اكتشافات جديدة التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 16 أغسطس 2021

انتبه! كائنات الزومبي حولنا: كيف لكائن طفيلي صغير أن يحول سرطانات البحر إلى كائنات زومبي؟

ملخص

الموتى الأحياء، أو الزومبي، حقيقيون ويعيشون معنا والدليل على ذلك سرطانات البحر! إذا كنت تعتقد أنه من المروع أن يسيطر على عقلك كائن طفيلي غير مرئي يختبئ بداخلك، ففكر في السرطانات المصابة بالطفيليات. حيث يضطر كل من الذكور والإناث من السرطانات إلى مساعدة الطفيليات الغازية على وضع البيض وإنجاب الصغار! ولاكتشاف هذا الأمر، قمنا بدراسة سرطانات الوحل الصالحة للأكل، ووجدنا أن بعضها مُصاب بطفيليات تُسمى جذموريات الرؤوس (rhizocephalans). ولاحظنا أن السرطانات المصابة بالطفيليات بها عضو غريب يشبه البيضة أسفل بطونها، وأن أحجام أجسامها أصغر من أجسام السرطانات غير المصابة. علاوةً على ذلك، لاحظنا تحول ذكور السرطانات المصابة إلى إناث ذات بطون عريضة وداكنة، حتى أن الأمر يصل إلى حد اعتناء السرطانات المصابة ببيض الطفيليات كما لو كانت تعتني ببيضها الخاص! نأمل أن نتمكن في يومٍ ما من إزالة الستار عن التفاصيل المتعلقة بكيفية تحويل جذموريات الرؤوس السرطانات إلى كائنات زومبي.

كيف بدأ الأمر برمته؟

إذا كنت تعتقد أن كائنات الزومبي موجودة فقط في الأفلام وفي القصص التي يرويها لنا آباؤنا لإقناعنا بالبقاء في المنزل في الليل، ففكر بالأمر مرة أخرى. فعلى الرغم من عدم وجود كائنات زومبي من البشر، فإن حيوانات السرطان والجمبري الزومبي تتجول بحرية في عالم الحيوان، والعقل المدبر وراء ذلك هي طفيليات صغيرة.

الجدير بالذكر أن مجموعة الطفيليات القادرة على تحويل السرطانات والجمبري إلى كائنات زومبي تنتمي إلى نفس شعبة هذه الحيوانات بطريقة غير مباشرة - حيث إن السرطانات والجمبري والطفيليات المسؤولة عن تحويل الكائنات إلى زومبي تعتبر جميعها من القشريات. إذ لا تمتلك القشريات هياكل عظمية داخلية، ولكنها تمتلك قشرة خارجية صلبة لحمايتها، وتحتاج هذه الكائنات إلى تكوين قشرة خارجية جديدة لتنمو، وتُسمى هذه العملية الانسلاخ. ومع ذلك، على عكس القشريات الأخرى، فإن هذه العقول المدبرة التي تحول الكائنات إلى زومبي تنتمي إلى مجموعة خاصة وذلك نظرًا إلى خصائصها الفريدة وأسلوب حياتها، وتُسمى هذه المجموعة جذموريات الرؤوس، ويُطلق على أعضاء هذه المجموعة اسم جذموريات الرؤوس أو الطفيليات جذموريات الرؤوس.

يُعد حجم طفيليات جذموريات الرؤوس صغيرًا للغاية (300< ميكرومتر) - أصغر حوالي بـ 10 مرات من حبة الأرز [1]. علاوةً على ذلك، تعتبر الطفيليات البالغة ذات تكوين بسيط للغاية حيث إن ليس لديها أيدي أو أرجل ولا أعضاء داخلية باستثناء الأعضاء التناسلية وبعض الأنسجة العضلية وجهاز عصبي بسيط. وهنا يأتي السؤال، كيف يمكن لهذه المخلوقات البسيطة والصغيرة أن تغزو كائنات كبيرة ومعقدة مثل السرطانات والجمبري وتسيطر عليها؟

