Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية صحة الإنسان نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

أمراض المناعة الذاتية: لماذا يهاجم الجسم نفسه؟

ملخص

يتألف جسم الإنسان من 37 تريليون خلية تقريبًا، يموت المليارات منها يوميًا. ويحتوي الجسم على خلايا خاصة تعرف بالبلاعم الكبيرة (أو الخلايا البلعمية)، والتي تلتهم الخلايا الميتة لمنعها من التراكم في جسم الإنسان. وتتمتع البلاعم الكبيرة أيضًا بالقدرة على التهام أي خلية مصابة ببكتيريا أو فيروس، وهو ما يساعد الجسم على البقاء في صحة وعافية قدر الإمكان. وأحيانًا، تتلقى البلاعم الكبيرة إشارات خاطئة، ومن ثم تهاجم الخلايا السليمة. وعند حدوث هذا الأمر، يطور جسم الإنسان رد فعل تحسسيًا أو التهابًا، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث المناعة الذاتية.

الخلايا البلعمية مدبرات المنازل

جسم الإنسان معقد للغاية، فهو يتكون من 37 تريليون (37.000.000.000.000) خلية. فلو أردت أن تصِّف جميع خلايا الجسم البشري، فإن صف الخلايا سيمتد إلى مسافة أكبر قليلًا من المسافة بين الأرض والقمر! ويموت يوميًا نحو 50 مليار (50.000.000.000) خلية في الجسم البشري فيما يعتبر أمرًا عاديًا في علم الأحياء. ويحتاج الجسم إلى إزالة هذه الخلايا حتى يظل صحيحًا. يحتوي الجسم على خلايا خاصة تعرف بالبلاعم الكبيرة، والتي تلتهم أو تبتلع الخلايا الميتة، حتى إنها تلعب دور مدبرات المنازل للتأكد من إزالة الأنقاض. وأحد أنواع هذه الخلايا البلعمية هي البلاعم الكبيرة (macrophage)، والتي تعني “الملتهم الكبير” في اللغة اليونانية. فعندما تموت الخلايا، ترسل إشارة “التهمني”؛ ويكون ذلك في صورة مادة كيميائية تُسمى “فوسفاتيديل سيرين” (phosphatidylserine)، والتي تنبه البلاعم الكبيرة لالتهام الخلايا الميتة. ثم “تمضغ” هذه البلاعم الكبيرة الخلايا الميتة باستخدام بروتينات هاضمة مختلفة مثل هذه الموجودة في أمعائنا. وأحيانًا، يمكن أن تهاجم البلاعم الكبيرة أجسامنا عن طريق التهام خلايا حية لم تمت. ولكن هذا الأمر ليس سيئًا في كل الأحوال.

البلاعم الكبيرة تساعد في الوقاية من المرض

يعمل جهازنا المناعي على حمايتنا من المرض من خلال التعرف على الجزئيات الغريبة، مثل البكتيريا والفيروسات، في حين أنه لا يصدر أي رد فعل تجاه جزئيات أجسامنا. تعرف البكتيريا والفيروسات التي تسبب العدوى بمسببات الأمراض. فعند إصابة الخلايا بأحد مسببات الأمراض، يبدأ المسبب المرضي في التكاثر من خلال استنساخ حمضه النووي (DNA) أو حمضه النووي الريبي (RNA) (التعليمات الخلوية)، كما يُنتج أيضًا الكثير من الجزيئات التي تحارب الآليات الدفاعية في جهازك المناعي (الشكل 1) [1]. وكل من الحمض النووي والجزيئات التي ينتجها مسبب المرض هي أجسام غريبة على الخلايا البشرية، ومن ثم فهي تمثل إشارة “خطر” تشير إلى وجود شيء ما خطأ في الخلية المصابة. وتتسبب إشارة الخطر هذه في صعود مركب الفوسفاتيديل سيرين إلى سطح الخلية المصابة لجذب البلاعم الكبيرة. وبعد وصول البلاعم الكبيرة إلى الخلية المصابة والتهامها، فإنها تقدم قطعًا من مسبب المرض، تعرف بالمستضدات، لخلايا الجهاز المناعي، حتى يتمكن الجهاز المناعي من تكوين ذاكرة خاصة بمسبب المرض هذا. وإذا لم تلتهم البلاعم الكبيرة الخلية المصابة، فسيصيب مسبب المرض مزيدًا من الخلايا، لدرجة أنه قد يصيب كامل العضو. وبعد أن تمضغ البلاعم الكبيرة الخلية المصابة، فلن تتمكن البكتيريا أو الفيروس من البقاء على قيد الحياة أو التكاثر، ومن ثم ستموت مع الخلية المصابة، وهو ما يوقف العدوى ويُبقي الجسم صحيحًا.

