ملخص
تتوسع رقعة المدن في عصرنا الحالي، إذ باتت تشغل مساحة أكبر وتمتلئ بعدد أكبر من الناس. ويسفر هذا التوسع عن استنزاف الموارد الطبيعية لكوكب الأرض وتقليل مساحة الأراضي المتاحة للزراعة. ومع تزايد عدد سكان الأرض، يجب أن يزداد إنتاج الغذاء حتى يحصل الجميع على ما يكفيهم من الطعام. وهنا يأتي دور الزراعة العمودية، وهي نوع من الزراعة يمكن تنفيذه داخل المدن، في مساحات مثل المباني الفارغة. في هذه المساحات الداخلية، يمكن التحكم في الظروف (درجة الحرارة، والماء، وما إلى ذلك) بحيث يمكن إنتاج الغذاء على مدار السنة. وتتيح هذه المزارع استعادة المياه المُصرَّفة وإعادة استخدامها. كما يمكن زراعة الكثير من النباتات في مساحات صغيرة. وعلى الرغم من هذه الصفات الإيجابية، يجب استخدام الأضواء الاصطناعية لعدم وجود ضوء الشمس، وبالتالي، تحتاج المزارع العمودية -للأسف- إلى كمية كبيرة من الطاقة. ومع زيادة كفاءة الإضاءة، يمكن أن تكون المزارع العمودية وسيلة مستدامة وصديقة للبيئة لإنتاج الغذاء.
ما هي المزرعة العمودية؟
تشغل المدن -اليوم- مساحات كبيرة على كوكبنا، مما يقلل من مساحة الأراضي المتاحة للزراعة. وفي الوقت نفسه، تستهلك الأعداد الهائلة من الناس الذين يعيشون في المدن الكثير من الموارد الطبيعية. ومع استمرار نمو عدد السكان، يجب علينا زيادة إنتاج الغذاء حتى يكون لدى الجميع ما يكفيهم من الطعام. والزراعة الحضرية هي نوع من الزراعة التي يُزرع فيها الغذاء داخل المدن. ويمكن أن تساعد الزراعة الحضرية في الحد من الجوع وقد تكون أفضل للبيئة من الزراعة التقليدية. والزراعة العمودية هي نوع جديد من الزراعة الحضرية التي ظهرت لأول مرة في أواخر القرن العشرين في الولايات المتحدة واليابان وهولندا. وقد توسعت الزراعة العمودية مع التقدم التكنولوجي [1, 2].
والزراعة العمودية هي نوع من أنظمة إنتاج الأغذية تتضمن زراعة الأغذية في بيئة داخلية حيث يمكن التحكم فيها بظروف النمو مثل درجة الحرارة والضوء والرطوبة. وتُعد المباني أو المستودعات الفارغة في المدن مثالية للزراعة العمودية. وتوجد كذلك مزارع عمودية أصغر حجمًا لإنتاج الأغذية على نطاق صغير، للأسر الفردية أو المطاعم أو المدارس أو المتاجر مثلًا [3]. ولا تنمو النباتات في المزارع العمودية بالطريقة نفسها التي تنمو بها في المزارع التقليدية. بل تنمو في صواني بدون تربة، مُكدسة على أرفف (الشكل 1). ويسمح نظام الزراعة بدون تربة بزراعة الكثير من النباتات في مساحات صغيرة مع إمكانية التحكم الدقيق في الظروف. ففي المزرعة العمودية، يمكن زراعة ما يصل إلى 80 جرامًا من الخس الطازج باستخدام 1 لتر من الماء. في حين يمكن زراعة 20 جرامًا فقط من الخس الطازج بـ 1 لتر من الماء في الحقل المفتوح! ويمكن أن تكون كمية الغذاء المزروعة في المزارع العمودية أعلى بمقدار 200 مرة من الحقول المفتوحة [4]. ويعني هذا أن الزراعة العمودية يمكن أن تكون طريقة مستدامة لزراعة النباتات في المدن.

- شكل 1 - في نظام الزراعة العمودية، تنمو النباتات في صواني مُكدسة على رفوف.