أولًا، لكي ينجح الغزو، تحتاج أنثى الطفيل إلى العثور على كائن حي لتعيش فيه، ويُسمى هذا الحيوان باسم العائل، وفي هذه الحالة، عادةً ما يكون سرطان البحر. وبمجرد العثور على عائل محتمل، يلتصق الطفيل بالأنسجة الرخوة لدى العائل، ويحدث ذلك عادةً عند الخياشيم نظرًا إلى أن الأجزاء الأخرى من جسم سرطان البحر محمية بقشرة خارجية صلبة، وبعد الاستقرار على الأنسجة الرخوة للعائل، يحقن الطفيل جسم العائل بأجزاء صغيرة من أنسجته [2]، وتتدفق هذه الأنسجة الطفيلية داخل دم العائل حتى تستقر وتلتصق بجزء من جهازه الهضمي. ومن هناك، تنمو جذور الطفيل، بشكل مشابه جدًا لجذور الأشجار، وتُستخدم هذه الجذور لامتصاص العناصر الغذائية من العائل. وبعد النمو داخل جسم العائل لبعض الوقت، تصبح أنثى الطفيل مستعدة لإنجاب صغارها، ولكن كيف يمكنها أن تلتقي بشريكها أثناء وجودها داخل العائل؟ للقيام بعملية التزاوج، ينمو العضو التناسلي لأناث الطفيليات والذي يُسمى العضو التناسلي الخارجي (الشكل 1) على الجزء الخارجي من جسم العائل، وعندما يرى ذكر الطفيل العضو التناسلي الخارجي منبثقًا من جسم العائل، فإنه يدخل إلى هذا العضو لتخصيب بيض الأنثى، وهنا يتم إطلاق الآلاف والآلاف من صغار الطفيليات في المياه المفتوحة، بحثًا عن المزيد من العوائل ليتم تحويل هذه العوائل إلى كائنات زومبي [3]!

شكل 1 - العضو التناسلي الخارجي لطفيليات جذموريات الرؤوس.
  • شكل 1 - العضو التناسلي الخارجي لطفيليات جذموريات الرؤوس.
  • يتصل العضو التناسلي الخارجي ببطن السرطان عبر ساقه.

ما الذي تفعله طفيليات جذموريات الرؤوس بحيوانات السرطان؟

لقد عثرنا على هذا الاكتشاف الرائع بمحض الصدفة أثناء جمع سرطان الوحل لإجراء دراسات أخرى. يوجد سرطان الوحل، المعروف أيضًا باسم سرطان المانجروف، في غابات المانجروف ومصبات الأنهار في منطقة المحيط الهادئ الهندي الغربي، بدءًا من الهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا إلى أستراليا وبابوا غينيا الجديدة [4]، وغالبًا ما يتم جمع هذه الحيوانات من قبل الصيادين وبيعها للأسواق والمطاعم، لأن مذاقها لذيذ!

أول ما لفت انتباهنا كان وجود عضو تناسلي خارجي أسفل بطن سرطانات الوحل، وهو المكان الذي يوجد فيه عادةً بيض سرطانات الوحل. ولفهم تأثير هذه الطفيليات على سرطانات الوحل، أجرينا مقارنة بين السرطانات المصابة بالطفيليات والسرطانات السليمة من حيث التغيرات التي طرأت على الجسم وحجمه، ومن المثير للدهشة أننا وجدنا أن جميع السرطانات الذكور المصابة بالطفيليات قد تحولت إلى إناث واكتسبت خصائص تشبه الإناث؛ مثل وجود بطن عريضة وداكنة، كما أصبحت أجسامها أصغر حجمًا (الشكل 2). والجدير بالذكر أن هذا التحول الذي يحدث في جسم السرطانات ضروري لأن السرطانات الذكور تُصاب أيضًا بالطفيليات وتؤثر هذه الطفيليات عليها بنفس الطريقة التي تؤثر بها على الإناث - حيث ينبثق العضو التناسلي الخارجي للطفيليات من أجسام العوائل الذكور أيضًا، ويتولى كل من السرطانات الذكور والإناث رعاية هذا العضو التناسلي الخارجي وكأنه يحتوي على البيض الخاص بها!