شكل 1 - تصاب الخلية السليمة بأحد الفيروسات (اللون القرمزي)، وهو ما يجعل الفوسفاتيديل سيرين (الأحمر) يظهر على السطح، ومن ثم تحتشد خلايا البلاعم الكبيرة (الأخضر) لالتهام الخلية المصابة.
  • شكل 1 - تصاب الخلية السليمة بأحد الفيروسات (اللون القرمزي)، وهو ما يجعل الفوسفاتيديل سيرين (الأحمر) يظهر على السطح، ومن ثم تحتشد خلايا البلاعم الكبيرة (الأخضر) لالتهام الخلية المصابة.

يظهر الشكل 2 خلية بلعمية كبيرة وقد التهمت أربع خلايا ميتة. التقطت الصورة بواسطة مجهر ذي قدرة تكبير هائلة جدًا يعرف بالمجهر الإلكتروني.

شكل 2 - صورة بالمجهر الإلكتروني توضح خلية بلعمية كبيرة تلتهم أربع خلايا ميتة (النقاط السوداء تحت المجهر) [2].
  • شكل 2 - صورة بالمجهر الإلكتروني توضح خلية بلعمية كبيرة تلتهم أربع خلايا ميتة (النقاط السوداء تحت المجهر) [2].

قطع الحمض النووي تستطيع تنشيط البلاعم الكبيرة

يوجد الحمض النووي في أنوية خلايانا، أو مراكز التحكم بالخلية. ولكن إذا وجد الحمض النووي خارج الخلية، فإن هذا قد يعني أن الخلية قد أصيبت بأحد أنواع البكتيريا أو الفيروسات. وعندما يحدث هذا، ترسل الخلية إشارة لإخبار خلايا الجهاز المناعي أن هناك مشكلة. تصيب الكثير من الفيروسات الخلية وتنسخ حمضها النووي بداخلها، حتى يتسنى للفيروسات أن تُدخِل حمضها النووي إلى داخل الحمض النووي للخلية، ومن ثم تستطيع أن تتخفى عن أنظار الجهاز المناعي. ولكن الفيروس كائن فوضوي، حيث ينسخ حمضه النووي ويترك العديد من قطع الحمض النووي الصغيرة تطفو في كل مكان. وعندما تستشعر الخلية قطع الحمض النووي الفيروسية، فإنها تستدعي الخلايا البلعمية الكبيرة لالتهامها قبل أن يتمكن الحمض النووي الفيروسي من الدخول إلى الحمض النووي للخلية. ومع ذلك، فقد تطورت الفيروسات كي تكون أكثر مراوغة. تستخدم الفيروسات بروتينات معينة، مثل هذا البروتين المعروف باسم TREX1، لمضغ الأجزاء الصغيرة من الحمض النووي الموجودة خارج النواة، والتي يمكن لها أن تجتذب البلاعم الكبيرة [3]. وبينما يُحدث الفيروس نوعًا من الفوضى من خلال حمضه النووي، يعمل بروتين TREX1 على مضغ هذا الحمض النووي حتى لا تهاجم البلاعم الكبيرة هذه الخلية المصابة. وهو ما يجعل الخلية تبدو سليمة وصحيحة على الرغم من أنها مصابة، بل وتتيح للفيروس مواصلة التكاثر والنمو. ولكن إذا توقف بروتين TREX1 عن العمل، فستبدأ قطع الحمض النووي في التراكم، ومن ثم تمرض الخلية. ثم تبدأ البلاعم الكبيرة بعدها في مهاجمة هذه الخلية المريضة حتى وإن لم تكن مصابة بالعدوى، وهو ما قد يسبب الالتهابات.

الجهاز المناعي قد يسبب المرض أيضًا!

أحيانًأ، بعد أن تمر إشارة “الخطر”، لا تزيل الخلايا إشارة “التهمني”. عندما يحدث هذا، سيظل جهاز المناعة معتقدًا أن الخلايا مصابة، ومن ثم سيستمر في مهاجمتها. وأحيانًا أخرى، ستطلق الخلايا السليمة مستضدات “طبيعية” في جهاز المناعة على نحو سينشط الأخير على الرغم من عدم وجود “إشارة” خطر داخل الخلية المضيفة. وعند حدوث هذا الأمر، فإن البلاعم الكبيرة لا تعلم أنه لا يوجد خطر حقيقي، ومن ثم فستهاجم الخلايا السليمة على أي حال. ومن الممكن أن تسبب هذه الاستجابة ردود أفعال أو حالة تحسسية تعرف بالمناعة الذاتية. والمناعة الذاتية هي العملية التي يهاجم الجهاز المناعي الجسم فيها. وتتسبب المناعة الذاتية في حدوث التهابات (تورم) وألم. ويمكن أن تصيب المناعة الذاتية جميع الجسم، ومن الممكن أن تصيب عضوًا واحدًا. ويوجد أكثر من 80 مرضًا مختلفًا تسببه المناعة الذاتية، مثل الذئبة والروماتويد وداء كرون. تصيب أمراض المناعة الذاتية ملايين الأمريكيين، ولا سيما النساء اللائي تبلغ نسبة إصابتهن بهذه الأمراض 75%. إذن، كيف يمكن معالجة المناعة الذاتية؟

