ملخص
نعلم جميعًا أنه كلما زادت انبعاثات غازات الدفيئة، ارتفاع درجة حرارة الكوكب. ولكن، هل يمكن أن يؤدي انبعاث كمية صغيرة إضافية من غازات الدفيئة إلى إحداث تغيير كبير للغاية في المناخ في مرحلة معينة؟ وهل يمكن أن يكون هذا التغيير الكبير تغييرًا نهائيًا لا يمكن تداركه؟ عندما يؤدي تغيير طفيف إلى إحداث تأثير كبير للغاية (وطويل المدى)، نطلق على هذه الظاهرة نقطة التحول. والسؤال الذي يحاول العلماء الإجابة عليه الآن هو: هل نقاط التحول موجودة في النظام المناخي للأرض؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما التأثير المحتمل لهذه النقاط؟
ما هي نقطة التحول؟
عندما يؤدي تغيير طفيف إلى إحداث تأثير كبير وطويل المدى، نطلق على هذه الظاهرة نقطة التحول. وعندما نتحدث بلغة العلم، فإننا نصف هذه الظاهرة بأن النظام انتقل من «حالة» إلى أخرى. ولنفهم هذا التعريف، هيا بنا نلقي نظرة على مثال لنقطة تحول في حياتنا اليومية. تخيّل أنك تركب دراجة على طول قمة التل (شكل 1). كل مرة تضغط فيها على الدواسات، ستجد أنك تتحرك قليلًا للأمام، حتى توصلك ضغطة واحدة إلى الحافة، لتفاجئ بأنك تتدحرج إلى أسفل التل وصولًا إلى القاع دون أن تكون لديك القدرة على تدارك السقوط. عندما تضغط تلك الضغطة الأخيرة على الدواسات، فإنك تتجاوز العتبة التي تنقلك من حالة: وجودك أعلى التل، إلى حالة أخرى: وجودك في القاع.
ويحاول العلماء الإجابة على سؤال هو: هل نقاط التحول موجودة في النظام المناخي للأرض؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما التأثيرات العالمية المحتملة لهذه النقاط في المستقبل؟ سنتطرق الآن إلى وصف أجزاء النظام المناخي للأرض التي من المرجح أن يحدث فيها هذا السلوك الذي يمثل العتبة.
نقطة التحول في الغطاء الجليدي
للأرض غطاءان جليديان كبيران: الغطاء الجليدي في غرينلند في الشمال، والغطاء الجليدي الأنتاركتيكي في الجنوب. هيا نتناول الغطاء الجليدي في غرينلند بوصفه مثالًا على نقاط التحول.
الغطاء الجليدي في غرينلند هو بقايا من العصر الجليدي الأخير؛ ويعني هذا أنه لم يتشكّل في مناخنا الحالي، بل هو بقايا من الحقبة التي كان فيها المناخ أ كثر برودة. وهذا الغطاء سميك لدرجة أنه يصل إلى ارتفاع يربو على 2 كم فوق مستوى البحر. ويكون الهواء عند هذا الارتفاع أبرد منه عند مستوى سطح البحر، مما يساعد على بقاء الجليد متجمدًا. وكان الهواء في الماضي باردًا بما فيه الكفاية لمنع الجليد من الذوبان بسرعة كبيرة، مما يسمح للجليد المتساقط على سطح الغطاء الجليدي بأن يحل محل أي جليد ذائب فقده المحيط. ولكن، مع احتباس المزيد من الحرارة في الأرض بسبب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ارتفعت درجة حرارة الهواء، مما أدى إلى ذوبان الغطاء الجليدي بصورة أسرع مما يمكن أن يحل محلها الجليد المتساقط.