- قد تحتوي هذه الصواني على القليل من التربة لدعم نمو النباتات، أو قد لا تحتوي على أي تربة على الإطلاق، مما يعزز من فعالية سقي النباتات. ويحتوي كل رف على مصابيح LED، وغالبًا ما يُستخدم مزيج من الضوء الأحمر والأزرق. وتنتج هذه الألوان مُجتمعةً ضوءًا ورديًا يمكن للنباتات استخدامه لإجراء عملية التمثيل الضوئي والنمو.
كيف تبدو المزرعة العمودية؟
ويمكنك أن تجد داخل المزرعة العمودية نباتات وإضاءة اصطناعية ومصدرًا للمياه ومناخًا مستقرًا. وتستخدم المزارع العمودية الإضاءة الاصطناعية، مثل الضوء الذي تنتجه مصابيح LED لمحاكاة الشمس. ومصابيح LED هي أكثر المصابيح المتوفرة كفاءة في استخدام الطاقة، وهي متوفرة بألوان عديدة: الأحمر والأزرق والأخضر والأبيض والأشعة فوق الحمراء (التي تستفيد منها النباتات لكن بالكاد يمكن للبشر رؤيتها). ويمكن صنع المزيد من الألوان عن طريق مزج مصابيح LED. وفي الواقع، يُعد مزيج الضوء الأحمر والأزرق الأكثر شيوعًا في المزارع العمودية، لأن تلك هي الألوان التي تستخدمها النباتات بالدرجة الأولى في عملية التمثيل الضوئي، وهي عملية ضرورية لنمو النبات [5, 6].
وباستخدام مصابيح LED، يمكن للمزارعين اختيار وصفة الإضاءة المثالية لكل نوع من أنواع النباتات، بما في ذلك الألوان الدقيقة وشدة الإضاءة وعدد ساعات الإضاءة التي تحصل عليها النباتات. ومع وصفة الإضاءة المثالية، يمكن تحقيق أفضل نمو للنباتات. وعلى الرغم من أن مصابيح LED باهظة الثمن، فعمرها الافتراضي أطول من أنواع المصابيح الأخرى.
وكما ذكرنا سابقًا، تنمو النباتات في المزارع العمودية في أنظمة زراعة بدون تربة. وتُضاف المغذيات التي تحتاجها النباتات إلى الماء وتُوصَّل باستخدام نوعين رئيسيين من الري. في نظام الزراعة المائية، تُغمر جذور النباتات في خزانات مملوءة بمياه تحتوي على مغذيات، إما باستمرار أو مرات قليلة فقط في اليوم، حسب نوع نظام الزراعة المائية المُستخدم. وفي نظام الزراعة الهوائية، تُرش جذور النباتات بمحلول المغذيات، لمدة دقيقة واحدة -مثلًا- بين أربع وست مرات في الساعة، لتجنب الجفاف. ويستهلك هذان النظامان كمية ماء أقل مما تحتاج إليه زراعة النباتات في التربة. وفي أي من النظامين، يمكن استخدام الأواني التي تحتوي على الخث أو الإسفنج العضوي لدعم النباتات وإبقائها رطبة طوال اليوم (الشكل 2).

- شكل 2 - يُستخدم نظاما زراعة رئيسيان بدون تربة في المزارع العمودية.
- في نظام الزراعة المائية، تُغمر جذور النباتات في الماء الذي يحتوي على العناصر الغذائية التي تحتاجها النباتات. ويمكن غمر الجذور لبضع دقائق عدة مرات في اليوم، بناءً على احتياجات النبات ومرحلة نموه. وفي بعض الأحيان يُستخدم القليل من التربة فقط للحفاظ على رطوبة النباتات وثباتها. وفي نظام الزراعة الهوائية، تكون جذور النباتات مكشوفة وتُرش بصورة متكررة بمحلول مغذيات. ويمكن دعم النباتات باستخدام كبسولات بلاستيكية وإسفنج عضوي.
من خلال عملية النتح، تطلق النباتات أيضًا الماء من خلال فتحات صغيرة موجودة بشكل رئيسي على أوراقها تسمى الثغور. ويمكن استرداد هذه المياه في المزارع العمودية وإعادة استخدامها لري النباتات.
