ملخص
هل تستمتع بقراءة الكتب؟ القراءة من الأنشطة التي تميّز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، ولكن تاريخ بداية ممارستها ليس بالطويل للغاية. يتحدث البشر مع بعضهم باستخدام نظام لغوي ذي قواعد نحوية منذ 100,000 سنة على الأقل، ولكننا نقرأ ونكتب منذ بضعة آلاف السنين. ما الذي يجري في الدماغ عند القراءة؟ يضم الدماغ منطقة متخصصة في التعرّف على شكل الكلمات المكتوبة. وتعمل هذه المنطقة بشكل وثيق مع أجزاء أخرى من الدماغ تساعدنا في فهم الكلمات وفي التحدث. النقطة الأهم هنا أنه أثناء تعلم القراءة، ستتدرب هذه المنطقة على التعرف على أشكال الكلمات المستخدمة في أي لغة نتعرض لها.
هل تستمتع بقراءة الكتب؟ القراءة من الأنشطة التي تميّز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، ولكن تاريخ بداية ممارستها ليس بالطويل للغاية. يمارس الناس التواصل الشفوي باستخدام نظام لغوي ذي قواعد نحوية منذ 100,000 سنة على الأقل. وقد بدأت البشرية في صناعة الأدوات منذ فترة أطول، حيث يرجع تاريخ أول أدوات حجرية إلى مليوني ونصف مليون سنة تقريبًا [1]، ولكن تاريخ بداية ممارسة البشر للقراءة والكتابة يرجع إلى بضعة آلاف السنين فقط.
بدأت الكتابة في جنوب بلاد ما بين النهرين أو العراق حسب الاسم المتعارف اليوم، وهذا على يد البابليين قبل 5,400 سنة تقريبًا (الشكلان 1 و 2) [2]. في هذا الوقت، كان عدد الناس القادرين على القراءة والكتابة قليلاً للغاية. وفي الوقت الحالي، يتم تدريس هاتين المهارتين في المدارس، ويتاح للكثير منا تعلمهما. ولكن ما زال الكثير من الناس حول العالم، أطفال وبالغين على حد سواء، ممن لم تتاح لهم مطلقًا فرصة تعلم القراءة والكتابة. وعدم معرفة القراءة أو الكتابة اسمها الأمية. واليوم، هناك شخص واحد بين كل 10 أشخاص في العالم لا يمكنه القراءة أو الكتابة، أي أن عدد الأشخاص الأميين 800 مليون تقريبًا.
ما الذي يجري في الدماغ عند تعلم القراءة؟
صندوق الكلمات في الدماغ
مهمة ثلث الدماغ تقريبًا هو تحليل الأشياء التي نراها. وهذا الجزء في الدماغ يُعرف أيضًا باسم مركز الإبصار ويوجد في القشرة المخية، أي الطبقة السطحية المجعدة في الدماغ. تقع مناطق مركز الإبصار في القشرة المخية القذالية (تظهر باللون الأحمر في شكل 3)، وأجزاء من القشرة الصدغية (تظهر باللون الأصفر) والقشرة الجدارية (تظهر باللون الأخضر).
تساعدنا الأجزاء الأخرى من الدماغ على فهم اللغة وإنتاجها (أي التحدث). ومعظم هذه الأجزاء تقع في النصف الأيسر من الدماغ. توجد المناطق المسؤولة عن فهم اللغة في القشرة الصدغية اليسرى، بينما توجد المناطق المعنية بإنتاج اللغة في القشرة الجبهية اليسرى (شكل 3). تلعب مراكز الإبصار ومناطق اللغة دورًا في عملية القراءة: فمركز الإبصار يعاين شكل الكلمات ومناطق اللغة تخبرنا بمعناها. ويتولى جزء ثالث من الدماغ بالربط بين مراكز الإبصار ومناطق اللغة. سنسمى هذه المنطقة صندوق الكلمات، ولكنها تُعرف أيضًا باسم منطقة شكل الكلمة المرئية (شكل 3) [3].
تترجم منطقة الدماغ هذه معلومات الأشكال المرئية (كيف تبدو الكلمات، أي سلسلة من الرموز المستديرة مع خطوط مستقيمة) إلى معلومات لها معنى يمكن لمناطق اللغة فهمها واستخدامها بعد ذلك. في الأساس، صندوق الكلمات عبارة عن منطقة في الدماغ متخصصة في التعرّف على شكل الكلمات المكتوبة.
هل نولد بصندوق الكلمات في دماغنا أم ينمو لدينا فقط بعد تعلم كيفية القراءة؟ وهل يوجد صندوق الكلمات هذا لدى الأميين (أي العاجزين عن القراءة)؟
كيف يتكون صندوق الكلمات في الدماغ؟
كيف يتطور صندوق الكلمات في الدماغ؟ قبل أن تتعلم القراءة، لم تكن تعرف أن الكلمات والحروف رموز صوتية، بل كان دماغك يراها كأشكال متعرجة فحسب. فحرف O في اللغة الإنجليزية له شكل دائري، تمامًا مثل البرتقالة أو كرة السلة. ويتم تخزين أي نوع من الأشكال في منطقة بالدماغ اسمها قشرة تخزين الأشياء وهي جزء من القشرة الصدغية في مركز الإبصار (شكل 4A). وتحدد هذه المنطقة إذا كان الشكل حرف O أم برتقالة أم كرة سلة حتى لو كانت كلها أشكالاً دائرية. من خلال قشرة تخزين الأشياء، نحصل أيضًا على معلومات حول الهدف والمعنى الخاصين بأشياء مختلفة في العالم، مثلاً أن البرتقالة للأكل، بخلاف الحرف أو كرة السلة.
