ملخص
البكتيريا عبارة عن كائنات حية صغيرة تحب الالتصاق بالأسطح. أغلب البكتيريا غير ضارة، ولكن إذا دخلت البكتيريا الضارة إلى جسم الإنسان في الأماكن التي لا تنتمي إليها، فيمكنها أن تسبب عدوى. تُصيب العدوى جسم الإنسان بالإعياء الشديد. يمكن علاج معظم حالات العدوى التي تحدث نتيجة للبكتيريا بالمضادات الحيوية، ولكن ليس أنواع العدوى التي تسببها الأغشية الحيوية! والأغشية الحيوية هي عبارة عن مجموعات من البكتيريا تعيش معًا وتكون مغطاة بطبقة لزجة واقية، ومعظم المضادات الحيوية غير فعالة ضدها. وهنا، سنشرح كيف تحمي الأغشية الحيوية البكتيريا من المضادات الحيوية، وما الذي يمكننا فعله لمحاربة حالات العدوى طويلة المدى هذه.
البكتيريا موجودة في كل مكان!
نحن محاطون بكائنات حية صغيرة جدًا، لا يمكننا أن نراها بأعيننا المجردة. وهذه الكائنات الحية الدقيقة تُسمى البكتيريا، وهي موجودة تقريبًا على كل سطح يمكن أن يخطر على بالك، بما في ذلك جسمك! فالبكتيريا تتواجد على لوحة المفاتيح وعلى وسادتك وفي التربة وفي مياه الصنبور! وكذلك في أمعائك، حيث توجد مليارات البكتيريا التي تساعد على تكسير الطعام الذي تتناوله وهضمه. وفي البحيرات والأنهار والمحيطات، تستخدم البكتيريا الطاقة المستمدة من ضوء الشمس لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين من أجلنا حتى نتنفس. ومن الجدير بالذكر أن معظم البكتيريا التي تعيش داخلنا وعلينا وحولنا ليست خطيرة. لكن توجد بعض الأنواع من البكتيريا التي يمكن أن تتسبب في إصابتنا بالمرض الشديد.
ما المقصود بالعدوى؟
إذا تمكنت من النظر إلى سطح جلدك باستخدام المجهر، فستجد نوعًا من البكتيريا يُسمى المكورات العنقودية. هذه البكتيريا مستديرة مثل كرة السلة (لكنها أصغر بأربعة ملايين مرة!) وتحب أن تلتصق ببعضها البعض على هيئة كتل (الشكل 1). توجد المكورات العنقودية على جلد جميع البشر (إنها توجد عليك الآن!)، ويعمل الكثير منها كحراس يساعدون على إبعاد البكتيريا الضارة التي يمكن أن تسبب لنا المرض. ولكن في بعض الأحيان، حتى هذه البكتيريا العنقودية المفيدة يمكن أن تصبح مشكلة. فعندما تدخل البكتيريا، بما في ذلك المكورات العنقودية، إلى جسم الإنسان في أماكن لا تنتمي إليها، فإنها يمكن أن تسبب عدوى، مما يعني أن البكتيريا أصبحت ضارة بالجسم. وتتمثل أعراض الإصابة بالعدوى في الألم والاحمرار والتورم والحمى والأوجاع وفي أسوأ الحالات الوفاة.
إذن كيف تدخل البكتيريا إلى الجسم؟ يمكن أن تدخل البكتيريا الجسم من خلال الجروح البسيطة التي تصيب الجلد مثل خدش الركبة أو جرح الإصبع، أو عندما يتم فتح جسم شخص أثناء إجراء عملية جراحية في المستشفى. ففي بعض الأحيان، يُدخل الناس أجزاء جديدة في أجسادهم من خلال العمليات الجراحية، مثل صمام جديد في القلب، أو مسمار معدني لتثبيت العظام المكسورة معًا. وتُسمى هذه الأجزاء الجديدة بالأجهزة الطبية المزروعة. فإذا دخلت البكتيريا مع هذه الأجزاء الجديدة، فيمكنها أن تنمو وتتكاثر داخل الجسم. وتُعد بكتيريا المكورات العنقودية هي السبب الأكثر شيوعًا لحالات العدوى على الأجهزة الطبية المزروعة، ولكن يمكن أن تشارك أنواع أخرى من البكتيريا أيضًا، مثل المكورة العقدية (Streptococcus)، أو المكورة المعوية (Enterococcus) أو الإشريكية القولونية (Escherichia coli). ويمكن أن تصيب العدوى الدم أو العظام أو الأنسجة الرخوة مثل القلب أو الجلد [1]. تعتبر حالات العدوى شائعة للغاية في الأجهزة الطبية المزروعة لأن الجزء المزروع يصبح محاطًا بسوائل من أجسامنا، والتي يمكن أن تلتهمها البكتيريا، لكن الجهاز الطبي المزروع لا يحتوي على نظام مناعي خاص به ليحمي نفسه. وفي كثير من الأحيان، يمكن لأجسامنا مقاومة العدوى بمفردها، أو قد يصف الطبيب دواءً خاصًا مضاد للبكتيريا يُسمى مضادًا حيويًا للمساعدة في القضاء على العدوى. لكن في بعض الأحيان، حتى المضادات الحيوية لا تكون فعالة! وقد يبدو أن العدوى تتحسن، ثم تتفاقم مرة أخرى، وتستمر لأسابيع أو حتى لشهور أو سنوات. ويُسمى هذا النوع من العدوى طويلة المدى بالعدوى المزمنة، ويمكن أن تحدث بسبب غشاء حيوي بكتيري.
