ملخص
الدماغ عضو معقد، لذا يستخدم علماء الأعصاب الكثير من الطرق المختلفة لفهم آلية عمل الدماغ البشري، بل وتغييرها في بعض الأحيان. ولكن قبل أن يتسنى تنفيذ هذه الأبحاث، يجب أن يلتزم الباحثون بالأخلاقيات في عملهم. في هذا المقال، سنقدم لك مجالاً مثيرًا للاهتمام وهو أخلاقيات علم الأعصاب، كما سنصف المبادئ الأخلاقية الرئيسية الثلاثة التي يجب أن يلتزم بها في جميع الدراسات البحثية على البشر. سنشرح أيضًا أربع دراسات بحثية قام بها علماء في المركز الوطني لأخلاقيات علم الأعصاب، وهذا لإعطائك فكرة عن نطاق عمل هؤلاء العلماء المهتمين بدراسة أخلاقيات علم الأعصاب والقواعد العصبية للأخلاقيات.
ثلاثة مبادئ رئيسية
تشمل المبادئ الأخلاقية الأكثر شيوعًا ثلاثة مبادئ يُستعان بها لتوجيه الأبحاث في العالم كله، وهي احترام الأشخاص، والعافية، والعدل (يرد وصفها بالتفصيل في الجدول 1) [1].
احترام الأشخاص
لاتباع المبدأ الأول، يجب أن يتأكد الباحثون من أن المشاركين يفهمون أهداف المشروع البحثي وعملية جمع البيانات: أي الهدف من البحث وما سيخضعون له والمخاطر أو الفوائد المحتمل أن يتعرضوا لها خلال الدراسة أو بعدها. وبعد توفير كل هذه المعلومات، يُطلب من المشاركين تقديم موافقة مستنيرة. لمراعاة استقلالية المشارك، أي حقه في اتخاذ القرارات بنفسه، من المهم أن يكون مدركًا لحقوقه وأن يكون حرًا في الانضمام إلى أي دراسة أو مغادرتها دون الشعور بأي ضغط.
إذا أحس الفرد بأنه ليس حرًا بشأن اختيار المشاركة في دراسة بحثية أو انتابه خوف من العواقب السلبية إن رفض المشاركة، قد يشعر بأنه يتم الضغط عليه. وهذه مشكلة للأطفال والفئات صغيرة السن على وجه الخصوص لأنهم يعتمدون في العادة على البالغين للحصول على المأوى والطعام والتعليم. فكّر في ردّ فعلك لو طلب منك معلّمك أو طبيبك المشاركة في دراسة. بكونه أقوى منك، قد تشعر بأنه يتعين عليك المشاركة لأن هذا المعلّم أو الطبيب لديه سلطة عليك.
بالإضافة إلى ذلك، قد يعجز الأطفال الصغار عن الفهم الكامل لموضوع البحث أو ما سيخضعون له لو شاركوا فيه. ولهذا السبب، يُطلب من ولي الأمر أو الوصي في العادة تقديم موافقة مستنيرة نيابةً عن الطفل أو الشاب الصغير. ومن المفترض أن يتصرف أولياء الأمور أو الأوصياء بما يخدم مصالح الأطفال إلى أقصى حد. ومعظم الدراسات التي تشارك فيها فئات صغيرة السن تشمل خطوة إضافية تتمثل في تقديم موافقة مستنيرة.
ومعناها إخبار الفئات صغيرة السن (إذا كان سنهم يسمح بذلك) بمعلومات حول الدراسة وسؤالهم عما إذا كانوا يريدون المشاركة فيها. وإذا وافق المرشح للدراسة وولي أمره أو وصيه، يُسمح بالمشاركة إذن.
العافية
للاتساق مع المبدأ الثاني، يجب أن يتأكد الباحثون من أن دراساتهم لا تؤدي إلى خطر أو ضرر مفرط على المشاركين، وبالأخص الأطفال الصغار لأنه لا يمكنهم في الغالب التعبير عن احتياجاتهم أو الدفاع عن مصالحهم. ومن المرجح أيضًا أن يواجه المشاركون الشباب فوائد طويلة الأمد أو ضررًا محتملاً لنموهم أو تعليمهم. والأبحاث على الأطفال التي تتضمن إجراءات ومخاطر عالية، مثل الجراحة، يجب ألا يتم تنفيذها إلا إذا كان الهدف من الأبحاث تقديم تشخيص أو توفير علاج طبي، ما يفيد الطفل في هذه الحالة. يعتبر إشراك الأطفال في أبحاث تنطوي على مخاطر دون فوائد من الممارسات غير الأخلاقية.
