Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 22 يناير 2021

لماذا لا يمكننا استبدال عقولنا بالإنترنت؟

ملخص

يوفر الإنترنت أي معلومات يمكن أن تتخيلها، الأمر الذي دفع البعض للتساؤل عن السبب الذي من أجله يجب أن يكلفوا أنفسهم عناء التعلم أو حفظ الأشياء. لا يمكننا الاستغناء عن العقل لأنه قادر على معالجة المعلومات والتعامل معها بطريقة يعجز الإنترنت عنها، فعقولنا قادرة على معالجة المعلومات في سياق أشمل مما يساعد على ربط المفاهيم ببعضها البعض وفهم الأشياء بطريقة مختلفة. يتفوق العقل على الإنترنت في نواح عديدة منها اختيار المعلومات الصحيحة والمناسبة من الذاكرة لأداء المهمة المكلف بها بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات بسرعة لذلك لا يمكن استبدال العقل بالإنترنت ولكن يمكن توظيف الإنترنت في إثراء العقل وذلك إذا أدركت كيفية عمل كل منهما.

مقدمة

هل وجدت نفسك في المدرسة تتساءل "لماذا يجب حفظ ذلك؟" فالإنترنت يجعل الحصول على المعلومات أمرًا سهلًا للغاية كتحريك أصابعك، فلماذا علينا حفظ عواصم الولايات الخمسين في حين أنه يمكننا البحث عنها في ثانية على محرك البحث "جوجل"؟ وإذا كنت تبحث عن عاصمة ولاية أريزونا، على سبيل المثال، فستتمكن من الوصول إلى اسمها (فينيكس)، ومعرفة حقائق أخرى عنها، على سبيل المثال أنها كانت تُسمى في الأصل "مدينة اليقطين". (من الغريب أن اليقطين لم يكن يُزرع هناك، فقد كان يُزرع فقط البطيخ والذي يشبه اليقطين إلى حد ما). لذلك، ما الهدف من الحفظ؟ هل حلت أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية محل الحاجة إلى الحفظ؟

كما قولنا لا يمكن الاستغناء عن العقل فهو أشبه بصندوق الأدوات، وعلى الجانب الآخر يشبه الإنترنت متجر الأدوات، فيمكن للإنترنت توفير أي معلومات يمكن تصورها ولكن عقلك يعمل بشكل أفضل من ناحية اختيار المعلومات المناسبة من الذاكرة لأداء المهام التي تحاول القيام بها. يعتبر متجر الأدوات مليئًا بأدوات متخصصة لا تحتاج إلى استخدامها بصفة منتظمة أما صندوق الأدوات الخاص بك فيحتوي على أدوات عملية تعرف كيف تستخدمها جيدًا، وعلى الرغم من أن عملية البحث على الإنترنت سريعة فإن عقلك يمكنك من الوصول إلى المعلومات بشكل أسرع. تخيل أن عملية البحث على الإنترنت أشبه بالقيادة إلى متجر الأدوات في كل مرة تحتاج فيها إلى استخدام أداة! على الرغم من أن الإنترنت لا يمكن أن يحل محل عقلك فإنه يمكنه إثراء عقلك وذلك إذا فهمت المهام المميزة لكل منهما.

اختيار المعلومات الصحيحة

ما الذي يحدث عندما تقرأ وتصادف كلمة لا تعرف معناها؟ قد لا تحتاج دومًا إلى البحث عن معنى الكلمة وذلك لأن عقلك يستخدم السياق وما تقرأه لمعرفة معنى الكلمة غير المألوفة لك، فذلك ما يفعله عقلك حيث يستخدم كلمات أخرى أنت على دراية بمعناها ويضعها في الجملة أو الفقرة محل الكلمة غير المألوفة لك لمساعدتك على فهم معنى الكلمة الجديدة. لنفكر في الجملة التالية:

  • ذهب أحمد إلى haberdashery لشراء بدلة جديدة وانتظرته سلمى في السيارة لأنها لا تحب المتاجر التي لا تبيع ملابس السيدات.