ومع ذوبان الجليد، ينكمش الغطاء الجليدي؛ ويصبح أصغر وأقصر. وفي هذه الارتفاعات المنخفضة، يتعرض الغطاء الجليدي لهواء أ كثر دفئًا. وكلما زاد ذوبان الجليد، يصبح الغطاء الجليدي أقصر، مما يتسبب في المزيد من ذوبان الجليد، وانخفاض الغطاء الجليدي أ كثر وأ كثر، مما يؤدي إلى مزيد من التدفئة وما إلى ذلك (شكل 2) [1]. وتُعرف هذه الظاهرة بحلقة التغذية الراجعة ذاتية التعزيز؛ فكلما زادت مرات حدوثها، ازدادت سوءًا. وفي مرحلة حرجة، يعتقد العلماء أن الغطاء الجليدي سيتجاوز العتبة التي ينتقل فيها انتقالًا لا رجعة فيه من حالة بها جليد دائم إلى حالة بدون جليد، وسيمر الغطاء الجليدي بنقطة تحول، وبعدها سيختفي تمامًا لا محالة [2].
نقطة التحول في اليابسة
غابات الأمازون المطيرة هي واحدة من أ كبر النظم البيئية الطبيعية على وجه الأرض. حيث تمتص غابات الأمازون الكثير من ثاني أكسيد الكربون لدرجة أنها تُعرف أحيانًا باسم رئتي الأرض. فبدون غابات الأمازون، سيكون ثمة الكثير من ثاني أكسيد الكربون العالق في الغلاف الجوي. وقد تخمن عند قراءتك للاسم أن الغابة المطيرة تحتاج إلى الكثير من الأمطار، وأنت محق في ذلك. فغابات الأمازون مترامية الأطراف، لدرجة أنها تتسبب في هطول نصف الأمطار التي تحتاجها، من تبخر المياه من النباتات والتربة فقط [3]. ودون هطول ما يكفي من الأمطار، تصبح الغابات المطيرة عُرضة لتغيرات كبيرة.
ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ، تتغير أنماط هطول الأمطار أيضًا. وتتنبأ النماذج المناخية بانخفاض هطول الأمطار على غابات الأمازون مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية. ومما يزيد الطين بلة أن غابات الأمازون تنكمش أيضًا بسبب إزالة الغابات (قطع البشر للغابات)، التي تؤدي بدورها إلى تقليل كمية الأمطار التي تنتجها الغابات المطيرة من تبخرها. وإذا لم يكن ثمة ما يكفي من الأمطار وجفت غابات الأمازون كثيرًا، فقد يؤدي هذا إلى سقام الغابات المطيرة، مما يعني أن الأشجار ستموت ولن تنمو مرة أخرى. وستحل المروج والسافانا محل الغابات المطيرة (شكل 3) [5 ,4].
سيؤدي سقام غابات الأمازون إلى إزالة بالوعة كربون بيرة من النظام المناخي للأرض، مما يعني بقاء المزيد من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والتي ستؤدي بدورها إلى زيادة احترار الأرض وتسريع الوتيرة. وتُعد المرحلة التي بحلولها لا تكون ثمة أشجار أو أمطار كافية في غابات الأمازون مثالًا على نقطة التحول المحتملة على اليابسة.
نقطة التحول في المحيط
وثمة مجموعة كبيرة من التيارات المائية في المحيط تُسمى بالتيار التقلبي الجنوبي الأطلسي. تحمل هذه التيارات المياه من المناطق الاستوائية (بالقرب من خط الاستواء) شمالًا باتجاه القطب الشمالي، حيث يبرد الماء ويهبط ثم ينتقل مرة أخرى نحو المناطق المدارية. يدفع هذا الدوران نفسه، فكلما هبط المزيد من الماء في الشمال، زادت كمية الماء القادم من المناطق المدارية للانتقال شمالًا والهبوط مرة أخرى، تباعًا. ولكن، مع ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلند وزيادة هطول الأمطار، تتدفق كمية أ كبر من المياه العذبة الباردة إلى الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي [6]. وتختلط المياه العذبة مع المياه المالحة، وتجعلها أخف وزنًا وأقل عُرضة للهبوط. ويتسبب هذا في إضعاف تدفق الماء، الذي يؤدي بدوره إلى إبطاء التيار التقلبي الجنوبي الأطلسي.
