مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

كيف نفهم السخرية؟

ملخص

كم سيكون التواصل أسهل لو قال كل شخص ما يقصده بالضبط! ولكن الناس لا يفعلون ذلك، إذ يمارس بعض الناس أحيانًا السخرية، حيث يقولون نقيض ما يقصدونه في حقيقة الأمر. فلم يفعل الناس ذلك؟ وكيف نتعلم أن نفهم السخرية؟ ماذا يحدث داخل مخنا حينما نعالج السخرية؟ هذه هي الأسئلة التي تطرحها الأبحاث العلمية حول السخرية. وسأشرح في طيات هذا المقال بعضًا مما تعلمناه من هذه الأبحاث العلمية حول هذه الأسئلة. يعتبر فهم السخرية تحديًّا بالنسبة للأطفال الصغار والأفراد الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد وبعض المرضى المصابين بتلف المخ، إذ يعتمد فهم السخرية على مهارات لغوية متقدمة وقدرة على فهم وقراءة عقول الآخرين، وهي عمليات مدعومة بشبكة مكونة من مناطق مختلفة في المخ.

مقدمة

في فيلم “هاري بوتر والأمير الهجين” (Harry Potter and the Half Blood Prince)، هناك مشهد يترك فيه هاري منزل عائلة ويزلي، ومن ثم تطلب منه السيدة ويزلي أن يعدها بأن يعتني بنفسه وأن يبقى بعيدًا عن المشكلات. فيرد هاري قائلًا: “أنا دائمًا ما أفعل ذلك سيدة ويزلي، أنا أحب الحياة الهادئة، أنتِ تعرفينني جيدًا”.

أي شخص يعرف هاري بوتر يعلم جيدًا أن حياته بعيدة كل البعد عن الهدوء، وبالتالي فهو لا يمكن أن يعني في الحقيقة ما قاله. لقد كان هاري ساخرًا في واقع الأمر.

من المنطقي أن نفترض أنه حين نتحدث يكون هدفنا الرئيسي هو أن يفهم الآخرون ما نعنيه بالتحديد. ولذا، يكون من المدهش أن يقول شخص ما عكس ما يقصده ويتحدث بسخرية مثلما فعل هاري في رده على السيدة ويزلي. ومؤخرًا، بدأت الأبحاث العلمية في أن تقدم لنا بعض الأفكار الجيدة حول السبب وراء قيامنا بهذا، وحول كيفية فهمنا للحديث الساخر.

لماذا نستخدم السخرية؟

تعتبر السخرية جزءًا من لغة البشر منذ آلاف السنين. فعادة ما نستخدمها لنكون مضحكين مثلما فعل هاري حين تحدث بسخرية للسيدة ويزلي، إذ كان يحاول أن يكون مضحكًا، وقد نجح بالفعل في رسم البسمة على وجهها. كما أننا نستخدم السخرية للحديث عن الأشياء التي لم تجر على النمط المتوقع. فعلى سبيل المثال، حين نأمل أن يكون الطقس جيدًا من أجل مسابقة بيسبول، ولكن السماء تمطر، فنقول حينها: “إنه يوم رائع للعب البيسبول”. فعندما تحدث مثل هذه الأشياء، يمكن أن تكون السخرية إحدى الطرق المستخدمة للإشارة إليها أو انتقادها، ولكن بطريقة مرحة ومضحكة في الوقت ذاته. وبعض أنواع السخرية تبدو مألوفة للغاية؛ مثل مقولتي “نعم، صحيح” و“شكرًا جزيلًا”، واللتان كثيرًا ما تستخدمان بطريقة ساخرة. هذه الأشكال المألوفة من السخرية هي النوع الذي يستخدمه الأطفال عادة في البداية حين يشرعون في استخدام السخرية في سن الرابعة أو الخامسة. أما البالغون أو الأطفال الأكبر عمرًا، فإنهم عادةً ما يستخدمون أشكال أكثر تعقيدًا وإبداعًا من السخرية مثلما فعل هاري في المثال السابق. وتناسب هذه الأشكال الأكثر تعقيدًا من السخرية عادة موقفًا محددًا، وقد تكون طريقة لإخفاء النقد من قبل المستمع. وبالإضافة إلى الاختلافات العمرية، هناك أيضًا اختلافات شخصية في طريقة استخدام السخرية، فهناك من يستخدم أسلوب السخرية بكثرة، في حين لا يستخدمه بعض الناس إلا قليلًا (المربع 1).

