اكتشافات جديدة التنوع الحيوي نشر بتاريخ: 10 ديسمبر 2021

مشاركة الإلكترونات: علاقة صداقة استثنائية بين البكتيريا

ملخص

هل تعلم أن الحديد هو أحد أهم العناصر على سطح الأرض؟ يزعم البعض أن الحياة قد تطورت بالقرب من مصادر الحديد. وهو ما يعني أن الأشكال الأولى من الحياة - ومن ثم المخلوقات القديمة - كانت قادرة على استخدام الحديد للحصول على الطاقة اللازمة لها، مثلما نستخدم نحن الغذاء للحصول عليها. وتعرف هذه الكائنات الحية الدقيقة باسم ”كائنات الحديد الدقيقة“، ومن الممكن أن توجد في الرواسب التي تتكون في الأساس من رمل طيني. ولكننا لا نعرف إلا القليل عن أماكن عيش كائنات الحديد في هذه الرواسب؛ فهل تعيش هذه الكائنات على مقربة من سطح الماء أم بعيدًا في ترسبات القاع؟ وفي هذه الدراسة، سيسلط فريق من الباحثين من جامعة توبنجن (University of Tübingen) الضوء على توزيع الحديد في كائنات الحديد وتنوعه. واكتشف العلماء أن هذه الكائنات تعيش مستقلة عن غذائها المفضل: الحديد، والأكسجين، والضوء! ويمكن تفسير هذه الاستقلالية في ضوء نوع من الصداقة الاستثنائية مع “كابل أسلاك حي”. هل يعتريك الفضول لمعرفة ما هو كابل الأسلاك الحي هذا؟

هل تعلم أن بعض أنواع البكتيريا تستطيع أن “تأكل” الحديد؟!

الكائنات الحية الدقيقة هي أشكال الحياة المجهرية التي تشمل البكتيريا والعتائق والفطريات والطحالب والأوليات والفيروسات. وسأركز في هذه الدارسة على البكتيريا. تعيش البكتيريا في أمعائنا وعلى جلودنا، كما تعيش أيضًا في جميع الأماكن الأخرى: من أعمق جزء في قشرة الأرض إلى أعالي السحاب، بل إنها قد نجحت في العيش تحت جليد القارة القطبية الجنوبية أيضًا، وكذا في ينابيع المياه الحارة. وتحوي ملعقة واحدة من الرواسب البحرية على أكثر من مليار من البكتيريا. وعلى الرغم من أن البكتيريا صغيرة جدًا، فإن الكثير منها له تأثير ضخم على البيئة التي نعيش فيها.

ولكي تتمكن البكتيريا من العيش في هذه البيئات المتنوعة، تطورت أنواع البكتيريا بحيث “تأكل” العديد من الأشياء المختلفة للحصول على الطاقة التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة. ومن بين هذه الأشياء المختلفة، سأركز على الحديد! وبكتيريا الحديد منتشرة في بيئتنا. يعتبر الحديد أحد أهم العناصر الموجودة على سطح الأرض. ويأتي من حيث الأهمية بعد الأكسجين والسيليكون والألومنيوم. كانت بكتيريا الحديد ضرورية لبداية الحياة على الأرض، وربما كانت ضرورية أيضًا على بعض الكواكب التي تحتوي على الحديد، مثل المريخ.

ويمكن لبكتيريا الحديد أن تستخدم الحديد لتوليد الطاقة اللازمة لنموها. ولكي تفعل ذلك، تنتج مخلفات في شكل معادن حديدية بنية اللون [1]، والتي تعرف عادةً بالصدأ. وقد اكتشف العلماء حتى الآن ثلاث مجموعات من بكتيريا الحديد القادرة على تشكيل المعادن الحديدية. وإحدى هذه المجموعات هي البكتيريا المعتمدة على الضوء، بمعنى أنها تحتاج الضوء للبقاء حية؛ بينما تعتمد المجموعة الثانية على الأكسجين، في حين تعتمد المجموعة الثالثة على النيتروجين [1].

