ملخص
كيف يتحكم المخ بالحركة؟ ما نوع المشكلات التي تحدث حين يصاب المخ بالمرض؟ إن الاضطرابات التنكسية العصبية هي الأمراض التي تتضمن موت أجزاء معينة من المخ. فهي تصنف حتى وقتنا هذا من ضمن أصعب الأمراض من حيث العلاج، فضلًا عن أنها تصيب مرضاها بالوهن. ومن أكثر أمراض اضطرابات الحركة خطورة وشيوعًا هما مرض باركنسون (الشلل الرعاش) وداء هنتنجتون. وعلى الرغم من اكتشاف الكثير من المعلومات حول كيفية حدوث هذه الأمراض والأسباب الكامنة ورائها، فإنها تظل معقدة وغامضة إلى حد كبير. يقدم هذا المقال شرحًا مبسطًا يتيح للجميع تعلم المزيد حول هذه الأمراض.
المخ عضو معقد للغاية؛ حيث يحتوي على أعداد هائلة من المسارات التي تمكننا من القيام بالأعمال المذهلة التي نؤديها. يتكون المخ من مليارات الخلايا التي نعتمد عليها في كل ثانية من اليوم للقيام بالوظائف على وجه صحيح. وتسمى بعض أهم الخلايا في المخ بالخلايا العصبية. تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض للقيام بكل وظيفة من وظائف المخ، مثل الحركة أو التفكير في الموضوعات التي تدرسها في المدرسة أو التحدث إلى الأصدقاء أو تذكر قائمة الأشياء التي تريد أن تشتريها من المتجر. وبسبب التعقيد الشديد في تركيب المخ، يمكن أن تنتج اضطرابات المخ عن أقل خطأ في عمليات التواصل بين الخلايا.
ترتبط خلايا المخ ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا. وعليه، فأي خطأ في الاتصال في منطقة واحدة قد يؤثر على باقي نشاط المخ، بمعنى أن اضطرابات المخ قد تسبب مشكلات واسعة الانتشار. وبالرغم من أن هناك الكثير من الأمراض التي قد تصيب المخ، إلا أن أكثر هذه الأمراض تعقيدًا هي الأمراض التي يطلق عليها اسم الأمراض التنكسية العصبية.
تؤدي الأمراض التنكسية العصبية إلى موت الخلايا العصبية. ويتألف مصطلح “الأمراض التنكسية العصبية” من قسمين: كلمة عصبية تعني أنها تصيب المخ، وتنكسية تعني انهيار الخلايا أو موتها. تعد الأمراض التنكسية العصبية مثالًا واضحًا على الآثار المدمرة للخطأ في عمليات التواصل بين خلايا المخ. وتؤثر هذه الأمراض على حركة الفرد وحديثه وذاكرته ومستوى الذكاء وأكثر من ذلك بكثير [1, 2]. ولأن الأمراض التنكسية العصبية شديدة التعقيد، فلا تزال أسباب حدوث غالبية هذه الأمراض مجهولة.
هناك الكثير من الأنواع المعروفة من الأمراض التنكسية العصبية التي تصيب مناطق مختلفة في المخ. وربما تكون قد سمعت عن بعض هذه الأمراض. سيساعدك باقي المقال على دراسة بعض الأمراض التنكسية العصبية والأثر الذي تخلفه على الأشخاص الذين يعانون منها.
مرض باركنسون
مرض باركنسون أو الشلل الرعاش هو أحد أنواع الأمراض التنكسية العصبية. فحين تموت الخلايا العصبية في منطقة بالمخ تسمى المادة السوداء، تبدأ مشكلات الحركة في الظهور (الشكل 1). والمادة السوداء هي منطقة داخل المخ تحتوي على عدد ضخم من الخلايا العصبية التي تفرز مادة تسمى الدوبامين. ويؤدي إفراز الدوبامين إلى حدوث الاتصال بين الخلايا العصبية الموجودة في المادة السوداء والأجزاء المسؤولة عن الحركة في المخ مثل الفص الجبهي والعقد القاعدية (basal ganglia). وتعني كلمة “ganglia“ باللغة الإنجليزية مجموعة من الخلايا العصبية. وتقع العقد القاعدية في عمق مركز المخ، وتتكون من مجموعات متعددة ومختلفة من الخلايا عصبية. ويعني موت الخلايا العصبية في منطقة المادة السوداء أن هذه المجموعة من الخلايا العصبية لم يعد بمقدورها القيام بوظيفتها بشكل صحيح، مما يؤدي إلى حدوث التعثرات والارتعاشات لدى الأشخاص المصابين بهذا المرض [3]. كما يواجه هؤلاء الأشخاص صعوبات في الشروع في حركاتهم والاستمرار فيها.
