكة ومكان عيشها على مدار فتراتٍ مختلفة في حياتها [3].

استخدام حلقات حصى الأذن لتقدير عمر السمكة ونموها

يمكننا حساب عمر السمكة من خلال عدّ حلقات النمو على حصى الأذن الخاصة بها، تمامًا بنفس الطريقة التي يمكننا بها تحديد عمر الأشجار [2]. وتعمل هذه الطريقة على النحو التالي: يوجد فترات تشعر فيها الأسماك بالنعاس أو الخمول وفترات أخرى تستيقظ فيها للغذاء وذلك كل يوم، تمامًا كما يفعل الإنسان؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى تكوين خيوطٍ فاتحة وأخرى داكنة بشكل يومي، وهي الخيوط التي يمكنك رؤيتها عند النظر إلى هذه الحصى تحت المجهر.

ويبين عرض الخيوط المكونة يوميًا للعلماء ما إذا كانت الأسماك تنمو بسرعة أم ببطء؛ وهو ما يعتبر مؤشرًا على ما إذا كانت هذه الأسماك قد عثرت على الغذاء بسهولة أم عانت لتحصل على قوتها. ومع تقدم السمكة في السن، يصبح بمقدور العلماء فحص الخيوط الموسمية الأكبر لإحصاء عدد السنوات التي عاشتها السمكة (الشكل 2) [2]. وقد بلغ عمر أكبر سمكة في العالم - من نوع الراغي الصخري - 205 أعوام، وهو الأمر الذي علمناه من خلال عد الحلقات السنوية في حصى الأذن خاصتها! إن هذه السمكة أكبر من أكبر أجدادك!

تتبع هجرة الأسماك باستخدام حصى الأذن

يستخدم العلماء اليوم تكنولوجيا متطورة لفك شفرات الرمز الكيميائي المسجل في حصى الأذن الخاص بالأسماك؛ من أجل إعادة تركيب مشاهد الحياة السرية لها خلال عمليات الهجرة. وتساعد هذه القصة التي سطرتها العناصر الكيميائية العلماء على تقدير الفترة الزمنية التي قضتها السمكة في الموائل المختلفة على مدار حياتها، وهو الأمر الممكن القيام به، حيث إن الأسماك تستخلص بعض العناصر الكيميائية من المياه المحيطة بها ومن الغذاء وتخزنها في الحصى داخل آذانها، مع العلم بأن هذه العناصر قد تكون مميزة وحصرية لهذا الموئل الذي عاشت فيه الأسماك، وهو ما يشبه إلى حد ما البصمة الكيميائية المسجلة في خيوط نمو الحصيات السمعية التي تتغير عندما تهاجر السمكة إلى موئلٍ جديد. وتعمل تقنية قراءة العناصر الكيميائية في حصى الأذن على أكمل وجهٍ عندما تتنقل الأسماك بين بيئات مائية مختلفة، مثل تنقلها بين الأنهار والمصبات (نهايات الأنهار قبل التقائها بالمحيطات؛ ويتنوع طول المصبات في العادة بين بضعة كيلومترات إلى 100 كم تقريبًا)، والمحيطات (الشكل 3). ومع ذلك، فمن الممكن أيضًا في بعض الأماكن المعينة في العالم تحديد النهر الذي ولدت في السمكة، ثم تتبع حركاتها عبر شبكة الأنهار المعقدة [4].

شكل 3 - يختلف التركيب الكيميائي للمحيطات عنه في المصبات عنه في الأنهار.
  • شكل 3 - يختلف التركيب الكيميائي للمحيطات عنه في المصبات عنه في الأنهار.
  • ومن ثم، تختلف العناصر الكيميائية الداخلة في تكوين الحصيات السمعية باختلاف النظم البيئية. وعليه، يمكن استخدام هذه العناصر لتحديد النظم البيئية التي استخدمتها الأسماك المهاجرة خلال رحلة حياتها (انظر أسفل اللوحة)، فضلا عن معرفة الفترة الزمنية التي قضتها السمكة في كل واحدٍ من هذه النظم.

ويستطيع العلماء من خلال الجمع بين حلقات النمو والتحليلات الكيميائية تقدير الفترة الزمنية التي قضتها السمكة في كل موئل، بالإضافة إلى مقارنة معدلات النمو التي بلغتها في كل منها. إن فهم نوعية الموائل المهمة للأسماك تعتبر من قبيل المعلومات الضرورية للعلماء الذين يحاولون حماية هذه الموائل أو إعادتها كما كانت [1].

