مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 12 مايو 2023

المخ القارئ: كيف تقرأ أدمغتنا اللغة؟

ملخص

هل تستمتع بقراءة الكتب؟ القراءة من الأنشطة التي تميّز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، ولكن تاريخ بداية ممارستها ليس بالطويل للغاية. يتحدث البشر مع بعضهم باستخدام نظام لغوي ذي قواعد نحوية منذ 100,000 سنة على الأقل، ولكننا نقرأ ونكتب منذ بضعة آلاف السنين. ما الذي يجري في الدماغ عند القراءة؟ يضم الدماغ منطقة متخصصة في التعرّف على شكل الكلمات المكتوبة. وتعمل هذه المنطقة بشكل وثيق مع أجزاء أخرى من الدماغ تساعدنا في فهم الكلمات وفي التحدث. النقطة الأهم هنا أنه أثناء تعلم القراءة، ستتدرب هذه المنطقة على التعرف على أشكال الكلمات المستخدمة في أي لغة نتعرض لها.

هل تستمتع بقراءة الكتب؟ القراءة من الأنشطة التي تميّز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، ولكن تاريخ بداية ممارستها ليس بالطويل للغاية. يمارس الناس التواصل الشفوي باستخدام نظام لغوي ذي قواعد نحوية منذ 100,000 سنة على الأقل. وقد بدأت البشرية في صناعة الأدوات منذ فترة أطول، حيث يرجع تاريخ أول أدوات حجرية إلى مليوني ونصف مليون سنة تقريبًا [1]، ولكن تاريخ بداية ممارسة البشر للقراءة والكتابة يرجع إلى بضعة آلاف السنين فقط.

بدأت الكتابة في جنوب بلاد ما بين النهرين أو العراق حسب الاسم المتعارف اليوم، وهذا على يد البابليين قبل 5,400 سنة تقريبًا (الشكلان 1 و 2) [2]. في هذا الوقت، كان عدد الناس القادرين على القراءة والكتابة قليلاً للغاية. وفي الوقت الحالي، يتم تدريس هاتين المهارتين في المدارس، ويتاح للكثير منا تعلمهما. ولكن ما زال الكثير من الناس حول العالم، أطفال وبالغين على حد سواء، ممن لم تتاح لهم مطلقًا فرصة تعلم القراءة والكتابة. وعدم معرفة القراءة أو الكتابة اسمها الأمية. واليوم، هناك شخص واحد بين كل 10 أشخاص في العالم لا يمكنه القراءة أو الكتابة، أي أن عدد الأشخاص الأميين 800 مليون تقريبًا.

شكل 1 - تطور اللغة على مدار الزمن تُعد القراءة والكتابة قدرتين جديدتين نسبيًا للجنس البشري، وعلى الرغم من أننا نستخدم الأدوات منذ أ كثر من مليوني ونصف مليون سنة، فقد بدأ التواصل بين البشر منذ قرابة نصف مليون سنة فقط.
  • شكل 1 - تطور اللغة على مدار الزمن تُعد القراءة والكتابة قدرتين جديدتين نسبيًا للجنس البشري، وعلى الرغم من أننا نستخدم الأدوات منذ أ كثر من مليوني ونصف مليون سنة، فقد بدأ التواصل بين البشر منذ قرابة نصف مليون سنة فقط.
  • كما أن استخدام اللغات النظامية التي تتبع قواعد نحوية ونستعملها للتحدث مع بعضنا، بدأ منذ حوالي مئة ألف سنة فقط، بينما بدأت ممارسة القراءة والكتابة منذ بضعة آلاف السنين فقط.
شكل 2 - (A) لوح مسماري سومري يرجع تاريخه تقريبًا إلى 3100-2900 قبل الميلاد.
  • شكل 2 - (A) لوح مسماري سومري يرجع تاريخه تقريبًا إلى 3100-2900 قبل الميلاد.
  • نشأت الكتابة والقراءة قبل قرابة 5,400 سنة في بلاد ما بين النهرين (العراق حسب الاسم المتعارف اليوم) التي يعود إليها هذا اللوح الطيني. واستُخدمت الكتابة في البداية لتسجيل وحفظ المعلومات ذات الصلة بتجارة السلع. رُسمت العلامات باستخدام قصبة كأداة كتابة على ألواح تشبه الوسادة ولا يتجاوز عرضها بضع بوصات. تركت القصبة علامات صغيرة في الطين، وهذا ما نسميه الكتابة المسمارية أو الإسفينية. وهذا اللوح يوثق في الغالب الحبوب التي يوزعها معبد كبير. يظهر هنا رجل يجرّ كلبين من خلال رسن ويصطاد أو يرعى خنازير في بيئة مستنقعات (مرجع الصورة: متحف المتروبوليتان للفنون Purchase, Raymond and Beverly Sackler Gift, 1988, www.metmuseum.org. http://metmuseum.org/Collections/search-the-collections/329081). (B) كرة أرضية توضح الموقع التقريبي لبلاد ما بين النهرين في البلد المعروف الآن باسم العراق. تم اقتباس الصورة (مع إجراء تعديلات عليها) من جوجل إيرث https://www.google.com/earth/.