ويحاول علماء المناخ وأخصائيو علم المحيطات فهم ما إذا كان هذا التباطؤ قد يصبح انقطاعًا كاملًا، مما يعني أن التيار التقلبي سيتوقف تمامًا. التيار التقلبي الجنوبي الأطلسي مسؤول عن المناخ المعتدل في أوروبا الغربية؛ فبدونه ستكون درجات الحرارة وهطول الأمطار مختلفين تمامًا. وهذه التدفقات الهائلة من المياه لها أهمية أيضًا في امتصاص الحرارة والكربون. ويعكف العلماء على فهم ما إذا كان ثمة نقطة حاسمة -أي عتبة- قد يتحول فيها تباطؤ التيار التقلبي الجنوبي الأطلسي إلى انقطاع لا يمكن تداركه [1]. وهذا مثال على نقطة التحول المحتملة في المحيط.
لماذا ينبغي أن نقلق بشأن نقاط التحول؟
إذا كانت نقاط التحول موجودة في النظام المناخي للأرض، فهل يمكن أن تفتح نقطة تحول واحدة الباب أمام بقية نقاط التحول، مثل صف من قطع الدومينو؟ هذا احتمال مثير للقلق للغاية.
فقد تتسبب عناصر التحول في حدوث تغيير مفاجئ أو تغيير بطئ ولكن سيؤدي تجاوز العتبة -في كلتا الحالتين- إلى انتقال النظام حتمًا إلى مرحلة جديدة. فقد يؤدي إثارة نقطة تحول في جزء معين من النظام المناخي للأرض إلى زيادة احتمالية اقترابنا من العتبة في جزء آخر. ويُطلق على هذا التأثير المتمثل في تسبب نقطة تحول معينة في أخرى تعاقب نقاط التحول [7].
هل ستصل الأرض إلى أي نقاط تحول قريبًا؟ النظام المناخي للأرض في غاية التعقيد. حيث يستخدم العلماء الكثير من الأدلة المختلفة لتفسير ما سيحدث في المستقبل؛ فيبنون نماذج مناخية ويرصدون التغيرات في أماكن معينة، مثل المحيط. ونحن نعرف في هذه المرحلة أن المزيد من غازات الدفيئة يعني المزيد من الاحترار، ولكننا لا نعرف بالضبط مقدار غازات الاحتباس الحراري التي ستؤدي إلى نقطة تحول في الأغطية الجليدية أو سقام غابات الأمازون المطيرة. ويعني هذا أن نقاط التحول لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض، فمثلًا متى قد تحدث؟ وماذا ستعني [8]؟
غير أن مجرد معرفتنا باحتمالية حدوث نقطة تحول قد تكون كافية للتأثير على ما نفعله اليوم. ولما كانت عواقب نقاط التحول التي تناولناها وخيمة للغاية، فقد يمثل الاحتمال الضئيل للوصول إلى نقطة تحول مخاطرة لا نرغب في التعرض لها [9]. وهذا أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء تعهد جميع حكومات العالم بمحاولة الحد من تغير المناخ بحيث يتسنى لنا تقليل مخاطر هذه الآثار الخطيرة.
وسيواصل العلماء عكوفهم على فهم ما إذا كانت نقاط التحول موجودة في نظام الأرض، وإذا كانت الإجابة بنعم، فمتى يمكن إثارتها وماذا قد يحدث في هذه الحالة. ومن هنا، كلما عرفنا المزيد عن نقاط التحول، كان بمقدورنا التخطيط بصورة أفضل لتجنبها، أو للتعامل معها في حالة حدوثها. لذا يمكننا القول إن احتمالية حدوث نقاط التحول وتعاقب نقاط التحول هي سبب وجيه للغاية يدفعنا إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات الإيجابية اليوم للتقليل من انبعاثات غازات الدفيئة.
مسرد للمصطلحات
نقطة التحول (Tipping Point): ↑ هي عتبة في النظام، يؤدي تجاوزها إلى حدوث تغييرات كبيرة. فحافة التل مثال على نقطة التحول؛ الذي يؤدي تجاوزها إلى انتقالك من القمة إلى القاع.
