ملخص
في السابق، تتمحور تربية الأسماك أو تربية الأحياء المائية حول نوع واحد فقط مثل السلمون. وتتضمن أنظمة تربية الأحياء المائية الحديثة تربية نوعين أو أكثر معًا، استنادًا إلى ما يحدث عادةً في السلسلة الغذائية، بحيث يمكن لأحد الأنواع أن يوفر مصدر الغذاء لنوع آخر في المزرعة. ويتناول هذا المقال النتائج التي انتهت إليها تجربة تجمع بين تربية الأسماء واستزراع الطحالب وتربية المحار، حيث نوضح أن الطحالب يمكنها النمو على فضلات الأسماك، والمحار يمكنه التغذي على الطحالب لإنتاج غذاء صحي جيد، مما يقلل من التلوث الناجم عن تربية الأحياء المائية.
ما المقصود بتربية الأحياء المائية؟
يلتهم البشر عددًا كبيرًا من الحيوانات والنباتات من البحر. ويمكنهم الاختيار من وجبات البحر التي تضم قائمة من الأسماك والمحار والطحالب.
وعادةً ما نشتري منتجات المأكولات البحرية هذه طازجة أو مجمدة من السوبر ماركت، حيث تُحصد من بيئتها الطبيعية أو يربيها البشر في مزارع تتكون من خزانات متصلة بالبحر أو أقفاص في البحر. ويُطلق على زراعة البشر للحيوانات والنباتات البحرية تربية الأحياء المائية.
والمصطلح الإنكليزي (aquaculture) مُشتق من الكلمة اللاتينية «aqua» وتعني المياه و«culture» وتعني النمو، وبالتالي فهو يعني شيئًا «ينمو في المياه». وتساعدنا تربية الأحياء المائية على تجنب استنزاف الموارد البحرية من خلال الإفراط في الصيد وعلى إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام عدد البشر المتزايد على وجه الأرض. ويعرف مزارعو الأسماك نوعية المياه المستخدمة بدقة وكمية الحيوانات التي يربونها بغية بيعها. وبمقدور مزارعو الأسماك أيضًا اختيار أنواع الأسماك حسب مناخ المنطقة ونوع المأكولات البحرية التي يتناولها عادةً الأشخاص الذين يعيشون في تلك المنطقة.
وثمة عدة أساليب لتربية الأحياء المائية، فيتخصص المزارعون البحريون فيما يسمونه تربية النوع الواحد، التي تعني زراعة كائن واحد، مثل الأسماك أو الطحالب البحرية أو المحار (المحار أو بلح البحر). وهذا النوع من الزراعة هو ما سنشير إليه في هذا المقال باسم تربية الأحياء المائية التقليدية. وفي المقابل، يربي بعض المزارعين البحريين أنواعًا مختلفة معًا في الوقت نفسه!
وثمة أسباب عديدة وراء تربية المزارعين البحريين أنواعًا مختلفة معًا في بعض الأحيان، إذ إن الأنواع لها طرق تغذية مختلفة: فالبعض لا يتغذى إلا على الحيوانات الأخرى (اللواحم)، والبعض يتغذى على الحيوانات الأخرى والطحالب (القوارت)، والبعض لا يتغذى إلا على الطحالب (العواشب). وتتغذى الطحالب -في النظام البيئي الطبيعي للبحر- على الجزيئات الصغيرة الموجودة في الماء؛ وتتغذى الأنواع مثل المحار على الطحالب؛ وتتغذى الأنواع مثل الأسماك العاشبة على الطحالب والنباتات البحرية؛ في حين تتغذى الأسماك اللاحمة على الحيوانات الصغيرة (شكل 1)؛ وأخيرًا، تتغذى بعض نجوم البحر والديدان -التي تُسمى آكلة الفتات- على براز الحيوانات الأخرى! وتشكل هذه الأنماط المختلفة للتغذية السلسلة الغذائية، ويمكن للبشر استخدام السلسلة الغذائية لتصميم مزارع بحرية مُراعية للبيئة.
فمثلًا، يمكن استخدام الطحالب لتنقية المياه التي تُزرع فيها الأسماك. ويسمح هذا بإعادة استخدام المياه ثم التخلص منها في البحر دون تلويث البيئة. وإذا زرع مزارعو البحر أنواعًا معينة من الطحالب، فيمكنهم إطعامها للمحار. وعلى هذا النحو، يكرر مزارعو البحر السلسلة الغذائية في مزارعهم. وتُسمى هذه الطريقة من زراعة الأحياء المائية -حيث تُزرع أنواع متعددة معًا- تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية.