  • المربع 1 - هل تعلم؟ يمكنك أن تكون ساخرًا دون استخدام الكلمات.
  • يمكننا توصيل فكرة ساخرة من خلال الرموز التعبيرية أو من خلال الإيماءات. فعلى سبيل المثال، إذا صفقنا لصديق سقط من على السلم، فنحن هنا نستخدم الإيماءة الساخرة. وقد بحثت إحدى الدراسات طريقة التواصل في 118 مجموعة أسرية. وفي كل مجموعة أسرية من هذه المجموعات، عمل أحد الأبوين مع طفلين من أفراد العائلة سويًا لإتمام لعبة تحدي [1]. وقد وجدنا أمثلة للسخرية الكلامية (في 32% من العائلات) وسخرية بالإيماءات (في 80% من العائلات) والتي استخدمها كل من أولياء الأمور والأطفال على حد سواء. وفي أحد الأمثلة على السخرية بالإيماءات، أعطى طفل ضربة خفيفة على ظهر أخيه حين خسر في دوره أثناء اللعب. كما أظهرت بعض العائلات سلوكًا ساخرًا للغاية، حيث استخدمت أسلوب السخرية مرات كثيرة، بينما لم تستخدمه بعض العائلات على الإطلاق. وبدا أن أفراد العائلات كانوا “يتخطفون” السخرية من بعضهم البعض: بمعنى أن استخدام أسلوب ساخر من قبل أحد أفراد العائلة كان يحفز أفراد الأسرة الآخرين على استخدام السخرية.

ماذا إذا لم نتنبه للسخرية؟

يسمع غالبية البالغين كلامًا ساخرًا كل يوم ويفهمونه دون بذل أي جهد يذكر. ويعتمدون في فهم السخرية على نبرة صوت المتحدث وتعبيرات وجهه ومعرفتهم بما يشير إليه، وكيفية شعور المتحدث بهذا الكلام. إلا أن هناك أشخاصًا يواجهون صعوبة في فهم السخرية، ومن ثم يميل إلى التفكير في أن المتحدث يعني حرفيًا ما قاله. والمعنى الحرفي هو المعنى الحقيقي القاموسي للكلمات المستخدمة. فإذا لم تفهم الأسلوب الساخر فيما يقوله شخص ما، فقد تفوتك المزحة وتصبح خارج إطار الحديث. وقد يؤدي هذا بدوره إلى بعض المواقف الاجتماعية الصعبة.

متى “يستوعب” الأطفال السخرية؟

من خلال بحثي في المختبر، وجدنا أن الأطفال الصغار عادةً لا يفهمون السخرية قبل أن يبلغوا سن الخامسة أو السادسة، وأنهم لا يضحكون جرائها إلا في مرحلة عمرية أكبر. وندرس كيفية فهم الأطفال للسخرية من خلال تقديم عروض قصيرة بالدمى، حيث تقول فيها إحدى الدمى شيئًا ساخرًا لدمية أخرى؛ مثل أن تقول “كانت لعبة رائعة”، في عرض دمى عن لعبة كرة القدم، بعد أن تضيع إحدى الدمى الكرة وتضعها خارج الشباك. ثم نطرح على الأطفال سلسلة من الأسئلة البسيطة لمعرفة ما إذا كانوا قد فهموا السخرية أم لا. وقد أظهرت هذه التجربة أنه على الرغم من أن الأطفال في عمر 5-6 سنوات قد يفهمون أن المتحدث يقصد عكس ما قاله، فإنهم لا يفهمون السبب وراء تحدثه بهذه الطريقة؛ وهو ما يعني أنهم لا يجدون بها أي نوع من الفكاهة [2]. يبدأ الأطفال في استيعاب الدعابة والفكاهة في السخرية في سن الثامنة أو التاسعة. أما في المراحل العمرية الأقل، فإن الأطفال عادةً ما يحبون المزاح الذي يحتوي على كلمات غير متوقعة (مثل، كيف يُصلح المزارع سرواله؟ برقعة من الكرنب!)، أو مواقف مثل السقوط من على منصة البهلوان. وفي سن 9 سنوات تقريبًا، يبدأ الأطفال في إيجاد المتعة والدعابة في إغاظة الآخرين والسخرية أيضًا.