داء هنتنجتون
على غرار مرض باركنسون، يندرج داء هنتنجتون أيضًا ضمن الأمراض التنكسية العصبية التي تسبب مشكلات في الحركة وتؤثر على العقد القاعدية. ولكن على عكس مرض باركنسون، فإن داء هنتنجتون يدخل تحت طائلة الأمراض الوراثية. وهو ما يعني أنه إذا كان أحد الوالدين يعاني من هذا المرض، فسيكون الأولاد أكثر عرضة للإصابة به. ويصيب داء هنتنجتون الإنسان نتيجة التراكم غير الطبيعي للبروتين في المخ مما يؤدي إلى موت الخلايا العصبية، وهو ما يتسبب في حدوث اضطرابات كما في الحركة. وبشكلٍ رئيسي، يعاني الأشخاص المصابون بهذا المرض من الإفراط في الحركة اللاإرادية وغير المرغوب فيها. على سبيل المثال، نجدهم غالبًا ما يعانون رعشة في الأطراف، وهو أمر خارج إرادتهم. وكلما تطور هذا المرض، سيواجه المصاب به صعوبة متزايدة في الحركة على النحو الذي يريد.
وإذا ماتت الخلايا العصبية جراء أي من الأمراض التنكسية العصبية، فهذا يعني أن المخ يصبح أصغر حجمًا! وهي مشكلة خطيرة ينتج عنها مشكلات في الذاكرة والتفكير. وهذه المشكلات هي سمة مشتركة شائعة بين جميع الأمراض التنكسية العصبية [2].
الخرف أو التدهور العقلي
تُحفظ الذكريات وتخزن داخل المخ. وبالرغم من أن الطريقة المحددة لتخزين الذكريات داخل المخ غير معروفة، فإن الخلايا العصبية مسؤولة قطعًا عن عملية التخزين. نحن نعلم ذلك، لأن الأمراض التي تسبب موت الخلايا العصبية تسبب أيضًا فقدانًا في الذاكرة. والخرف هو المصطلح العام الذي يشير إلى فقدان الذاكرة. ومن أشهر أنواع الخرف شيوعًا مرض ألزهايمر وداء جسيمات ليوي، علمًا بأن كل نوع من أنواع الخرف يحدث نتيجة للاضطرابات التنكسية العصبية (انكماش المخ)، والذي يحدث بدوره جراء موت الكثير من الخلايا العصبية في شتى أنحاء المخ. لا يفقد الأفراد الذين يعانون من الخرف ذاكراتهم فحسب بسبب موت الأعداد الكبيرة من الخلايا العصبية، بل يفقدون أيضًا القدرة على الحركة وحتى التفكير السليم مع مرور الوقت [4].
كيف يمكن أن نعالج الأمراض التنكسية العصبية؟
تندرج الأمراض التنكسية العصبية التي تحدثنا عنها ضمن أسوأ وأخطر الأمراض التي قد تصيب الإنسان على الإطلاق. وربما أحد الأسباب وراء هذا الأمر هو أننا لا زلنا لا نعرف أي طريقة لمعالجة الأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض. ويعمل الباحثون والعلماء حول العالم اليوم بجد واجتهاد لاكتشاف طريقة لمساعدة هؤلاء المرضى، إلا أنهم لم يصلوا للعلاج بعد، ولكنهم قد قدموا مقترحات حول بعض الأفكار التي تبدو واعدة جدًا. ومن بين الطرق الأكثر لفتًا للانتباه والتي يعمل عليها العلماء اليوم هي استبدال الخلايا العصبية الميتة في المخ بخلايا جديدة [5]. ويمكن استبدال الخلايا العصبية الميتة من خلال استخدام نوع معين من الخلايا يسمى الخلايا الجذعية، إذ إنها خلايا غير ناضجة يمكنها أن تتحول إلى أي نوع من أنواع الخلايا داخل جسم الإنسان، وهذا هو السبب وراء إمكانية استبدالها بالخلايا العصبية الميتة داخل الجسم. فكل إنسان لديه عدد صغير من الخلايا الجذعية داخل جسمه ولكن هذه الخلايا لا تعمل دائمًا لتحل محل الخلايا التي تموت حديثًا. وقد وجد العلماء أن الطريقة المثلى لاستبدال الخلايا الميتة بالخلايا الجذعية هي عن طريق أخذ الخلايا الجذعية من الشخص واستنباتها في أنبوب اختبار في المختبر ثم إعادة زرعها داخل جسم الشخص مرة أخرى في المكان اللازم. وقد اختبرت هذه الفكرة على حيوانات التجارب مثل الفئران، وأثبتت نجاحها [5]! وبسبب الاختلافات القائمة بين البشر وباقي الحيوانات، يرى العلماء أن هذه التجارب ستكون أكثر خطورة إذا أجريت على مرضى الأمراض التنكسية العصبية. ولذلك يسعى العلماء حول العالم لتطوير طريقة أكثر أمانًا وأقل خطورة لاستبدال الخلايا العصبية الميتة في المخ بالخلايا الجذعية. وعندما تُزرع الخلايا الجذعية داخل المخ، فإنها تحتاج إلى هياكل داعمة للالتصاق والنمو، وتسمى هذه الهياكل السقالات. ويعد بناء هذه السقالات التي تساعد على نمو الخلايا الجذعية داخل المخ وإيصالها داخله أحد أكبر التحديات التي يواجهها علماء الأعصاب في الوقت الحالي. إلا أن علاج الأمراض العصبية التنكسية بالخلايا الجذعية يظل أمرًا واعدًا، وبمزيد من الجهد نأمل أن يجد العلماء طريقة لاستخدام هذا العلاج لمساعدة من يعانون من هذه الأمراض.