ما مميزات تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية؟
تقدم تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية للمزارعين طرقًا جديدة لإنتاج الغذاء للبشر أو الحيوانات. وعلاوةً على الأسماك، يمكن للمزارعين زراعة الطحالب (التي تنقسم إلى نوعين الطحالب الكبيرة والطحالب الدقيقة) أو المحار أو بلح البحر أو الديدان أو خيار البحر. ويمكن استخدام الطحالب الدقيقة بوصفها مكونات للغذاء البشري وعلف الحيوان ومستحضرات التجميل وحتى الوقود الحيوي. وبمجرد أن تنتهي الطحالب من تنظيف مياه الأسماك، لن يعد المزارعون البحريون بحاجة إلى اللجوء إلى معالجة المياه باهظة الثمن. ويوفر هذا لهم الكثير من الأموال.
لذا، دعونا نلقي نظرة على مزرعة تربية أحياء مائية متكاملة متعددة التغذية درسها باحثون فرنسيون (شكل 2). سنجد أن كل نوع يُربى في خزان منفصل، حيث يخضع نموه للتحكم بعناية. ويمكن التخلص من النفايات الصلبة التي تخرج من الأسماك -مثل البراز- من خلال تمرير الماء عبر مُرشح أو توجيه الماء نحو خزان تتغذى فيه الديدان على جزيئات النفايات. ثم تُصرف هذه المياه الخالية من الجزيئات إلى خزان مليء بالطحالب الدقيقة. ولا تزال المياه تحتوي على جزيئات صغيرة جدًا لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة -تمامًا كما يحدث عندما يُخلط السكر في الماء- ولكن يمكن للطحالب أن تتغذى على هذه الجزيئات. وبمجرد تنظيف الطحالب الدقيقة للمياه، يمكن إعادة استخدامها في خزانات الأسماك أو تصريفها في البحر دون التسبب في التلوث. وتُستخدم الطحالب الدقيقة المُستزرعة في النهاية بوصفها طعامًا للمحار.
غير أن الحصول على مزرعة بحرية تعمل بالكامل يستلزم وجود ما يكفي من الديدان والطحالب الدقيقة لتنظيف المياه في الخزانات وما يكفي من الطحالب الدقيقة لإطعام المحار.
وغالبًا ما يكون من الصعب الحفاظ على التوازن المثالي بين الخزانات المختلفة، لأنها تتأثر بسهولة بالعوامل المناخية مثل المطر ودرجة الحرارة، وبوجود الأنواع غير المرغوب فيها، مثل الطفيليات أو الكائنات التي تتغذى على الطحالب. ولهذا السبب يتعاون الباحثون مع مزارعي الأسماك للوقوف على أفضل الطرق لتوصيل الخزانات والتحكم في نمو الأنواع الجاري تربيتها.
عمل جماعي: الباحثون ومزارعو الأسماك
أولًا، اختبر الباحثون قدرة الطحالب الدقيقة على تنظيف المياه من خزانات الأسماك. ثانيًا، اختبروا مدى ملاءمة الطحالب الدقيقة لأن تكون غذاءً للطحالب وما إذا كان المحار المُربى بهذه الطريقة جيدًا بما فيه الكفاية للاستهلاك البشري.
ووصّل الباحثون ثلاثة خزانات مختلفة: خزانًا لتربية الأسماك وخزانًا لاستزراع الطحالب الدقيقة وخزانًا لتربية المحار (شكل 3). ويكرر الباحثون دائمًا كل تجربة ثلاث مرات للتأكد مما توصلوا إليه من نتائج والاطمئنان أن لديهم ما يكفي من بيانات، لذا كان هناك إجمالًا ثلاثة خزانات للأسماك وثلاثة خزانات للطحالب الدقيقة وثلاثة خزانات للمحار.
ويعني هذا أن موت الحيوانات في أحد الخزانات ليس نهاية المطاف، لأن الباحثين يمكنهم الحصول على نتائج من الخزانين الآخرين. وقد وضع الباحثون مُرشحات بين خزانات الأسماك وخزانات الطحالب الدقيقة لإزالة النفايات الصلبة الناتجة من الأسماك. واستمرت هذه التجربة لمدة شهرين، وأخذ الباحثون قياسات مختلفة.
