ملخص
الاضطراب الوسواسي القهري هو اضطراب دماغي يتسم بأفكار غير مرغوب فيها ومتكررة تسبب قلقًا شديدًا (تُسمى الوساوس) أو بسلوكيات متكررة يؤديها المرضى في محاولة منهم لتخفيف المعاناة الناجمة عن هذه الوساوس (تُسمى السلوكيات القهرية) أو بكليهما معًا. وتوجد علاجات لهذا الاضطراب منها الأدوية والمعالجة النفسية (المحادثات العلاجية بين المهني والمريض). ويجري أيضًا تطوير علاجات جديدة باستخدام التحفيز الكهرومغناطيسي أو التصوير الآني للدماغ أو كليهما. وفي هذا المقال، سنصف أعراض هذا الاضطراب وأسبابه والعلاجات المختلفة المتاحة. فمن الأهمية بمكان التعرف على هذا الاضطراب حتى نتمكن من تحديده والتعامل معه بطريقة ملائمة.
ما هو الاضطراب الوسواسي القهري؟
الاضطراب الوسواسي القهري هو اضطراب دماغي يصيب 1 إلى %3 من السكان في جميع أنحاء العالم.
وهو يؤثر على النساء والرجال على حد سواء ويبدأ عادةً خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة أو البلوغ المبكر. ومن غير المألوف أن يصاب الأشخاص بالاضطراب الوسواسي القهري للمرة الأولى بعد سن الثلاثين. وكما يوحي الاسم، يتسم الاضطراب الوسواسي القهري بوجود الوساوس أو السلوكيات القهرية أو كليهما [1].
والوساوس عبارة عن أفكار (مثل الشك في فعلهم شيءٍ ما بطريقة جيدة بما فيه الكفاية أو الخوف من الجراثيم) أو حوافز داخلية (مثل التفوه بشيء بغيض) أو صور ذهنية (مثل المشاهد العنيفة) متكررة وغير مرغوب فيها ومستمرة ولا يمكن السيطرة عليها تظهر في ذهن المريض وتسبب له قلقًا ومعاناة شديدين. وتبرز هذه المخاوف في رأس المريض وقد يواجه صعوبة في التخلص منها.
وللحد من المعاناة والضيق الناجمين عن الوساوس، قد يضطر المريض إلى أداء سلوكيات متكررة (تُسمى السلوكيات القهرية). وقد تشمل السلوكيات القهرية (وتُسمى أيضًا العادات) التحقق وإعادة التحقق مما إذا كان شيء ما مقفلًا أو مغلقًا أو الإفراط في الغسيل والتنظيف، أو قد تكون أفعالًا ذهنية، مثل تكرار كلمة أو عّد شيء ما. فيشعر المرضى أنهم مدفوعون لأداء هذه السلوكيات القهرية استجابةً لوساوسهم.
ومن المهم أن تعرف أن الجميع يمكنهم أن يعانوا من الوساوس والسلوكيات القهرية من حينٍ لآخر. فالوساوس مثل فكرة ''هل أقفلت باب المنزل حقًا؟'' والسلوكيات القهرية مثل التحقق وإعادة التحقق من الإجابات عند اجتياز اختبار في المدرسة، وهذه عادةً ما تكون أشياءً جيدة، لأنها تحسّن أداءنا وتقلل من فرصة وقوع الأخطاء. ولكي تتحول الأفكار الوسواسية إلى الاضطراب الوسواسي القهري، يجب أن تستمر لأكثر من ساعة كل يوم أو أن تتعارض إلى حد كبير مع الحياة اليومية أو كليهما.
أنواع الوساوس والسلوكيات القهرية
تتضمن الوساوس والسلوكيات القهرية عمومًا العديد من السمات المشتركة، مُلخصة في جدول 1.
