ملخص
هل سمعت من قبل عن الأسد الببري وأسد التيجون؛ وهي حيوانات هجينة بين الأسود والنمور؟ وهل سمعت عن الكلاب الذئبية، وهي كائنات هجينة بين الذئاب والكلاب؟ أم هل سمعت عن الدب الرمادي الهجين، وهو ناتج عن تهجين الدب الرمادي والدب القطبي؟ عندما تتزاوج كائنات حية من نوعين مختلفتين، أو تنتج نسلًا معًا، فإن هذا يعرف بالتهجين. ويُعرف النسل الناتج عن عملية مزج السلالات هذه باسم الكائنات الهجينة. وتحدث الكائنات الهجينة في العالم الطبيعي، وتعتبر قوة تطورية هائلة. كما أنها تلعب دورًا مهمًا أيضًا في حياتنا اليومية؛ فلعلك تأكل نباتات هجينة كل يوم. سيغوص هذا المقال في أعماق عالم التهجين المثير للاهتمام، حيث سيصف كيفية حدوثه، وما قد يحدث عندما تتزاوج الكائنات الهجينة وتنتج نسلًا.
ما المقصود بالنوع؟
التهجين هو عملية يحدث فيها تزاوج بين نوعين مختلفين [1]. ولذا، فكي نتمكن من الغوص في تفاصيل عالم التهجين، علينا أن نفهم أولًا ما المقصود بالنوع.
الكائنات الحية التي تنتمي إلى نفس النوع تكون أكثر تشابهًا فيما بينها مقارنة بتلك التي تنتمي إلى أنواع مختلفة. ومن السهل أن تُميز بين الأنواع الحية المختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن تمييز فرس النهر باعتباره ينتمي إلى نوعٍ مختلف من الكائنات الحية عن النوع الذي ينتمي إليه الفهد (انظر الشكل 1). ولكن، ما الفرق بين الفهد والنمر المرقط؟ فعلى الرغم من أنهما نوعان مختلفان من الكائنات الحية، فإن النمر المرقط يشبه الفهد إلى حد كبير. فكلاهما يعيش في إفريقيا، وكلاهما من آكلات اللحوم، وكلاهما من فصيلة القطط، وكلاهما لديه نقط. وتعرف القوانين الأكثر شيوعًا واستخدامًا في تقسيم الكائنات الحية إلى أنواع مختلفة باسم “مفهوم الأنواع الحيوية” [2]. وتنظر هذه القوانين إلى الحيوانات باعتبارها أنواعًا مختلفة إذا لم تستطع التكاثر فيما بينها، أو إذا تكاثرت فيما بينها وأنجبت سلالة عقيمة؛ أي ذرية غير قادرة على الإنجاب. وحيث إنه من غير الممكن أن يتكاثر الفهد مع النمر المرقط، فإننا نعتبرهما نوعين مختلفين. وهناك قوانين أخرى تقسم الحيوانات أو النباتات المتشابهة إلى أنواع مختلفة، ولكنها مثيرة للجدل، فقد يبحث بعض العلماء عن الاختلافات البدنية، مثل الاختلافات في شكل المنقار أو لون الجسم أو السلوك أو الموئل الطبيعي أو الموقع الجغرافي، في حين يستخدم علماء آخرون الاختلافات في الجينات لمساعدتهم في العثور على الأنواع المختلفة. يمتلك كل كائن حي جينات مُحملة على الحمض النووي، وتحمل هذه الجينات المعلومات التي تخبر الجسم بكيفية القيام بمهامه. وداخل أبناء النوع الواحد، توجد فروقات صغيرة بين الجينات تعرف بالطفرات. ومثل هذه الطفرات هي سبب هذه الاختلافات الطفيفة بين أفراد النوع الواحد؛ مثل ألوان العين المختلفة في البشر. بل أن الطفرات أيضًا هي التي تحدد ما إذا كنت ستتمكن من ثني لسانك أم لا! أما بين الأنواع المختلفة، فيوجد عدد أكبر بكثير من الطفرات بين الجينات. وهذه الطفرات هي السبب وراء الاختلافات التي نراها في حجم المنقار أو سلوك الكائن. وفي حال عدم تأكد العلماء من انتماء كائنين حيين إلى نوعين مختلفين، فبمقدورهم مقارنة وإحصاء الطفرات فيما بينهما للتحقق من هذا الأمر.
