Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 28 يوليو 2023

موجات الحر البحرية

ملخص

موجات الحر عبارة عن فترات طويلة تشهد ارتفاعًا غير عادي في درجة الحرارة. وتحدث في اليابسة وفي المحيطات على حد سواء. تسمى هذه الفترات الحارة في المحيطات باسم ''موجات الحر البحرية''. ويمكن أن تفتك هذه الموجات بالكائنات البحرية، مثل الأسماك والطيور البحرية والمرجان. في العقد السابق، زادت وتيرة موجات الحر البحرية وباتت أشدّ. تضر كل موجة حر بحرية بالنظم البيئية البحرية، وتحدث في العالم أجمع، مثل المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، بل وحتى البحر المتوسط. ويتوقع علماء المناخ أن تطول مدة موجات الحر البحرية في المستقبل وأن تكون أكثر تكرارًا، مما سيؤدي حتمًا إلى المزيد من المشاكل للكائنات البحرية والبشر. ولهذا السبب، نحتاج أن نفهم بشكل أفضل سبب حدوث موجات الحر البحرية ومدى تأثيرها على الحياة في المحيطات.

مقدمة

موجات الحر هي فترات طويلة ترتفع فيها درجة الحرارة بشكل غير معتاد، ويزيد تكرارها وشدتها بسبب الاحترار العالمي. عندما ترتفع درجة الحرارة بدرجة مفرطة، يتبخر الماء ويسبب جفافًا كبيرًا في الطقس، ما قد يؤدي إلى حرائق الغابات والجفاف وتلف المحاصيل. وموجات الحر هي السبب في وفاة الآلاف حول العالم سنويًا [1]، كما أنها تهدد حياة العديد من الحيوانات التي لا يمكنها النجاة من فترات الحرّ الطويلة. ويمكن أن تحدث موجات الحر في المحيطات أيضًا، ويكون اسمها في هذه الحالة ''موجات الحر البحرية''.

موجات الحر البحرية هي فترات طويلة ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل غير معتاد عند سطح المحيط [2, 3]. ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع بل وحتى شهور، كما قد تحدث في أي وقت من العام. تؤدي موجات الحر البحرية إلى عواقب كارثية على الحيوانات والنباتات البحرية مثل تدمير الشعاب المرجانية وغابات الأعشاب البحرية. والكثير من أنواع الأسماك والثدييات البحرية والطيور البحرية لا ينجو من موجات الحر البحرية الشديدة. وموت الكائنات البحرية يشكل مشكلة كبيرة أيضًا للبشر، لأن العديد من البشر المقيمين على طول الساحل يقتاتون على الأسماك وغيرها من كائنات المحيطات.

تحدث موجات الحر البحرية في العالم أجمع، وباتت تتكرر بوتيرة أكبر (شكل 1). حدثت موجات حر بحرية شديدة على طول ساحل غرب أستراليا في عام 2011، وفي بحر تسمان في 2016–2015، وفي المحيط الهادئ في 2015–2013 (أطلق عليها اسم ''بلوب'') وفي عام 2019 [4]. وفي عامي 2015 و2016، وقعت موجة حر بحرية كبيرة في شمال غرب المحيط الهادئ، إذ ارتفعت درجة حرارة الماء بأكثر من 6 درجات مئوية عن المعتاد. وبسبب هذه الموجة، اضطرت مجتمعات أسماك كاملة مثل سلمون شينوك وسمك القد والسلمون الأحمر للابتعاد إلى أجزاء من المحيط تمكنت فيها من تحمّل درجة حرارة المياه [5]. وعُثر على العديد من أسود البحر والحيتان والطيور البرية على الشاطئ بسبب نقص الطعام الناتج عن هجرة الأسماك [4].

شكل 1 - يتعرض العالم كله لموجات الحر البحرية.
  • شكل 1 - يتعرض العالم كله لموجات الحر البحرية.
  • والموجات المشار إليها هنا تحدث منذ عام 2000.

يتوقع علماء المناخ أن يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة تكرار موجات الحر البحرية واستمرارها لمدة أطول في المستقبل. ما سبب حدوث موجات الحر البحرية؟ إذا أردنا حماية الحياة في المحيط، فمن المهم معرفة أسباب هذه الموجات الخطيرة.