ما المقصود بالغشاء الحيوي؟
أحيانًا تسبح البكتيريا أو تطفو بحريّة في السوائل - في ماء الصنبور، أو في العصير المتروك على المنضدة، أو حتى في دم الإنسان إذا كان مصابًا بعدوى في الدم. حيث تسمح السباحة للبكتيريا بالتحرك للعثور على الطعام، أو الابتعاد عن الأشياء التي لا تحبها، مثل ضوء الشمس الساطع، أو خلايا جسم الإنسان التي تريد التهام البكتيريا. لكن أغلب البكتيريا تفضل الجلوس بلا حراك بدلاً من السباحة. فلا يزال الجلوس يستهلك طاقة أقل، ويمكن للبكتيريا المتواجدة في المكان الصحيح الانتظار حتى يصل الطعام إليها. فالجلوس يعتبر الخطوة الأولى في صنع غشاء حيوي بكتيري (الشكل 2). وقد ينضم إلى أول بكتيريا استقرت في مكانها المزيد من البكتيريا، أو ربما تتكاثر وتنتج المزيد من البكتيريا التي تصبح نسخًا منها. وعندما يتجمع المزيد والمزيد من البكتيريا، فإنها تبدأ في صنع مواد لزجة تُسمى المواد البوليمرية خارج الخلية، والتي تغطي نفسها بها. ويُسمى هذا المجتمع اللزج من البكتيريا غشاءً حيويًا. تعيش البكتيريا الموجودة في الغشاء الحيوي بسعادة وهي تلتهم أي طعام يأتي إليها ويمكن أن تتواصل مع بعضها البعض عن طريق إطلاق جزيئات خاصة. الأغشية الحيوية شائعة جدًا [2]. فالمادة اللزجة الكريهة التي توجد في بالوعة الحمام عبارة عن غشاء حيوي. والرغوة التي تغطي الصخور في النهر هي غشاء حيوي. هل تعرف إحساسك عندما تكون أسنانك متسخة ولزجة عندما لا تقوم بتنظيفها لفترة؟ هذا عبارة عن غشاء حيوي على أسنانك! فالأغشية الحيوية تتكون على أي سطح مبلل وبه طعام تقتات عليه البكتيريا.
الأغشية الحيوية تحمي البكتيريا من هجمات الجهاز المناعي
يصنع جسم الإنسان خلايا خاصة تجد البكتيريا وتدمرها. وهذه الخلايا الخاصة، بالإضافة إلى المضادات الحيوية التي يصفها الطبيب لمكافحة العدوى، جيدة جدًا في محاربة البكتيريا التي تسبح داخل جسمك. فإذا تعرضت هذه البكتيريا لمضاد حيوي لفترة كافية، فستموت البكتيريا، وستتعافى من العدوى. ومن ناحية أخرى، لا يمكن قتل البكتيريا التي تعيش في الأغشية الحيوية بالمضادات الحيوية. تخيل مجموعة من البكتيريا تعيش على المسمار المعدني المزروع في عظمة ساق أحد الأشخاص. هذه البكتيريا تكون بأمان داخل الغشاء الحيوي الوقائي. وعندما يأتي المضاد الحيوي نحوها، يُحتجز في المواد البوليمرية اللزجة خارج الخلية، ولا يصل حتى إلى البكتيريا! قد يقتل المضاد الحيوي بعض البكتيريا الموجودة على السطح الخارجي للغشاء الحيوي، لكن البكتيريا الموجودة داخل الأغشية الحيوية تكون بأمان. إن البكتيريا الموجودة داخل الأغشية الحيوية ليست كلها متماثلة تمامًا، حتى لو كانت جميعها نسخًا من أول بكتيريا استقرت داخل الأغشية. ولكن عندما تتجمع البكتيريا معًا، فإنها تتواصل مع بعضها البعض حول الوقت الذي يجب أن تبدأ فيه في مهاجمة جسم الشخص، وتقوم بأدوار مختلفة اعتمادًا على مكان وجودها داخل الغشاء الحيوي. قد تكون البكتيريا الموجودة في الجزء السفلي من الغشاء الحيوي في حالة خمول أو “نوم”، مما يجعلها مقاومة لبعض أنواع المضادات الحيوية. وهذا يعني أنه حتى لو دخل المضاد الحيوي داخل الغشاء الحيوي، فإنه لن يقتل كل البكتيريا. في الواقع، لقتل جميع البكتيريا في تجمع الغشاء الحيوي يجب استخدام مضادات حيوية بكمية تساوي 1000 مرة الكمية المطلوبة لقتل البكتيريا أثناء السباحة بمفردها في مجرى الدم [3]. وستكون هذه الكمية من المضاد الحيوي كبيرة جدًا لدرجة أنها ستقتل المريض مع العدوى البكتيرية! إذن، إذا لم تنجح المضادات الحيوية، ماذا يمكننا أن نفعل حيال حالات العدوى المزمنة؟
كيف نعالج العدوى المزمنة؟
