مفاهيم أساسية علوم الأرض نشر بتاريخ: 20 نوفمبر 2023

كيف نستفيد من القمامة؟ وما دور الميكروبات في ذلك؟

ملخص

ماذا لو قيل لك إن هناك ميكروبات طيبة يمكنها أكل القمامة؟ قد تكون ثمة تقارير تفيد بأن الميكروبات شريرة وتسبب الأمراض. ولكن، ثمة ميكروبات طيبة يمكنها أن تأكل القمامة العضوية (مثل قشور الموز والخضروات القديمة) المتكونة في المنازل أو المطاعم. ويمكن أن تستخدم هذه الميكروبات القمامة لإنتاج الطاقة في شكل هيدروجين يمكن استخدامه لتزويد سياراتنا بالوقود. وتُسمى عملية تحويل القمامة العضوية إلى طاقة بالتخمر المظلم. وأثناء التخمر المظلم، تنتج أيضًا مركبات أخرى مفيدة يمكن استخدامها لصنع الأطعمة والأدوية والمشروبات وغيرها من الأشياء المفيدة. ويتناول هذا المقال عملية التخمر المظلم والمنتجات التي نحصل عليها خلال هذه العملية.

الميكروبات التي تأكل القمامة

الميكروبات من أصغر الكائنات الحية ولا يمكن رؤيتها إلا باستخدام المجهر. وعلى الرغم من أننا لا يمكننا رؤيتها بالعين المجردة، فالميكروبات موجودة في كل مكان: على أيدينا وفي بطوننا وعلى أسطح الألعاب والأشياء الأخرى، وبالطبع في جميع أنحاء الأرض؛ في الهواء والتربة والماء. وعلى الرغم من صغر حجم الميكروبات، فهي متنوعة ووفيرة للغاية. وتؤدي الميكروبات أدوارًا مهمة في العديد من العمليات الطبيعية. فيمكنها مثلًا أن تساعد في تحلل القمامة العضوية وإعادة تدويرها.

تُصنع القمامة العضوية بفعل الكائنات الحية، بما في ذلك جميع الفواكه والخضروات. هل تساءلت يومًا عما يحدث لمخلفات الفواكه والخضروات التي تُلقى في القمامة في منزلك أو في المطاعم؟ عادةً ما تتولى شاحنة القمامة جمع القمامة ونقلها إلى مدفن القمامة (شكل 1). وفي مدافن القمامة، تتراكم القمامة العضوية وتختفي ببطء شديد بمرور الوقت. وأثناء تحلل القمامة العضوية، تنتج مركبات خطيرة يمكن أن تلوث الهواء والتربة والماء. فمثلًا، أثناء تحلل القمامة العضوية، ينتج سائل أسود (يُسمى السائل المُرشح). وإذا أُطلق هذا السائل في الطبيعة، فسوف يلوث المياه المستخدمة للشرب وسيؤثر على جودة التربة المُستخدمة للزراعة.

شكل 1 - عادةً ما تذهب القمامة العضوية التي تتكون في المنازل إلى مدافن القمامة، حيث تتراكم وتختفي ببطء شديد بمرور الوقت.
  • شكل 1 - عادةً ما تذهب القمامة العضوية التي تتكون في المنازل إلى مدافن القمامة، حيث تتراكم وتختفي ببطء شديد بمرور الوقت.
  • وكبديل لذلك، يمكن تحليل هذه القمامة في المفاعلات الحيوية، التي تنتج منتجات قيمة يمكن استخدامها في صناعة الأدوية والأغذية ومستحضرات التجميل والهيدروجين، الذي يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة.

ولكن، ما الذي يمكننا فعله لمنع القمامة العضوية من التأثير على الطبيعة؟ حسنًا، ثمة طريقة أخرى للتعامل مع هذه القمامة؛ وهي طريقة نظيفة وصديقة للبيئة! يمكننا الجمع بين القمامة العضوية وميكروبات معينة تحول القمامة العضوية إلى منتجات قيمة. ويمكن استخدام هذه المنتجات في صناعة الأطعمة والمشروبات والأدوية. بل والأفضل من ذلك، أن هذه الميكروبات تنتج الهيدروجين أثناء تحليلها للقمامة العضوية. والهيدروجين هو غاز مدهش يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة اللازمة لتزويد السيارات بالوقود. وتُسمى هذه العملية التخمر المظلم [1].