وفي نسخة أخرى من تجربة عرض الدمي، يخبرنا الأطفال عما يعتقدون أن المتحدث يقصده دون أن يحتاجوا إلى الكثير من الكلمات، بل يوضحون لنا ما يقصده المتحدث من وجهة نظرهم من خلال الاختيار بين شيئين، ووضع اختياراتهم في صندوق الإجابة (الفيديو متاح على الإنترنت على الرابط http://fron.tiers.in/go/Gwc32Y). ويُوضَح للأطفال مسبقًا أنهم إذا اعتقدوا أن الدمية قد قالت شيئًا لطيفًا، فعليهم اختيار “البطة الجميلة” ووضعها في صندوق الإجابة؛ أما إذا رأوا أن الدمية قد قالت شيئًا سيئًا، فعليهم اختيار “القرش السيئ” ووضعه في صندوق الإجابة. فإذا اختار الأطفال البطة، فإن هذا يعني أنهم يعتقدون أن المتحدث قال شيئًا لطيفًا (المعنى الحرفي)؛ أما إذا اختار الأطفال القرش، فإن هذا يشير إلى أنهم يرون أن المتحدث قد قال شيئًا سيئًا (المعنى الساخر). وفي بداية كل اختبار، يُوضع كل من القرش والبطة على المنضدة: واحدة على يمين الطفل والأخرى على يساره.

  • فيديو 1 - مهمة سمك القرش/ البطة: لمعرفة ما إذا كان الأطفال يفهمون السخرية، أم لا، قدمنا عروض دمى قصيرة عن أحداث يومية (مثل لعبة كرة القدم).
  • وخلال هذه العروض، تقول إحدى الدمي لدمية أخرى بطريقة ساخرة “لقد كانت لعبة رائعة”. وقمنا بوضع كاميرا خلف الطفل الذي يتم اختباره لتتبع نظراته وهو يقرر ما إذا كان ما قالته الدمية ساخرًا أم لا. وإذا رأى الطفل أن المتحدث كان لئيمًا (ساخرًا)، فإنه يختار سمكة القرش ويضعها في صندوق الإجابة. أما إذا رأى أن المتحدث كان لطيفًا (يقصد ما يقوله حرفيًا)، فإنه يختار البطة ويضعها في صندوق الإجابة. ومن خلال تتبع نظرات الأطفال، يمكننا معرفة ما يفكر فيه الأطفال حينما يتخذون قرارهم فيما يتعلق بما قالته الدمية.

وضعنا كاميرا فيديو بالقرب لتسجيل المكان الذي ينظر إليه الأطفال باستمرار والمدة التي يستغرقونها في اتخاذ القرار. وتسمى دراسة محل نظر العيون أثناء القيام بمهمة ما بالتتبع العيني. تزود طريقة التتبع العيني الباحثين ببعض الدلالات حول ما يحدث في المخ، حيث أثبت العلماء أن الناس يميلون إلى النظر إلى الأشياء التي يفكرون فيها. فإذا نظر الأطفال إلى القرش أثناء تفكيرهم لاتخاذ القرار، فإننا نفترض أنهم يفكرون في القرش (المعنى الساخر)؛ وأما إذا نظر الأطفال إلى البطة أثناء اتخاذهم القرار، فإننا نفترض أنهم يفكرون في البطة (المعنى الحرفي). بعد اختيار القرش أو البطة، يُطرح على الأطفال سؤالان بسيطان عن ما كان يعتقده المتحدث، وما إذا كان المتحدث يحاول أن يكون مضحكًا أم لا. ومن خلال هذه التجربة، يستطيع الطفل أن يوضح مفهوم السخرية بالنسبة له دون الحاجة إلى التوضيح الكلامي، وهذا ما يجعل التجربة خيارًا جيدًا بالنسبة للأطفال الصغار الذين لا يزالون في بداية طريق تطورهم اللغوي، وكذا الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد والذين يعانون كثيرًا لفهم ما يقصده الآخرون.