حتى وإن لم تكن تعرف معنى كلمة "haberdashery"، فإن الجملة الأولى تشير إلى أن أحمد سيشتري بدلة جديدة، لذلك فقد تخمن (على نحو منطقي) أن كلمة "haberdashery" تعني متجر ملابس أو على الأقل مكانًا لبيع الملابس بالإضافة إلى أشياء أخرى، كما أنه قد ذُكر في الجملة الثانية أن "haberdashery" لا يبيع ملابس السيدات، لذلك فقد تخمن مرة أخرى (على نحو منطقي) أنه مكان لبيع ملابس الرجال، فعقلك يتوصل إلى معني الكلمة من السياق كما لو أنك ترتب قطع الأحجية.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن السياق في غاية الأهمية حتى وإن كنت على دراية بمعنى الكلمة، لنأخذ مثال أميليا بيديليا، وهي شخصية خيالية تعمل كمدبرة منزل يحدث لها العديد من المواقف المضحكة بسبب اتباعها التعليمات حرفيًا أكثر من اللازم، ففي هذه القصص تقوم أميليا بيديليا بالمهام التي يكلفها بها رؤساؤها بالضبط وبشكل حرفي، فعدما طُلب منها تنظيف الأثاث من الأتربة (dust the furniture)، فقد وضعت التراب على الأثاث (قائلة لنفسها: "في منزلي نزيل الأتربة من الأثاث".) حيث إنها فهمت عبارة "تنظيف الأثاث من الأتربة" على أنها "تغطيته بالأتربة"، وجرى الأمر كذلك سواء "رسم" "drawing" الستائر باستخدام قلم وورقة بدلًا من "فتح" الستائر أو "دهس" "stamping" الخطابات على الأرض بقدميها بدلًا من وضع "ختم" عليها، فقد كانت خير مثال لإيضاح أن الكلمة قد يكون لها أكثر من معنى وأن معنى الكلمة يعتمد على السياق.

أميليا بيديليا ليست خاطئة بالكامل، فهل كلمة "dusting" تعني إزالة الأتربة أم إضافتها؟ حيث يعتمد ذلك على عما إذا كنت محققًا وستقوم برفع بصمات الأصابع من على الأثاث أم أنكِ مدبرة منزل ومكلفة بعملية التنظيف. من البديهي أنك توقعت أن أميليا كانت مكلفة بتنظيف الأثاث ويرجع ذلك إلى أن العقل كون صورة من السياق حيث إن وظيفة مدبرة المنزل هي التنظيف وليس التحقيق في مسرح الجريمة.

شهدنا حتى الآن أمثلة توضح قدرة العقل على استخدام السياق للتوصل لمعنى كلمة غير معروفة مثل كلمة ("haberdashery") أو معرفة أي من المعنيين المختلفين للكلمة مناسب مثل كلمة ("dust")، ولكن حتى وإن كان للكلمة معنى واحد فمن المهم معرفة السياق لتحديد المعنى المقصود الذي عليك الانتباه له. على سبيل المثال، ألق نظرة على الجمل المستخدم فيها كلمة "سيارة"

  • فكرنا في الذهاب بالدراجة ولكن المسافة إلى المسبح بعيدة لذلك ذهبنا بالسيارة.
  • تعمل والدتي في وظيفة إضافية لأننا بحاجة إلى شراء سيارة جديدة.
  • تحاول الشركة خفض مستوى التلوث في المدينة، لذلك فهي تشجع الأفراد على التشارك في استقلال السيارة للذهاب إلى العمل.

فعلى عكس الأمثلة التي بها كلمة "dust" أي تنظيف الأتربة أو إضافتها، فإن كلمة "السيارة" تحمل نفس المعنى في كل مثال. ولفهم الهدف من الجملة بشكل جيد، عليكم النظر جيدًا في أهمية المعنى المقصود.

تتمتع السيارة بالعديد من الخصائص فهي سريعة، وباهظة الثمن، وتسبب التلوث، كما أنها نتاج صناعة بشرية ومتوفرة بألوان عديدة وأحجام مختلفة، بالإضافة إلى أنها تتطلب رخصة قيادة لكي يتمكن الفرد من قيادتها، وما إلى ذلك، وعادةً يكون من المهم ذكر إحدى هذه الخصائص لفهم المعنى المقصود. لاحظ أنه عند قراءة الجملة التالية:

  • فكرنا في الذهاب بالدراجة ولكن المسافة إلى المسبح بعيدة لذلك ذهبنا بالسيارة.