ما الذي يجري في الدماغ عند تعلم القراءة؟

صندوق الكلمات في الدماغ

مهمة ثلث الدماغ تقريبًا هو تحليل الأشياء التي نراها. وهذا الجزء في الدماغ يُعرف أيضًا باسم مركز الإبصار ويوجد في القشرة المخية، أي الطبقة السطحية المجعدة في الدماغ. تقع مناطق مركز الإبصار في القشرة المخية القذالية (تظهر باللون الأحمر في شكل 3)، وأجزاء من القشرة الصدغية (تظهر باللون الأصفر) والقشرة الجدارية (تظهر باللون الأخضر).

شكل 3 - صندوق الكلمات في الدماغ في الجزء العلوي من الصورة، يظهر النصف الأيسر من الدماغ في مشهد جانبي، بينما يعرض الجزء السفلي من الصورة نفس النصف الأيسر، ولكن من مشهد سفلي.
  • شكل 3 - صندوق الكلمات في الدماغ في الجزء العلوي من الصورة، يظهر النصف الأيسر من الدماغ في مشهد جانبي، بينما يعرض الجزء السفلي من الصورة نفس النصف الأيسر، ولكن من مشهد سفلي.
  • تنقسم القشرة المخية (الطبقة السطحية المجعدة) للدماغ البشري إلى أربعة أجزاء: القشرة القذالية (تظهر باللون الأحمر) والقشرة الصدغية (تظهر باللون الأصفر) والقشرة الجدارية (تظهر باللون الأخضر) والقشرة الجبهية (تظهر باللون الأزرق). يتم تحليل الأشياء التي نراها في مركز الإبصار الواقع في القشرة القذالية (يشار إليها برمز العين) وفي أجزاء من القشرة الصدغية والجدارية. يتضمن الدماغ البشري مناطق متخصصة في المعلومات اللغوية. وتتم معالجة الكلمات التي نقولها أو نفهمها في المناطق التي تظهر فيها أشكال بيضاوية برتقالية. أما الشكل البيضاوي الأرجواني فيشير إلى صندوق الكلمات أو منطقة شكل الكلمة المرئية، والتي تُستخدم للتعرف على أشكال الكلمات التي ننظر إليها. ولا يمكن رؤية هذه المنطقة إلا عند النظر إلى الدماغ من الأسفل. على الجانب الآخر، يشير الشكل البيضاوي الأرجواني المكوّن من شَرطات إلى مكان هذه المنطقة لو أمكن النظر إليها من الجانب. يقوم صندوق الكلمات بدور المترجم بين مركز الإبصار ومناطق اللغة.

تساعدنا الأجزاء الأخرى من الدماغ على فهم اللغة وإنتاجها (أي التحدث). ومعظم هذه الأجزاء تقع في النصف الأيسر من الدماغ. توجد المناطق المسؤولة عن فهم اللغة في القشرة الصدغية اليسرى، بينما توجد المناطق المعنية بإنتاج اللغة في القشرة الجبهية اليسرى (شكل 3). تلعب مراكز الإبصار ومناطق اللغة دورًا في عملية القراءة: فمركز الإبصار يعاين شكل الكلمات ومناطق اللغة تخبرنا بمعناها. ويتولى جزء ثالث من الدماغ بالربط بين مراكز الإبصار ومناطق اللغة. سنسمى هذه المنطقة صندوق الكلمات، ولكنها تُعرف أيضًا باسم منطقة شكل الكلمة المرئية (شكل 3) [3].

تترجم منطقة الدماغ هذه معلومات الأشكال المرئية (كيف تبدو الكلمات، أي سلسلة من الرموز المستديرة مع خطوط مستقيمة) إلى معلومات لها معنى يمكن لمناطق اللغة فهمها واستخدامها بعد ذلك. في الأساس، صندوق الكلمات عبارة عن منطقة في الدماغ متخصصة في التعرّف على شكل الكلمات المكتوبة.