العدل
ينص المبدأ الثالث على الامتناع عن استهداف فئات معينة أو استبعادها بشكل غير عادل من الأبحاث. ويشمل ذلك الفئات صغيرة السن أو الأقليات أو ذوي الإعاقات. في الماضي، كان يتم استبعاد الأطفال غالبًا من الأبحاث لحمايتهم بسبب مخاوف بشأن العواقب السلبية غير المتوقعة.
ولكن كلما تعلمنا المزيد حول فسيولوجيا الطفل واحتياجاته الفريدة، زادت أهمية إجراء المزيد من الأبحاث على الأطفال واعتبارها أخلاقية لأنها تساعد في اكتشاف أدوية مخصصة للأطفال.
لضمان إجراء الأبحاث بشكل أخلاقي، على الباحثين تقديم وصف مفصّل لمشروعهم البحثي لمجموعة من المتخصصين يُعرفون معًا باسم ''لجنة الأخلاقيات البحثية''. ويمكن لهذه اللجنة منع حدوث دراسة بحثية لو رأت أنها لا تلتزم بأي من المبادئ الأخلاقية الموضحة أعلاه. وبسبب هذا الإشراف الأخلاقي، تُجرى الآن المزيد من الدراسات البحثية على الأطفال، مع تأكد الباحثين من إجرائها بأكبر قدر ممكن من الأمان.
أخلاقيات علم الأعصاب
هي مجال دراسي مخصص لفهم التأثير الأخلاقي والقانوني والاجتماعي للأبحاث على الدماغ والجهاز العصبي.
تهدف أخلاقيات علم الأعصاب أيضًا إلى تعزيز فهم العمليات الدماغية المعنية بالتمييز بين الصواب والخطأ. بالإضافة إلى ذلك، تهدف الأبحاث في هذا المجال إلى إيجاد حلول للمساعدة في التقريب بين علم الأعصاب والمجتمع بشكل آمن وتحقيق أفضل النتائج.
تندرج الأبحاث في أخلاقيات علم الأعصاب تحت أربعة مجالات دراسية رئيسية مشروحة في الجدول 2 أدناه. ولشرح كل مجال من هذه المجالات الأربعة، سنسلط الضوء على أربعة أمثلة ذات صلة في أبحاث أخلاقيات علم الأعصاب.
1. علم الدماغ والنفس
موضوع البحث: التحسين المعرفي
يشير مصطلح التحسين المعرفي إلى تحسين مهارات التفكير في حال عدم وجود أي مشكلة متأصلة في التفكير. أُنتج العديد من الأدوية لعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل خاصة بالتفكير ومساعدتهم في تحسين قدرتهم على التركيز وتحسين أدائهم المدرسي. ولكن في بعض الأحيان يستخدم الأصحاء أيضًا هذه الأدوية لرغبتهم في تقوية ذاكرتهم أو تعزيز قدرتهم على التعلم أيضًا، وهذا ما يسمى بالتحسين المعرفي، وقد أثيرت أربعة مخاوف مرتبطة به [2].
أول هذه المخاوف هي مخاوف السلامة، فالأدوية غالبًا ما تصحبها آثار جانبية مزعجة. قد يرى الشخص الذي يعاني مشاكل في التفكير أنه لا بأس من المخاطرة إن كانت النتيجة هي تحسن حالته. ولكن الأصحاء الذين يتناولون هذه الأدوية يمكن أن يعرضوا أنفسهم لخطر بلا داعٍ. مصدر التخوف الثاني أنه ربما يكون الدواء آمن الاستخدام لتحسين الدماغ، ولكنه غير عادل بالنسبة للأشخاص الذين لا يسعهم تحمل تكلفته. التخوف الثالث أنه لو تعاطاه بعض الأشخاص، سيشعر غيرهم برغبة ملحة في تناوله فقط بهدف المواكبة. بالنسبة للتخوف الأخير، يدرس المتخصصون في أخلاقيات علم الأعصاب التأثير المحتمل للتحسين المعرفي على استحقاق الإنجازات، وما إذا كان الناس سيعتبرون مستخدمي التحسين المعرفي غير جديرين بنجاحهم. يريد هؤلاء المتخصصون تعزيز فهمهم لمثل هذه المشاكل ومعرفة رأي العامة واكتشاف استراتيجيات للحفاظ على سلامة الناس.