من القمامة العضوية إلى الطاقة والمركبات القيمة

تتكون جميع النفايات العضوية من كتل بناء صغيرة تسمى الكربوهيدرات. وفي التخمر المظلم، يمكن لبعض الميكروبات المدهشة فصل هذه الكتل وأكلها. وتسمح الكربوهيدرات للميكروبات بالنمو وإنتاج المزيد من الميكروبات وإنشاء مركبات تسمى الأحماض العضوية وغاز الهيدروجين.

ولتصور التخمر المظلم، دعونا نتخيل تحضير كعكة. ما الذي تحتاجه لصنع كعكة؟ حسنًا، نحتاج إلى المكونات (الحليب والدقيق والسكر وما إلى ذلك) وطاهٍ وفرن. يحتاج التخمر المظلم إلى أشياء مشابهة. إذ نحتاج إلى قمامة عضوية بوصفها المكونات والميكروبات بوصفها الطاهي. ونضع هذه الأشياء في فرن خاص يُسمى المفاعل الحيوي (شكل 1). وفي المفاعل الحيوي، تتسبب الميكروبات في حدوث تخمر مظلم، مما ينتج عنه «كعكة» مع «شرائح» ذات نكهات مختلفة. وتتوافق كل شريحة مع منتج مختلف؛ مثلًا، الهيدروجين وحمض الخليك وحمض البوتيريك وغيرها. ونسمي هذه العملية التبخر المظلم لأن الميكروبات لا تحتاج إلى الضوء أو الأكسجين لإنتاج هذه المنتجات في المفاعل الحيوي.

ما مدى فائدة منتجات التخمر المظلم؟

إذن، ما الذي يمكن فعله بالمركبات التي ينتجها التخمر المظلم؟ كما أشرنا في موضع سابق، الهيدروجين عبارة عن غاز يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل سياراتنا [2]. ويستخدم معظم السيارات البنزين كوقود. ومع ذلك، يؤدي احتراق البنزين في محركات السيارات إلى إنتاج ملوثات الهواء. وعلى نحو لا يُصدق، لا ينتج غاز الهيدروجين ملوثات ومقارنةً بالبنزين، نحتاج إلى كمية أقل بكثير من غاز الهيدروجين للسفر لمسافات طويلة.

ولكن، ماذا عن الأحماض؟ يُستخدم حمض الخليك في إنتاج الأدوية والدهانات. ويمكن استخدام حمض البوتيريك في تحضير بعض الأطعمة والمشروبات، مثل الزبد والمشروبات المُخمرة [2]. وتساعد الأحماض الأخرى في الحفاظ على الأطعمة طازجة لفترة طويلة. وعادةً ما تُنتج هذه الأحماض في المصانع التي تنبعث منها الكثير من الملوثات التي يمكن أن تلحق الضرر بالكوكب. وفي عملية التخمر المظلم، تُنتج هذه الأحماض بطريقة نظيفة باستخدام القمامة التي تخرج من منازلنا دون التسبب في التلوث.

إذن، لا مزيد من مدافن النفايات؟

على الرغم من أن هذا يبدو رائعًا، لماذا نستمر في إرسال قمامتنا إلى مدافن النفايات؟ لقد اتضح أن التكنولوجيا اللازمة لجعل التخمر المظلم فعالًا على نطاق واسع لا تزال قيد التطوير. ولفهم السبب، دعونا نعيد النظر في مثال الكعكة. يوضح شكل 2 الشرائح ذات النكهات المختلفة الناتجة من «طهي» القمامة العضوية في مفاعل حيوي. يمكنك أن تلاحظ أن الشريحة الأكبر تتوافق مع الميكروبات (التي تتكاثر في المفاعل الحيوي) وغاز يُسمى ثاني أكسيد الكربون.

شكل 2 -  يشهد المفاعل الحيوي حدوث عملية تُسمى التخمر المظلم.
  • شكل 2 - يشهد المفاعل الحيوي حدوث عملية تُسمى التخمر المظلم.
  • وينتج التخمر المظلم «شرائح» من المركبات المختلفة. الشريحة الأكبر للميكروبات وثاني أكسيد الكربون، تليها شرائح بعض الأحماض، وأخيرًا شريحة الهيدروجين.

وثاني أكبر شريحتين هما حمض الخليك وحمض البوتيريك. وأخيرًا، تُعد شريحة الهيدروجين هي الأصغر [2]. وثمة حاجة إلى المزيد من الأبحاث حول التخمر المظلم لزيادة حجم الهيدروجين ليكون مفيدًا ولتقليل حجم شريحة الميكروبات وثاني أكسيد الكربون. ولا يخفي على أحد الدور الذي يضطلع به ثاني أكسيد الكربون في الاحترار العالمي. ولما كان التخمر المظلم بديلًا صديقًا للكوكب، فنحن بحاجة إلى تجنب إطلاق ثاني أكسيد الكربون المُنتج في «الفرن» إلى الهواء. ومن ثمّ، يمكن تخزين ثاني أكسيد الكربون المُنتج في عملية التخمر المظلم واستخدامه في العديد من الخيارات الصديقة للكوكب. في زراعة أنواع محددة من الطحالب على سبيل المثال.