ما المقصود بالكائنات الهجينة؟
عندما يتزاوج حيوانان من نفس النوع، يحصل نسلهما الناتج على 50% من الجينات الوراثية من الأب وعلى 50% من الجينات الوراثية من الأم. وهذا ما يجعلك تبدو وكأنك خليط من صفات والديك. الكائنات الهجينة عبارة عن كائنات خليطة تنتج من تزاوج نوعين مختلفين، بحيث يحصل النسل على 50% من صفات كل فرد أبوي من كل نوع [1]. ويعتبر البغل من أشهر الكائنات الهجينة، فهو كائن خليط يجمع بين صفات الحمار والحصان.
تأتي 50% من جينات البغل من الحصان، في حين تأتي الـ 50% الأخرى من الحمار. وبسبب هذا المزج، تجمع البغال بين خصائص كل من والديها، فهي قوية كالحمير، وذكية كالخيل [3]. ويرغب المزارعون في توليد البغال لأن هذا الخليط من الصفات يجعل البغال كائنات ممتازة في حمل المواد. إن استخدام التهجين في الجمع بين الصفات المرغوبة من كلا النوعين (الأب والأم) مفيد جدًا للإنسان، وعادة ما تستخدم الكائنات الهجينة في الزراعة. كما أن كثيرًا من الفاكهة التي تشتريها من متجر الخضراوات والفاكهة قد أنتجت باستخدام تقنية التهجين! فالموز والجريب فروت والجزر والخيار جميعها من الأنواع المهجنة، إذ يوجد في الحقيقة مئات الأنواع من الموز، ولكن أغلبنا يألف الموز المهجن. ويحرص المزارعون على تهجين أنواع الموز للحصول على أفضل مزيج من الصفات، وإنتاج موز طري ذي مذاق رائع بدون الكثير من البذور [4].
هل تستطيع الكائنات الهجينة التكاثر؟
تعتبر البغال والموز من أمثلة الكائنات الهجينة غير الخصبة، ومن ثم فلا فيمكنها إنتاج نسلها الخاص. ولكن الأمر المثير للاهتمام هو أنه يوجد العديد من الكائنات الهجينة التي يمكن أن تنجب نسلًا في واقع الأمر. وهو ما يحدث عندما يتزاوج الفرد الهجين مع فرد هجين آخر، أو مع فرد من نفس نوع أحد الوالدين. فعلى سبيل المثال، عندما يحدث التهجين بين الأسود والنمور، ينتج الأسد الببري. والأسود الببرية كائنات خصبة ويمكنها التزاوج مع غيرها من الأسود الببرية والأسود والنمور. تُسبب الكائنات الهجينة الخصبة مشكلة معقدة جدًا في العلوم، حيث إنها تخرق قاعدة مفهوم الأنواع الحيوية، والذي ينص على أنه لا يمكن لنوعين منفصلين أن يتكاثرا ويكون لهما ذرية خصبة. فهل هذا يعني أن والدي هذه الأنواع الهجينة الخصبة ليسا نوعان منفصلان؟ لا، إنه فقط يعني أن مفهوم الأنواع الحيوية ليس مناسبًا لجميع الأنواع. وبفضل هذا الاكتشاف الذي أظهر أن بعض الكائنات الهجينة خصبة، يواصل العلماء نقاشهم حول ماهية الأنواع الحيوية، ومن المحتمل أنهم سيواصلون هذا الأمر لسنوات عديدة. وهذا ما يجعل التهجين موضوعًا شيقًا جدًا، حيث إنه يتحدى عددًا من الأفكار العلمية الراسخة [1].
عند تزاوج كائن هجين مع كائن ينتمي إلى أحد نوعي الأبوين، يعرف نسلهما باسم الكائنات الهجينة الناتجة عن التهجين العكسي [1]. في الشكلين 2A,B، نرى أسدًا ببريًّا؛ وهو كائن هجين ناتج عن تزاوج بين أسد ونمر، حيث تزاوج أسد مع أنثى النمر. ويمتلك الطفل الناتج عن هذا الخلط، أي الكائن الهجين الناتج عن التهجين العكسي، بعض الجينات الوراثية المأخوذة من الأسد. ولو استمر التهجين العكسي لأجيال عديدة (الكائن الناتج عن التهجين العكسي يتزاوج مع نمر، ثم تفعل ذريته نفس الشيء)، فستقل نسبة الجينات الوراثية المأخوذة من الأسد باستمرار، ولكنها لن تختفي نهائيًا. وهو ما يعني أن جينات الأسد يمكنها أن تصبح في نهاية المطاف جزءًا من مجموعة الجينات في النوع الحيوي “النمر”. وعندما يحتوي أحد الأنواع على عددٍ من جينات نوعٍ آخر، فإن هذا يعرف بالتهجين التضميني. ويمثل هذا قوة تطورية جبارة، حيث إن هذه الجينات الجديدة ربما تحمل بعض الشفرات المسؤولة عن إظهار صفات أو سلوكيات جديدة من شأنها مساعدة الأنواع الأبوية [5].