الفئة | أمثلة على الوساوس | السلوكيات القهرية المرتبطة بها |
التلوث | الشعور بالاتساخ | عادات الغسل والتنظيف |
الخوف من التلوث | تجنب لمس الأشياء | |
الشك | الشك في أن الباب مقفل | التحقق وإعادة التحقق من أنه مقفل |
التماثل | الشعور بأنه يجب ترتيب شيء ما «بطريقة صحيحة تمامًا» | وضع الأشياء في ترتيبها الصحيح |
الخرافة | الاعتقاد أن الشيء جالب للحظ أو شؤم، أو سيء أو جيد، أو آمن أو ضار | اللمس أو النقر أو الخطو بطريقة غير معتادة |
أفكار محرمة | أفكار متكررة حول التصرف بطريقة غير لائقة | تجنب المواقف بسبب الخوف من التصرف بطريقة غير لائقة |
- جدول 1 - أمثلة على الوساوس والسلوكيات القهرية.
ما مسببات الاضطراب الوسواسي القهري؟
الاضطراب الوسواسي القهري هو اضطراب دماغي ناجم عن عوامل متعددة ليست معروفة أو مفهومة تمامًا. ففي بعض الحالات، يكون وراثيًا (متوارثًا من جينات الأم أو الأب)، ولكن في حالات أخرى يكون مرتبطًا بعدوى معينة (تظهر أعراض الاضطراب -في حالات نادرة- لدى بعض الأطفال بعد التهاب الحلق الشديد مثلًا) أو الأحداث الرضحية (مثل حالات التهديد أو الإساءة أو التنمر) أو الإجهاد المزمن [2]. ونحن نعلم بالفعل أن هذا الاضطراب غير ناتج عن أي ''خطأ'' ارتكبه المريض أو والداه.
فالدماغ أشبه في عمله بالكمبيوتر، مع وجود شبكات متعددة تربط مناطق الدماغ المسؤولة عن الوظائف المختلفة. لدينا أنظمة معقدة لكل وظيفة. فإحدى الشبكات الدماغية -مثلًا- مسؤولة عن الحصول على البيانات الواردة من حواسنا وإدارتها، وشبكة أخرى مسؤولة عن تكوين عواطفنا وإدارتها، وشبكة أخرى مسؤولة عن الحركات، وشبكة أخرى مسؤولة عن تشكيل أفكارنا وإدارتها وتحديد أولوياتها.
وعند الإصابة بالاضطراب الوسواسي القهري، يتعطل نظام التواصل بين أجزاء الدماغ، أي القشرة الحجاجية الجبهية والعُقد القاعدية ويرتكب الدماغ أخطاء عند معالجة المعلومات وتحديد أولويتها.
القشرة الحجاجية الجبهية مسؤولة عن استخدام المعلومات الواردة من الحواس لاتخاذ القرارات وتوقع نتيجة اختياراتنا الحياتية. وفي الاضطراب، تصبح المنطقة نشطة للغاية وتكتشف الأخطاء والمخاطر في المواضع التي لا يوجد فيها أي خطأ.
وتتحكم العقد القاعدية في الحركات والتفكير، وتؤدي دور نظام التحكم الذي يزيل الأفكار المقلقة ويوقفها. وعند الإصابة، لا تتحكم العقد القاعدية في الأخطاء والمخاطر التي أخطأت القشرة الحجاجية الجبهية في تحديدها، مما يجعل المريض غارقًا في أفكاره وأفعاله (شكل 1).
كيفية تشخيص الاضطراب الوسواسي القهري وعلاجه
يدرك العديد من الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب أن وساوسهم وسلوكياتهم القهرية غير منطقية، مما يتسبب في شعورهم بالخجل والإحراج. وغالبًا ما يمنع هذا الشعور بالخجل والإحراج بعض المرضى المصابين بالاضطراب من طلب العلاج، مما يطيل من معاناتهم.
ويضطلع الأطباء الذين يمكنهم التعرف على أعراض الاضطراب وعلاماته بتشخيصه، حيث يشخص الأطباء الاضطراب من خلال طرح أسئلة محددة. وعند التعرف على المرض، قد يشعر المرضى بالارتياح عند معرفة سبب معاناتهم.
وعادةً ما تتضمن العلاجات مزيجًا من الأدوية والمعالجة النفسية.
وتُسمى الأدوية المُستخدمة غالبًا لعلاج الاضطراب المثبطات الانتقائية لإعادة التقاط السيروتونين، التي تعمل على تثبيت فرط نشاط القشرة الحجاجية الجبهية وتقليل القلق الناجم عن الوساوس (شكل 2).