وباستخدام تجربة القرش/ البطة، تمكنا من اختبار طريقتين محتملتين لتوضيح كيفية معالجة الأطفال للغة الساخرة [3]. وتقترح إحدى النظريات التي تعرف باسم الرواية الحرفية الأولى أن الأطفال لا بد أن يفكروا أولًا في المعنى الحرفي قبل أن يتمكنوا من فهم أن هذا المعنى الحرفي لا يناسب المشهد، ومن ثم ينتقلون إلى المعنى الساخر. وبحسب هذه النظرية، فإن الأطفال في التجربة التي قمنا بها سوف ينظرون أولًا إلى الشيء الذي يمثل المعنى الحرفي (البطة) قبل تحويل نظرتهم إلى الشيء الذي يمثل المعنى الساخر (القرش). أما النظرية الأخرى، والتي تسمى الرواية التفاعلية، فهي تقترح أن الأطفال لا يحتاجون إلى التفكير في المعنى الحرفي أولًا، لأنهم يمكنهم التفكير في المعنى الساخر في اللحظة التي يسمعون فيها كلمات الدمية. وبحسب هذه النظرية، فلن ينظر الأطفال بالضرورة إلى البطة أولًا في التجربة التي أجريناها. كما أظهرت نتائجنا أن الأطفال في سن الخامسة، والذين لا يزالون في بداية فهمهم للسخرية، يميلون إلى النظر إلى القرش أولًا (وليس البطة) عندما يسمعون كلمات الدمية الساخرة، حيث أثبتت الدراسة أنهم ينظرون إلى القرش أولًا بنسبة 85%. ويمكن شرح هذه النتائج بطريقة أفضل من خلال النظرية التفاعلية، بمعنى أن الأطفال لا يحتاجون إلى التفكير في المعنى الحرفي لكلمات الدمية قبل التفكير في المعنى الساخر.

كما استخدمنا تجربة القرش/ البطة في دراسة مختلفة على 31 طفلًا في سن الثامنة. أولًا، قمنا بقياس مهارات الأطفال على إظهار التعاطف، والذي يُعرف على أنه قدرة المرء على أن يكون حساسًا تجاه أفكار الآخرين ومشاعرهم. ووجدنا أن الأطفال الذين حصلوا على درجات أعلى في اختبار التعاطف كانوا أكثر قدرة على اكتشاف السخرية، كما أنهم قد نظروا إلى القرش أولًا في تجربة القرش/ البطة الأولى التي قمنا بها [4]. وتظهر هذه النتائج أن إظهار التعاطف والقدرة على فهم ما يدور في عقول الآخرين قد يكون مهمًا لفهم الحديث الساخر.

هل يفهم الأشخاص المصابون باضطرابات طيف التوحد السخرية؟

عادةً ما يواجه المصابون باضطرابات طيف التوحد صعوبات في فهم السخرية، حتى إنهم يأخذون الحديث الساخر بمعناه الحرفي، وهذا ما يصعب عليهم فهم عمليتي الإغاظة والمزاح. وقد استخدمنا تجربة القرش/ البطة في دراسة أجريت على مجموعة مكونة من 19 طفلًا يعانون من اضطرابات طيف التوحد [5]. ثم قارنا النتائج التي حصلنا عليها من تجربتنا مع هذه المجموعة بالنتائج التي حصلنا عليها من تجربتنا مع مجموعة أخرى مؤلفة من 19 طفلًا لا يعانون من اضطرابات طيف التوحد، حيث وجدنا أن الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد قادرون على اكتشاف السخرية بنفس قدر الأطفال الذين لا يعانون من هذه الاضطرابات، حتى إن هؤلاء الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد كانوا أكثر سرعة في اتخاذ القرار: حيث استغرقوا في المتوسط 3.56 من الثواني لوضع القرش داخل صندوق الإجابة مقارنة بمدة 4.34 من الثواني لأطفال المجموعة الأخرى غير المصابين بهذه الاضطرابات. وبالرغم من دقة الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد وسرعتهم في الإجابة، فإنهم لم يلاحظوا أن الدمية كانت تحاول أن تكون مضحكة، على عكس الأطفال الآخرين غير المصابين بها والذين لاحظوا ذلك. وتوضح هذه الدراسة أن الأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد يمكنهم فهم السخرية في بعض الأحيان. قد يرجع هذا إلى سبب أن أمثلة السخرية التي استخدمناها في تجربتنا كانت بسيطة للغاية، وأن الأطفال لم يحتاجوا إلى أن يعبروا عن أنفسهم باستخدام الكلمات لإظهار فهمهم، بل كل ما كانوا يحتاجونه هو اختيار الشيء الصحيح.