ما تأثير التهجين على العالم الطبيعي؟
تحدثنا حتى الآن عن الكائنات الهجينة التي يصنعها الإنسان. فالأسود والنمور لا تتلاقى (تتزاوج) في البرية، ولكن الكائنات الهجينة الأخرى تفعل ذلك طبيعيًا. وفي الحقيقة، يوجد مئات من الكائنات الهجينة في العالم الطبيعي. ويعتقد العلماء أن واحدًا من بين أربعة أنواع من النبات، وواحدًا من كل 10 أنواع من الحيوانات، ليست إلا نتاج عملية التهجين [6]. يمكن للتهجين مساعدة الأنواع الأبوية من خلال نقل الجينات الجديدة عبر التهجين التضميني، بل ومن الممكن أيضًا أن يؤدي إلى إيجاد أنواع جديدة [5]. على سبيل المثال، اكتسبت الفراشات من نوع Heliconius في قارة أمريكا الجنوبية جزءًا من نقوش أجنحتها الجميلة عبر عملية التهجين (الشكل 3) [7]. يستخدم هذا النوع من الفراشات النقوش على أجنحتها لجذب الرفيق، ولتجنب المفترسات التي تترجم هذه النقوش باعتبارها إشارات تحذيرية [7]. كما أن التهجين القديم لنوع عباد الشمس قد أدى أيضًا إلى إيجاد نوع جديد في أمريكا الشمالية. وبمقدور هذه السلالة من عباد الشمس، والناتجة عن تزاوج الهجين مع النبات الأصلي، العيش في بيئات أكثر قسوة تكون فيها التربة فقيرة أو سامة. يجمع التهجين بين صفات الوالدين (النوعين)، حيث ينتج عنه خليط جيني جديد في الكائن الهجين، وهو ما يمكنه من العيش في هذا الموئل الجديد [8].
وعلى الرغم من أن كثيرًا من الكائنات الهجينة الطبيعية التي تحدثنا عنها من الأنواع الحديثة، فهناك أمثلة على عمليات تهجين قديمة حدثت قبل عشرات الآلاف من السنين. ويمكن التعرف على هذه الكائنات الهجينة حتى بعد انقراض الأنواع الأبوية المنتجة لها. وهذا لأن بعض الجينات الخاصة بأنواع الوالدين ستظل موجودة بنسب صغيرة في الكائن الهجين. ومن خلال مقارنة الطفرات الجينية الموجودة في الأنواع وثيقة العلاقة مع بعضها البعض، يمكننا أن نعثر على كائنات هجينة مختلفة من خلال البحث عن الجينات المختلفة جدًا، أو الطفرات التي أتت من نوع أحد الفردين الأبويين الأصليين للهجين. وباستخدام هذه الطريقة، اكتشف العلماء أن هجينًا قديمًا هو سلف العديد من أنواع سمك المهرج (مثل سمكة “نيمو” من فيلم “البحث عن نيمو”). ومثلما حدث في عباد الشمس، تمكن سلف سمك المهرج من العيش في موطن جديد بفضل هذا الخليط من أوجه التكيف الذي تمتع به الهجين القديم [9]. ونتيجة لذلك، يعد الهجين القديم سلفًا للعديد من أنواع سمك المهرج.
وفي بعض الأحيان، قد تشكل الكائنات الهجينة خطرًا على الأنواع الأبوية وعلى العالم الطبيعي. فإذا كانت الكائنات الهجينة ناجحة جدًّا، فربما يتواجد الكثير منها ويتنافس مع الأنواع الأبوية على الطعام وأماكن العيش، وهو ما قد يؤدي إلى انقراض الأنواع الأبوية. إن فقدان نوع من الكائنات الحية أمر ضار للتنوع البيئي، ومن الممكن أن يؤثر على الأنواع الأخرى في هذا الموئل. وعند فقدان هذا النوع الحيوي بصورة طبيعية، فإن العلماء لا يحاولون إيقاف هذه العملية لأنها عملية طبيعية. أما فقدان الأنواع الأبوية بسبب الذرية الهجينة، فهو لا يمثل مشكلة إلا عندما تكون هذه الكائنات الهجينة من صنع الإنسان، ويُؤتى بها البشر إلى منطقة لم يكن النوعان الأبويان موجودين فيها في الوضع الطبيعي. وفي هذه الحالات، يجب أن نتحرك لمنع انقراض الأنواع الأبوية. ولكن لا تقلق، فالكائنات الهجينة التي نشتريها من محلات الخضراوات والفاكهة لا تسبب - على الأرجح - أضرارًا بيئية بالغة؛ إذ هناك قواعد سارية تضمن زراعتها ونموها بعناية فائقة.
