ملخص
تساعد أشكال الحياة في المحيطات على إبقاء مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منخفضة عن طريق إخراج الكربون من الغلاف الجوي ونقله إلى أعماق المحيط من خلال الجسيمات الغارقة المُترسبة في قاعه. ويعيش الكريل القطبي الجنوبي في المحيط الجنوبي ويتجمع في أسراب ضخمة. والأهم من ذلك، أنه ينتج برازًا ضخمًا سريع الغرق (يُسمى خيوطًا برازية)، مما يعني أننا نتلقى وابلًا من البراز أسفل هذه الأسراب، مما يؤدي إلى نقل الكربون بسرعة إلى أعماق المحيط. نحن نحسب كيف يعمل الكريل على خفض كمية الكربون في الغلاف الجوي عن طريق تقدير عدد كائنات الكريل الموجودة وعدد الخيوط البرازية التي تنتجها كل كائن منها. وتكشف هذه الحسابات عن مسؤولية أسراب الكريل القطبي الجنوبي التي تعيش بالقرب من الجليد البحري عن إزالة 39 مليون طن من الكربون من سطح المحيط كل عام. ويعادل هذا تقريبًا وزن 100 مليون دب قطبي! لذا، فإن أسراب الكريل ليست مجرد لقمة سائغة مهمة للحيتان وطيور البطريق، ولكنها تعمل أيضًا بمثابة أدوات هندسية حيوية تخدم مناخنا، ولذا فهذه الأسراب بحاجة إلى الحماية.
كائن حي يمتص الكربون!
محيطاتنا ليست فقط ملعبًا رائعًا حيث يمكننا الاستمتاع بالسباحة وجميع أنواع الأنشطة الترفيهية، ولكنها تلعب أيضًا دورًا مهمًا في مناخنا. فلابد أن نشكر النباتات الصغيرة المدهشة المفعمة بالحياة (العوالق النباتية) الموجودة في المحيط على كل نفس نستنشقه من الأكسجين! في الواقع، بدون حياة المحيطات، ستكون مستويات ثاني أكسيد الكربون أعلى بحوالي 50% مما هي عليه اليوم [1]. فعلى غرار الأشجار على الأرض، تمتص العوالق النباتية في المحيط ثاني أكسيد الكربون وتستخدم ضوء الشمس لصنع الطعام الذي تحتاجه للبقاء على قيد الحياة. وعند القيام بذلك، يُحبس الكربون في الخلايا النباتية، والتي تقتات بدورها عليها الحيوانات البحرية مثل العوالق الحيوانية والكريل. وعلى غرار جميع الحيوانات على الأرض، لا تستخدم الحيوانات البحرية كل الطعام الذي تأكله، وتُخرج ما لا تستخدمه مرة أخرى على هيئة براز! ويشبه برازها (الذي يُسمى خيوط البراز) طوربيدات صغيرة مليئة بالكربون. وعندما تغوص هذه الخيوط البرازية في المحيط تأخذ هذا الكربون معها، وتحبسه بعيدًا عن الغلاف الجوي. هذه أخبار رائعة لخفض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي!
لكن لسوء الحظ، توجد مجموعة كاملة من الحيوانات تعيش في أعماق المحيط وتبحث عن وجبات خفيفة لذيذة تتساقط من الأعلى. وعندما تغوص الخيوط البرازية المتساقطة من الكريل، فضلًا عن بقايا النباتات والحيوانات البحرية الميتة، في المحيط تلتهمها الحيوانات على امتداد القاع. وهذا يعني أن ما يقرب من 1% فقط من هذه الجسيمات الغارقة تصل إلى قاع البحر. وبمجرد وصولها إلى قاع البحر، يمكن دفن الكربون الموجود في هذه الجسيمات وحبسه بعيدًا عن الغلاف الجوي لملايين السنين في الرواسب والصخور. وكلما زاد الكربون الذي يمكننا إيصاله إلى الرواسب، كلما قل وجوده في الغلاف الجوي، وهو أمر رائع لمناخنا! وكلما غرق الجسيم بشكل أسرع، قلَّ الوقت المتاح له لينتهي به المطاف كوجبة عشاء شهية لحيوان ما يعيش في أعماق المحيط، بحيث يصل المزيد من الكربون إلى قاع البحر. واتضح أن الحيوانات لم تُخلق مساوية لبعضها بنفس القدر عندما يتعلق الأمر بسرعة غرق برازها!
براز الكريل: بطل الغرق الأولمبي!
