ملخص
هل سمعت عن الميكروب القادر على تحويل الفئران إلى زومبي؟ تبدو خرافة، أليس كذلك؟ ولكنها حقيقة! يُعرف هذا الميكروب بالمقوسة الجوندية (Toxoplasma gondii)، وهو طفيلي قادر على إصابة مجموعة عريضة من الحيوانات، بما في ذلك البشر. كما ينمو في أنسجتهم العضلية، وأعينهم، وأدمغتهم. ويستطيع هذا الميكروب تغيير سلوك الحيوان الذي أُصيبت دماغُهُ، كما أنه يُفقد الفئران خوفها الغريزي من القطط؛ مما يجعلها فريسة أسهل. وفي هذا المقال، ستعرف المزيد عن هذا الطفيل؛ وعن الكيفية التي يُحوِل بها الفئران إلى زومبي!
ما هي المقوسة الجوندية، وكيف تُصيب الحيوانات؟
هي ميكروب أحادي الخلية، حجمه في حدود 6 ميكرومترات (الميكرومتر يساوي 1000/1 من الملليمتر)؛ أي أصغر 550 مرة تقريبًا من بذرة التفاح البالغ حجمها (3.3 مليمتر)! وهو كائن حي دقيق للغاية؛ لا نستطيع رؤيته إلا عن طريق أقوى عدسات المجهر. ولا يعيش ميكروب المقوسة الجوندية، أو يتكاثر إلا عند إصابته لخلية حية؛ وهذا هو السبب الرئيسي وراء اعتباره طفيليًّا.
وتُسمى الحيوانات التي تُصيبها الطفيليات بالعوائل، وتمتلك الطفيليات عادةً دورات حياة مُعقدة، تتخللها أشكالٌ مُختلفة من الطفيليات والعوائل المُتعددة.
تظهر دورة حياة المقوسة الجوندية في الشكل 1. وتُعد القطط أحد عوائل المقوسة الجوندية؛ كما أنها العائل الوحيد الذي يُنتِج فيه هذا الطفيلي مجموعة من التركيبات تُسمى البيوض المتكيسة. والبيوض المتكيسة عبارة عن هيكل له جدار سميك؛ تستطيع الطفيليات البقاء على قيد الحياة طويلًا بداخله وخارج العائل. فعندما تصاب القطط بالعدوى الطفيلية، تُطلِق القطط البيوض المتكيسة الخاصة بالطفيليات في البيئة من خلال برازها. وقد تُصاب الحيوانات الأخرى؛ مثل الطيور، أو الفئران، أو البقر، أو حتى الإنسان بهذه العدوى عند ابتلاع هذه البيوض المتكيسة. كما قد يصاب الماء، أو الخضراوات، أو اللحوم بهذه العدوى عند الاختلاط معها. وتنشأ الطفيليات الناتجة عن هذه البيوض المتكيسة وتتكاثر بمجرد دخولها العائل الجديد. ويبدأ على الفور الصراع بين الطفيليات والجهاز المناعي للعائل. فبعد الاستيلاء على خلية العائل، تحاول المقوسة الجوندية حماية نفسها من هجمات الجهاز المناعي للعائل؛ وذلك من خلال تشكيل مقصورة على شكل فقاعة داخل خلية العائل. حيث يتكاثر الطفيلي داخل هذه المقصورة مرارًا وتكرارًا بدرجة تكفي لملء الخلية بأكملها. وربما حتى تنفجر خلية العائل! وتُصبح هذه الطفيليات جاهزة لإصابة خلايا جديدة داخل العائل. وتُعيد الدورة ذاتها. ومن هنا يتضحُ أن دورة تكاثر الطفيليات هي السبب في حدوث المرض المعروف باسم داء المقوسات.