علاج أمراض المناعة الذاتية

تمثل أمراض المناعة الذاتية مشكلة معقدة، حيث يتضمن كل مرض مناعي ذاتي وجود بلاعم كبيرة تهاجم مختلف الخلايا في مناطق مختلفة في الجسم. فعلى سبيل المثال، في مرض التهاب عضلة القلب، يهاجم جهاز المناعة القلب، بينما يهاجم جهاز المناعة الكلية في مرض التهاب الكلية الذئبي. وحيث إن أمراض المناعة الذاتية معقدة للغاية، فإن غالبية العلاجات الموجودة حاليًا تعالج أعراض المرض فقط. وتجعل العلاجات المريض يشعر بتحسن أكبر، ولكنها لا توقف البلاعم الكبيرة في حقيقية الأمر عن مهاجمة الجسم. ومن أشهر العلاجات التي تُصرف لمرضى المناعة الذاتية عقاقير أو أدوية تعرف بمثبطات المناعة، والتي تثبط، أو تكبح، جهاز المناعة. وعلى الرغم من أن مثبطات المناعة مفيدة في جعل المرضى يشعرون بتحسن أفضل، فإن هذه الأدوية تزيد أيضًا من فرصة إصابة الشخص بمرض أكثر شدة جراء البكتيريا أو الفيروسات التي تصيبه كالبرد مثلًا، وذلك لأن جهاز المناعة لا يعمل كما ينبغي عند تناول هذه الأدوية. وهناك نوع آخر من الأدوية يُعطى لمرضى المناعة الذاتية، وهو يعمل على الحد من التورمات أو الالتهابات التي تصيب المريض. وتعرف هذه الأدوية بمضادات الالتهاب. وقد تستخدم بعض الأدوية المضادة للالتهاب أيضًا كأدوية مسكنة للصداع. وهذه الأدوية تجعل المرضى يشعرون براحة أكثر لأنها تزيل الألم.

الخلاصة

يتكون جسم الإنسان من تريليونات الخلايا؛ وعندما تمرض هذه الخلايا أو تموت، تكون بحاجة إلى أن يتم التخلص منها. البلاعم الكبيرة هي نوع من الخلايا تلتهم الخلايا الميتة أو المصابة لإبقاء الجسم معافى وفي صحة جيدة. يمكن لخلايا الجسم أن تستشعر إصابتها بالبكتيريا أو الفيروس بسبب وجود الجزيئات الغريبة التي تفرزها مسببات الأمراض. وتستخدم الخلية المصابة هذه الجزيئات الصغيرة لتنبيه البلاعم الكبيرة لالتهام الخلية المصابة. وعند هضم الخلية المصابة، يموت كل من الفيروس والبكتيريا، ومن ثم فلن يكون لأي منها القدرة على التكاثر أو إصابة خلايا أخرى. وقد يتلقى الجهاز المناعي، أحيانًا، رسالة خاطئة، ومن ثم يهاجم الخلايا غير المصابة والخلايا الحية. وهو ما يسبب ردود أفعال تحسسية أو أمراض مناعية ذاتية. قد تساعد العلاجات الموجودة حاليًا المستخدمة في علاج أمراض المناعة الذاتية على تخفيف أعراض المرض وتسكين الألم أو الالتهابات، أو المساعدة عن طريق تثبيط جهاز المناعة. ومع إجراء المزيد من الأبحاث، سيكون لدى المجالين العلمي والطبي قدرة أفضل على فهم ومعالجة أمراض المناعة الذاتية.

مسرد للمصطلحات

خلايا البلاعم الكبيرة (Macrophage): نوع من الخلايا "البلعمية" التي تلتهم الخلايا الميتة أو المصابة.

“فوسفاتيديل سيرين” (Phosphatidylserine): إشارة كيميائية تستخدم لتنبيه الخلايا البلعمية الكبيرة لالتهام خلية ميتة.

مسببات الأمراض (Pathogens): هي البكتيريا أو الفيروسات التي تسبب العدوى في الخلايا البشرية.

بروتين (TREX1): البروتين الذي يمضغ الحمض النووي.

المناعة الذاتية (Autoimmunity): مرض تسببه البلاعم الكبيرة التي تهاجم الخلايا السليمة.

مثبطات المناعة (Immunosuppressants): هي الأدوية المستخدمة في تثبيط جهاز المناعة ومنعه من مهاجمة الخلايا السليمة.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] National Institute of Allergy and Infectious Diseases. 2013. Immune System. Available at: https://www.niaid.nih.gov/research/immune-system-overview

[2] McIlroy, D., Tanaka, M., Sakahira, H., Fukuyama, H., Suzuki, M., Yamamura, K., et al. 2000. An auxiliary mode of apoptotic DNA fragmentation provided by phagocytes. Genes Dev. 14:549–58. doi: 10.1101/gad.14.5.549

[3] Bailey, S. L., Harvey, S., Perrino, F. W., and Hollis, T. 2012. Defects in DNA degradation revealed in crystal structures of TREX1 exonuclease mutations linked to autoimmune disease. DNA Repair (Amst.) 11(1):65–73. doi: 10.1016/j.dnarep.2011.10.007