ملخص
ربما تكون قد سمعت عن معاناة الشعاب المرجانية من ارتفاع درجة الحرارة وتلاشيها شيئًا فشيئًا من كوكبنا. هذه المعلومات المحزنة صحيحة، لكن الصورة ليست مظلمة بالكامل. فبين الحين والآخر، تكشف لنا بعض التجارب المفاجئة عن وجود بريق أمل بالنسبة للمرجان، وعن الكثير من المعلومات التي تجدر بنا معرفتها. عندما عملنا على طول ساحل البحر الأحمر، اندهشنا من اكتشاف أن المرجان الذي يعيش في مياه شديدة الملوحة يزداد قوة على ما يبدو أثناء فترات ارتفاع درجة الحرارة. وجدنا كذلك علاقة بين درجة ملوحة المياه وقدرة شقائق النعمان (أبناء عم المرجان المقربين) على مواجهة الحرارة. في هذا المقال، سنستكشف هذه العلاقة من خلال دراسة خلايا شقائق النعمان تحت المجهر لقياس الجزيئات غير المرئية بالعين المجردة، وهذا بهدف معرفة دور الملح في زيادة قوة شقائق النعمان والمرجان في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة.
ارتفاع حرارة الشعاب المرجانية في المناخ المتغير
المرجان عبارة عن حيوانات تشكّل حدائق جميلة تحت الماء تُسمّى الشعاب المرجانية. وهذه الشعاب موطن لملايين الكائنات الأخرى، ويصفها البعض على أنها غابات كوكبنا المطيرة تحت الماء. ولكن للأسف، يحيط الخطر الشعاب المرجانية، تمامًا كالغابات المطيرة على اليابسة، فاحترار المحيطات نتيجة تغير المناخ يهدد المرجان في كل مكان، بمعنى آخر، يعاني المرجان من ارتفاع درجة الحرارة.
عندما يبدأ المرجان في الشعور بالإجهاد المرتبط بارتفاع درجة الحرارة (الإجهاد الحراري)، يفقد شركاءه الحيويين الذين يساهمون في تشكيل هذه الشعاب المرجانية. وهؤلاء الشركاء عبارة عن خلايا ضئيلة شبيهة بالنباتات اسمها الطحالب الدقيقة. تعيش الطحالب الدقيقة داخل الخلايا المرجانية، وتزودها بالغذاء اللازم للنمو والبقاء بصحة جيدة. وهذه العلاقة هي نوع من التكافل حيث يعيش كائنان مختلفان ملتصقان ببعضهما ويتبادلان المنفعة بشكل عام. ويشار إلى الطحالب الدقيقة في الغالب باسم الطحالب التكافلية (شكل 1). عندما تنفصل الطحالب التكافلية عن نسيج المرجان بسبب الإجهاد الحراري، يفقد المرجان مصدر غذائه الأساسي. وتُسمّى هذه الظاهرة ابيضاض المرجان لأن لون المرجان يتحول إلى الأبيض بسبب فقدان الطحالب التكافلية. وبدون توفر غذاء من الطحالب التكافلية، قد يتضور المرجان جوعًا في النهاية ويموت إذا استمر الإجهاد الحراري.
كيف تعزز المياه المالحة من قوة شقائق النعمان أثناء الإجهاد الحراري؟
في مقال سابق من فرونتيرز للعقول الشابة Frontiers for Young Minds، أشرنا إلى تجربة استُخدم فيها شقائق النعمان البحرية ''الإيبتاسيا'' (من أوثق أقارب المرجان وتعيش كذلك في تكافل مع الطحالب) لمعرفة المزيد عن ابيضاض المرجان. وأدهشتنا آثار درجة الملوحة (محتوى الملح في المياه) على الابيضاض. فقد اكتشفنا أن شقائق النعمان في مياه البحر شديدة الملوحة تزداد قوة أثناء الإجهاد الحراري، وأن شقائق النعمان التي عاشت في مياه بحر أكثر ملوحة تعرضت بشكل أقل للابيضاض، حيث احتفظت بالمزيد من طحالبها التكافلية، مما ضمن استمرار حصولها على الغذاء. أجرينا القياس من خلال إحصاء عدد الطحالب التكافلية داخل شقائق النعمان [1]. على الرغم من التشويق الذي عشناه في التجربة، فقد تركت فينا تساؤلات حول السبب في أن شقائق النعمان المالحة احتفظت بطحالبها التكافلية، على عكس مثيلاتها في المياه منخفضة الملوحة.
