ملخص
هل سبق لك أن تساءلت عن عمر شجرة كبيرة، أو حاولت عّد الحلقات الموجودة في جذع شجرة لاكتشاف عمرها؟ لماذا تخبرنا الحلقات عن عمر الشجرة على أي حال؟ تنمو الأشجار طولًا وسُمكًا باستخدام خلايا خاصة تسمى الأنسجة الإنشائية توجد في طرف كل فرع وحول سيقانها تحت اللحاء. وتعني هذه الطريقة الخاصة في النمو أن العديد من الأشجار لديها حلقات نمو يمكننا عدَّها وقياسها لمعرفة عمرها وسرعة نموها. ويشعر العلماء بالقلق من أن تغير المناخ يغير من سرعة نمو الأشجار وحتى طول المدة التي يمكن أن تعيشها؛ إذ توصلوا إلى أن العديد من الأشجار تنمو بشكل أبطأ مما كانت عليه قبل بضعة عقود. وعندما تنمو الأشجار بوتيرة أبطأ، فإنها تمتص كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ويمكن أن يتسبب هذا في تسريع تغير المناخ، مما يكون له تأثير أسوأ على الأشجار.
كيف تنمو الأشجار؟
هل سبق لك أن نظرت إلى شجرة عملاقة وتساءلت عن عمرها؟ هل تساءلت كم من الوقت يستغرق البلوط الصغير لينمو ويصبح شجرة بلوط كبيرة؟ اتضح أنه يمكننا ≪سؤال≫ الأشجارعنعمرهاوحتىعنسرعةنموها. ولكن قبل أن نتمكن من طرح هذه الأسئلة، نحتاج أولًا إلى فهم كيفية نمو الأشجار.
تنمو الأشجار بطريقتين مختلفتين في الوقت ذاته؛ فهي تصبح أطول وأسمك، وذلك بفضل خلايا خاصة تسمى الأنسجة الإنشائية. تحتوي الأشجار على أنسجة إنشائية في أطراف كل غصن، لمساعدة الأغصان على النمو لفترة أطول والأشجار على النمو لارتفاع أعلى، وتحتوي الأشجار أيضًا على أنسجة إنشائية تحت لحائها، تساعدها على النمو لتصير أكثر سمكًا. وعندما تنظر إلى الجزء العلوي من جذع الشجرة أو في نهاية جذع مقطوع، يمكنك رؤية اللحاء من الخارج، يليه الكامبيوم. يحتوي الكامبيوم على ثلاثة أنواع من الأنسجة: النسيج الإنشائي اللحائي، واللحاء، والنسيج الإنشائي لنسيج الخشب (الشكل 1). ويُنتج النسيج الإنشائي اللحائي لحاءً جديدًا مع نمو الشجرة وتآكل اللحاء القديم.

- شكل 1 - (A) مقطع عرضي لشجرة طويلة وجذع شجرة، يوضح أنواع الأنسجة في الخشب.
- (B) غابة يأخذ العلماء منها عينات لدراسات علم تسنين الشجر. (C) عالم يستخدم حفار النمو لأخذ عينة دون قطع الشجرة. ويمكن استخدام العينة في تحليلات علم تسنين الشجر لمعرفة عمر الشجرة وسرعة نموها في سنوات مختلفة (الرسوم التوضيحية لـElizabeth Builes @mira.pal.cielo).
يتكون اللحاء من أنابيب تنقل السكريات المصنوعة في أوراق الأشجار إلى جميع الخلايا في الأجزاء الأخرى من الشجرة. وينتج النسيج الإنشائي لنسيج الخشب نسيج خشب جديد، وهي الأنابيب التي تنقل الماء من الجذور إلى بقية الشجرة. وبعد الكامبيوم يمكنك رؤية نسيج الخشب القديم. إن أنابيب نسيج الخشب القديم والخلايا المحيطة بها هي ما نسميه الخشب. ومع نمو الشجرة، فإنها تصنع المزيد من نسيج الخشب الذي يُضاف إلى الجزء الخارجي من نسيج الخشب القديم. ويعني هذا أنه مع نمو الشجرة، فإنها دائمًا ما تصبح أكثر سمكًا، ويحتاج اللحاء دائمًا إلى النمو بشكل أكبر لإفساح المجال لكل هذا الخشب الجديد.