شكل 2 - صورة تبين الأجزاء السفلية لسرطانات الوحل المصابة بالطفيليات والسليمة.
  • شكل 2 - صورة تبين الأجزاء السفلية لسرطانات الوحل المصابة بالطفيليات والسليمة.
  • (A) ذكر سرطان سليم ذو بطن مثلثة الشكل وأقدام تناسلية ذات طول طبيعي؛ (B) أنثى سرطان سليمة غير بالغة مع بطن كروية الشكل وأقدام بطنية طويلة؛ (C) أنثى سرطان سليمة بالغة ذات بطن داكنة كروية الشكل وأقدام بطنية طويلة؛ (D) ذكر سرطان مصاب بطفيليات ذو بطن داكنة كروية الشكل، وأقدام تناسلية ضامرة وعضو تناسلي خارجي؛ (E) أنثى سرطان غير بالغة مصابة بطفيليات ذات بطن تبدو وكأنها غير مكتملة مع أقدام بطنية ضامرة؛ (F) أنثى سرطان بالغة مصابة بطفيليات ذات بطن طبيعية تبدو وكإنها مكتملة وأقدام بطنية ضامرة وعضو تناسلي خارجي. "G" تشير إلى الأقدام التناسلية، و"P" تشير إلى الأقدام البطنية و"Ab" تشير إلى البطن و"YS" تشير إلى الكيس الأصفر (العضو التناسلي الخارجي).

علاوةً على ذلك، يتقلص حجم الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية بشكل كبير في السرطانات المصابة بالطفيليات. تُسمى الأعضاء التناسلية الذكرية باسم الأقدام التناسلية، وتتكون هذه الأقدام من زوجين من البُنى الطويلة المستخدمة لنقل الحيوانات المنوية إلى الإناث أثناء عملية التزاوج. أما الأعضاء التناسلية الأنثوية فتُسمى الأقدام البطنية، وتتكون هذه الأقدام من أربعة أزواج من البُنى اللازمة لتثبيت البيض (شكل 2). تقلص الأعضاء التناسلية يعني أن السرطانات الذكور المصابة بالطفيليات غير قادرة على التزاوج مع الإناث، ويعني أيضًا أن السرطانات الإناث المصابة بالطفيليات غير قادرة على تثبيت بيضها بالأقدام البطنية لكي ينمو بشكل طبيعي، حتى لو كان بإمكانها التزاوج مع السرطانات الذكور السليمة وإنتاج البيض!

بالإضافة إلى تغيير المظهر الخارجي للعائل، تتحكم طفيليات جذموريات الرؤوس أيضًا في سلوك عائلها حيث يُظهر ذكور السرطانات المصابة بالطفيليات والملحق بها العضو التناسلي الخارجي أنماطًا سلوكية لا توجد عادةً إلا في الإناث التي يوجد على بطونها بيض، مثل التنظيف المستمر للعضو التناسلي الخارجي والبطن، كما لو كانت تعتني بالبيض الخاص بها. تخيل أنه بعد إصابتك بكائن طفيلي، تصبح حاملًا بصغار ليسوا بصغارك، والأسوأ من ذلك، تعتني بهم كما لو كانوا صغارك وذلك بدون وعي منك!

في هذه المرحلة، ما زلنا غير متأكدين مما إذا كان تناول السرطانات المصابة بطفيليات جذموريات الرؤوس يُشكل خطورة على البشر، أم لا. ولكن لا ينبغي أن يمثل ذلك مشكلة إذا تم طهي السرطانات جيدًا قبل تناولها. علاوةً على ذلك، تدقق هذه الطفيليات في اختيارها للغاية عندما يتعلق الأمر باختيار العوائل المحتملين، ومن المعروف أنها تصيب القشريات الأخرى فقط، وليس البشر.

ما الخطوات القادمة الواجب علينا اتخاذها؟

عند التفكير في الأمر نرى أنه من العجيب أن يتحكم مثل هذا الكائن الحي الصغير الذي لا يمتلك تقريبًا أي أعضاء أو بنى صلبة في كائن حي آخر، ويسبب مثل هذه التأثيرات والتغييرات الهائلة. في وقتنا الحالي، لا يوجد علاج للسرطانات المصابة بطفيليات جذموريات الرؤوس. علاوةً على ذلك، ما زلنا لا نفهم كيف تسبب هذه الطفيليات هذه التأثيرات والتغييرات، ونأمل من خلال سرد هذه القصة أن يهتم المزيد من الأشخاص - وخاصة الأطفال - بالكائنات الحية التي تعيش حولهم في الطبيعة، بما في ذلك السرطانات الصغيرة. نريدك أيضًا أن تكون على دراية بظاهرة طفيليات جذموريات الرؤوس الغريبة هذه، وأن تساعدنا في البحث عن حالات أخرى تخص هذا الكائن الطفيلي. إذا كنت تعيش في مناطق توجد بها سرطانات صالحة للأكل، فيمكنك البحث عن كيس أصفر غريب أسفل بطن السرطان، فربما يمكنك مساعدتنا في حل لغز تطفلّ جذموريات الرؤوس في يوم من الأيام!