ما هي أسباب موجات الحر البحرية؟

تتفاوت درجات الحرارة عند سطح المحيط على امتداد العام. تزيد برودة مياه السطح في الشتاء وتصبح أكثر دفئًا في الصيف بسبب الطاقة الشمسية. وهذه الدورة الطبيعية تفيد الكائنات البحرية التي تعتمد هجرتها على درجة حرارة المياه. يمكن أن تؤدي بعض ظروف الطقس إلى زيادة درجة حرارة مياه السطح إلى حد كبير. وإذا استمرت هذه الظروف لمدة طويلة، نطلق عليها اسم ''موجة الحر البحرية''. ولا تتحمل الكائنات البحرية في الغالب موجات الحر البحرية.

العوامل الرئيسية التي تؤثر في درجة حرارة سطح المحيط هي تيارات المحيط والتبادل الحراري بين سطح المحيط والغلاف الجوي [2] كما هو مبين في شكل 2. معنى ذلك أن تيارات المحيط يمكن أن تجلب مياهًا ذات درجة حرارة مرتفعة إلى منطقة أكثر برودة. بالإضافة إلى ذلك، يتحكم الغلاف الجوي في نقل الحرارة إلى المحيط ومنه عبر الرياح. وعندما تكون الرياح قوية، يمكن أن تتسرب الحرارة بسهولة من المحيط، تمامًا كما أن الرياح التي تلامس جلدك تمتص الحرارة وتبعدها عن جسمك. والعكس صحيح أيضًا، فضعف الرياح يؤدي إلى احتباس الحرارة عند سطح المحيط لفترة أطول. يمكننا بشكل عام تقسيم موجات الحر البحرية إلى فئتين، تلك الناتجة عن ظروف المحيط والأخرى الناتجة عن الظروف الجوية.

شكل 2 - تنتج موجات الحر البحرية عن ظروف المحيط أو الظروف الجوية.
  • شكل 2 - تنتج موجات الحر البحرية عن ظروف المحيط أو الظروف الجوية.
  • وتحدث موجات الحر البحرية الناتجة عن ظروف المحيط بسبب جلب تيارات المحيط لمياه ذات درجة حرارة أعلى. أما موجات الحر البحرية الناتجة عن الظروف الجوية، فسببها ضعف في الرياح يمنع خروج الحرارة من المحيط. وفي الحالتين، تتراكم الحرارة عند سطح المحيط، مما يؤدي إلى موجة حر بحرية.

حدثت موجة حر بحرية بسبب ظروف المحيط في عام 2011 قبالة سواحل غرب أستراليا. وفي ذلك الوقت، أدت ظاهرة مناخية اسمها ''النينيا'' إلى تغيّر في تيارات المحيط وجلب مياه بدرجة حرارة مرتفعة إلى ساحل غرب أستراليا. وكانت درجات الحرارة في المحيط أكبر بأكثر من 3 درجات مئوية عن المعتاد. وبسبب ضعف الرياح، استمرت موجة الحر هذه عدة أشهر [6].

من جانب آخر، نتجت موجة ''بلوب'' في شمال غرب المحيط الهادئ بسبب الظروف الجوية. فالضغط الجوي (وزن الهواء) فوق المنطقة كان أكبر من المعتاد، ما أدى إلى ضعف الرياح بشكل كبير. وقد تسبب ضعف الرياح هذا في احتباس الحرارة وعدم تسربها إلى الغلاف الجوي، مما أدى إلى أشد موجة حر بحرية على الإطلاق في ذلك الوقت [7].

بعد أن عرفنا سبب حدوث موجات الحر البحرية، يمكننا توقع ما سيحدث في المستقبل. لقد باتت موجات الحر البحرية أكثر تكرارًا بنسبة 34% وأصبحت مدة استمرارها أطول بنسبة 17% في الفترة بين عامي 1925 و2016 [8]. وفي ظل المعدلات الحالية للاحترار العالمي، يتوقع علماء المناخ استمرار ارتفاع درجات حرارة المحيطات والغلاف الجوي. ومع زيادة حرارة سطح المحيطات، سيزيد تكرار موجات الحر البحرية ومدى شدتها، كما ستطول مدة استمرارها على الأرجح [3, 8].

العواقب الكارثية لموجات الحر البحرية على الحياة البحرية

تسبب موجات الحر آثارًا كارثية على الحياة البحرية. فكما أن موجات الحر في اليابسة تفاقم المشاكل الصحية للبشر وقد تفتك بهم (على سبيل المثال من خلال الإجهاد الحراري أو حرائق الغابات)، تؤثر موجات الحر البحرية على صحة الكائنات البحرية [1]. وفي بعض الحالات، يدمر الإجهاد الحراري البيئات البحرية (شكل 3).