يسترعي انتباهك خاصية واحدة فقط للسيارات: "صحيح، فقد اختاروا الذهاب بالسيارة لأنها أسرع". فأنت على دراية "أنهم اختاروا الذهاب بالسيارة لأنها أسرع...ولكنك على دراية أيضًا بأن السيارات باهظة الثمن وتلوث الهواء"، وهنا نقول إن عقلك يعمل بشكل مذهل فقد استخدم العقل المعلومة المخزنة في الذاكرة التي تتناسب مع المعنى الملائم لسياق الجملة. عند قراءة الجملة التالية:

  • قرر دان الانضمام إلينا، وبالتالي كان علينا الذهاب في سيارتين.

فستدرك على الفور أن للسيارات سعة محدودة فيما يتعلق بعدد المقاعد، ولكن فلنفترض عدم درايتك بهذه المعلومة، ستكون الجملة في هذه الحالة مربكة وربما ستبحث على الإنترنت عن كلمة "سيارة" في محاولة منك لمعرفة لماذا يعني انضمام دان للرحلة أنه من الضروري وجود سيارتين، ولكن قد تجد أن عدد نتائج البحث أكثر من 5 مليون نتيجة لكلمة "سيارة!"، فكم من الوقت ستستغرق للاطلاع على هذه المواقع ومعرفة أنه يمكن لعدد محدد من الأفراد ركوب السيارة؟

لذلك، فالعقل يتفوق على محرك البحث "جوجل" في ذلك؛ فالكلمات يتغير معناها بتغير السياق والعقل هو الورقة الرابحة والأفضل لمواجهة هذا التحدي، ولكن ماذا عن المميزات الأخرى الواضحة للإنترنت؛ ألا تجده سريعًا ومميزًا في عملية البحث عن الأشياء؟

السرعة

قد يكون البحث عن شيء ما على الإنترنت أسرع من البحث عنه في كتاب، ولكن كلتا الطريقتين ليستا بنفس سرعة إيجاد معلومة مخزنة في الذاكرة، ولكن ذلك يعتمد على السرعة في القراءة، فلن تتمكن، في حالة القراءة ببطء، من الربط بين الجمل والفقرات، فعند قراءة جملة ما سيكون من الصعب عليك تذكر الجملة السابقة لها التي أنهيت قراءتها للتو. قد يذكرك ذلك بأول مرة تعلمت فيها القراءة واضطررت إلى قراءة كل كلمة حيث يمكن أن يحدث نفس الشيء ولكن لسبب مختلف، ففي بادئ الأمر كان بطء القراءة بسبب الجهل بالأحرف ولكن السبب الآن هو الجهل بالكلمات. لنفكر في الجمل الثلاث الآتية:

  • التقيت "بشخص ذي نفوذ" "panjandrum" في مكتب حكومي.
  • كنت في غاية الاحترام بحديثي عندما التقيت "بشخصية ذات نفوذ" "panjandrum" في مكتبها الحكومي لطلب مساعدة في تغيير قانون المدينة.
  • كنت في غاية الاحترام بحديثي عندما التقيت "بمسؤولة ذات نفوذ" "powerful" في مكتبها الحكومي لطلب مساعدة في تغيير قانون المدينة.

توضح هذه الكلمات أهمية الذاكرة بالنسبة للقراءة.

فبالنسبة للجملة الأخير، جميع الكلمات مخزنة بالفعل في ذاكرتك وبالتالي يمكن قراءة الجملة بسلاسة أما الجملة الثانية فتحتوي على كلمة واحدة غير معروفة ولكن السياق كافٍ لمنحك فكرة جيدة عن معناها، ويمكنك استنتاج أن كلمة "panjandrum" تعني شخصًا ما يمكنه مساعدتك في تغيير القوانين ولديه مكتب في منشأة حكومية. ولكن ما زالت قراءة الجملة الثالثة أكثر سلاسة من قراءة الجملة الثانية، فالكلمة غير المعروف معناها وهي "panjandrum" بمثابة التعثر بمطب؛ فقد تُبطئ من وتيرة قراءتك للجملة، لكنك تستطيع تخطي هذه العقبة، أما في الجملة الأولى فلا يوجد سياق لمساعدتك على معرفة معنى الكلمة، وفي هذه الحالة لا تعتبر كلمة "Panjandrum" مجرد كلمة تبطئ من وتيرة قراءتك ولكنها تؤدي إلى تعطيلك تمامًا، وبالتالي، للمتابعة ستحتاج إلى البحث عن معنى الكلمة، وقد يبدو ذلك مثل ركن السيارة في موقف للسيارات والخروج منها لطلب المساعدة. ليس هناك شك أنه من الأسرع البحث عن معنى كلمة ما على محرك البحث جوجل مقارنة بالبحث باستخدام القاموس الورقي، ولكن كلا الأمرين أبطأ بكثير وأكثر تعطيلًا للعمل من استعادة معنى الكلمة من الذاكرة أو الاستعانة بالسياق للوصول إلى المعنى.