ماذا يحدث في المخ حين نسمع السخرية؟

قد يمثل فهم السخرية تحديًا أيضًا للأشخاص الذين تعرضوا لإصابات في المخ، حيث يفقد هؤلاء الأشخاص القدرة على فهم السخرية بعد الإصابة، خاصة إذا خلفت هذه الإصابات ضررًا في النصف الأيمن من المخ (والذي يعرف أيضًا بنصف الكرة المخي الأيمن). أما إذا كان الضرر في نصف الكرة المخية الأيسر، فإن صعوبات فهم السخرية تكون أقل حدة [6]. وفي دراسة حديثة، قام باحثون في بالتيمور [7] بدراسة مدى فهم السخرية لدى 24 شخصًا بالغًا ممن تعرضوا لسكتات دماغية. وعند حدوث السكتة الدماغية، ينقطع تدفق الدم عن جزء من أجزاء المخ مسببًا موت خلايا المخ في هذه المنطقة. وجميع المرضى في هذه الدراسة قد تعرضوا لهذا النوع من السكتات الدماغية التي كان لها تأثير على نصف الكرة المخية الأيمن. وقد استخدم الباحثون تقنية تصوير تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتحديد مكان تأثير الضرر الذي خلفته السكتة الدماغية في المخ بدقة. كما أعطى الباحثون المرضى أيضًا اختبارًا لقياس مدى قدرتهم على فهم السخرية، حيث طُلب من هؤلاء المرضى قراءة جملتين بسيطتين تحتويان إما على أسلوب ساخر أو غير ساخر، وطلب العلماء من المرضى الحكم على الجمل الساخرة. على سبيل المثال: “هذا المسلسل الجديد ليس سيئًا، بل هو بشع من بدايته لنهايته”. وقد اكتشف العلماء أن المرضى الذين واجهوا صعوبات في اختبار السخرية كانوا يعانون من أضرار بالغة في جزء من المخ يسمى الطبقة المخططة اليمنى (right sagittal stratum) (الشكل 1).

شكل 1 - في هذا الشكل، أنت تنظر إلى المخ كما لو كنت تنظر إلى وجه الشخص.
  • شكل 1 - في هذا الشكل، أنت تنظر إلى المخ كما لو كنت تنظر إلى وجه الشخص.
  • وتظهر المنطقة المخططة اليمنى باللون الأحمر. وتتكون هذه المنطقة من المخ من الألياف العصبية التي تربط بين أجزاء كثيرة في نصف الكرة المخية الأيمن. وفي الأشخاص الذين أصيبوا بسكتات دماغية، يرتبط التلف الذي وقع في المنطقة الموضحة هنا باللون الأحمر بمشكلات وصعوبات في فهم السخرية [7].

تتكون الطبقة المخططة من مجموعة من الألياف العصبية التي تربط مناطق عدة من المخ والتي تساعد على معالجة المعلومات التي تمكن الأشخاص من فهم السخرية - سواءً كانت معلومات مرئية مثل تعبيرات الوجه، أو الأصوات مثل نبرة الصوت. وقد خلص الباحثون إلى أن الطبقة المخططة اليمنى لابد أن تكون ذات أهمية في فهم السخرية.

وتشير أبحاث أخرى إلى أن هناك الكثير من مناطق المخ التي تشارك في عملية فهم السخرية، إلى جانب المنطقة المخططة اليمنى. وقد عرضت مجموعة من الباحثين في فرنسا [8] أحاديث ساخرة وحرفية المعنى على 21 بالغًا يتمتعون بصحة جيدة، وقرر البالغون أي الأمثلة تحمل أسلوبًا ساخرًا وأيها حرفي أثناء قياس نشاط أمخاخهم بواسطة نوعٍ من أنواع التصوير بالرنين المغناطيسي يسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). وقد وجد الباحثون أن فهم السخرية مرتبط بنشاط عدة مناطق بالمخ، بما في ذلك التلفيف الجبهي السفلي الأيسر والتلفيف الجبهي السفلي الأيمن (الشكل 2). ومن بين المناطق التي خلصت الأبحاث إلى أنها تشارك في فهم السخرية كانت مناطق على الجانب الأيسر من المخ والتي تساعد على فهم اللغة بصفة عامة، ومناطق على الجانب الأيمن من المخ والتي تساعد على فهم الحالات النفسية والمزاجية للأشخاص وتحديد ما هو مرح ومضحك.

شكل 2 - في هذا الشكل، أنت تنظر إلى المخ من الجانب الأيسر (يسار اللوحة) والجانب الأيمن (يمين اللوحة).
  • شكل 2 - في هذا الشكل، أنت تنظر إلى المخ من الجانب الأيسر (يسار اللوحة) والجانب الأيمن (يمين اللوحة).
  • ويظهر اللون الأزرق التلفيف الجبهي السفلي الأيسر والأيمن. وقد لوحظ أن هذه المناطق تكون أكثر نشاطًا حين يستمع المشاركون إلى عبارات ساخرة مقارنة بوقت استماعهم إلى عبارات حرفية [8]، على الرغم من اشتراك مناطق أخرى بالمخ في العملية.