يُعتبر الكريل القطبي الجنوبي من القشريات الماهرة في السباحة (وهو جزء من نفس عائلة السرطانات والكركند والقريدس) التي يمكن أن تنمو بطول يصل إلى حوالي 7 سم، ويمكن أن تعيش لمدة تصل إلى 5-6 سنوات في البرية (الشكل 1A). وتوجد فقط في المحيط الجنوبي، وهو الامتداد الكبير للمحيط الذي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية. ويعتبر الكريل سباحًا ماهرًا، ويمكنه السباحة ضد بعض أقوى التدفقات المحيطية في العالم. وفي الواقع، لا يتوقف الكريل عن السباحة طوال حياته. ويتطلب هذا قدرًا هائلًا من الطاقة، والذي يتعين عليه التزود بالطاقة عن طريق تناول ما يصل إلى 10% من وزن جسمه يوميًا. وهذا يعادل تناولنا 12 وجبة كاملة في اليوم. ومع ذلك، وبدلًا من البرجر ورقائق البطاطس، يعتمد طعام الكريل بشكل أساسي على النباتات، ولاسيمّا نوع من العوالق النباتية يسمى الدياتومات، المليئة بالطاقة والدهون الغذائية.
يُنتج عن كل هذا الأكل الكثير من البراز. وتُعد إحدى السمات المدهشة في الكريل هي أن برازه يتكون في صورة سلاسل طويلة تسمى خيوطًا برازية (الشكل 1B)، والتي يمكن أن تغوص بسرعة عبر المحيط بمعدل مئات الأمتار في اليوم متجهة نحو القاع. لا تُقارن سرعة هذه الخيوط بسرعة سباقات الركض الأولمبية، لكنها ستفوز بميدالية في أي سباق بين خيوط البراز المتجهة نحو القاع. وفي بعض أجزاء المحيط الجنوبي، وجدنا الكثير من خيوط براز الكريل في مصائد الجمع التي نتركها في المحيط. وننشر هذه المصائد على خط طويل وتُثبت عادة في قاع البحر. فالمصيدة عبارة عن قمع كبير يمسك بكل الجسيمات التي تغرق ويجمعها في أكواب عينات في الأسفل (الشكل 1C). وفي بعض الأحيان، يمكن أن تكون العينات مليئة بخيوط براز الكريل مقارنة بغيره، وهو ما نعتقد أنه بسبب وجود عدة ملايين من الكريل في المنطقة تسبح فوق المصيدة، مكونة مجموعة كبيرة تسمى سربًا.
أسراب الكريل: الانخراط في مجموعة أمر مستحسن
أحد الأشياء الرائعة حول الكريل، والذي يجعله أفضل الكائنات في نقل الكربون إلى أعماق المحيطات، هو أنه ينتقل مع الملايين من أقرانه في أسراب. وبعض هذه الأسراب ضخمة ويمكن أن تمتد على مساحة حوالي 100 كم2 [2]، وهي تقريبًا نفس مساحة جزيرة جيرسي قبالة المملكة المتحدة. ويفضل الكريل كثيرًا التواجد في سرب بدلًا من السباحة بشكل فردي، ويبدو أنه كلما زاد حجم السرب، كان ذلك أفضل. ويتواجد حوالي 90% من إجمالي الكريل الذي يعيش في المحيط الجنوبي في عدد صغير نسبيًا من الأسراب الكبيرة [3]. يوفر التواجد في سرب الحماية من العديد من الحيوانات المفترسة التي تتغذى على الكريل، مثل البطاريق والزعنفيات والحيتان. كما أنها طريقة أفضل للعثور على البقع الكبيرة (تجمعات الأزهار البحرية) من طعام العوالق النباتية المنتشرة على نطاق واسع في المحيط؛ فالعديد من أزواج العيون (وقرون الاستشعار) أفضل من عين واحدة. وتُعتبر هذه الأسراب النادرة ولكن الضخمة مهمة حقًا، ليس فقط للحياة البرية في المحيط الجنوبي التي تتغذى عليها، ولكن أيضًا لنقل الكربون إلى أعماق المحيط. فالكثير من الكريل يعني الكثير من البراز الغارق في قاع المحيط!