تعيش بعض أنواع بكتيريا الحديد في الرواسب الساحلية التي تعتبر رملًا طينيًا في الأساس. وتتكون الرواسب الساحلية التقليدية عادة من طبقات تتبع نهج التدرجات الجيوكيميائية [2] (الشكل 1). ومن ثم يمكن اكتشافها والعثور عليها وعلى غيرها من المواد العضوية في طبقات الرواسب العليا التي يمكن لضوء الشمس الوصول إليها. وعلى الرغم من أن نسبة أقل من ضوء الشمس والأكسجين تصل إلى طبقات الرواسب في الأعماق، فإنه لا يزال بمقدورنا قياس كمية قليلة من النيترات والمواد العضوية والحديد والمعادن الحديدية والكبريت. وتتكون هذه الطبقات المعينة في الأساس من الغذاء المفضل للأنواع المختلفة من البكتيريا الموجودة في كل طبقة من الرواسب.

شكل 1 - التدرجات الجيوكيميائية في الرواسب البحرية.
  • شكل 1 - التدرجات الجيوكيميائية في الرواسب البحرية.
  • يظهر التركيب الطبقي للرواسب البحرية التقليدية، مع لب ترسيبي حقيقي يحتوي على رواسب ساحلية بحرية من ساحل الدنمارك (مضيق نورسميند، الدنمارك) في المركز. والطبقة العليا بنية اللون بسبب الغذاء العضوي، بينما الطبقة الأكثر عمقًا سوداء بسبب المعادن الحديدية. يظهر وجود مواد مستقبلة للإلكترونات وأخرى مانحة للإلكترونات في طبقات الرواسب على يسار اللب ويمينه، بينما تشير الخطوط الملونة إلى الموقع العام للعديد من المواد في التدرج. تشهد الطبقات العليا من الرواسب حدوث تفاعلات بين البكتيريا التي تعتمد على الضوء والأكسجين والغذاء العضوي، بينما تعتمد العمليات في الطبقات الدنيا على النيترات والحديد والمعادن الحديدية والإلكترونات.

كيف تحصل البكتيريا على الطاقة من الغذاء؟

لشرح وبيان نتائج بحثي، علينا أولًا أن نعرف بعض التفاصيل عن العملية التي تحصل بها البكتيريا على الطاقة من غذائها المختار. على المستوى الخلوي، تعرف العملية التي تقوم بها جميع الكائنات الحية، بما فيها البكتيريا، لتوليد الطاقة التي تحتاجها للنمو باسم “التنفس الخلوي”. وعلى المستوى الجزيئي الأصغر، تشمل هذه العملية تبادل الإلكترونات التي تعتبر القطع الصغيرة من الذرة التي لها شحنة كهربية سالبة.

أحد مصادر الغذاء للبكتيريا هو ما يعرف بمانح الإلكترونات (مادة تمنح الإلكترونات)، في حين يعرف مصدر آخر باسم مستقبل الإلكترونات (مادة تستقبل الإلكترونات). وتشمل القائمة التقليدية للمواد المانحة للإلكترونات في الرواسب: الحديد القابل للذوبان أو المواد العضوية المأخوذة من الكائنات الميتة على سبيل المثال، بينما تشمل القائمة التقليدية للمواد المستقبلة للإلكترونات: الأكسجين والنيترات، أو المعادن الحديدية (الشكل 1). يُنتج تحلل المواد العضوية باستخدام الأكسجين أكبر كمية من الطاقة، ومن ثم ينفذ الأكسجين أولًا ثم يأتي بعده كل من النيترات والمعادن الحديدية على الترتيب [2].

وحتى الآن، فما نعرفه هو أن بكتيريا الحديد وجميع الكائنات الحية الأخرى تحتاج إلى تفاعل نقل الإلكترون للحصول على الطاقة. إذ تستقبل بكتيريا الحديد الإلكترونات من الحديد (مانح الإلكترونات) ثم تعطيها للأكسجين (مستقبل الإلكترونات) [1]. وإيجازًا، فإن نقل الإلكترونات من الحديد إلى الأكسجين يتيح للبكتيريا تلقي الطاقة اللازمة لنمو الخلايا. وهو ما يُظهر أن البكتيريا كائنات ذكية في الحقيقة: حيث تستخدم فروق الطاقة بين إلكترونات الحديد (ذات القدرة العالية) وإلكترونات الأكسجين (ذات القدرة المنخفضة) لتوليد الطاقة. ويمكنك مقارنة الأمر بشلال مياه طبيعي ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية. إذ تسقط الإلكترونات من الحديد ذي القدرة العالية متجهة لأسفل على الأكسجين ذي القدرة المنخفضة (مثل شلال). ويمكن لبكتيريا الحديد خلال هذه العملية أن تدير التوربينات (على غرار ما يحدث في محطة توليد الطاقة الكهرومائية) وتنتج الطاقة. يحدث نقل الإلكترونات في بكتيريا الحديد في غشاء الخلية، وهو الموضع الذي تنتج فيه الخلايا المعادن الحديدية.