المعلومات المحفوظة في حصى الأذن قد تساعد في الحفاظ على الأسماك المهددة بالانقراض

يستخدم العلماء بفاعلية هذه الطرق الموصوفة في القسم السابق في محاولتهم إنقاذ الأسماك المهددة بالانقراض بدرجة كبيرة. وربما تكون قد سمعت عن أسماك سلمون شينوك (أو كينج سلمون). إن هذا النوع من السلمون هو الأضخم من بين أنواع السلمون في العالم، وهو يعيش على امتداد الساحل الشمالي للمحيط الهادي وفي الأنهار، بدءًا من الجزء الشمالي في اليابان وحتى قلب ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وكجميع أنواع السملون، يولد سلمون شينوك في الأنهار، ثم يهاجر إلى المحيطات وهو لا يزال يافعًا، ثم يعود في نهاية المطاف إلى النهر الذي ولد فيه ليضع البيض وتكوين الجيل التالي من السلمون؛ علمًا بأن هذا النوع من السلمون (شينوك) يضع البيض مرة واحدة، ثم يموت. وبعد موت هذه السمكة، يجمع العلماء حصى آذانها، ومن ثم يعيدون تتبع وتعقب مسارات الهجرة التي قطعتها ومعدلات نموها على مدار حياتها [4].

وفي نهر سان جواكين في ساكرامنتو، يركض سلمون شينوك أربعة مرات: مرة في الخريف ومرة في أواخره، وثالثة في الشتاء، ثم رابعة في الربيع. وتشير أسماء عمليات الركض إلى الموسم الذي تدخل فيه هذه الأسماك إلى المياه العذبة لوضع البيض. إن محط تركيز قصتنا هنا سيكون على سلمون شينوك الراكض في الشتاء، إذ لم يتبق إلا عدد قليل منه في كاليفورنيا (الولايات المتحدة)، وهو ما يجعلها معرضة للخطر بدرجة كبيرة [5]. حيث من الممكن أن تساعد المعلومات الجديدة التي يحصل عليها العلماء من حصى الأذن على حمايتها. وعلى الصعيد التاريخي، يضع سلمون شينوك الذي يهاجر في الشتاء بيضه في العديد من الأنهار الباردة في كاليفورنيا، بيد أن البشر قد سدوا الطريق أمامه بالسدود التي أقاموها. أما اليوم، فإن المكان الوحيد المتبقي لهذه الأسماك كي تضع بيضها فيه هو مكان يقع مباشرة تحت السد، حيث يمكن أن تصبح درجات الحرارة مرتفعة جدًا. وخلال فترة الجفاف التي ضربت البلاد في الفترة من 2013 إلى 2015، مات الكثير من البيض والصغار بسبب المياه الساخنة. ومع ذلك، فقد نجح عدد صغير من أسماك سلمون شينوك التي تركض في الشتاء على نحو ما من البقاء على قيد الحياة، حيث عادت كأسماك بالغة بين عامي 2018 - 2016. ويتوق العلماء إلى استخدام حصى الأذن في التعرف على قصص هذه الأسراب الناجية، حيث يعتقدون أن هذه الحصى ستكشف عن الموائل التي يمكن لسلمون شينوك الراكض في الشتاء أن يحيا فيها خلال فترات الجفاف المستقبلية. وفي غير سنوات الجفاف، كشفت حصى الأذن بالفعل أن صغار هذا النوع من السلمون غالبا ما تتسلل إلى الأنهار الصغيرة للنمو والاختباء [5]. ولا يعرف العلماء شيئًا عن مدى أهمية عمليات التوقف السرية هذه. وفي الإطار ذاته، فهم يعتقدون أن بمقدورهم تزويد السملون بالعناصر الغذائية والمأوى من المفترسات وهي في طريقها إلى المحيط. هل هذه هي نفس الموائل التي استخدمها سلمون شينوك الراكض في الشتاء خلال فترات الجفاف؟ إن هذه المعلومات الجديدة ستمكن العلماء من التعرف على الموئل الذي ينبغي حمايته من أجل المحافظة على هذه الأسماك الفريدة.