غالبًا ما تنمو الأشجار في أماكن موسمية، مما يعني أن المناخ يتغير خلال أوقات مختلفة من السنة. وتشهد بعض الأماكن شتاءً باردًا وصيفًا حارًا. وفي أماكن أخرى، تبقى درجة الحرارة كما هي طوال العام، ولكن ثمة مواسم جافة ومواسم ممطرة. وفي بعض الأحيان، تعني هذه التغيرات الموسمية في درجات الحرارة وهطول الأمطار أن الأشجار لا يمكن أن تنمو إلا خلال جزء من العام. فربما يكون الشتاء شديد البرودة والظلمة بحيث لا تستطيع الأشجار النمو، لذلك لا تنمو إلا في الصيف. أو ربما يكون جزء من العام جافًا جدًا، لذلك تنمو الأشجار فقط في موسم الأمطار. ويعني هذا النمو الموسمي أن النسيج الإنشائي ينتج نسيج خشب جديد في طبقات متميزة، أو حلقات نمو سنوية. وتبين لنا كل حلقة داخل الشجرة بالضبط كمية الخشب المضافة في سنة واحدة من النمو.
يتيح وجود حلقات النمو السنوية للعلماء دراسة عمر الأشجار ومدى سرعة نمو الأشجار (الشكلان 1B, C). وعندما تنظر إلى الطرف المقطوع من جذع الشجرة، يمكنك عَّد الحلقات بين اللحاء والمنتصف، وسيخبرك ذلك بالضبط عن عمر تلك الشجرة أو الغصن قبل قطعه. ولحسن الحظ، يمكننا أيضًا عَّد حلقات نمو الأشجار دون قطعها. وللقيام بهذا، يستخدم العلماء مثقابًا خاصًا يسمى حفار النمو لسحب عينة صغيرة من الخشب، بحجم قلم الرصاص تقريبًا، من لحاء الشجرة إلى مركز الشجرة (الشكل 2). لا يؤذي هذا الإجراء الشجرة، ويسمح للعلماء بعَّد حلقات الشجرة لمعرفة عمرها.

- شكل 2 - (A) شجرة تُؤخذ عينات منها باستخدام نوع خاص من المثقاب يسمى حفار النمو.
- يمكنك رؤية لب الخشب الذي يُزال من الشجرة بارزًا من الجزء الخلفي من المثقاب. (B) يخزن العالم لب الخشب الذي جُمع من الشجرة في قشّة ويضع عليه ملصقات ليضطلع بمعالجته في المختبر لاحقًا.
عَّد الحلقات ليس هو الحل الأمثل في جميع الحالات
لسوء الحظ، لا يمكننا دائمًا عدّ الحلقات لمعرفة عمر الأشجار. ففي الكثير من الغابات الاستوائية المطيرة -مثلًا- يكون الجو حارًا ورطبًا طوال العام، لذلك لا تتوقف بعض الأشجار أبدًا عن النمو، ومن ثمّ لا تكوِّن حلقات نمو مرئية.
بيد أن العلماء توصلوا إلى أن العديد من الأشجار الاستوائية تُظهر بالفعل حلقات نمو سنوية، حتى في الغابات المطيرة الأكثر رطوبة في العالم وفي ظل ظروف غير مواتية [1]. وثمة أدلة على أن حلقات النمو في أشجار الغابات الاستوائية المطيرة تختلف من نوعٍ لآخر، لذا فإن تكوين حلقات الأشجار في بعض الأنواع مرتبط بنقص المياه، وفي البعض الآخر بوفرة المياه.
ثمة حالة أخرى لا يمكننا فيها استخدام الحلقات وهي عندما تنمو الأشجار كمجموعات متعايشة. وعندما يحدث هذا، قد تكون الغابة بأكملها مجرد شجرة واحدة! فشجرة الباندو -مثلًا- (الشكل 3A) هي شجرة حور عملاقة تنمو من نظام جذر واحد، مع ما يقرب من 50,000 جذع متطابق وراثيًا تنمو في مساحة تصل إلى 80 ملعب كرة قدم. في هذه الحالة، يمكن للعلماء عدّ الحلقات لمعرفة عمر كل جذع من الجذوع على حدة، لكن ذلك لا يخبرهم بعمر الشجرة بأكملها؛ لأنها مجموعة متعايشة تصنع دائمًا جذوعًا جديدة وتفقد جذوعًا قديمة.

- شكل 3 - (A) شجرة الباندون (Populus tremoloides), https://www.inaturalist.org/observations/187196408، التقط الصورة: Otto De Groff.
- (B) صنوبر بريستلكون، (Pinus longaeva) https://www.inaturalist.org/observations/184726532، التقط الصورة: John Powers (C) الباوباب (Adansonia digitata), https://www.inaturalist.org/observations/150386932، التقط الصورة: Kat Milligan.
وباستخدام طرق مثل التأريخ بالكربون-14 وجمع الكثير من الجذوع والأغصان والجذوع المدفونة، يقدِّر العلماء أن شجرة الباندو قد يكون عمرها أكثر من 80,000 سنة [2]!