الخلاصة
التهجين عملية معقدة تتضمن مزجًا يحدث بين نوعين. وهي جزء مهم في عملية التطور، وذلك بسبب انتقال الجينات خلال عملية التهجين التضميني، ودوره في توليد أنواع جديدة. كما أنه جزء أيضًا من حياتنا اليومية، حيث يستخدم عادة للمساعدة في تحسين سمات الأغذية والماشية.
مسرد للمصطلحات
التهجين (Hybridization): ↑ تزاوج يحدث بين نوعين مختلفين.
النوع (Species): ↑ عبارة عن الكائنات الحية التي تشبه بعضها البعض وبإمكانها أن تتزاوج لإنتاج ذرية خصبة. ولا يوجد اتفاق بين العلماء حول كيفية تعريف الأنواع المنفصلة.
الجينات (Genes): ↑ أجزاء من الحمض النووي تحتوي على تعليمات إرشادية لعمليات الجسم وخصائصه (مثل لون العين).
الطفرات (Mutations): ↑ اختلافات بسيطة في الجينات تجعل الأفراد يظهرون على نحو مختلف عن غيرهم. تحدث الكثير من الطفرات بين الأنواع المختلفة.
كائنات خَصِبة (Fertile): ↑ كائنات قادرة على التكاثر وإنتاج نسل. ومقابلها غير خصبة، وتعني عدم المقدرة على إنتاج نسل.
التهجين التمضيني (Introgression): ↑ عند انتقال الجينات من أحد الأنواع إلى نوع آخر خلال عملية التهجين والتهجين العكسي.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Allendorf, F. W., and Liukart, G. (eds.) 2007. “Hybridization,” in Conservation and the Genetics of Populations (Malden, MA: Blackwell Pub). 421–48.
[2] ↑ Mayr, E. 2000. “The biological species concept,” in Species Concepts and Phylogenetic Theory: A Debate, eds Q. D. Wheeler and R. Meier (New York, NY: Columbia University Press). 17–20.
[3] ↑ Proops, L., Burden, F., and Osthaus, B. 2009. Mule cognition: a case of hybrid vigour? Anim. Cogn. 12:75–84. doi: 10.1007/s10071-008-0172-1
[4] ↑ Perrier, X., De Langhe, E., Donohue, M., Lentfer, C., Vrydaghs, L., Bakry, F., et al. 2011. Multidisciplinary perspectives on banana (Musa spp.) domestication. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 108:11311–8. doi: 10.1073/pnas.1102001108
[5] ↑ Arnold, M. L., Sapir, Y., and Martin, N. H. 2008. Genetic exchange and the origin of adaptations: prokaryotes to primates. Philos. Trans. R. Soc. Lond. B Biol. Sci. 363:2813–20. doi: 10.1098/rstb.2008.0021
[6] ↑ Mallet, J. 2005. Hybridization as an invasion of the genome. Trends Ecol. Evol. 20:229–37. doi: 10.1016/j.tree.2005.02.010
[7] ↑ Kronforst, M. R., Young, L. G., Blume, L. M., and Gilbert, L. E. 2006. Multilocus analyses of admixture and introgression among hybridizing Heliconius butterflies. Evolution 60:1254–68. doi: 10.1554/06-005.1
[8] ↑ Rieseberg, L. H., Raymond, O., Rosenthal, D. M., Lai, Z., Livingstone, K., Nakazato, T., et al. 2003. Major ecological transitions in wild sunflowers facilitated by hybridization. Science 301:1211–6. doi: 10.1126/science.1086949
[9] ↑ Litsios, G., and Salamin, N. 2014. Hybridisation and diversification in the adaptive radiation of clownfishes. BMC Evol. Biol. 14:245. doi: 10.1186/s12862-014-0245-5