أفضل طريقة للتخلص من الغشاء الحيوي هي فركه وتنظيف الجسم منه. وهذا هو السبب وراء أننا نحب تنظيف أسناننا كثيرًا! ولكن لسوء الحظ، إذا كان الغشاء الحيوي موجودًا على جهاز طبي مزروع، فإنه ليس من السهل الوصول إليه داخل جسم الشخص لإزالة الغشاء الحيوي من خلال فركه. لذا غالبًا ما يتطلب علاج العدوى المزمنة إجراء عملية جراحية أخرى، كي نتمكن من إزالة الجزء المصاب واستبداله بآخر جديد. لكن إجراء العمليات الجراحية دائمًا ما يعرضك لخطر الإصابة بعدوى جديدة، والجراحة في حد ذاتها ليست أمرًا هينًا بالنسبة للشخص الذي يخضع لها. ولهذا السبب يبحث العلماء عن طرق جديدة للتصدي لحالات العدوى المزمنة. إحدى طرق محاربة الأغشية الحيوية التي لا يمكن إزالتها من الجسم تتمثل في استهداف المادة الثخينة اللزجة التي تجمع البكتيريا معًا. فبعض أنواع الأدوية تدمر هذه المادة اللزجة وتعرض البكتيريا للعلاج بالمضادات الحيوية مجددًا [4]. على سبيل المثال، يعاني الأشخاص المصابون بمرض يُعرف باسم التليف الكيسي من عدوى مزمنة في الرئتين. وجزء من علاج التليف الكيسي هو استنشاق دواء يستهدف المواد اللزجة التي تجمع الأغشية الحيوية معًا. وهذا العلاج إلى جانب المضادات الحيوية، يمكن أن يجعل مرضى التليف الكيسي يتنفسون بسهولة أكثر، لكنه ليس علاجًا دائمًا، لأنه لا يزيل الغشاء الحيوي تمامًا. ويعتقد بعض العلماء أننا قد نمتلك في المستقبل دواءً لعلاج حالات العدوى المزمنة. حيث يعمل هؤلاء العلماء على اكتشاف الأمر الذي يجعل بكتيريا الأغشية الحيوية فريدة من نوعها، بحيث يمكن استخدام هذا العامل الفريد باعتباره هدفًا لدواء جديد مضاد للأغشية الحيوية.
مسرد للمصطلحات
البكتيريا (Bacteria): ↑ كائنات حية صغيرة جدًا لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وتسمى أحيانًا "الجراثيم".
المكورات العنقودية (Staphylococci): ↑ نوع من البكتيريا التي تعيش على جلدنا.
العدوى (Infection): ↑ بكتيريا لا تنتمي إلى جسم الإنسان، تعيش فيه وتنمو داخله.
الجهاز الطبي المزروع (Implanted medical device): ↑ هو عضو صناعي للجسم تتم زراعته في الجسم من خلال عملية جراحية، كي يقوم بدور العضو الذي لم يعد يعمل جيدًا.
المضاد الحيوي (Antibiotic): ↑ دواء مضاد للبكتيريا.
العدوى المزمنة (Chronic infection): ↑ عدوى تستمر لفترة طويلة ولا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية.
الغشاء الحيوي (Biofilm): ↑ مجتمع من الخلايا البكتيرية تحميها مادة ثخينة لزجة.
المواد البوليمرية خارج الخلية (Extracellular polymeric substances): ↑ جزيئات طويلة تتألف من سكريات ودهون وحمض نووي أو من أحد هذه المواد، تستخدمها بكتيريا الأغشية الحيوية لتغليف نفسها.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ von Eiff, C., Jansen, B., Kohnen, W., and Becker, K. 2005. Infections associated with medical devices pathogenesis, management and prophylaxis. Drugs 65(2):179–214. doi: 10.2165/00003495-200565020-00003
[2] ↑ Hall-Stoodley, L., Costerton, J. W., and Stoodley, P. 2004. Bacterial biofilms: from the natural environment to infectious diseases. Nat. Rev. Microbiol. 2(2):95–108. doi: 10.1038/nrmicro821
[3] ↑ Stewart, P. S., and Costerton, J. W. 2001. Antibiotic resistance of bacteria in biofilms. Lancet 358(9276):135–8. doi: 10.1016/S0140-6736(01)05321-1
[4] ↑ Okshevsky, M., Regina, V. R., and Meyer, R. L. 2015. Extracellular DNA as a target for biofilm control. Curr. Opin. Biotechnol. 33:73–80. doi: 10.1016/j.copbio.2014.12.002