كم عمر الأشجار؟
اضطلع العلماء بعدّ الحلقات لقياس أعمار الكثير من الأشجار. وأقدم شجرة منفردة عثر عليها أحد حتى الآن هي شجرة صنوبر بريستليكون عمرها 5062 عامًا تعيش في الجبال البيضاء في كاليفورنيا (الشكل 3B) [3]. غير أن الأشجار الكبيرة لا تكون عادةً بهذا العمر في المناطق الاستوائية. وأقدم شجرة استوائية عثر عليها أحد حتى الآن هي شجرة باوباب عمرها 1.835 عامًا تعيش في غابة جافة أفريقية (الشكل 3C) [4].
التغيرات في نمو الأشجار
بالإضافة إلى إخبارنا عن عمر الأشجار، يمكن للعلماء أيضًا قياس سُمك حلقات النمو السنوية لمعرفة مقدار زيادة سُمك الشجرة في كل عام من حياتها. تنمو الشجرة الاستوائية المتوسطة أسرع بمرتين من الشجرة المتوسطة الموجودة في المنطقة المعتدلة (حوالي 5.0 مم في السنة مقابل 2.5 مم في السنة) [5]. وإذا قارن العلماء مدى سرعة نمو الأشجار كل عام بالمناخ في تلك السنة، يمكنهم معرفة أنواع الظروف المواتية للأشجار. على سبيل المثال، قد يكتشف العلماء بعد قياس الكثير من حلقات الأشجار أن نوعًا من أشجار البلوط ينمو بوتيرة أسرع في السنوات التي تهطل فيها أمطار كثيرة في الصيف، وأن نوعًا آخر من أشجار الصنوبر ينمو بوتيرة أسرع عندما يكون الشتاء أقصر.
وبمجرد معرفتنا بأنواع المناخات المواتية وغير المواتية للأنواع المختلفة من الأشجار، يمكننا بعد ذلك النظر إلى حلقات النمو السنوية للأشجار القديمة جدًا لتخمين ما كان عليه المناخ في الماضي. فإذا اكتشف العلماء -مثلًا- أن أشجار الصنوبر كانت تنمو ببطء شديد قبل 200 عام، فيمكنهم تخمين وجود شتاء طويل في ذلك العام. أو إذا كانت أشجار البلوط تنمو بسرعة كبيرة بشكل خاص قبل 350 سنة، فيمكنهم أن يخمنوا أن ذلك العام شهد صيفًا ممطرًا جدًا. هذه إحدى الطرق التي نعرف من خلالها كيف كان المناخ منذ مئات، بل آلاف السنين، أي قبل فترة طويلة من وجود محطات أرصاد جوية لتسجيل درجات الحرارة والأمطار. وتُسمى عملية قياس حلقات الأشجار، وتعيين سنوات تقويمية لكل منها، وإيجاد أنماط نمو مشتركة بين الأشجار لتقدير المناخ في الماضي باسم علم تسنين الشجر.
ولسوء الحظ، فإن الاحترار العالمي يجعل المناخ أسوأ للكثير من الأشجار. ففي حين أن بعض الأشجار قد تكون أفضل حالًا في ظل المناخ الجديد، إلا أن العلماء يكتشفون أن معظم الأشجار تنمو الآن بشكل أبطأ مقارنةً بما كانت عليه في الماضي [6]. وقد خلصوا أيضًا إلى أن الأشجار لا تعيش طويلًا عندما ترتفع درجة الحرارة كثيرًا [5]. وهذه أخبار سيئة! فالأشجار مهمة جدًا لكوكب الأرض والبشر، إذ إنها تصنع الغذاء الذي تأكله الحيوانات (بما في ذلك البشر)؛ وتصنع الخشب الذي نستخدمه لبناء منازلنا وتدفئتها؛ وتوفر الظل لتبريد شوارعنا؛ وتساعد في تنظيف هوائنا ومياهنا. وإذا كانت الأشجار تنمو بوتيرة أبطأ وتموت في سن أصغر، فلن تكون قادرة على القيام بالعديد من هذه الأشياء المفيدة لنا.
وفي الواقع، إذا بدأت الأشجار في النمو بوتيرة أبطأ ولم تمتص القدر نفسه من ثاني أكسيد الكربون من الهواء، فقد يحدث تغير المناخ بوتيرة أسرع، لأن ثاني أكسيد الكربون هو أحد غازات الدفيئة. وإذا تسارعت وتيرة تغير المناخ، فإن الأشجار ستنمو بشكل أبطأ وتموت في سن أصغر، مما يؤدي إلى تسارع تغير المناخ أكثر... وستنمو الأشجار بشكل أبطأ وتموت في سن أصغر... وهكذا دواليك!