من المهم أن نبين هنا أن غشاء الخلية في بكتيريا الحديد مجهز بآلة بيوكيميائية خاصة (تسمى الأسلاك) لنقل الإلكترونات على امتداد غشاء الخلية [3]. وبالطبع، فإن التفاعل الناجم عن نقل الإلكترونات في بكتيريا الحديد أكثر تعقيدًا، ومن ثم فهو يختلف إذا ما قورن بغيره مما يحدث في بكتيريا الرواسب وغيرها من الكائنات الحية.

توزيع غير متوقع لبكتيريا الحديد في الرواسب الساحلية

ظل التوزيع الطبيعي لبكتيريا الحديد في طبقات الرواسب البحرية غير معلوم حتى وقت قصير. ومن ثم، قضى فريق بحثي من جامعة توبنجن ثلاث سنوات يجمع عينات الرواسب في الدنمارك على ساحل بحر البلطيق لدارسة توزيع بكتيريا الحديد في الرواسب البحرية التقليدية. وقد زُوِدَ الفريق بمعدات تشمل القوارب المطاطية والقفازات والأوعية والزجاجات والحقن، حيث حلل أعضاء الفريق أنواع البكتيريا في العينات وكميات الحديد والأكسجين والنيترات الموجودة في السنتيمترات العليا (0-5 سم) من الرواسب. وعلى الطبقة السطحية للرواسب، عثر الفريق على الأكسجين، والذي انخفضت نسبته في طبقات الرواسب الدنيا [4] (الشكل 2A). وقد توقعت أن أرى هذا؛ فالتدرج في تركيز الأكسجين هو ما يحدد أنواع البكتيريا التي تعيش في طبقات الرواسب. ثم بحثنا عن جميع البكتيريا التقليدية التي تعتمد على الضوء والأكسجين. وقد وُجدت معظم بكتيريا الرواسب التي تعتمد على الضوء والأكسجين حية على السطح، بينما وجد عدد أقل على قيد الحياة في الطبقات الدنيا من الرواسب، وهو ما توقعته أنا وزملائي [4] (الشكل 2A).

شكل 2 - التوزيعات المتوقعة والمقاسة للبكتيريا في الرواسب الساحلية.
  • شكل 2 - التوزيعات المتوقعة والمقاسة للبكتيريا في الرواسب الساحلية.
  • (A) نتوقع أنه عندما ننظر إلى جميع الأنواع التقليدية من بكتيريا الرواسب، فإننا سنرى أنواعًا مختلفة منها (تظهر على اليمين) موزعة وفق تدريج المواد التي تحتاجها لتوليد الطاقة (مثل الضوء والأكسجين والكبريت). تظهر اللوحة المعنونة “التدرجات الجيوكيميائية” كميات المواد المشار إليها كمثلثات: يمثل الجزء الأوسع من المثلث تركيزًا أعلى من المادة، بينما يظهر الجزء الضيق منه تركيزًا منخفضًا منها. اكتشفنا أن نسبة 75% من البكتيريا تتوجه وفق تدرجات المواد. فعندما توجد كمية ضخمة من الأكسجين المتاح، يوجد الكثير من البكتيريا المعتمدة عليه؛ أما إذا وجدت كمية قليلة منه، فلا يمكنك حينها العثور على أي من هذا النوع من البكتيريا تقريبًا. (B) ومع ذلك، فعندما ننظر إلى ثلاثة أنواع فقط من بكتيريا الحديد، نجد أنها لا تتبع التوزيع المتوقع في الرواسب، بل نجد أنها تتوزع في جميع طبقات الرواسب.

ومع ذلك، فعند البحث والتدقيق في جميع هذه الأنواع الثلاثة من بكتيريا الحديد، وحتى هذه التي تعتمد على المواد الموجودة في الطبقات العليا للرواسب مثل الأكسجين والنيترات وضوء الشمس، اكتشفت أنا وزملائي ما أدهشنا حقًا، حيث وجدنا أن الأنواع الثلاثة جميعها قد اختلطت على نحو متساوٍ عبر جميع طبقات الرواسب [4] (الشكل 2B).