العتبة (Threshold): ↑ هي القيمة التي يجب تجاوزها لينتقل النظام من حالة إلى حالة أخرى.
حلقة التغذية الراجعة ذاتية التعزيز (Self-Reinforcing Feedback Loop): ↑ هي العملية التي تزداد قوتها كلما تكرر حدوثها. ويُعد ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلند وانكماشه مثالًا على حلقة التغذية الراجعة ذاتية التعزيز.
سقام غابات الأمازون (Amazon Dieback): ↑ هو فقدان الكتلة الحيوية بسبب التغير المناخي، مثل تغير أنماط هطول الأمطار وزيادة حرائق الغابات.
بالوعة الكربون (Carbon Sink): ↑ هي شيء يمتص كمية من الكربون أ كثر من الكمية التي يطلقها، وبالتالي يؤدي إلى إزالة الكربون من الغلاف الجوي. والغابات المطيرة إحدى الأمثلة على بالوعات الكربون.
التيار التقلبي الجنوبي الأطلسي (Atlantic Meridional Overturning Circulation (AMOC)): ↑ نظام من التيارات في المحيط الأطلسي، يعمل على تدوير المياه من المناطق الاستوائية إلى شمال المحيط الأطلسي.
تعاقب نقاط التحول (Tipping Point Cascades): ↑ عندما تؤدي إثارة نقطة تحول واحدة إلى حدوث تغيرات في المناخ تؤدي بدورها إلى إثارة نقطة تحول أخرى وما إلى ذلك.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Good, P, Bamber, J., Halladay, K., Harper, A. B., Jackson, L. C., Kay, G., et al. 2018. Recent progress in understanding climate thresholds: Ice sheets, the Atlantic meridional overturning circulation, tropical forests and responses to ocean acidification. Progr Phys Geogr. 42:24–60. doi: 10.1177/0309133317751843
[2] ↑ Robinson, A., Calov, R., and Ganopolski, A. 2012. Multistability and critical thresholds of the Greenland ice sheet. Nat Clim Change. 2:429–32. doi: 10.1038/nclimate1449
[3] ↑ van der Ent, R. J., Savenije, H. H. G., Schaefli, B., and Steele-Dunne, S. C. 2010. Origin and fate of atmospheric moisture over continents. Water Resourc Res. 46, W09525. doi: 10.1029/2010WR009127
[4] ↑ Lovejoy, T. E., and Nobre, C. 2018. Amazon tipping point. Sci Adv. 4:eaat2340. doi: 10.1126/sciadv.aat2340
[5] ↑ Staal, A., Fetzer, I., Wang-Erlandsson, L., Bosmans, J. H. C., Dekker, S. C., van Nes, E. H., et al. 2020. Hysteresis of tropical forests in the 21st century. Nat Commun. 11:4978. doi: 10.1038/s41467-020-18728-7
[6] ↑ Lohmann, J., and Ditlevsen, P. D. 2021. Risk of tipping the overturning circulation due to increasing rates of ice melt. Proc Natl Acad Sci USA. 118:e2017989118. doi: 10.1073/pnas.2017989118
[7] ↑ Steffen, W., Rockström, J., Richardson, K., Lenton, T. M., Folke, C., Liverman, D., et al. 2018. Trajectories of the earth system in the anthropocene. Proc Natl Acad Sci USA. 115:8252–9. doi: 10.1073/pnas.1810141115
[8] ↑ Wang, S., and Hausfather, Z. 2020. ESD reviews: mechanisms, evidence, and impacts of climate tipping elements. Earth Syst. Dynam. Disc. 1–93. doi: 10.5194/esd-2020-16
[9] ↑ Lenton, T. M., Rockstrom, J., Gaffney, O., Rahmstorf, S., Richardson, K., Steffen, W., et al. 2019. Climate tipping points - too risk to bet against. Nature. 575:592–5. doi: 10.1038/d41586-019-03595-0