أهمية قياس أعمار الأشجار ونموها
تنمو الأشجار طولًا وسُمكًا من خلال خلايا خاصة تُسمى الأنسجة الإنشائية. وفي العديد من الأشجار، تكون الأنسجة الإنشائية نشطة في جزء من السنة فقط. وهذا يجعل الأشجار تنمو في فترات متقطعة متميزة ويتسبب في تكوين حلقات نمو سنوية. وإذا حاولنا عَّد حلقات النمو على جذع الشجرة أو في عينة جُمعت باستخدام حفار النمو، يمكننا معرفة عمر الشجرة. وإذا قِسنا حجم كل حلقة من حلقات النمو، فسنعرف مقدار نمو الشجرة في كل سنة من سنوات حياتها. وبمجرد أن نعرف مدى سرعة نمو الأشجار في سنوات معينة، يمكننا تحديد نوع المناخ المواتي لأنواع معينة من الأشجار، ومن ثم يمكننا أن نخمن كيف كان المناخ في الماضي. وللأسف، يتسبب تغير المناخ في تباطؤ نمو العديد من الأشجار وموتها في سن أصغر مما كانت عليه في الماضي، وهذه أخبار سيئة للجميع. ولكن النبأ السار هو أنه إذا عرفنا نوع المناخ المواتي لأنواع الأشجار المختلفة، يمكننا تعزيز برامج الحفاظ على البيئة لزراعة الأنواع المناسبة في الأماكن المناسبة، مما يضمن نمو الأشجار بسرعة وامتصاص أكبر قدر ممكن من ثاني أكسيد الكربون من الهواء.
مسرد للمصطلحات
الأنسجة الإنشائية (Meristems): ↑ هي الخلايا النباتية التي تنقسم أو تتكاثر بنشاط.
الكامبيوم (Cambium): ↑ هو طبقة الأنسجة التي تنتج الخلايا غير الناضجة اللازمة لنمو النبات.
اللحاء (Phloem): ↑ هو أنابيب تنقل السكريات المصنوعة في الأوراق لتغذية بقية خلايا النبات.
نسيج الخشب (Xylem): ↑ هو أنابيب تنقل الماء والعناصر الغذائية من الجذور إلى الأوراق.
حلقات النمو السنوية (Annual Growth Rings): ↑ هي حلقات متحدة المركز توجد في نهاية جذع الشجرة أو جذع الشجرة المقطوع، حيث أُضيفت كل حلقة خلال فترة نمو واحدة.
حفار النمو (Increment Borer): ↑ هو مثقاب مجوف يُستخدم لقطع لُب من الشجرة للاعتماد عليه في تقدير النمو من خلال حساب الحلقات السنوية.
المجموعة المتعايشة (Superorganisms): ↑ هي مجموعة من الكائنات التي تتصرف جميعًا ككائن حي واحد.
المنطقة المعتدلة (Temperate): ↑ هي أنظمة بيئية خارج المناطق الاستوائية، وغالبًا ما تكون ذات تباين موسمي في درجات الحرارة بين الشتاء البارد والصيف الحار.
علم تسنين الشجر (Dendrochronology): ↑ مُستمد من الكلمات اليونانية: dendro = شجرة، chronos = وقت، logos = دراسة. هو علم قياس حلقات الأشجار السنوية واستخدام هذه القياسات لدراسة المناخ في الماضي.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Giraldo, J. A., del Valle, J. I., González-Caro, S., and Sierra, C. A. 2022. Intra-annual isotope variations in tree rings reveal growth rhythms within the least rainy season of an ever-wet tropical forest. Trees 1:1–14. doi: 10.1007/S00468-022-02271-7
[2] ↑ Farmer, J. 2022. Elderflora. A Modern History of Ancient Trees. Basic Books.
[3] ↑ Trouet, V. 2020. Tree Story: The History of the World Witte in Rings. Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press.
[4] ↑ Patrut, A., von Reden, K. F., Mayne, D. H., Lowy, D. A., and Patrut, R. T. 2013. AMS radiocarbon investigation of the African baobab: searching for the oldest tree. Nucl. Instrum. Methods Phys. Res. 294:622–6. doi: 10.1016/j.nimb.2012.04.025
[5] ↑ Locosselli, G. M., Brienen, R. J. W., de Souza Leite, M., Gloor, M., Krottenthaler, S., de Oliveira, A. A., et al. 2020. Global tree-ring analysis reveals rapid decrease in tropical tree longevity with temperature. Proc. Natl. Acad. Sci. U. S. A. 117:33358–64. doi: 10.1073/PNAS.2003873117
[6] ↑ Bernal-Escobar, M., Zuleta, D., and Feeley, K. J. 2022. Changes in the climate suitability and growth rates of trees in eastern North America. Ecography. 2022:e06298. doi: 10.1111/ecog.06298