هل نولد بصندوق الكلمات في دماغنا أم ينمو لدينا فقط بعد تعلم كيفية القراءة؟ وهل يوجد صندوق الكلمات هذا لدى الأميين (أي العاجزين عن القراءة)؟

كيف يتكون صندوق الكلمات في الدماغ؟

كيف يتطور صندوق الكلمات في الدماغ؟ قبل أن تتعلم القراءة، لم تكن تعرف أن الكلمات والحروف رموز صوتية، بل كان دماغك يراها كأشكال متعرجة فحسب. فحرف O في اللغة الإنجليزية له شكل دائري، تمامًا مثل البرتقالة أو كرة السلة. ويتم تخزين أي نوع من الأشكال في منطقة بالدماغ اسمها قشرة تخزين الأشياء وهي جزء من القشرة الصدغية في مركز الإبصار (شكل 4A). وتحدد هذه المنطقة إذا كان الشكل حرف O أم برتقالة أم كرة سلة حتى لو كانت كلها أشكالاً دائرية. من خلال قشرة تخزين الأشياء، نحصل أيضًا على معلومات حول الهدف والمعنى الخاصين بأشياء مختلفة في العالم، مثلاً أن البرتقالة للأكل، بخلاف الحرف أو كرة السلة.

شكل 4 - (A) قشرة تخزين الأشياء (الشكل البيضاوي الأخضر)، التي تقع بالقرب من صندوق الكلمات (الشكل البيضاوي الأرجواني)، تساعدنا في التعرف على الأشياء.
  • شكل 4 - (A) قشرة تخزين الأشياء (الشكل البيضاوي الأخضر)، التي تقع بالقرب من صندوق الكلمات (الشكل البيضاوي الأرجواني)، تساعدنا في التعرف على الأشياء.
  • على سبيل المثال، يمكنها التمييز بين حرف مدور والأشياء التي لها شكل مشابه، مثل برتقالة أو كرة سلة. (B) تحمل سلاسل الحروف معانٍ مختلفة حسب الترتيب حتى على الرغم من أنها تبدو بالشكل نفسه. على سبيل المثال، تتحول كلمة ''زوج'' إلى ''جوز'' لو عكسنا الحروف، أو تصبح كلمة ''مبين'' ''منيب'' لو بدّلنا ترتيب حرفي الباء والنون. على الجانب الآخر، يمكننا التعرف على شبكة كرة السلة عند النظر إليها من الأمام أو عند الوقوف تحتها حتى مع الاختلاف الكبير في شكلها في الحالتين. (C) تتعرف قشرة تخزين الأشياء على الأشكال أو الأشياء (مثل لوح كرة السلة) بصرف النظر عن الموضع الذي نراها منه. من ناحية أخرى، يمكن لصندوق الكلمات التمييز بين الأشكال نفسها (أي حروف في هذه الحالة) التي تكوّن كلمات مختلفة بترتيبات مختلفة.

وبفضل هذه القشرة، يمكننا أيضًا التعرف على مختلف الأشكال والأشياء بغض النظر عن الموضع الذي نراها منه. على سبيل المثال، يمكننا التعرف على شبكة كرة السلة من بعيد عندما ندخل صالة الألعاب الرياضية أو من قريب عند الوقوف مباشرةً تحت الشّبكة. وحتى لو قُلِبت الشّبكة رأسًا على عقب، سيظل بإمكاننا التعرف عليها (شكل 4B). فقشرة تخزين الأشياء تحدد بأنها نفس الشّبكة في كل الأوقات.

على الجانب الآخر، فكّر في حرف d. إذا عكسنا الشكل نفسه، يصبح حرف b، أما إذا قُلب رأسًا على عقب، فسيصبح حرف q. في كل هذه الحالات، يظل الشكل كما هو، ولكن بعد أن نتعلم حروف الأبجدية الإنجليزية، يتغير معنى الحرف واستخدامه. يجب أن يكون مركز الإبصار دقيقًا للغاية في تحديد أن حرف d هو d، وليس b أو q.

عندما نبدأ تعلم القراءة، يتطور صندوق الكلمات بفضل قشرة تخزين الأشياء، ويظل بإمكانه التعرف على الأشكال نفسها من كل مواضع الرؤية، معنى هذا أنه يمكنك الكتابة بشكل عكسي ويمكنك القراءة من أعلى إلى أسفل وهكذا (شكل 5). بمرور الوقت، يتعلم صندوق الكلمات أن ترتيب الحروف مهم لأنه يحدد الكلمات، على سبيل المثال تدل الكلمتان ''زوج'' و''جوز'' على معنيين مختلفين (شكل 4B). ولهذا من المهم دائمًا قراءة اللغة العربية من اليمين إلى اليسار وليس من اليسار إلى اليمين.