2. علم الدماغ والسياسة الاجتماعية
موضوع البحث: تجارب سريرية حول استخدام الأدوية المضادة للذهان مع الأطفال
تُجرى التجارب السريرية في الأبحاث الطبية لتحديد ما إذا كان يمكن استخدام دواء ما بأمان وفعالية مع المرضى. في هذا النوع من الأبحاث، يُقارن عقار معين بدواء وهمي (''حبة وهمية'' لا تحتوي على أي مواد كيميائية فعالة) أو عقار آخر مشابه للتأكد من فاعلية العقار موضوع البحث.
وكما ذكرنا سابقًا في شرح مبدأ العدل، كان يُستبعد الأطفال دائمًا من المشاركة في أبحاث التجارب السريرية. ولكن اليوم يتفق علماء الأخلاقيات على وجوب توزيع مخاطر البحث وفوائده بعدل على الجميع. نتيجة لذلك، بدأ الباحثون في تجربة الأدوية للتأكد من فاعليتها للأطفال والبالغين على حد سواء. وهذا مهم على وجه الخصوص في حالة العقاقير التي تؤثر على الدماغ، حيث إن أدمغة الأطفال والفئات صغيرة السن لا تزال تتطور وقد تتفاعل بشكل مختلف مع هذه الأدوية.
تشمل الأدوية المضادة للذهان موادًا كيميائية تؤثر على وظائف الدماغ ويتم وصفها في الغالب لحالات مثل مشاكل المزاج أو الانتباه.
على الرغم من السياسات الحكومية الهادفة إلى زيادة عدد التجارب السريرية التي يشارك فيها الأطفال، بينت أبحاث أخلاقيات علم الأعصاب وجود القليل من الدراسات عالية الجودة التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ما إذا كانت الأدوية المضادة للذهان آمنة الاستخدام للأطفال وإذا كانت تحسّن حياة الأطفال الذين يعانون من مجموعة مختلفة من الاضطرابات التنموية والنفسية [3]. لذا هناك حاجة إلى المزيد من الأدلة لمساعدة الأطباء والأسر على اتخاذ قرارات مدروسة حول هذه العقاقير التي يتم وصفها للأطفال بالفعل.
3. الأخلاقيات وممارسة علم الدماغ
موضوع البحث: نتائج عرضية
غالبًا ما تُستخدَم عمليات مسح الدماغ في أبحاث علم الأعصاب لأن ضررها قليل للمشاركين، كما توفر صورًا مفيدة للدماغ. ولكن التقاط الصور للدماغ قد تؤدي أحيانًا إلى نتائج غير متوقعة. فعل سبيل المثال، عند النظر إلى الدماغ لغرض معين، قد يلاحظ الباحث نموًا غير معتاد في دماغ هذا الشخص، ويُعرَف هذا عند الباحثين بأنه نتيجة عرضية.
ولكن هذا المثال نادر الحدوث، ففي أغلب الأحيان، تكون النتيجة العرضية شيئًا طفيفًا (مثل تضخم ضئيل في بطين الدماغ) لا يشكل أي تهديد. في حالات أخرى، قد تكشف صور مسح الدماغ عن شيء يبدو غريبًا بعض الشيء ولكنه غير واضح الأهمية.
أثير الكثير من الجدل في مجال أخلاقيات علم الأعصاب حول أدوار الباحثين وواجباتهم من حيث إعلام المشاركين بهذه النتائج العرضية.