شكل 3 - تسبب موجات الحر البحرية آثارًا كارثية على الحياة البحرية.
  • شكل 3 - تسبب موجات الحر البحرية آثارًا كارثية على الحياة البحرية.
  • (A) أدت موجة حر بحرية أخيرة إلى فقدان غابات الأعشاب البحرية في أستراليا (حقوق الصورة: توماس ويرنبرغ) (B) يمكن أن تسبب موجات الحر البحرية ابيضاض المرجان، ويحدث هذا لأن الطحالب التي تعيش في تكافل مع المرجان وتعطيه لونه الأخضر تنفصل عنه للهروب من الحرارة، مما يؤدي إلى ابيضاض المرجان (حقوق الصورة: Chasing Coral (ملاحقة المرجان) - Netflix.

فالأسماك والحيتان والسلاحف البحرية تجد نفسها مجبرة على الهجرة إلى مناطق أكثر برودة في المحيط. تهاجر هذه الحيوانات بطبيعة الحال للبحث عن الطعام والتكاثر، ولكن موجات الحر البحرية تجبرها على تغيير سلوك هجرتها بشكل جذري.

وخلال موجة ''بلوب'' مثلاً، رأى الصيادون فجأة القروش الزرقاء وقروش دراس في خليج ألاسكا في فصل الصيف، على الرغم من أن هذه الحيوانات غالبًا ما توجد قبالة ساحل كاليفورنيا في ذلك الوقت [9]. تأثرت أيضًا أنماط الهجرة لدى العديد من أنواع الأسماك الأخرى، مثل سلمون كوهو وبولوك ألاسكا. وهذا التغيّر في المكان المعتاد لوجود الأسماك قد يؤثر بشكل كبير على السلسلة الغذائية [9].

هناك كائنات بحرية أخرى، مثل المرجان، لا يمكنها تغيير مكانها. وقد أدت موجة الحر البحرية في غرب أستراليا عام 2011 إلى أضرار بالغة للحيوانات والنباتات التي لا تتحرك من مكانها. فقد قضت على غابات الأعشاب البحرية وتسببت في ابيضاض المرجان، وهي ظاهرة تحدث لأن الطحالب التي تعيش في تكافل مع المرجان وتعطيه هذا اللون الأخضر تهرب من الحرارة، مما يسبب ابيضاض المرجان [8].

ما الذي يخبئه المستقبل للحياة البحرية؟

في كل مرة تحدث فيها موجة حر بحرية، فإنها تغير النظم البيئية البحرية وتدمرها في الغالب [4]. بإمكان بعض الكائنات تكييف ظروف حياتها مع درجات الحرارة القصوى، مثل الأسماك التي تستطيع الهجرة نحو المناطق الأكثر برودة، ولكن الكثير من الكائنات، مثل المرجان أو غابات الأعشاب البحرية، لا تستطيع الهروب من الحرارة، على الرغم من أن بعضها يجيد مقاومة هذه الحرارة. تسبب موجات الحر البحرية بشكل عام آثارًا مدمرة على النظام البيئي البحري، ويمكن أن تتفاقم هذه الآثار بدرجة غير مسبوقة. على سبيل المثال، توفر الشعاب المرجانية مأوى للأسماك ونجم البحر والسلطعون والإسفنج والمحار. وبالتالي، فإن ابيضاض المرجان نتيجة موجات الحر البحرية قد يؤدي إلى عواقب كارثية على الكثير من الكائنات البحرية.

للمحيط أهمية كبرى في الحياة، فهو يوفر فوائد اقتصادية غير محدودة، بدايةً من الطعام (مثل الأسماك والمحاريات) والسياحة وكل الوظائف المرتبطة بتلك القطاعات، ناهيك عن توفير الطاقة اللازمة للمنازل، بل وحتى الأدوية. ولهذا السبب نحتاج إلى توقع موارد وتعدادات كائنات المحيط. من خلال الإجراءات المتخذة لوقف الاحترار العالمي، يمكن الحيلولة دون هلاك الكائنات البحرية، ومن هذه الإجراءات الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لقد باتت موجات الحر البحرية أكثر شيوعًا، لذا يجب العثور على طرق لحماية النظم البيئية البحرية والحفاظ عليها، وكذلك كل الحيوانات التي تعيش فيها. ومن هذه الحلول بناء محميات، وهي مناطق في المحيط تكون الأنشطة البشرية فيها، مثل الصيد أو استخراج المعادن، مقيّدة أو محظورة تمامًا. لا تمنع هذه المناطق الأضرار الناتجة عن موجات الحر البحرية، ولكنها تعمل كملاذ يمكن للكائنات البحرية العيش فيه والنمو بسلام بعيدًا عن الضغط البشري، كما تسمح هذه المناطق للكائنات البحرية بالتعافي من فترات الإجهاد الشديد، كتلك الناتجة عن موجات الحر البحرية [10]. ومن المهم إدراك آثار موجات الحر البحرية على الحياة في المحيط ووضع استراتيجيات لمواجهة آثارها، وهذا لأن سلامة النظم البيئية البحرية في غاية الأهمية لمعيشتنا وعافيتنا.