وعندما تُزرع النباتات داخل مساحات مغلقة، يمكن التحكم في المناخ. وتُنظم جميع الظروف في المزارع العمودية وتكون مستقلة عن الظروف الخارجية. فثبات درجة حرارة الهواء ودوران الهواء -مثلًا- أمران مهمان. كما يجب التحكم في الرطوبة (كمية الرطوبة الموجودة في الهواء). ويمكن أيضًا إضافة ثاني أكسيد الكربون داخل الهيكل، لمساعدة النباتات في عملية التمثيل الضوئي. ويمكن زراعة النباتات كل يوم من أيام السنة داخل هذه المساحات المُتحكم بها، بغض النظر عن الطقس أو الفصول.
في المزارع العمودية، تُزرع في المقام الأول الخضروات الورقية أو النباتات الطبية أو الشتلات الصغيرة، مثل الخس أو الريحان أو الجرجير. فهذه النباتات ليست طويلة مثل نباتات الخضروات الأخرى، لذا يمكنها أن تنمو بسهولة على الأرفف. كما أنها تنمو بسرعة وبشكل متقارب، ولا تحتاج إلى ضوء شديد. وأخيرًا، يمكن بيعها بسعر جيد. لكل هذه الأسباب، تُعد هذه المحاصيل هي الأكثر ملاءمة للمزارع العمودية [3].
هل المزرعة العمودية مستدامة؟
لتحديد ما إذا كانت المزارع العمودية مستدامة، يجب أن نأخذ في الاعتبار جميع الموارد المستخدمة في النظام: المياه والطاقة والمساحة. تستخدم الزراعة ما يقرب من 70% من المياه العذبة المتوفرة على كوكبنا [4]. وفي المزارع العمودية، تتحسن كفاءة استخدام المياه مقارنةً بالزراعة التقليدية، التي غالبًا ما تُفقد فيها المياه في التربة. وقد أظهرت دراسة بالفعل أن المزارع العمودية تتميز بكفاءة أعلى في استخدام المياه لزراعة العديد من النباتات، مثل الريحان والخس [5, 6]. ويعني هذا أن كتلة النباتات المُنتجة لكل وحدة مياه مُستخدمة تكون أعلى في أنظمة الزراعة بدون تربة ذات المناخ المستقر والضوء الأمثل وإعادة استخدام المياه المتبخرة.
لاختيار مساحات المدن الفارغة للمزارع العمودية دور في مساعدة النظم البيئية الطبيعية حيث يقلل ذلك من الحاجة إلى استخدام الأراضي للزراعة. إذ يعني تكديس النباتات على الرفوف إمكانية استيعاب المزيد من النباتات في المساحة المتاحة، مما يؤدي إلى إنتاج المزيد من الطعام في مساحة أصغر.
تفتقر المزارع العمودية -على عكس الحقول المفتوحة أو الصوبات الزراعية- إلى ضوء الشمس. والمصابيح هي مصدر الضوء الوحيد، وتتطلب هذه المزارع الكثير من الطاقة. ويستلزم التحكم في المناخ داخل المزارع العمودية وجود طاقة أيضًا. ويُعد استخدام الطاقة في المزارع العمودية أحد القيود الرئيسية التي تواجهها هذه المزارع. ويحتاج العالم إلى استراتيجيات جديدة لتحسين كفاءة الطاقة في المزارع العمودية. وتساعد مصابيح LED في تحقيق ذلك، لأن ألوان الإضاءة وحرارة المصباح يمكن ضبطها للوصول إلى أفضل نمو للنبات وكفاءة في استهلاك الطاقة.
وقد تكون الألواح الشمسية قادرة على توفير حل للطاقة ≪الخضراء≫ ولكن ثمة حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات [4].