طريق الكربون السريع عبر أسراب الكريل
تسبح أسراب الكريل الكبيرة عبر المحيطات، وتتغذى على أي أزهار من العوالق النباتية التي تعبر مساراتها. ويعني العدد الهائل من الكريل في هذه الأسراب أننا خلال موسم التغذية المكتظ، نحصل على أعداد هائلة من الخيوط البرازية التي تسقط أسفل السرب. يعني العدد الكبير من الخيوط البرازية أنه من المستحيل أن تتمكن الحيوانات الآكلة للبراز (مثل الأسماك والعوالق الحيوانية) القابعة أسفل الأسراب من مواكبة الإمدادات والتهامها، فهو أشبه بالتواجد في مطعم للسوشي ومحاولة تناول كميات كبيرة من الطعام بأضعاف السرعة المعتادة فقط لأن إمدادات الطعام لا تنتهي! وبينما تشعر الكائنات الآكلة للبراز بالتخمة (الشبع الشديد)، لا تؤكل معظم الخيوط البرازية وتغرق في أعماق المحيط، آخذة معها الكربون (الشكل 2).
يمكن أن يصل الكثير من الكربون إلى أعماق المحيط عندما تتغذى أسراب الكريل على العوالق النباتية بالقرب من السطح، مما ينتج عنه أعداد هائلة من الخيوط البرازية التي تغرق بسرعة. ويمكن أن يكون هناك الكثير من الخيوط البرازية بحيث لا يمكن للحيوانات الآكلة للبراز التي تعيش في عمق المحيط أن تلتقطها جميعًا. وهذا يعني أن الكثير من هذه الخيوط يصل إلى أعماق المحيط، آخذة معها الكثير من الكربون.
نظرًا لأن أسراب الكريل قليلة للغاية ومتباعدة، فمن الصعب حقًا التقاط هذه الأحداث النادرة من شلالات البراز، ولكننا نعتقد أنها يمكن أن تنقل الكثير من الكربون إلى أعماق المحيط [4]. أردنا إيجاد طريقة لتقدير عدد الخيوط البرازية التي يتم إنتاجها حتى نتمكن من التنبؤ بكمية الكربون التي تنقلها من سطح المحيط. لقد حددنا بشكل خاص منطقة من المحيط الجنوبي تسمى منطقة الجليد الهامشية (MIZ) حيث يبدأ الجليد البحري في الانفتاح على المحيط المفتوح. وركزنا على منطقة الجليد الهامشية لأن الظروف هناك مثالية لتوليد براز سريع الغرق، نظرًا لوجود الكثير من أزهار العوالق النباتية وأعداد كبيرة من الكريل. يختلف موقع منطقة الجليد الهامشية على مدار الفصول حيث ينمو حجم الجليد في فصل الشتاء ويذوب مرة أخرى في فصل الصيف. كجزء من حساباتنا، استخدمنا صور الأقمار الصناعية لحساب حجم منطقة الجليد الهامشية على مدار عام كامل (الشكل 3).
كانت المرحلة التالية هي تحديد عدد الكريل الذي يعيش في منطقة الجليد الهامشية. وأُجريت العديد من القياسات لأعداد الكريل في المحيط الجنوبي خلال العقد الماضي، وذلك باستخدام الشِباك التي تم سحبها خلف السفن [5]. وقد جمعنا جميع السجلات المتاحة للصيد بالشباك الذي تم إجراؤه في مناطق الجليد الهاشمية وقدرنا أعداد الكريل في هذه المناطق على مدار عام كامل.
كان الجزء الأخير من الحساب هو معرفة عدد الخيوط البرازية التي ينتجها الكريل في المتوسط. واستخدمنا المعلومات المستقاة من عدد من الفرق العلمية المختلفة التي أطعمت الكريل الأسير ثم قاسوا كمية الخيوط البرازية التي قاموا بإنتاجها وحجمها ومدى سرعة غرقها [6].
من خلال تجميع هذه الأدلة معًا، تمكنا من تقدير عدد الخيوط البرازية التي نجحت في الخروج من المحيط السطحي، والأهم من ذلك، مقدار الكربون الذي تحمله معها. وأفضل تقدير لدينا هو أن الكريل القطبي الجنوبي الذي يعيش في منطقة الجليد الهامشية ينقل 39 مليون طن من الكربون سنويًا إلى أعماق المحيط من خلال البراز. وهذا هو الحد الأدنى من التقديرات، حيث يعيش العديد من الكريل في مناطق أخرى خارج منطقة الجليد الهامشية. ومع ذلك، يشير هذا التقدير الأدنى إلى أن الكريل القطبي الجنوبي ينقل قدرًا من الكربون في برازه يساوي كمية الكربون المنبعثة حاليًا من جميع السيارات والحافلات والقطارات وحتى الطائرات داخل المملكة المتحدة! لذا، تعمل الكائنات الاجتماعية آكلة العوالق النباتية والتي لديها نهم تجاه الطعام بمثابة أداة هندسية حيوية ضرورية لمناخنا؛ بسبب قيامها بما يجب عليها فعله يوميًا، وهو ببساطة التبرز!