وفي الوقت ذاته يكافح الجهاز المناعي للحيوان المصاب؛ للقضاء على المقوسة الجوندية، أو على الأقل لمنع تكاثرها. لذا، تنتقل الطفيليات غالبًا إلى أحد أوضاع الخمول، وتقبع ساكنةً في الأنسجة العضلية للحيوانات المُصابة وأعينها وأدمغتها؛ لتتجنب هجوم آليات العائل الدفاعية. وقد تصبح الطفيليات خاملة إلى الأبد، دون أن تتسبب في أي ضرر، إذا أدى الجهاز المناعي للعائل دوره بنجاح.
ماذا يحدُث عند تسلُّل المقوسة الجوندية إلى الدماغ؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعرف أولًا كيف تُصاب القطط بالمقوسة الجوندية؟ حسنًا، كما يعلم الجميع، تُحب القطط مُطاردة الفئران والتهامها. لذا، من البديهي أن تُصاب القطة التي تأكل فأرًا مُصابًا بالمقوسة الجوندية. وهنا تصبح الأمور أكثر إثارة للاهتمام. وبما أننا ذكرنا أن المقوسة الجوندية تستطيع إصابة دماغ العائل. وبما أن الدماغ يتحكم في جميع الوظائف الحيوية في جسد الحيوانات، نستنتج من ذلك أنه قد يكون ضارًّا أن تسكُن الطفيليات الدماغ. دعنا نكتشف معًا ما قد يحدُث عند إصابة دماغ أحد الفئران بالمقوسة الجوندية. تخاف الفئران عادةً من القطط؛ لأنها حيوانات مُفترسة تشكل تهديدًا مُستمرًّا ومميتًا للفئران. ومع ذلك، تفقد الفئران خوفها من القطط عندما تُصاب أدمغتها بالمقوسة الجوندية؛ بل وقد تحدق في أعين القطط دون أن ترمش أجفانها. وبالتالي، يبدو أن الطفيليات تُحول الفئران إلى زومبي! أليس ذلك دربًا من الجنون؟ تفقد الفئران خوفها من القطط؛ وتُخاطر بأن تصبح فريستها! والسبب في ذلك أنه بمجرد تسلُل الطفيلي إلى دماغ الفأر، قد يُعطل ذلك الاتصال القائم بين خلايا الدماغ الموجودة في المنطقة الدماغية المسؤولة عن الشعور بالخوف المعروفة باللوزة الدماغية [1].
ويُعد هذا ظرفًا مثاليًّا للمقوسة الجوندية. فبالرغم من كونه موقفًا لا تُحسد عليه الفئران إذ ستأكلها القطط؛ فإنه يساعد الطفيليات على التكاثر!
هل يُصاب البشر بالمقوسة الجوندية؟
أخبرناك أن الثدييات قد تُصاب بالمقوسة الجوندية، أليس كذلك؟ وبما أن البشر من الثدييات... لذا، هل من المُمكن أن تُصاب خلايانا بالطُفيليات أيضًا؟ الإجابة، نعم! قد ثبتت إصابة 50-30% من تعداد السكان العالمي بالمقوسة الجوندية [2]. كما تُشير التقديرات إلى إصابة 80-50% من سكان البرازيل بها، إلى جانب ظهور الأعراض عليهم بالفعل [3]. ولا تظهر الأعراض عادةً على الأشخاص الأصحاء المُصابين بالمقوسة الجوندية، إذ إن أجهزتهم المناعية تمنع الطفيلي من التسبب في داء المقوسات. وعندما تظهر الأعراض على الأشخاص المُصابين، عادةً ما تكون أعراض شبيهة بالإنفلونزا؛ مثل آلام العضلات، والحمى، والصداع. وقد تستمر هذه الأعراض لأسابيع ثم تختفي من تلقاء نفسها. ومع ذلك، تظل الطفيليات خاملةً في الجسد؛ حتى بعد اختفاء الأعراض نهائيًّا. وإذا أُنهِك الجهاز المناعي للفرد في مرحلة ما، فقد تعود الطفيليات لنشاطها وقدرتها على إصابة الخلايا الأخرى والتكاثر. وقد تتسبب الطفيليات أضرارًا بالغةً للعينين والدماغ، بمجرد عودة نشاطها. كما قد تنتقل الطفيليات إلى الجنين وتُسبب التشوهات، إذا أُصيبت امرأة حامل بالعدوى.