كان تفسيرنا الافتراضي الأساسي أن شقائق النعمان في الظروف شديدة الملوحة عدلت خلاياها لتتكيف مع هذا القدر الزائد من الملح. وللقيام بذلك، لا بد أن تنتج شقائق النعمان أو طحالبها التكافلية شيئًا يساعدها على التعامل مع المياه الأشد ملوحة أو يزيد مقاومتها للإجهاد الحراري. أدركنا كذلك من تجاربنا أن فترات الإجهاد الحراري شهدت إنتاج جزيئات خطيرة اسمها مركبات الأكسجين التفاعلية (ROS) وتسهم في حدوث ابيضاض المرجان [2, 3]. يمكن لهذه المركبات إتلاف خلايا شقائق النعمان أو المرجان وطحالبها التكافلية. ولهذا السبب، اعتقدنا أنه في الظروف شديدة الملوحة، قد تتولد بعض الجزيئات التي بإمكانها حماية شقائق النعمان وطحالبها التكافلية من مركبات الأكسجين التفاعلية.
للعثور على الجزيئات الناتجة في المياه شديدة الملوحة والتي يمكن أن تتصدى لمركبات الأكسجين التفاعلية المضرة، كررنا تجربتنا السابقة ولكننا حللنا الجزيئات الناتجة داخل خلايا شقائق النعمان وطحالبها التكافلية.
السكر: وقود الحياة
جميع الخلايا عبارة عن حجرات مغلقة ضئيلة مليئة بالمصانع والمخازن وقوالب البناء و''الآلات'' الجزيئية الصغيرة. وعلى غرار الآلات، تحتاج الخلية إلى الطاقة حتى تعمل كما ينبغي.
تُعد الطاقة من الموارد المهمة للخلايا، وتُنتج من خلال إحدى البنى الخلوية المهمة، وهي الميتوكوندريا (مصانع الطاقة في الخلية). داخل الميتوكوندريا، تتحول السكريات من الأطعمة التي نتناولها إلى طاقة للآليات الخلوية. وبالإضافة إلى الميتوكوندريا، تحتوي الطحالب التكافلية على بِنى خاصة اسمها البلاستيدات الخضراء ومهمتها صنع الغذاء من خلال إنتاج سكريات غنية بالطاقة من ضوء الشمس. ويُطلق على هذه العملية اسم التمثيل الضوئي، وهي نفس العملية التي تستخدمها نباتات حديقتك لصنع غذائها.
بما أن المرجان وشقائق النعمان ليست لديها بلاستيدات خضراء، فلا يمكنها القيام بالتمثيل الضوئي لإنتاج السكريات من ضوء الشمس. ولكن إذا عاشت جنبًا إلى جنب مع الطحالب التكافلية، يمكنها الحصول على هذه السكريات من خلايا الطحالب التي تقوم بالتمثيل الضوئي. وعلى الرغم من أن هذه الطحالب تستخدم بعض هذه السكريات للحفاظ على استمرار آلياتها في العمل، تشارك جزء كبير مع المرجان أو شقائق النعمان المضيفة. صفقة رائعة، أليس كذلك؟
الحرارة: عائق أمام مشاركة السكريات
تتعرض الآليات الخلوية لدى الكائن التكافلي للتلف خلال الإجهاد الحراري للأسف. ويؤدي هذا إلى إيقاف التمثيل الضوئي ومشاركة السكريات بين الطحالب التكافلية والمرجان. وينتج هذا التلف عن تراكم مركبات الأكسجين التفاعلية التي أشرنا إليها سابقًا، ويمكن تصورها في شكل ''شرارات'' صغيرة تتولد أثناء عمليات إنتاج الطاقة. إذا تم توليد عدد مفرط من هذه الشرارات أو إذا تم إنتاجها بشكل خارج عن السيطرة، يمكن أن ''تحرق'' أجزاءً من الطحالب التكافلية وتدمرها [4]، وقد يؤدي ذلك إلى الابيضاض. وتفاصيل ابيضاض المرجان ودور مركبات الأكسجين التفاعلية وتوقّف التمثيل الضوئي لدى الطحالب التكافلية، كل ذلك مواضيع معقدة ما زالت قيد البحث.
مزيد من الملح يعني مزيدًا من السكريات: تجنب الصدمة التناضحية
ربما تتساءل عن سبب حديثنا عن السكريات في حين أن الملح هو العامل الذي يحمي شقائق النعمان من الابيضاض أثناء الإجهاد الحراري، أليس كذلك؟ السبب في ذلك أن استخدامات السكر لا تقتصر على الطاقة، فالخلايا تتضمن عدة أشكال من السكريات والجزيئات التي تحتوي على سكريات. وعلى غرار العديد من الجزيئات الأخرى، تساعد السكريات الخلايا على التعامل مع ملوحة الماء المحيط. تؤثر السكريات في عملية التناضح الطبيعية من خلال القيام بدور المركبات الأسموزية. وهذه المركبات عبارة عن مواد يمكن إنتاجها أو تفكيكها في الخلية لمساعدتها على التكيف مع ملوحة الماء المحيط. وإذا لم تتكيف المركبات الأسموزية بسرعة، تدخل الخلية في حالة اسمها الصدمة التناضحية، مما قد يؤدي إلى إتلافها. ولهذا تُعد المركبات الأسموزية منقذة لحياة بعض الخلايا.