الكريل ومناخنا
بمجرد أن ينتقل براز واحد من الكريل أو أي حيوان أو أسماك لأعماق المحيطات سيبقى هناك لمدة 10 أو 100 أو حتى 1000 سنة! وهذا مهم للغاية للمناخ، لأنه يعني أن الكربون مُحتجز في أعماق المحيط ولا يمكن أن يعود إلى الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون، وهو ما يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب بهذه السرعة. وقد يكون من الصعب دراسة الحيوانات في المحيط، وكل ما نفعله هو أن نتعلم فقط مدى أهمية برازها. وبالتالي، نحن بحاجة إلى توخي الحذر بشأن ما نأخذه من المحيط وتأثيرنا على مجتمعات المحيطات، ليس فقط لأن الكريل غذاء مهم للعديد من الحيوانات، بل أيضًا لأن براز هذه الكائنات البحرية يلعب دورًا مهمًا في المناخ! ومع ذلك، ففي المرة القادمة التي تمر فيها بعاصفة، كن ممتنًا لأن الماء فقط هو الذي يسقط على رأسك!
مسرد للمصطلحات
العوالق النباتية (Phytoplankton): ↑ طحالب مجهرية شبيهة بالنبات.
العوالق الحيوانية (Zooplankton): ↑ حيوانات لديها قدرة ضعيفة على السباحة تنجرف فقط مع التيارات التي تحركها الرياح/المحيط.
خيوط البراز (Fecal String): ↑ نوع البراز الذي تنتجه حيوانات مثل الكريل القطبي الجنوبي، والذي يحتوي على الكثير من الطعام المهضوم جزئيًا داخل غشاء أنبوبي، وغالبًا ما يكون غنيًا بالكربون.
الكريل القطبي الجنوبي (Antarctic Krill): ↑ قشريات تتمتع بالقدرة على السباحة تعيش في المياه المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية.
تجمعات الأزهار البحرية (Bloom): ↑ مناطق من المحيط يوجد بها تركيز عالٍ من النباتات البحرية بسبب التكاثر السريع.
منطقة الجليد الهامشية (Marginal Ice Zone) (Miz): ↑ المنطقة الانتقالية بين الجليد المتراص وأعالي البحار، حيث توجد كميات متفاوتة من الجليد والمياه المفتوحة.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
نود أن نشكر قارئنا الشاب، Arwen Tarling، لمراجعته النقدية لهذه المسودة البحثية.
مقال المصدر الأصلي
↑ Belcher, A., Henson, S. A., Manno, C., Hill, S. L., Atkinson, A., Thorpe, S. E., et al. 2019. Krill faecal pellets drive hidden pulses of particulate organic carbon in the marginal ice zone. Nat. Commun. 10:889. doi: 10.1038/s41467-019-08847-1
المراجع
[1] ↑ Parekh, P., Dutkiewicz, S., Follows, M. J., and Ito, T. 2006. Atmospheric carbon dioxide in a less dusty world. Geophys. Res. Lett. 33:L03610. doi: 10.1029/2005GL025098
[2] ↑ Tarling, G. A., and Fielding, S. 2016. “Swarming and behaviour in Antarctic krill,” in Biology and Ecology of Antarctic Krill, ed V. Siegel (Cham: Springer). p. 279–319. doi: 10.1007/978-3-319-29279-3_8
[3] ↑ Tarling, G. A., Klevjer, T., Fielding, S., Watkins, J., Atkinson, A., Murphy, E., et al. 2009. Variability and predictability of Antarctic krill swarm structure. Deep Sea Res. Part I 56:1994–2012. doi: 10.1016/j.dsr.2009.07.004
[4] ↑ Belcher, A., Henson, S. A., Manno, C., Hill, S. L., Atkinson, A., Thorpe, S. E., et al. 2019. Krill faecal pellets drive hidden pulses of particulate organic carbon in the marginal ice zone. Nat. Commun. 10:889. doi: 10.1038/s41467-019-08847-1
[5] ↑ Atkinson, A., Hill, S. L., Pakhomov, E. A., Siegel, V., Reiss, C. S., Loeb, V. J., et al. 2019. Krill (Euphausia superba) distribution contracts southward during rapid regional warming. Nat. Clim. Change 9:142–7. doi: 10.1038/s41558-018-0370-z
[6] ↑ Clarke, A., Quetin, L. B., and Ross, R. M. 1988. Laboratory and field estimates of the rate of faecal pellet production by Antarctic krill, Euphausia superba. Mar. Biol. 98:557–63. doi: 10.1007/BF00391547