وقد زودتنا كل من الدراستين التصويريتين بمعلومات مهمة حول مناطق المخ المرتبطة بفهم السخرية، ولكننا لا زلنا لا نعلم كيفية عمل هذه المناطق معًا في تناغم من أجل فهم كامل لآليات معالجة السخرية. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت الدراسات المذكورة هنا أمثلة بسيطة للغاية للسخرية، ويبقى هدف الأبحاث المستقبلية هو تحديد شبكات المخ التي تدعم فهم عبارات مثل التي وردت في حديث هاري مع السيدة ويزلي حيث يكون السياق ومعرفة الأحداث السابقة أمرًا ضروريًا لتحديد السخرية والتعرف عليها. يعمل الباحثون على إيجاد إجابات لجميع هذه الأسئلة باستخدام المهمات والطرق التي وصفتها في هذا المقال.

في الأبحاث المستقبلية حول هذا الشأن، سيكون من المهم اكتشاف ما إذا كان من الممكن تدريس فهم السخرية وتحديد الطريقة الأمثل للتدريب، من أجل أن نساعد الأطفال والآخرين الذين يواجهون صعوبة في فهم السخرية عند استخدامها في الكلام اليومي.

مسرد للمصطلحات

السخرية (Sarcasm): هي شكل من أشكال اللغة اليومية التي يقول فيها المتحدث عكس ما يعنيه، بنبرة صوت مميزة، لينتقد أمرًا ما بطريقة مضحكة.

التتبع العيني (Eye Tracking): طريقة تستخدم في الأبحاث وتعتمد على تسجيل الكاميرا لعيون الشخص لمعرفة إلام ينظر. وبحسب وضع العين، يمكن للباحثين أن يكتشفوا ما الذي يفكر فيه الفرد أثناء القيام بالمهمة.

اضطرابات طيف التوحد (Autism Spectrum Disorders): مجموعة اضطرابات في نمو المخ تؤثر على القدرات اللغوية للشخص وقدرته على التفاعل مع الآخرين.

التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): طريقة تستخدم لتكوين صور للتركيب الداخلي للجسم البشري بما في ذلك مخ الإنسان.

التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI): شكل من أشكال التصوير بالرنين المغناطيسي يساعد العلماء على معرفة أي الأجزاء بالمخ نشطة من خلال قياس التغييرات في تدفق الدم التي تصل إلى أجزاء محددة من المخ.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Pexman, P. M., Zdrazilova, L., McConnachie, D., Deater-Deckard, K., and Petrill, S. A. 2009. “That was smooth, mom”: children’s production of verbal and gestural irony. Metaphor Symbol 24:237–48. doi: 10.1080/10926480903310286

[2] Harris, M., and Pexman, P. M. 2003. Children’s perceptions of the social functions of verbal irony. Discourse Process. 36:147–65. doi: 10.1207/S15326950DP3603_1

[3] Climie, E. A., and Pexman, P. M. 2008. Eye gaze provides a window on children’s understanding of verbal irony. J. Cogn. Dev. 9:257–85. doi: 10.1080/15248370802247939

[4] Nicholson, A., Whalen, J. M., and Pexman, P. M. 2013. Children’s processing of emotion in ironic language. Front. Dev. Psychol. 4:691. doi: 10.3389/fpsyg.2013.00691

[5] Pexman, P. M., Rostad, K. R., McMorris, C. A., Climie, E. A., Stowkowy, J., and Glenwright, M. R. 2011. Processing of ironic language in children with High Functioning Autism Spectrum Disorder. J. Autism Dev. Disord. 41:1097–112. doi: 10.1007/s10803-010-1131-7

[6] Shamay-Tsoory, S. G., Tomer, R., Berger, B. D., Goldsher, D., and Aharon-Peretz, J. 2005. Impaired “affective theory of mind” is associated with right ventromedial prefrontal damage. Cogn. Behav. Neurol. 18:55–67. doi: 10.1097/01.wnn.0000152228.90129.99

[7] Davis, C. L., Oishi, K., Faria, A. V., Hsu, J., Gomez, Y., Mori, S., et al. 2016. White matter tracts critical for recognition of sarcasm. Neurocase 22:22–9. doi: 10.1080/13554794.2015.1024137

[8] Obert, A., Gierski, F., Calmus, A., Flucher, A., Portefaix, C., Pierot, L., et al. 2016. Neural correlates of contrast and humor: processing common features of verbal irony. PLoS ONE 11: e0166704. doi: 10.1371/journal.pone.0166704