وهو ما يعني أن بكتيريا الحديد تتصرف على نحو مختلف عن معظم بكتيريا الرواسب وأنها لا تُوجه نفسها وفق تدريج تركيز الأكسجين أو النيترات أو ضوء الشمس عند اختيار المكان المفضل لها للعيش. وحيث إن هذه النتيجة كانت شيقة جدًا، فقد حاولت أن أكتشف السبب وراء تصرف هذه البكتيريا على نحو مختلف عن غيرها من أنواع البكتيريا حتى إنها تستطيع العيش في جميع طبقات الرواسب.

كيف يمكننا تفسير التوزيع غير المتوقع لبكتيريا الحديد في الرواسب؟

تستطيع العديد من الفرضيات تفسير توزيع بكتيريا الحديد خلال طبقات الرواسب (الأشكال 3A-E).

شكل 3 -  لماذا تتوزع بكتيريا الحديد في جميع طبقات الرواسب؟ تقصينا عددًا من الأسباب المقنعة حول كون توزيع بكتيريا الحديد لا يتبع تدرجات المواد في الرواسب.
  • شكل 3 - لماذا تتوزع بكتيريا الحديد في جميع طبقات الرواسب؟ تقصينا عددًا من الأسباب المقنعة حول كون توزيع بكتيريا الحديد لا يتبع تدرجات المواد في الرواسب.
  • (A) الاختلاط الطبيعي الفيزيائي عن طريق الأمواج أو الديدان؛ (B) بكتيريا الحديد هي بكتيريا “خاملة” ولا تحتاج إلى مغذيات؛ (C) بإمكان هذه البكتيريا التحرك عبر الطبقات؛ (D) تجد بكتيريا الحديد فقاعات صغيرة مملوءة بالأكسجين أو النيترات؛ (E) بكتيريا الحديد تستطيع أكل أنواع عديدة من “الغذاء”؛ (F) تتفاعل بكتيريا الحديد مع بكتيريا الأسلاك التي تساعدها على تبادل الإلكترونات. بيد أن أيًّا من التفسيرات من (A) إلى (E) لا يمكنه تفسير عملية التوزيع. وبدلًا من ذلك، فإننا نقترح أنه يمكن لبكتيريا الحديد استخدام بكتيريا الأسلاك باعتبارها مادة مستقبلة للإلكترونات. وهو ما يتيح لبكتيريا الحديد أن تعيش مستقلة عن التدرجات الجيوكيميائية للأكسجين مثلًا بفضل مساعدة أصدقائها - بكتيريا الأسلاك. يرمز e-في الشكل إلى الإلكترونات، وO2 إلى الأكسجين

(A) هل يمكن أن تختلط بكتيريا الحديد في طبقات الرواسب عن طريق نشاط الديدان أو حركات الأمواج؟ لا نميل أنا وزملائي إلى هذه الفرضية لأن الاختلاط يجب أن يؤثر على جميع بكتيريا الرواسب. ومن ثم، فإنها لا تفسر السبب وراء وجود بكتيريا الحديد وحدها في جميع الطبقات.

(B) هل يمكن أن تكون بكتيريا الحديد في حالة من “الخمول” في بعض الطبقات التي تستريح فيها حتى تتاح لها ظروف أفضل؟ ومع ذلك، فإن بكتيريا الحديد كانت فاعلة ونشطة وغير “خاملة”، وهو ما يعني أن هذه الفرضية لا تفسر نمط التوزيع لها في الرواسب.

(C) هل يمكن أن تكون هذه البكتيريا متحركة وقادرة على السفر عبر طبقات الرواسب؟ إن القدرة على الحركة ليست سمة مميزة لبكتيريا الحديد، حيث إن الكثير من أعضاء مجتمع الرواسب له القدرة على الحركة.

(D) هل يمكن لبكتيريا الحديد أن تستخدم الفقاعات المملوءة بالأكسجين أو النيترات في طبقات الرواسب الأعمق كمصدر من مصادر الغذاء؟ لا يمكن أن تفسر الفقاعات الصغيرة الممتلئة بالأكسجين أو غيره من مصادر الغذاء وحدها توزيع بكتيريا الحديد. وعليه، فقد اسُتبعدت هذه الفرضية.