هل تستطيع المقوسة الجوندية التأثير في دماغ الإنسان بالدرجة ذاتها التي تؤثر بها على الفئران؟ تُشير عدة حقائق مُثيرة للاهتمام إلى أن هذه الطفيليات تستطيع التأثير على البشر عند التسلُل لأدمغتهم. وفسر العلماء ذلك بأن المقوسة الجوندية تستطيع أن تُسبب سلوكًا شاذًّا لدى الأشخاص الذين لم يتعرضوا سابقًا للإصابة بأمراضٍ عقلية. كما ربطوا بين المقوسة الجوندية وإيذاء الذات؛ بما في ذلك الانتحار [4]. وأظهرت دراسة أخرى أن الطلاب المصابين بداء المقوسات هم الأكثر عُرضة لأن يصبحوا رجال أعمال؛ نظرًا لعدم وجود فكرة ”الخوف من الفشل“، على النقيض من الأشخاص غير المُصابين بالعدوي التي تسببها هذه الطفيليات [5].
وبقطع النظر عن أهمية هذه النتائج، تقتضي الحاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهم العواقب العقلية والنفسية المترتبة على الإصابة بهذا الطفيل.
كيف نحمي أنفسنا من داء المقوسات؟
لسوء الحظ، لا يوجد لقاح لداء المقوسات حتى وقتنا هذا. ومع ذلك، تدرِس العديد من الأبحاث في جميع أنحاء العالم المقوسة الجوندية؛ للتوصل إلى لقاح فعال لمكافحة هذه الطفيليات [6, 7]. ومن الجدير بالذكر أن نضع في اعتبارنا أنه بمجرد إصابة العوائل، لن نتمكن من التخلص من المقوسة الجوندية تمامًا. ولا تستطيع الادوية المُستخدمة في مكافحة هذه الطفيليات القضاء على الطفيليات الخاملة. كما قد تنشط هذه الطفيليات الخاملة، وتسببُ الأعراض الشائعة لداء المقوسات؛ إذا أصبح الجهاز المناعي للعائل ضعيفًا في أي لحظة. مما يوضح السبب وراء ضرورة تجنب الإصابة بالمقوسة الجوندية بشتى الطرق. وقد تُصاب بالعدوى إذا تناولت المياه الملوثة ببراز القطط أو الطعام. ولا تلقِ المسؤولية على قطتك، فلا تتخلى عنها. كما تُخفي القطط برازها عادةً في الرمال أو التربة، لذا تحدُث العدوى عادةً نتيجةً لعوامل بيئية. ولتجنب الإصابة بهذا الطفيلي، إليك بعض النصائح:
- تخلص من الفضلات الموجودة في صندوق فضلات القطط بطريقة مناسبة وآمنة.
- اغسل يديك جيدًا بعد اللعب في الرمال، أو التعامل مع التربة؛ خاصةً قبل تناول وجبات الطعام.
- نظِّف جميع الفواكه والخضراوات جيدًا قبل طهيها أو تناولها.
- اغسل أواني المطبخ جيدًا.
- لا تشرب المياه أو المشروبات الأخرى إلا بعد تنقيتها، أو إذا كانت من مصادر موثوقة.
- لا تأكل اللحوم غير المطبوخة جيدًا؛ ولا تُطعمها لحيوانك الأليف.
في هذا المقال، أخبرناك عن كيفية الإصابة بداء المقوسات، وعن بعض الأضرار المُزعجة المترتبة على الإصابة بالمقوسة الجوندية. وبالإضافة إلى ذلك، أخبرناك ببعض الطرق التي يمكنك حماية نفسك بها. ويُمكنك الآن نشر هذه المعلومات بين أوساط أصدقائك وعائلتك. وتذكر دائمًا أن عادات النظافة الشخصية الجيدة هي وحدها من ستحميك من الإصابة بالعدوى.