الخلاصة
يعاني الناس حول العالم من الأمراض التنكسية العصبية، والتي تؤدي إلى موت الخلايا داخل المخ. وتصيب بعض الأمراض العصبية التنكسية مثل مرض باركنسون وداء هنتنجتون العقد القاعدية، وهو ما يؤدي إلى صعوبات في الحركة. وتتسبب بعض الأمراض الأخرى مثل مرض الزهايمر وداء جسيمات ليوي في موت الخلايا العصبية على نطاقٍ واسع الانتشار، مما يؤدي إلى فقدان الذاكرة. وهناك أنواع أكثر ندرة من الأمراض التنكسية العصبية إلا أننا لم نشر إليها في هذا المقال. وتعد الأمراض التنكسية العصبية من الأمراض المخيفة التي يعاني منها الإنسان، إذ لا يوجد لها علاج حتى الآن، فلا يزال الباحثون حول العالم يعملون على إيجاد طرق لمساعدة من يعاني من هذه الأمراض. وأكثر الطرق المثيرة للاهتمام هي استخدام الخلايا الجذعية لاستبدال الخلايا العصبية الميتة. ومع وجود الكثير من العقول البارعة التي تعمل على إيجاد علاج، نأمل أن يكون هناك طريقة لمساعدة هؤلاء المرضى في القريب العاجل.
مسرد للمصطلحات
العصبونات أو الخلايا العصبية (Neurons): ↑ هي الخلايا التي تشكل المخ وتتواصل مع بعضها البعض كي نتمكن من الحديث والتفكير والحركة والقيام بكل الأفعال الأخرى.
الأمراض التنكسية العصبية (Neurodegenerative Diseases): ↑ هي الأمراض التي تصيب المخ فتؤدي إلى موت الخلايا العصبية وتقلص المخ.
مرض باركنسون أو الشلل الرعاش (Parkinson’s Disease): ↑ هو أحد الأمراض التنكسية العصبية التي ترتبط أعراضه الرئيسية بمشكلات في الحركة جراء موت الخلايا العصبية في المادة السوداء.
المادة السوداء (Substantia Nigra): ↑ منطقة في المخ تتواصل مع العقد القاعدية كي نتمكن من الحركة.
العقد القاعدية (Basal Ganglia): ↑ مجموعة من الخلايا العصبية التي تشكل منطقة المخ الرئيسية التي يحتاجها الجسم للتحكم في الحركة.
داء هنتنجتون (Huntington’s Disease): ↑ هو أحد الأمراض التنكسية العصبية الوراثية التي يمكن أن تنتقل من الأبوين إلى الأطفال، وهو يصيب العقد القاعدية مسببًا مشكلات كبيرة في الحركة.
وراثي (Genetic): ↑ أي يمكن أن ينتقل من الأبوين إلى الطفل.
مرض ألزهايمر وداء جسيمات ليوي (Alzheimer’s Disease and Lewy Body Dementia): ↑ مرضان يندرجان تحت قائمة الأمراض التنكسية العصبية، ويسببان مشكلات في الذاكرة.
الخلايا الجذعية (Stem Cells): ↑ هي الخلايا غير الناضجة التي يمكن أن تتحول إلى أي نوع من أنواع الخلايا في الجسم، بما في ذلك الخلايا العصبية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Bak, T. H., and Chandran, S. 2012. What wires together dies together: verbs, actions and neurodegeneration in motor neuron disease. Cortex 48:936–44. doi: 10.1016/j.cortex.2011.07.008
[2] ↑ Finkbeiner, S. 2011. Huntington’s disease. Cold Spring Harb. Perspect. in Biol. 3:1–24. doi: 10.1101/cshperspect.a007476
[3] ↑ Kalia, L. V., and Lang, A. E. 2015. Parkinson’s disease. Lancet 386:896–912. doi: 10.1016/S0140-6736(14)61393-3
[4] ↑ Holmes, C., and Amin, J. 2016. Dementia. Medicine (Baltimore) 44:687–90. doi: 10.1016/j.mpmed.2016.08.006
[5] ↑ Jaiswal, M. 2017. Therapeutic opportunities and challenges of induced pluripotent stem cells-derived motor neurons for treatment of amyotrophic lateral sclerosis and motor neuron disease. Neural. Regen. Res. 12:723–36. doi: 10.4103/1673-5374.206635