مساهمة المؤلف

قام KW وHF بإعداد إطار العمل الأولي للمقال وإجراء المراجعة والإسهام في عملية العثور على الطفيليات والسرطانات المصابة التي تم تناولها في هذا المقال وإجراء البحث اللازم عليها. كتب KW المسودة البحثية الأولى، وعمل HF على مراجعة هذه المسودة وتعديل الأشكال بها. أسهم جميع المؤلفين في إعداد هذا المقال واعتمدوا النسخة المقدمة للنشر.

مسرد للمصطلحات

القشريات (Crustacea): مجموعة كبيرة تتكون في الأغلب من كائنات مائية ذات هياكل خارجية (قشور)، وتنقسم أجسامها المفصلية إلى رأس وصدر (الجسم) وبطن. وتنمو هذه المجموعة من خلال طرح قشورها وتُسمى هذه العملية بالانسلاخ. ومن بين الأمثلة على القشريات السرطانات والكركند والجمبري والقريدس.

الانسلاخ (Molting): هي عملية طرح القشرة الخارجية القديمة واستبدالها بواحدة جديدة وفي الأغلب تكون أكبر حجمًا. وتجري جميع الكائنات التي تنتمي إلى القشريات هذه العملية.

العائل (Host): هو الكائن الذي يغزوه الكائن الطفيلي.

العضو التناسلي الخارجي (Externa): هو العضو التناسلي الأنثوي لطفيليات جذموريات الرؤوس، ويبرُز من جسم العائل من أسفل البطن.

الأقدام التناسلية (Gonopod): هي الأعضاء التناسلية الذكرية في السرطانات التي تعمل على نقل الحيوانات المنوية إلى الإناث أثناء عملية التزاوج.

الأقدام البطنية (Pleopod): هي الأعضاء التناسلية الأنثوية في السرطانات التي تعمل على تثبيت البيض وتضمن النمو الطبيعي للبيض داخل السرطانات.

التطفل (Parasitism): هي علاقة تنشأ بين كائنين، حيث يعيش أحدهما (الكائن الطفيلي) على الآخر أو بداخله (العائل)، مما يتسبب بإلحاق الضرر به.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


مقال المصدر الأصلي

Waiho, K., Fazhan, H., Glenner, H., and Ikhwanuddin, M. 2017. Infestation of parasitic rhizocephalan barnacles Sacculina beauforti (Cirripedia, Rhizocephala) in edible mud crab, Scylla olivacea. PeerJ 5:e3419. doi: 10.7717/peerj.3419


المراجع

[1] Kobayashi, M., Wong, Y. M., Oguro-Okano, M., Dreyers, N., Høeg, J. T., Yoshida, R., et al. 2018. Identification, characterization, and larval biology of a rhizocephalan barnacle, Sacculina yatsui Boschma, 1936, from northwestern Japan (Cirripedia: Sacculinidae). J. Crust. Biol. 38:329–40. doi: 10.1093/jcbiol/ruy020

[2] Glenner, H., Høeg, J. T., O’Brien, J. J., and Sherman, T. D. 2000. Invasive vermigon stage in the parasitic barnacles Loxothylacus texanus and L. panopaei (Sacculinidae): closing of the rhizocephalan life-cycle. Mar. Biol. 136:249–57. doi: 10.1007/s002270050683

[3] Nagler, C., Hörnig, M. K., Haug, J. T., Noever, C., Høeg, J. T., and Glenner, H. 2017. The bigger, the better? Volume measurements of parasites and hosts: parasitic barnacles (Cirripedis, Rhizocephala) and their decapod hosts. PLoS ONE 12:e0179958. doi: 10.1371/journal.pone.0179958

[4] Fazhan, H., Waiho, K., Darin Azri, M. F., Al-Hafiz, I., Wan Norfaizza, W. I., Megat, F. H., et al. 2017. Sympatric occurrence and population dynamics of Scylla spp. in equatorial climate: effects of rainfall, temperature and lunar phase. Estuar. Coast. Shelf Sci. 198:299–310. doi: 10.1016/j.ecss.2017.09.022