تستخدم شقائق النعمان بعض السكريات كمصدر طاقة، ولكنها تستخدم أيضًا السكريات كمركبات أسموزية للتكيف مع الملوحة الشديدة المحيطة بها. وبما أن الطحالب التكافلية توجد داخل خلايا شقائق النعمان، فعليها التكيف أيضًا مع الملوحة.
هذه العلاقة بين الملح والسكريات تربط البيئة المالحة بالتغيرات الجارية داخل خلايا شقائق النعمان وطحالبها التكافلية.
في تجربتنا، عرّضنا شقائق النعمان لإجهاد حراري في وجود درجات ملوحة منخفضة ومتوسطة ومرتفعة. ثم راقبناها لرصد أي تغير في السكريات الأسموزية ولفهم ما جرى داخل خلايا الطحالب. فلاحظنا تكوّن جزيء يحتوي على سكريات، وهو الفلوريدوسيد.
الأوجه المتعددة للفلوريدوسيد
الفلوريدوسيد هو جزيء يحتوي على سكريات، كما أنه مركب أسموزي معروف. وقد جدنا كميات كبيرة من الفلوريدوسيد في خلايا الطحالب لدى شقائق النعمان التي تم إبقاؤها في مياه شديدة الملوحة. ومع تراكم المزيد من الفلوريدوسيد، تكيفت الطحالب التكافلية مع درجة الملوحة الجديدة ولم تدخل في صدمة تناضحية، مما حال دون تلفها.
من المثير للدهشة أن الفلوريدوسيد يقوم بدور مزدوج، فهو يلعب أيضًا دور المحايد لمركبات الأكسجين التفاعلية، أي أنه يطفئ ''الشرارات'' التي تتولد أثناء إنتاج الطاقة. من خلال منع تراكم مركبات الأكسجين التفاعلية في الطحالب التكافلية، يحول الفلوريدوسيد دون تلف الخلايا الذي يوقف التمثيل الغذائي ومشاركة السكريات بين شقائق النعمان والطحالب التكافلية والذي يمكن أن يؤدي إلى ابيضاض المرجان.
لرصد سلوك التحييد الذي يقوم به الفلوريدوسيد تجاه مركبات الأكسجين التفاعلية، قمنا بقياس كمية المركبات التي تنتجها الطحالب التكافلية أثناء الإجهاد الحراري في ظل درجات ملوحة مختلفة. ولاحظنا أنه كلما زاد مقدار الفلوريدوسيد المُلاحظ في الطحالب التكافلية، قلتّ كمية مركبات الأكسجين التفاعلية. وهذه العلاقة بين زيادة الفلوريدوسيد وقلة مركبات الأكسجين التفاعلية يمكن أن تفسر السبب في أن شقائق النعمان تبيض بدرجة أقل في المياه الأكثر ملوحة (شكل 2). والفلوريدوسيد الذي يعمل كمركب أسموزي ومحايِد لمركبات الأكسجين التفاعلية يمكنه حماية آليات الطحالب التكافلية وضمان استمرار تزويد شقائق النعمان بالسكريات. وحصول شقائق النعمان على المزيد من الغذاء يعني إمدادها بالمزيد من الطاقة، وهذا يوفر بدوره المزيد من الموارد لمكافحة عوامل الإجهاد الأخرى، مثل الإجهاد الحراري. وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز علاقة التكافل، أي تقليل الابيضاض بالطبع.
الملخص
تغيّر درجة ملوحة المياه من سلوك الخلايا ونوع المواد التي تنتجها. وهذا معناه وجود تأثير كبير لدرجة الملوحة على الحيوان بالكامل. فدرجة الملوحة الكبيرة تجعل خلايا شقائق النعمان وطحالبها التكافلية تعدّل مستويات مركباتها الأسموزية، مثل الفلوريدوسيد، أي أنه كلما زادت ملوحة المياه، أنتجت الخلايا المزيد من المركبات الأسموزية. والفلوريدوسيد عبارة عن مركب أسموزي يحتوي على سكريات ويعمل أيضًا على تحييد مركبات الأكسجين التفاعلية التي يمكنها إتلاف الطحالب التكافلية. وهذا الرابط بين درجة الملوحة والإجهاد الحراري والابيضاض قد يسهم في تفسير السبب وراء انخفاض نسبة الابيضاض الذي تتعرض له شقائق النعمان وبعض أنواع المرجان أثناء الإجهاد الحراري عند العيش في مياه أكثر ملوحة، مثل تلك الكائنات التي تعيش في البحر الأحمر.