كيف يمكننا أن نجعل هذه الميكروبات أكثر فعالية ونساهم في تعزيز التخمر المظلم؟ الإجابة هي عن طريق تحفيزها على العمل بمزيد من الجدية. ولنحفز الميكروبات على العمل بمزيد من الجدية، فإنها تحتاج إلى الطعام وإلى أن تكون الظروف الأخرى في المفاعل الحيوي مثالية. وقد كانت مجموعتنا البحثية تدرس طرقًا أخرى لتحسين التخمر المظلم. فنحن -مثلًا- نحفز الميكروبات في المفاعل الحيوي من خلال إدخال المزيد من الميكروبات لتسريع العملية وجعلها أكثر فعالية؟ وبذلك، يمكننا مضاعفة حجم «شريحة» الهيدروجين [3].

الخاتمة

يوضح هذا المقال أن ثمة ميكروبات يمكنها أن تأكل القمامة العضوية التي تخرج من منازلنا ومطاعمنا وتحللها من خلال عملية تُسمى التخمر المظلم. تنتج هذه الميكروبات مركبات قيمة، منها حمض الخليك وحمض البوتيريك، اللذين يمكن استخدامهما لتصنيع الأدوية والأطعمة من بين المنتجات اليومية الأخرى، والهيدروجين، الذي يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل سياراتنا. وللتبخر المظلم آثار سلبية أقل على الكوكب من إلقاء القمامة العضوية في مدفن القمامة، ولكن لا يزال ثمة عمل ينبغي القيام به قبل أن نتمكن من استخدام هذه العملية على نطاق واسع.

يدرس العديد من العلماء في جميع أنحاء العالم طرقًا لتحويل القمامة العضوية إلى مواد مفيدة عن طريق تحسين التخمير المظلم.

التمويل

تلقى هذا المشروع دعمًا ماليًا من مشروع A1-S-37174 التابع لكوناكيت.

مسرد للمصطلحات

التحلل (Decomposition): هو تحلل (بواسطة الميكروبات) مركب مصنوع من سلسلة كتل من المواد العضوية.

القمامة العضوية (Organic garbage): هي أي مواد مصدرها نبات أو حيوان ويمكن أن تتحلل بواسطة الميكروبات.

الهيدروجين (Hydrogen): هو أدنى غاز يحتوي على أعلى محتوى للطاقة. وهو أيضًا العنصر الأكثر وفرة في الكون.

التخمر المظلم (Dark fermentation): هو عملية طبيعية تلتهم فيها بعض الميكروبات الكربوهيدرات لتنمو وتتكاثر وتنتج مركبات مثل الأحماض العضوية وغاز الهيدروجين.

الكربوهيدرات (Carbohydrates): تتكون من كتل بناء مصنوعة من السكريات، وهي المصدر الرئيسي للطاقة للكائنات الحية.

الأحماض العضوية (Organic acids): هي مواد مصنوعة من الكربون والهيدروجين والأكسجين وموجودة بصورة طبيعية في بعض الفواكه والخضروات.

المفاعل الحيوي (Bioreactor): هو وعاء يسمح للميكروبات بالعيش والنمو وأداء أنشطتها، مثل التحلل.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.

إقرار

يشعر JM-R بالامتنان لمنحة الدراسات العليا المُقدمة من كوناكيت.


المراجع

[1] Dahiya, S., Chatterjee, S., Sarkar, O., and Mohan, S. V. 2021. Renewable hydrogen production by dark-fermentation: current status, challenges and perspectives. Bioresour. Technol. 321:124354. doi: 10.1016/j.biortech.2020.124354

[2] Jarunglumlert, T., Prommuak, C., Putmai, N., and Pavasant, P. 2018. Scaling-up bio-hydrogen production from food waste: feasibilities and challenges. Int. J. Hydrogen Energy. 43:634–48. doi: 10.1016/j.ijhydene.2017.10.013

[3] Montoya-Rosales, J. de J., Palomo-Briones, R., Celis, L. B., Etchebehere, C., and Razo-Flores, E. 2020. Discontinuous biomass recycling as a successful strategy to enhance continuous hydrogen production at high organic loading rates. Int. J. Hydrogen Energy. 45:17260–9. doi: 10.1016/j.ijhydene.2020.04.265