مسرد للمصطلحات

موجات الحر (Heatwaves): فترات طويلة تشهد ارتفاعًا غير عادي في درجة الحرارة ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع، بل وحتى شهور.

الاحترار العالمي (Global Warming): زيادة تدريجية في درجة حرارة الهواء على كوكب الأرض نتيجة ارتفاع في نسبة ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي بسبب أنشطة البشر، مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات.

تيارات المحيط (Ocean Currents): الحركة المتواصلة لكمية كبيرة من المياه في المحيط نتيجة الرياح وتفاوتات درجة الحرارة.

النينيا (La Niña): نمط مناخي في المحيط الهادئ الاستوائي يؤدي إلى برودة أكبر من المعتاد في المياه قبالة سواحل بيرو، ودفء أكبر من المعتاد قبالة سواحل أستراليا.

الضغط الجوي (Atmospheric Pressure): قوة وزن الهواء فوق سطح الأرض.

ابيضاض المرجان (Coral Bleaching): ابيضاض المرجان بسبب ابتعاد أو موت الطحالب التي تعيش بطبيعة الحال في تكافل معه وتعطيه هذا اللون الأخضر. وينتج هذا عن زيادة حرارة المحيط بشكل مفرط.

المحميات البحرية [Marine Protected Areas (MPAS)]: مناطق محمية في المحيط توفر للنظم البيئية البحرية بيئة يقل أو ينعدم فيها الإجهاد الناتج عن الأنشطة البشرية مثل الصيد وركوب القوارب والأنشطة الترفيهية.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Perkins, S. E. 2015. A review on the scientific understanding of heatwaves—their measurement, driving mechanisms, and changes at the global scale. Atmosph. Res. 164–165:242–67. doi: 10.1016/j.atmosres.2015.05.014

[2] Hobday, A. J., Alexander, L. V., Perkins, S. E., Smale, D. A., Straub, S. C., Oliver, E. C. J., et al. 2016. A hierarchical approach to defining marine heatwaves. Prog. Oceanogr. 141:227–38. doi: 10.1016/j.pocean.2015.12.014

[3] Viglione, G. 2021. Sudden fevers are gripping parts of the ocean with increasing frequency. Scientists are scrambling to forecast them and prevent harm to marine life. Nature. 593:26–8. doi: 10.1038/d41586-021-01142-4

[4] Frölicher, T. L., and Laufkötter, C. 2018. Emerging risks from marine heat waves. Nat Commun. 9:650. doi: 10.1038/s41467-018-03163-6

[5] Alaska Fisheries Science Center. 2021. Most Recent Data Shows Gulf of Alaska Ecosystem Slow to Return to Pre-Heatwave State. NOAA Fisheries. Available online at: https://www.fisheries.noaa.gov/feature-story/most-recent-data-shows-gulf-alaska-marine-ecosystem-slow-return-pre-heatwave-state

[6] Ryan, S., Ummenhofer, C. C., Gawarkiewicz, G., Wagner, P., Scheinert, M., Biastoch, A., et al. 2021. Depth structure of ningaloo niño/niña events and associated drivers. J. Clim. 34, 1767–88. doi: 10.1175/JCLI-D-19-1020.1

[7] Di Lorenzo, E., and Mantua, N. 2016. Multi-year persistence of the 2014/15 North Pacific marine heatwave. Nature Clim Change 6, 1042–1047. doi: 10.1038/nclimate3082

[8] Oliver, E. C. J., Donat, M. G., Burrows, M. T., Moore, P. J., Smale, D. A., Alexander, L. V., et al. 2018. Longer and more frequent marine heatwaves over the past century. Nat. Commun. 9:1324. doi: 10.1038/s41467-018-03732-9

[9] Cavole, L., Demko, A., Diner, R., Giddings, A., Koester, I., Pagniello, C., et al. 2016. Biological impacts of the 2013–2015 warm-water anomaly in the northeast pacific: winners, losers, and the future. Oceanography. 29:273–85. doi: 10.5670/oceanog.2016.32

[10] Freedman, R. M., Brown, J. A., Caldow, C., and Caselle, J. E. 2020. Marine protected areas do not prevent marine heatwave-induced fish community structure changes in a temperate transition zone. Sci. Rep. 10:21081. doi: 10.1038/s41598-020-77885-3