الخلاصة

خلال قراءة هذه الخلاصة تذكروا التشبيه السابق ذكره وهو أن العقل أشبه بصندوق الأدوات والإنترنت أشبه بمتجر الأدوات. يوضح الجزء الأول من المقال سبب أهمية السياق الذي توفره الجملة في فهم معنى الكلمة، وضرورة معرفة الطرق المختلفة التي يمكنك من خلالها استخدام أدواتك والاستفادة منها بأقصى قدر، مثل كلمة "dust" فهي تحمل معنيين (وهما متضادان) مثل المطرقة التي يمكن استخدامها لتثبيت المسامير أو إزالتها. وأوضحنا أيضًا أنه لفهم المعلومات نحتاج إلى معرفة كيفية ترابط المفاهيم حيث يصعب البحث عن هذه العملية على الإنترنت، فمن غير المحتمل أن تجد مطرقة يُطلق عليها "أداة إزالة المسامير" في متجر الأدوات، ولن يتم التسويق لسيارة ما في أحد معارض بيع السيارات باعتبارها "مصدرًا للتلوث البيئي".

يسلط الجزء الثاني من المقال الضوء على أهمية السرعة في جمع المعلومات التي تمت قراءتها والربط بينها حيث يشبه الأمر التدريب على البحث عن الأدوات الخاصة بك واستخدامها لمساعدتك على إنجاز المهام في وقت أقل. ويمكن القول إنه بينما يحتوي متجر الأدوات على مجموعة أكبر من الأدوات، إلا إنه يمكنك إيجاد الأدوات في صندوق الأدوات الخاص بك بشكل أسرع واستخدامها بفعالية أكبر، ويمثل ذلك ميزة واضحة لصالح صندوق أدواتك، ولكن بالرغم من ذلك فإن متجر الأدوات يتفوق على صندوق الأدوات الخاص بكم: فالمتجر به كل شيء مثله مثل الإنترنت الذي يحتوي على جميع المعلومات التي قد تكون بحاجة إليها بشكل يعجز عنه العقل.

نظرًا للمساحة التخزينية المحدودة للعقل، ما الذي يجب عليك اختياره لتعلمه؟ تحتاج إلى استخدام بعض الأدوات التي تحفز المهارات العقلية بشكل متكرر، على سبيل المثال الأحرف والأرقام، فهذه الأدوات بمثابة المطرقة والمسمار في صندوق الأدوات الخاص بكم. علاوةً على ذلك، سترغب في الاحتفاظ بالأشياء الأكثر تواترًا في حياتك اليومية في ذاكرتك، ولحسن الحظ فالمدرسة مصممة خصيصًا لمساعدتك على تعلم أشياء ستواجهها مرارًا وتكرارًا. لا يقتصر الأمر على المدرسة، فعملية التعلم قد تحدث أيضًا خارجها، فعندما تهتم بالقراءة، فإنك بذلك تطور المعرفة المتصلة بالسياق بطريقة من المستحيل تحقيقها من خلال معرفة تعريفات الكلمات فقط، كما أن قراءة الكتب المفضلة لديك من الطرق الرائعة للقيام بذلك فضلًا عن أن لعب ألعاب الفيديو، وقراءة الكتب المصورة، والمجلات توفر فرصًا لممارسة القراءة.

يتمتع الأفراد وأجهزة الكمبيوتر بمهارات تكميلية، ويعني ذلك أن أجهزة الكمبيوتر جيدة جدًا في القيام ببعض المهام التي لا يجيد الأفراد القيام بها، وأن الأفراد يجيدون القيام بمهام محددة تعجز أجهزة الكمبيوتر عن القيام بها. تتميز عقولنا بالقدرة على استخراج المعلومات الصحيحة بسرعة ووضعها في سياق بينما يحتوي الإنترنت على المزيد من المعلومات التي لا يمكن للفرد الواحد الاحتفاظ بها في ذاكرته. وبذلك نخلص إلى قول إنه لا يمكن استبدال العقل بالإنترنت إلا أنه يمكنك استخدام الإنترنت على نحو حكيم في حالة معرفة المهام المميزة الخاصة بكل من عقولنا والإنترنت.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.