مستقبل المزارع العمودية
باختصار، يعمل الباحثون جاهدين على إيجاد أفضل الحلول لزراعة الأغذية في الأماكن المغلقة في المدن. وتُعد المزارع العمودية خيارًا مناسبًا لأنها تسمح بزراعة الكثير من النباتات في مساحة صغيرة، ولا تتطلب استخدام مبيدات حشرية، وتتيح زراعة الغذاء طوال العام. كما أن المزارع الموجودة في المدن تقلل من المسافة التي يجب أن يقطعها الغذاء بين مكان إنتاجه ومكان تناوله - وهذا يعود بالنفع على البيئة أيضًا. ولكن، ثمة حاجة إلى الكثير من الطاقة لتوفير الضوء الذي تحتاجه النباتات والتحكم في المناخ في المزارع العمودية. ويُعد الحد من استخدام الطاقة في المزارع العمودية أولوية قصوى، ولا تزال ثمة حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث. ونأمل في المستقبل أن تدعم زراعة الغذاء في المزارع العمودية النظام الغذائي في العالم بطريقة مستدامة، مما يساهم في إطعام سكان الأرض المتزايدين مع الحفاظ على صحة الكوكب.
مسرد للمصطلحات
الزراعة الحضرية (Urban Agriculture): ↑ هي طرق زراعة الأغذية داخل المدن والبلدات والمباني.
أنظمة الزراعة بدون تربة (Soilless Systems): ↑ هي طرق زراعة النباتات بدون تربة، وتشمل الزراعة المائية والزراعة الهوائية.
مستدامة (Sustainable): ↑ تشير إلى استخدام عمليةٍ ما للموارد بكفاءة وحفاظها على علاقة صحية مع البيئة الطبيعية، مثل إعادة تدوير المياه أو تقليل استهلاك الطاقة.
عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis): ↑ هي العملية التي تستخدم فيها النباتات الضوء لإنتاج الغذاء الذي تحتاجه للنمو، إلى جانب ثاني أكسيد الكربون والماء.
الري (Irrigation): ↑ هو عملية إضافة الماء إلى النباتات لمساعدتها على النمو.
الزراعة المائية (Hydroponics): ↑ هي نظام زراعة يتضمن توصيل المياه المحتوية على المغذيات إلى جذور النباتات المعلقة أثناء نموها داخل خزان، أو إلى النباتات المزروعة في أوعية تحتوي على التربة.
الزراعة الهوائية (Aeroponics): ↑ هي نظام زراعة يُرش فيه الماء المحتوي على المغذيات مباشرةً على الجذور العارية المعلقة.
النتح (Transpiration): ↑ هو عملية إطلاق جزء من الماء الذي تمتصه جذور النباتات عبر الأوراق والسيقان من خلال فتحات صغيرة تُسمى الثغور.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
تلقى البحث الذي أدى إلى كتابة هذا المقال تمويلًا من برنامج ≪هورايزون 2020≫ للبحث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية المنحة رقم 862663.
المراجع
[1] ↑ Van Delden, S. H., SharathKumar, M., Butturini, M., Graamans, L. J. A., Heuvelink, E., Kacira, M., et al. 2021. Current status and future challenges in implementing and upscaling vertical farming systems. Nat. Food 2:944–56. doi: 10.1038/s43016-021-00402-w
[2] ↑ Despommier, D. 2009. The rise of vertical farms. Sci. Am. 301:80–7. doi: 10.1038/scientificamerican1109-80
[3] ↑ Kozai, T., Niu, G., and Takagaki, M. 2019. Plant Factory: An Indoor Vertical Farming System for Efficient Quality Food Production. Cambridge: Academic Press. 487 p.
[4] ↑ Orsini, F., Pennisi, G., Zulfiqar, F., and Gianquinto, G. 2020. Sustainable use of resources in plant factories with artificial lighting (PFALs). Eur. J. Hortic. Sci. 85:297–309. doi: 10.17660/eJHS.2020/85.5.1
[5] ↑ Pennisi, G., Blasioli, S., Cellini, A., Maia, L., Crepaldi, A., Braschi, I., et al. 2019. Unravelling the role of red:blue LED lights on resource use efficiency and nutritional properties of indoor grown sweet basil. Front. Plant. Sci. 10, 305. doi: 10.3389/fpls.2019.00305
[6] ↑ Pennisi, G., Orsini, F., Blasioli, S., Cellini, A., Crepaldi, A., Braschi, I. G., et al. 2019. Resource use efficiency of indoor lettuce (Lactuca sativa L.) cultivation as affected by red: blue ratio provided by LED lighting. Sci. Rep. 9, 14127. doi: 10.1038/s41598-019-50783-z