فقد قاس الباحثون جودة المياه في خزان الأسماك وفي خزان الطحالب الدقيقة لملاحظة قدرة الطحالب الدقيقة على تنظيف المياه. وقد تكونت نفايات الأسماك بصورة أساسية من النيتروجين والفوسفور. وانتهى الباحثون إلى أنه لم يكن ثمة نفايات تقريبًا في الماء عند خروجه من خزان الطحالب الدقيقة، لأن الطحالب الدقيقة التهمت معظمها. وخلص الباحثون إلى أن الطحالب الدقيقة فعالة جدًا في إزالة النفايات التي تحتوي على النيتروجين والفوسفور والتي تنتجها الأسماك.
ولاختبار ما إذا كانت الطحالب الدقيقة غذاءً مناسبًا للمحار، قاس الباحثون حجم المحار في بداية التجربة التي دامت لشهرين وفي نهايتها، ففي العادة، كلما تغذى المحار، زاد حجمه. ولكن، مما يثير الدهشة في هذه التجربة أن نمو المحار كان ضعيفًا، ولم ينمو بعض المحار على الإطلاق. وثمة فرضيتان تفسران ضعف نمو المحار. أولًا، من الممكن أن يكون نوع الطحالب الدقيقة المُستخدمة لا يفي بالمتطلبات الغذائية للمحار. والاحتمال الثاني أن خزانات المحار لم يكن بها ما يكفي من الطحالب لتغذية جميع المحار.
ولاختبار الفرضيتين المحتملتين، أُجريت تحقيقات إضافية لتحديد ما إذا كانت الطحالب التي تنتجها تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية مصدر غذاء كافٍ للمحار. وأوضحت النتائج أن المحار يمكنه النمو بالتغذي على الطحالب التي تنتجها تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية. ومدلول هذا أن الفرضية الثانية ربما كانت صحيحة: فلم يكن ثمة ما يكفي من الطحالب في الماء لإطعام جميع المحار أثناء التجربة التي دامت لشهرين. ويرجع هذا إلى أن الماء في خزان المحار لم يكن مخلوطًا بما فيه الكفاية، مما حال دون وصول الطحالب إلى المحار. وستكون الخطوة التالية أن يجري الباحثون التجربة مجددًا بعد تحسين دوران الماء في خزانات المحار.
وختامًا، تُعد تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية موضوعًا بحثيًا يستدعي أن يتعاون الباحثون ومزارعو الأسماك لتحسين تربية الأحياء المائية، فمن خلال إعادة إنشاء سلسلة غذائية بسيطة، تستفيد تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية من أحد المبادئ الأساسية للطبيعة، وهو أن جميع الأنواع مفيدة ومترابطة من خلال اضطلاعها بدور الفريسة أو المفترس. فتقليد البشر للطبيعة يسمح لهم بتطوير أساليب مواتية أكثر للأنواع المُستزرعة وللبيئة.
مسرد للمصطلحات
تربية الأحياء المائية (Aquaculture): ↑ المصطلح الإنكليزي مُشتق من الكلمة اللاتينية «aqua» وتعني المياه و«culture» وتعني النمو، وبالتالي فهو يعني شيئًا «ينمو في المياه».
السلسلة الغذائية (Food Chain): ↑ هي علاقات التغذية بين الكائنات الحية؛ وتقع النباتات في أسفل السلسلة الغذائية ويُطلق عليها اسم المنتجين. وتُسمى الكائنات الحية التي تتغذى على النباتات المستهلكين. وتوضح السلسلة الغذائية كيفية حصول كل كائن حي على الغذاء، وكيفية انتقال المغذيات والطاقة من كائن إلى آخر.
تربية الأحياء المائية المتكاملة متعددة التغذية (Imta or Integrated Multi-Trophic Aquaculture): ↑ هي طريقة لتربية الأحياء المائية تنمو فيها أنواع متعددة معًا.
الطحالب الدقيقة (Microalgae): ↑ هي الطحالب المجهرية التي تستخدم ضوء الشمس والماء والمعادن (النيتروجين والفوسفور) وثاني أكسيد الكربون لنموها.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Li, M., Callier, M. D., Blancheton, J.-P., Galès, A., Nahon, S., Triplet, S., et al. 2019. Bioremediation of fishpond effluent and production of microalgae for an oyster farm in an innovative recirculating integrated multi-trophic aquaculture system. Aquaculture 504:314–25. doi: 10.1016/j.aquaculture.2019.02.013