إذا كانت النتيجة تمثل تهديدًا كبيرًا لصحة المشارك، مثل أورام الدماغ، فهناك إجماع بين المتخصصين في مجال أخلاقيات علم الأعصاب على وجوب إخبار المشارك بذلك مباشرةً. ولكن إذا كانت النتيجة العرضية لا تستدعي رعاية طبية أو لم تكن واضحة، فبعض المتخصصين يرون أنه يجب تخيير المشارك بين إبلاغه بذلك من عدمه. وهذا لأن إخبارك باحتمال وجود مشكلة لديك سيصيبك بالقلق، على الرغم من أنه قد لا يكون هناك أي داع للقلق. في حالة فئات الأطفال الأكبر عمرًا، يكون قرار الإفصاح عن نتيجة عرضية طفيفة عملية أكثر تعقيدًا لأنها تعني ولي الأمر والمشارك على حد سواء. يعتقد بعض المتخصصين في مجال أخلاقيات علم الأعصاب أنه لو كان المشارك الصغير قادرًا على فهم عواقب إخباره بهذا النوع من المعلومات، يجب أن يرجع القرار له [4].
4. علم الدماغ والمعلومات المتاحة علنًا
موضوع البحث: جودة المعلومات الصحية المتاحة على الإنترنت حول اضطرابات النمو العصبي
بعد الحصول على تشخيص من طبيب، يبحث معظم الناس على الإنترنت عن معلومات حول العلاجات الحالية أو المحتملة، أو يحاولون فقط التعرف على الحالة. تهتم الأبحاث في مجال أخلاقيات علم الأعصاب بجودة ودقة المعلومات الصحية المتاحة على الإنترنت حول الدماغ لأن نقص المعلومات الجيدة قد يتسبب في اتخاذ الناس قرارات سيئة بشأن الرعاية الصحية.
على سبيل المثال، درست بعض الأبحاث جودة المعلومات الإلكترونية حول اضطرابات النمو العصبي الشائعة (مثل التوحد والشلل الدماغي) ووجدت أن المعلومات تكون في الغالب رديئة المستوى [5]. فقد أدرجت معظم المواقع الإلكترونية التي تمت دراستها علاجات مختلفة وأشارت إلى فعاليتها على الرغم من قلة الأدلة العلمية الداعمة لهذه المزاعم. وتتضمن بعض المواقع أيضًا تفسيرات غير علمية وغير دقيقة لأسباب التوحد. وهذه النتائج تثير الكثير من المخاوف الأخلاقية لأن العائلات قد تتخذ قرارات العلاج على أساس هذه المعلومات المضللة.
ونحن نشجعك على تصفح المواقع الإلكترونية بعين ناقدة وطرح أي أسئلة على طبيبك حتى تحقق أقصى استفادة من المعلومات على الإنترنت.
الخاتمة
سلطنا الضوء على عدد قليل من المشاكل التي تواجهها أبحاث أخلاقيات علم الأعصاب. بما أنك تعرف الآن بعض المعلومات عن الاهتمامات الحالية لمجال أخلاقيات علم الأعصاب، ندعوك إلى الاطلاع على المزيد على موقعنا الإلكتروني (neuroethicscanada.ca) والتفكير فيما يهمك وفي مستقبل الأخلاقيات في علم الأعصاب.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Canadian Institutes of Health Research, Natural Sciences and Engineering Research Council of Canada, and Social Sciences and Humanities Research Council of Canada. 2010. Tri-Council Policy Statement: Ethical Conduct for Research Involving Humans. Available at: http://www.pre.ethics.gc.ca/pdf/eng/tcps2/TCPS_2_FINAL_Web.pdf
[2] ↑ Fitz, N. S., Nadler, R., Manogaran, P., Chong, E. W., and Reiner, P. B. 2013. Public attitudes toward cognitive enhancement. Neuroethics. 7(2):173–88.
[3] ↑ Mc Glanaghy, E., Di Pietro, N. C., and Wilfond, B. 2015. Pediatric clinical trial activity for antipsychotics and the sharing of results – a complex ethical landscape. In The Science and Ethics of Antipsychotic Use in Children. eds. N. C. Di Pietro and J. Illes, Academic Press.
[4] ↑ Di Pietro, N. C., and Illes, J. 2013. Disclosing incidental findings in brain research: the rights of minors in decision-making. J. Magn. Reson. Imaging 38:(5)1009–13.doi: 10.1002/jmri.24230
[5] ↑ Di Pietro, N. C., Whiteley, L., and Illes, J. 2012. Treatments and services for neurodevelopmental disorders on advocacy websites: information or evaluation? Neuroethics 5:197–209. doi: 10.1007/s12152-011-9102-z