كعادة العلوم، هذه ليست نهاية القصة، فهناك العديد من الجزيئات التي يمكن أن تعمل كمركبات أسموزية، كما أن بعض شقائق النعمان والمرجان لا تعتمد على المركبات نفسها، إذ يمكن أن تستخدم مركبات أسموزية مختلفة للتكيف مع التغيرات في درجة الملوحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التأثير لدرجة الملوحة لم تتم ملاحظته إلا مع القليل من المرجان وبعض شقائق النعمان الخاضعة للتجربة. وهذا يطرح الكثير من الأسئلة الجديدة أمام التجارب المستقبلية.
مسرد للمصطلحات
الطحالب التكافلية (Algal Symbiont): ↑ كائنات مجهرية أحادية الخلية تعيش في تكافل مع خلية مرجان أو شقائق نعمان عن طريق إنتاج السكريات عبر عملية التمثيل الغذائي، تمامًا مثل النباتات، ومشاركتها مع الكائن المضيف.
ابيضاض المرجان (Coral Bleaching): ↑ ابيضاض كائنات (مثل المرجان أو شقائق النعمان) تعيش في تكافل مع الطحالب بسبب انفصال هذه الطحالب عنها.
درجة الملوحة (Salinity): ↑ كمية الملح في المياه. تتفاوت درجات الملوحة في المحيطات أو البحار حسب موقعها، والبحر الأحمر من أكثر البحار ملوحة في العالم أجمع.
مركبات الأكسجين التفاعلية (ROS) (Reactive Oxygen Species (ROS)): ↑ جزيئات تتولد أثناء إنتاج الطاقة، وهذا تفاعل يحدث داخل كل خلية وينطوي على الأكسجين.
التناضح (Osmosis): ↑ حركة الماء عبر الغشاء، ويتحرك الماء دومًا باتجاه جانب الغشاء الذي يوجد عنده قدر أكبر من المواد الذائبة، مثل الملح أو السكر.
المركبات الأسموزية (Osmolytes): ↑ جزيئات يتم إنتاجها أو تفكيكها أو نقلها إلى الخلية لموازنة مستوى المواد الذائبة، مثل الملح والسكر، بين الخلية والماء المحيط.
الصدمة التناضحية (Osmotic Shock): ↑ تغير مفاجئ في المواد الذائبة المحيطة بخلية يؤدي إلى دخول الماء أو خروجه بسرعة، ما يؤدي إلى الإضرار بالخلية.
الفلوريدوسيد (Floridoside): ↑ جزيء يحتوي على سكريات ويتم إنتاجه داخل الطحالب التكافلية ويمكن أن يساعدها على التكيف مع درجات ملوحة مختلفة وتحييد الجزيئات الضارة التي تتولد أثناء إنتاج الطاقة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
مقال المصدر الأصلي
↑ Gegner, H. M., Rädecker, N., Ochsenkühn, M., Barreto, M. M., Ziegler, M., Reichert, J., et al. 2019. High levels of floridoside at high salinity link osmoadaptation with bleaching susceptibility in the cnidarian-algal endosymbiosis. Biol. Open 8:bio045591. doi: 10.1242/bio.045591
المراجع
[1] ↑ Gegner, H. M., Ziegler, M., Rädecker, N., Buitrago-López, C., Aranda, M., and Voolstra, C. R. 2017. High salinity conveys thermotolerance in the coral model Aiptasia. Biol. Open 6:1943–8. doi: 10.1242/bio.028878
[2] ↑ Weis, V. M. 2008. Cellular mechanisms of Cnidarian bleaching: stress causes the collapse of symbiosis. J. Exp. Biol. 211:3059–66. doi: 10.1242/jeb.009597
[3] ↑ Lesser, M. P. 2006. Oxidative stress in marine environments: biochemistry and physiological ecology. Annu. Rev. Physiol. 68:253–78. doi: 10.1146/annurev.physiol.68.040104.110001
[4] ↑ Szabó, M., Larkum, A. W. D., and Vass, I. 2020. “A review: the role of reactive oxygen species in mass coral bleaching,” in Photosynthesis in Algae: Biochemical and Physiological Mechanisms, eds A. W. D. Larkum, A. R. Grossman, and J. A. Raven (Cham: Springer International Publishing). p. 459–88. doi: 10.1007/978-3-030-33397-3_17