وبفضل هذه القشرة، يمكننا أيضًا التعرف على مختلف الأشكال والأشياء بغض النظر عن الموضع الذي نراها منه. على سبيل المثال، يمكننا التعرف على شبكة كرة السلة من بعيد عندما ندخل صالة الألعاب الرياضية أو من قريب عند الوقوف مباشرةً تحت الشّبكة. وحتى لو قُلِبت الشّبكة رأسًا على عقب، سيظل بإمكاننا التعرف عليها (شكل 4B). فقشرة تخزين الأشياء تحدد بأنها نفس الشّبكة في كل الأوقات.
على الجانب الآخر، فكّر في حرف d. إذا عكسنا الشكل نفسه، يصبح حرف b، أما إذا قُلب رأسًا على عقب، فسيصبح حرف q. في كل هذه الحالات، يظل الشكل كما هو، ولكن بعد أن نتعلم حروف الأبجدية الإنجليزية، يتغير معنى الحرف واستخدامه. يجب أن يكون مركز الإبصار دقيقًا للغاية في تحديد أن حرف d هو d، وليس b أو q.
عندما نبدأ تعلم القراءة، يتطور صندوق الكلمات بفضل قشرة تخزين الأشياء، ويظل بإمكانه التعرف على الأشكال نفسها من كل مواضع الرؤية، معنى هذا أنه يمكنك الكتابة بشكل عكسي ويمكنك القراءة من أعلى إلى أسفل وهكذا (شكل 5). بمرور الوقت، يتعلم صندوق الكلمات أن ترتيب الحروف مهم لأنه يحدد الكلمات، على سبيل المثال تدل الكلمتان ''زوج'' و''جوز'' على معنيين مختلفين (شكل 4B). ولهذا من المهم دائمًا قراءة اللغة العربية من اليمين إلى اليسار وليس من اليسار إلى اليمين.
يتعلم صندوق الكلمات الشكل المعتاد للكلمات ويبدأ في اتباع القواعد المتوافقة مع لغة معينة، كمثال القراءة من اليمين إلى اليسار. وصندوق الكلمات عبارة عن منطقة في الدماغ تتطور أثناء تعلم القراءة، ويتم تدريبها على التعرف على الأشكال التي تشبه كلمات.
ويتعرف على الحروف والأشكال بدقة حسبما تظهر وبالتسلسل الذي تظهر به مع الحروف الأخرى (شكل 4C) [4]. في حين أن قشرة تخزين الأشياء ستحدد أن حروف p وq وb وd لها الشكل نفسه (دائرة متصلة بخط مستقيم)، سيميز صندوق الكلمات بين هذه الحروف الأربعة المختلفة.
لذا إذا كان لك باع طويل في قراءة اللغة العربية، فسينشط صندوق الكلمات لديك أثناء قراءة هذا المقال.
ماذا لو كان هذا النص مكتوبًا باللغة الصينية ولم يكن بإمكانك قراءته؟
تحدد اللغة التي تقرأها شكل صندوق الكلمات
يكون صندوق الكلمات في أعلى مستوى نشاط له عند النظر إلى كلمات مكتوبة بحروف أ كثر لغة تألفها. ويقع في نفس جزء الدماغ بالنسبة لمختلف الثقافات واللغات. لذا عندما يقرأ شخص صيني باللغة الصينية ويقرأ شخص إنجليزي باللغة الإنجليزية، سيكون نفس جزء الدماغ نشطًا، أي صندوق الكلمات (شكل 6). وفي الواقع، حتى بالنسبة للشخص الذي يولد كفيفًا ويتعلم كيفية القراءة من خلال اللمس (أي طريقة برايل)، يكون صندوق الكلمات في نفس جزء الدماغ، تمامًا مثل المبصرين.
يتطور الدماغ من خلال التجارب التي نقوم بها طوال حياتنا. وهناك جزء في الدماغ (صندوق الكلمات) مستعد للتعرف على أشكال الكلمات، وعندما نتعلم القراءة، سيكون هذا الجزء مدربًا على التعرف على أشكال الكلمات في أي لغة نستخدمها في تدريبه [5].
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Zimmer, C. 2005. Smithsonian Intimate Guide to Human Origins. Toronto, ON: Madison Press Books.
[2] ↑ Dehaene, S. 2009. Reading in the Brain. New York. NY: Penguin Viking.
[3] ↑ Cohen, L., Lehéricy, S., Chochon, F., Lemer, C., Rivaud, S., and Dehaene, S. 2002. Language-specific tuning of visual cortex? Functional properties of the visual word form area. Brain 125:1054–69. doi: 10.1093/brain/awf094
[4] ↑ Dehaene, S., Pegado, F., Braga, L. W., Ventura, P., Nunes Filho, G., and Jobert, A. 2010. How learning to read changes the cortical networks for vision and language. Science 330:1359–64. doi: 10.1126/science.1194140
[5] ↑ Dehaene, S. and Cohen, L. 2007. Cultural recycling of cortical maps. Neuron 56:384–98. doi: 10.1016/j.neuron.2007.10.004