ما الذي يمكنك فعله لحماية الأسماك المهاجرة؟

كوّن مجموعات مع أصدقائك ومعلميك للتعرف على أنواع الأسماك المهاجرة في المنطقة التي تعيش فيها، سواء في الأنهار أو المحيطات. اكتشف الأنواع المهددة بالانقراض والتي تحتاج إلى مساعدتك، وحاول فقط أن تشتري أغذية بحرية مستدامة (الأنواع التي تم حصادها أو زراعتها بدون تدمير الموائل الطبيعية على نحو يدمر الأنواع الأخرى ويلوث الأنظمة البيئية - تفقد مراقبة الأغذية البحرية على الموقع www.seafoodwatch.org والتطبيق الخاص بها). أخبر عائلتك وأصدقائك وأفراد مجتمعك أنه بمقدورهم المساعدة في حماية هذه الأنواع. على سبيل المثال، الفت انتباههم إلى أن اليوم العالمي للأسماك المهاجرة الذي يعقد على نحو سنوي سيتناول العديد من القضايا التي تواجه الأسماك المهاجرة (worldfishmigrationday.com). ويحتفل بهذا اليوم كل عامين في كل أنحاء العالم. ربما يتمكن أصدقاؤك ومعلموك من تنظيم حدثٍ خاص بهذا اليوم! ابحث عن الفرص التي يمكنك أن تساعد بها خلال فعاليات تنظيف الشواطئ والأنهار لتوفير مواطن نظيفة للأسماك المهاجرة وغيرها من الأنواع الأخرى من الكائنات البحرية. كما يمكن أيضا استخدام الصنابير الذكية للمحافظة على المياه في منزلك وفي الفناء للإبقاء على مزيد من المياه للأسماك كي تستمع بها وللمساعدة في الإبقاء على الأنهار صحية (https://www.smartwater.org.nz/tips). الفت انتباه الناس إلى أن إزالة بعض العوائق على امتداد الأنهار من الممكن أن تساعد في زيادة أعداد الأسماك المهاجرة من خلال السماح لها بالعودة إلى موائلها الصحية التي تعيش وتترعرع فيها.

مسرد للمصطلحات

الموطن/الموئل (Habitat): هي المناطق الطبيعية أو البيئات التي تستخدمها الكائنات الحية لتلبية جميع احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والتكاثر.

النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS): توفر لنا مجموعة من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض النظام العالمي لتحديد المواقع، وهو ما يمكن المستقبلات الإلكترونية على الأرض من تحديد المواقع بدقة.

الأسماك الغضروفية (Cartilaginous Fish): هي تلك الأسماك التي تتكون هياكلها من الغضاريف الأكثر رقة من العظام. ويعد كل من أسماك القرش وأسماك الراي خير مثال على هذه الطائفة.

حصى الأذن أو الحصيات السمعية (Otoliths): حصى الأذن في الأسماك، هي عبارة عن تراكيب مصنوعة من كربونات الكالسيوم وتوجد في الأذن الداخلية للأسماك العظمية. وتساعد هذه الحصى الأسماك على اكتشاف الأصوات، وتجنب المفترسات، فضلًا عن البقاء في حالة اتزان.

الأسماك العظمية: هي تلك الأسماك ذات الهياكل المكونة من العظم. وتشمل قائمة الأمثلة على هذه الطائفة كلا من أسماك السلمون وحصان البحر وسمك المهرج وسمك الفرخ، علما بأن هذه الأمثلة قليل من كثير على الأسماك العظمية.

العناصر الكيميائية (Chemical Elements): العناصر الكيميائية هي لبنات البناء في كل شيء في العالم، بدءًا من الكائنات الحية وحتى الجماد. على سبيل المثال، يتكون الماء من عنصرين كيميائيين؛ هما الهيدروجين والأكسجين.

المصب (Estuary): هو نهاية امتداد النهر قبل التقائه بالمحيط. وتتنوع كميات الأملاح الموجودة في مياه المصب، كما أنها غالبًا ما تتحرك بفعل المد والجزر.

أسماك السلمون الراكضة في الشتاء (Winter-Run Salmon): هي تلك الأسماك التي تعود إلى النهر (أو ''تركض'' من المحيط) في فصل الشتاء.

الأسماك المهاجرة (Migratory Fish): هي تلك الأسماك التي تحتاج إلى التنقل بين الموائل المختلفة خلال مراحل معينة من دورة حياتها من أجل التكاثر، والتغذية، والنمو، و/أو العثور على ملجأ من المفترسات أو مأوى من البيئات الضارة.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Morais, P., and Daverat, F. 2016. An Introduction to Fish Migration. Boca Raton, FL: CRC Press.

[2] Panfili, J., De Pontual, H., Troadec, H., and Wright, P. J. 2002. Manual of Fish Sclerochronology. Brest: Institut Français de Recherche pour l’Exploitation de la Mer.

[3] Campana, S. E. 1999. Chemistry and composition of fish otoliths - pathways, mechanisms and applications. Mar. Ecol. Progr. Ser. 188:263–97. doi: 10.3354/meps188263

[4] Sturrock, A. M., Wikert, J. D., Heyne, T., Mesick, C., Hubbard, A. E., Hinkelman, T. M., et al. 2015. Reconstructing the migratory behavior and long-term survivorship of juvenile Chinook salmon under contrasting hydrologic regimes. PLoS ONE 10:e0122380. doi: 10.1371/journal.pone.0122380

[5] Phillis, C. C., Sturrock, A. M., Johnson, R. C., and Weber, P. K. 2018. Endangered winter-run Chinook salmon rely on diverse rearing habitats in a highly altered landscape. Biol. Conserv. 217:358–62. doi: 10.1016/j.biocon.2017.10.023