شكل 5 - مثال على نص مكتوب بخط اليد بشكل عكسي يمكنك هنا الاطلاع على خط اليد لطفل عمره 5 سنوات، وقد كتب بعض الحروف من الأمام للخلف، وبعضها من الخلف للأمام.
  • شكل 5 - مثال على نص مكتوب بخط اليد بشكل عكسي يمكنك هنا الاطلاع على خط اليد لطفل عمره 5 سنوات، وقد كتب بعض الحروف من الأمام للخلف، وبعضها من الخلف للأمام.

يتعلم صندوق الكلمات الشكل المعتاد للكلمات ويبدأ في اتباع القواعد المتوافقة مع لغة معينة، كمثال القراءة من اليمين إلى اليسار. وصندوق الكلمات عبارة عن منطقة في الدماغ تتطور أثناء تعلم القراءة، ويتم تدريبها على التعرف على الأشكال التي تشبه كلمات.

ويتعرف على الحروف والأشكال بدقة حسبما تظهر وبالتسلسل الذي تظهر به مع الحروف الأخرى (شكل 4C) [4]. في حين أن قشرة تخزين الأشياء ستحدد أن حروف p وq وb وd لها الشكل نفسه (دائرة متصلة بخط مستقيم)، سيميز صندوق الكلمات بين هذه الحروف الأربعة المختلفة.

لذا إذا كان لك باع طويل في قراءة اللغة العربية، فسينشط صندوق الكلمات لديك أثناء قراءة هذا المقال.

ماذا لو كان هذا النص مكتوبًا باللغة الصينية ولم يكن بإمكانك قراءته؟

تحدد اللغة التي تقرأها شكل صندوق الكلمات

يكون صندوق الكلمات في أعلى مستوى نشاط له عند النظر إلى كلمات مكتوبة بحروف أ كثر لغة تألفها. ويقع في نفس جزء الدماغ بالنسبة لمختلف الثقافات واللغات. لذا عندما يقرأ شخص صيني باللغة الصينية ويقرأ شخص إنجليزي باللغة الإنجليزية، سيكون نفس جزء الدماغ نشطًا، أي صندوق الكلمات (شكل 6). وفي الواقع، حتى بالنسبة للشخص الذي يولد كفيفًا ويتعلم كيفية القراءة من خلال اللمس (أي طريقة برايل)، يكون صندوق الكلمات في نفس جزء الدماغ، تمامًا مثل المبصرين.

شكل 6 - تدريب صندوق الكلمات عن طريق القراءة.
  • شكل 6 - تدريب صندوق الكلمات عن طريق القراءة.
  • يتشكل صندوق الكلمات في نفس المنطقة من الدماغ لدى جميع البشر في جميع أرجاء العالم، بغض النظر عن اللغة التي يتعلمها الشخص. بمجرد أن يتعلم الشخص القراءة والكتابة، يتشكل صندوق الكلمات من خلال الخبرة في قراءة الكلمات بلغة معينة، تمامًا كما تتشكل عضلات ذراعك كلما زادت الأوزان.

يتطور الدماغ من خلال التجارب التي نقوم بها طوال حياتنا. وهناك جزء في الدماغ (صندوق الكلمات) مستعد للتعرف على أشكال الكلمات، وعندما نتعلم القراءة، سيكون هذا الجزء مدربًا على التعرف على أشكال الكلمات في أي لغة نستخدمها في تدريبه [5].

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Zimmer, C. 2005. Smithsonian Intimate Guide to Human Origins. Toronto, ON: Madison Press Books.

[2] Dehaene, S. 2009. Reading in the Brain. New York. NY: Penguin Viking.

[3] Cohen, L., Lehéricy, S., Chochon, F., Lemer, C., Rivaud, S., and Dehaene, S. 2002. Language-specific tuning of visual cortex? Functional properties of the visual word form area. Brain 125:1054–69. doi: 10.1093/brain/awf094

[4] Dehaene, S., Pegado, F., Braga, L. W., Ventura, P., Nunes Filho, G., and Jobert, A. 2010. How learning to read changes the cortical networks for vision and language. Science 330:1359–64. doi: 10.1126/science.1194140

[5] Dehaene, S. and Cohen, L. 2007. Cultural recycling of cortical maps. Neuron 56:384–98. doi: 10.1016/j.neuron.2007.10.004