مسرد للمصطلحات
الطُفيلي (Parasite): ↑ أي كائن حي يعيش داخل كائن حي آخر أو عليه دون أن يستفيد منه الكائن الحي العائل. ويقصد به عادةً مسببات الأمراض. وفي مُعظم الأحيان، يكون الطفيلي من الحيوانات الأولية، والديدان الطفيلية.
العائل (Host): ↑ في علم الأحياء، العائل هو كائن حي يأوي كائنًا حيًّا آخر؛ وعادةً ما يمده بالغذاء. ويستطيع العائل أن يأوي ”ضيفًا“ (معايشًا) طفيليًّا، أو كائنًا ذا علاقة تبادل منفعة.
البيوض المُتكَيِسة (Oocyst): ↑ هي مرحلة من دورة حياة الطفيليات تتسم بوجود جدارٍ صلبٍ وسميك. وفي هذه المرحلة يتم التخلص من الطفيلي في براز الحيوانات المُصابة.
الجهاز المناعي (Immune System): ↑ يُسمى أيضًا آلية الدفاع الطبيعية، وهو شبكة معقدة من الخلايا المتفاعلة ومُنتجات الخلايا والأنسجة المُكونة للخلايا تحمي الجسد من مُسببات الأمراض وغيرها من المواد الخارجية.
داء المقوسات (Toxoplasmosis): ↑ هو داء طُفيلي يسببه طفيلي المقوسة الجوندية.
اللوزة الدماغية (Amygdala): ↑ هي كتلة صغيرة من الخلايا على شكل حبة اللوز تقع في عمق وسط الفصين الصدغيين للدماغ في الفقاريات المُعقدة. وهي جزء الدماغ المسؤول عن مُعالجة الذكريات واتخاذ القرارات؛ والاستجابة العاطفية (بما في ذلك: الخوف، والقلق، والعدوانية).
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Vyas, A., Kim, S. K., Giacomini, N., Boothroyd, J. C., and Sapolsky, R. M. 2007. Behavioral changes induced by Toxoplasma infection of rodents are highly specific to aversion of cat odors. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 104:6442–7. doi: 10.1073/pnas.0608310104
[2] ↑ Flegr, J., Prandota, J., Sovičková, M., and Israili, Z. H. 2014. Toxoplasmosis—a global threat. Correlation of latent toxoplasmosis with specific disease burden in a set of 88 countries. PLoS ONE 9:e90203. doi: 10.1371/journal.pone.0090203
[3] ↑ Dubey, J. P., Lago, E. G., Gennari, S. M., Su, C., and Jones, J. L. 2012. Toxoplasmosis in humans and animals in Brazil: high prevalence, high burden of disease, and epidemiology. Parasitology 139:1375–424. doi: 10.1017/S0031182012000765
[4] ↑ Arling, T. A., Yolken, R. H., Lapidus, M., Langenberg, P., Dickerson, F. B., Zimmerman, S. A., et al. 2009. Toxoplasma gondii antibody titers and history of suicide attempts in patients with recurrent mood disorders. J. Nerv. Ment. Dis. 197:905–8. doi: 10.1097/NMD.0b013e3181c29a23
[5] ↑ Johnson, S. K., Fitza, M. A., Lerner, D. A., Calhoun, D. M., Beldon, M. A., Chan, E. T., et al. Risky business: linking Toxoplasma gondii infection and entrepreneurship behaviours across individuals and countries. Proc. R. Soc. Lond. B Biol. Sci. 285:20180822. doi: 10.1098/rspb.2018.0822
[6] ↑ Zhang, N. Z., Chen, J., Wang, M., Petersen, E., and Zhu, X. Q. 2013. Vaccines against Toxoplasma gondii: new developments and perspectives. Expert Rev. Vaccines 12:1287–99. doi: 10.1586/14760584.2013.844652
[7] ↑ Pinzan, C. F., Sardinha-Silva, A., Almeida, F., Lai, L., Lopes, C. D., Lourenço, E. V., et al. 2015. Vaccination with recombinant microneme proteins confers protection against experimental toxoplasmosis in mice. PLoS ONE 10:e0143087. doi: 10.1371/journal.pone.0143087