(E) هل بكتيريا الحديد مرنة فيما يتعلق بمصدر الغذاء؟ ومرة أخرى، لا يمكن للنظام الغذائي المرن وحده تفسير توزيع جميع الأنواع المختلفة من بكتيريا الحديد عبر الرواسب.

وعندما وجدنا أن هذه الفرضيات لا يمكنها تفسير تصرف بكتيريا الحديد، حاولت أنا وزملائي مواصلة أبحاثنا، والتي أصبحت أكثر دهشة وإثارة للاهتمام!

هل تلعب بكتيريا الأسلاك الكهربائية المذهلة دورًا هنا؟

في عام 2010، اكتشف فريق من Center for Electromicrobiology في الدنمارك بكتيريا كهربية استثنائية [5]، والتي لها تركيب متعدد الخلايا يحتوي على آلاف من الخلايا في صف واحد. تعرف هذه البكتيريا الاستثنائية باسم “بكتيريا الأسلاك”. وعلى النقيض من الأنواع الأخرى من البكتيريا، يمكن لبكتيريا الأسلاك نقل الإلكترونات عبر مسافات بعيدة (5 سم تقريبًا!) عبر سلكها متعدد الخلايا، حيث تعمل بمثابة أسلاك كهربية في الرواسب! وعليه، فيمكن أن تعتمد الفرضية في تفسير توزيع بكتيريا الحديد عبر الرواسب على بكتيريا الأسلاك الكهربية. وبالفعل، عاشت بكتيريا الحديد وبكتيريا الأسلاك سويًا في نفس طبقات الرواسب [4] (الشكل 3F). إذن، لماذا يعد هذا النوع من الصداقة استثنائيًا؟ تَذكر أن بكتيريا الحديد تحتاج إلى تفاعل نقل الإلكترونات لتحصل على الطاقة وأنها مجهزة بآلة كيميائية حيوية (تعرف أيضًا بالأسلاك) على غشائها الخلوي لمساعدتها في منح الإلكترونات أو اكتسابها [3]. وباستخدام هذه الآلة الكيميائية الحيوية، يمكن لبكتيريا الحديد نقل الإلكترونات إلى بكتيريا الأسلاك باعتبارها مانحة للإلكترونات عندما لا يكون هناك أكسجين متاح! ويمكن لبكتيريا الأسلاك أن تعمل كمستقبلات للإلكترونات من بكتيريا الحديد، حيث تلتقط الإلكترونات منها وتنقلها من خلال الأسلاك إلى سطح الرواسب. ويوجد على سطح الرواسب الكثير من الأكسجين والذي يمكن أن يعمل كمستقبل طبيعي للإلكترونات. وبفضل هذه الصداقة الاستثنائية مع بكتيريا الأسلاك، فإن بكتيريا الحديد التي تتنفس الأكسجين يمكنها أن تحيا في جميع طبقات الرواسب، بغض النظر عن وجود الأكسجين من عدمه في طبقة الرواسب التي تعيش فيها، حيث تستخدم بكتيريا الأسلاك كنوع من أنابيب التنفس! كما تستطيع بكتيريا الحديد التي تعتمد على النيترات والضوء أن تعيش مستقلة عن مصادر غذائها في جميع طبقات الرواسب (الشكل 3B)، ربما باستخدام هذه الآلية.

صداقة ميكروبية استثنائية

تحتاج العلاقة بين بكتيريا الحديد وبكتيريا الأسلاك المزيد من الأدلة للتأكد من هذه الصداقة الاستثنائية. وقد بينت أنا وزملائي في طيات هذه الدراسة أنه من المرجح أن بكتيريا الحديد تستخدم استراتيجية فريدة من نوعها للبقاء على قيد الحياة في جميع طبقات الرواسب على نحو يمكنها من العيش باستقلالية بعيدًا عن المصدر الحيوي والقائم لغذائها!