ومن الممكن أن تكون المعالجة النفسية أيضًا فعالة في علاج الاضطراب. فالمعالجة النفسية هي محادثة علاجية بين المهني (المعالج أو اختصاصي علم النفس أو الطبيب النفسي) والمريض يمكن أن تساعد في تحديد المشكلات وفهمها وحلها. ويُطلق على المعالجة النفسية الأكثر فعالية اسم المعالجة السلوكية المعرفية، وهي تركز على تحديد الأفكار والسلوكيات غير الملائمة واستبدالها لمساعدة المرضى على مقاومة سلوكياتهم القهرية. وفي جلسات المعالجة، يتعلم المرضى المزيد عن الاضطراب وعن كيفية عمله.
لما كانت العادات التي يؤديها المرضى تساعد على استمرار الاضطراب، يتعلم المرضى ويمارسون طرقًا لتجاهل الأفكار المقلقة ومواجهة الخوف الناجم عن وساوسهم. وبتفادي السلوكيات القهرية، يتعلم المرضى في نهاية المطاف كيفية إيقاف دورة الاضطراب الوسواسي القهري (شكل 2)، مما يسمح لشبكات أدمغتهم بالعمل بطريقة صحية مرة أخرى.
وتعمل بعض المجموعات البحثية لتطوير طرق جديدة لعلاج الاضطراب. وتتضمن العلاجات الجديدة الخاضعة للاختبار التحفيز الكهرومغناطيسي لمناطق الدماغ (لتعزيز تنشيط هذه المناطق أو تقليل تنشيطها)، والتغذية الراجعة باستخدام التصوير الآني للدماغ لتزويد المرضى بمعلومات حول تنشيط مناطق الدماغ المشاركة في الاضطراب، والأشكال الجديدة من المعالجة النفسية، مثل المعالجة النفسية عبر الإنترنت أو المعالجة في مجموعة (شكل 2).
الخاتمة
الاضطراب الوسواسي القهري هو اضطراب شائع يصيب الشباب. ويتسم بأفكار وصور وحوافز داخلية غير مرغوب فيها تسبب القلق (الوساوس) وبالسلوكيات المتكررة التي تُستخدم للسيطرة على القلق الناجم عن الوساوس (السلوكيات القهرية). وفي هذا الاضطراب، ثمة خلل وظيفي في نظام اتصال الدماغ، مما يسبب مشكلات في معالجة المعلومات. وتتوافر علاجات للاضطراب وتتضمن الأدوية والمعالجة النفسية. ويجري تطوير علاجات جديدة لتوفير طرق أفضل لمساعدة المصابين بهذا الاضطراب.
إقرار
أُعد شكل 1 باستخدام تطبيق «سيرفير ميديكال آرت» بموجب ترخيص المشاركة الإبداعية 3.0 غير موطَّن.
مسرد للمصطلحات
الوساوس (Obsessions): ↑ هي أفكار أو حوافز داخلية أو صور ذهنية غير مرغوب فيها ومتكررة تسبب القلق والمعاناة.
السلوكيات القهرية (Compulsions): ↑ هي سلوكيات متكررة لتقليل المعاناة التي تثيرها الوساوس.
القشرة المخية (Cortex): ↑ هي الطبقة السطحية المجعدة للدماغ.
العُقد القاعدية (Basal Ganglia): ↑ هي مجموعة من النوى تقع تحت القشرة الدماغية.
السيروتونين (Serotonin): ↑ هو مادة كيميائية تُستخدم لنقل الرسائل بين الخلايا العصبية (الناقل العصبي).
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Richter, P. M., and Ramos, R. 2018. Obsessive-compulsive disorder. Continuum (Minneap Minn). 24:828–44. doi: 10.1212/CON.0000000000000603
[2] ↑ Morgado, P., Freitas, D., Bessa, J. M., Sousa, N., and Cerqueira, J. J. 2013. Perceived stress in obsessive-compulsive disorder is related with obsessive but not compulsive symptoms. Front. Psychiatry 4:21. doi: 10.3389/fpsyt.2013.00021