تستخدم بكتيريا الحديد قدرتها الاستثنائية على نقل الإلكترونات في أغشيتها الخلوية، وهي الطريقة التي لا تنتهجها معظم أنواع البكتيريا الأخرى، كما يمكن لها التفاعل مع بكتيريا الأسلاك. وعليه، فإن هذه العلاقة الاستثنائية بين بكتيريا الحديد وبكتيريا الأسلاك يمكنها تفسير التوزيع الخاص لبكتيريا الحديد في الرواسب البحرية. كما أن لتوزيع البكتيريا المدهش والعلاقة غير المتوقعة بين بكتيريا الحديد وبكتيريا الأسلاك في جميع طبقات الرواسب تأثير إيجابي على مجتمع الميكروبات ككل، حيث يمكن لبكتيريا الحديد العيش في طبقات أعمق مستقلة عن الضوء والأكسجين، كما يمكن لها مساعدة الكائنات الحية الأخرى على إنتاج المعادن الحديدية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تلتصق المواد السامة بالمعادن الحديدية، ومن ثم تصبح غير ضارة للكائنات الأخرى. وعلى هذا النحو، يمكن أن يكون لهذه الصداقة البكتيرية الاستثنائية عدد من التأثيرات الجانبية الإيجابية على النظام البيئي. وبالطبع، فإننا بحاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهم العلاقة الدقيقة بين هذين الصديقين. وقد اكتشف العلماء أن التعاون، حتى ولو كان على نطاق صغير، يمكن أن يساعد الكائنات الحية على البقاء على قيد الحياة. ويحدث هذا النوع من التفاعلات الإيجابية في شجرة الحياة عندما تعود فائدة ما على كلتا مجموعتي البكتيريا جراء عملهما سويًا.

مسرد للمصطلحات

الرواسب البحرية (Marine Sediment): جسيمات الصخور والتربة المنقولة من المناطق الساحلية إلى داخل المحيط بفعل الرياح والثلج والأنهار، بالإضافة إلى بقية الكائنات الحية البحرية.

التدرج الجيوكيميائي (Geochemical Gradient): هو الفرق بين منطقتين (طبقة الرواسب العليا والدنيا في حالتنا هذه) من حيث كمية مادة معينة مثل الأكسجين أو الضوء أو درجة الحرارة أو الضغط أو تركيز الملح.

التنفس الخلوي (Cellular Respiration): العملية التي تستخدمها الكائنات الحية للحصول على الطاقة التي تحتاجها للحياة. وتشمل نقل الإلكترونات من مادة مانحة (مركب مرتفع الطاقة) إلى مادة مستقبلة (مركب أقل في الطاقة)، وهو ما يؤدي إلى انطلاق الطاقة.

مانح الإلكترونات (Electron Donor): مادة كيميائية تمنح إلكترونات إلى غيرها من المركبات خلال التفاعل النصفي للتنفس الخلوي. ومن أمثلة هذه المواد: المواد العضوية أو الحديد.

مستقبل الإلكترونات (Electron Acceptor): مادة كيميائية تستقبل الإلكترونات التي ينقلها إليها مركب آخر خلال التفاعل النصفي للتنفس الخلوي. مثل الأكسجين والنيترات والكبريت والمعادن الحديدية.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


مقال المصدر الأصلي

Otte, J. M., Harter, J., Laufer, K., Blackwell, N., Kappler, A., and Kleindienst, S. 2018. The distribution of active iron cycling bacteria in marine and freshwater sediments is decoupled from geochemical gradients. Environ. Microbiol. 20:2483–99. doi: 10.1111/1462-2920.14260


المراجع

[1] Weber, K. A., Achenbach, L. A., and Coates, J. D. 2006. Microorganisms pumping iron: anaerobic microbial iron oxidation and reduction. Nat. Rev. Microbiol. 4:752–64. doi: 10.1038/nrmicro1490

[2] Canfield, D. E., and Thamdrup, B. 2009. Towards a consistent classification scheme for geochemical environments, or, why we wish the term ‘suboxic’ would go away. Geobiology 7:385–92. doi: 10.1111/j.1472-4669.2009.00214.x

[3] Reguera, G., McCarthy, K. D., Mehta, T., and Nicoll, J. S. 2005. Extracellular electron transfer via microbial nanowires. Nature 435:1098–109. doi: 10.1038/nature03661

[4] Otte, J. M., Harter, J., Laufer, K., Blackwell, N., Kappler, A., and Kleindienst, S. 2018. The distribution of active iron cycling bacteria in marine and freshwater sediments is decoupled from geochemical gradients. Environ. Microbiol. 20:2483–99. doi: 10.1111/1462-2920.14260

[5] Pfeffer C., Larsen, S., Song, J., Dong, M., Besenbacher, F., Meyer, R. L., et al. 2012. Filamentous bacteria transport electrons over centimetre distances. Nature 491:218–21. doi: 10.1038/nature11586