ملخص
الطرق مفيدة للغاية: فنحن نبنيها حتى نتمكن من الذهاب إلى متجر البقالة ورؤية أصدقائنا والقيام برحلات يومية إلى الشاطئ. بيد أننا عندما نغير الأرض لبناء طرقنا، ندمر منازل الحيوانات الأخرى. لذا أخبرني، إذا دُمر منزلك، ماذا ستفعل؟ ستجد منزلًا جديدًا بالطبع! لكن بسبب الطرق بات هذا أمرًا صعبًا للغاية للحيوانات الأخرى، على الأقل للحيوانات الكبيرة. ولم تتطرق العديد من الدراسات إلى تأثيرات الطرق على الحيوانات الصغيرة، مثل الطيور. لذا، قررنا أن نبحث في هذا بأنفسنا. ولكن، لماذا الطيور تحديدًا؟ أليس لديها أجنحة وتستطيع الطيران؟ المثير للدهشة أننا وجدنا أنه كلما زاد اتساع الطرق، قل عدد الطيور التي تعبرها. وتبين لنا أيضًا أن الطيور الصغيرة التي تحتاج إلى الغابات للبقاء على قيد الحياة، هي الأكثر تضررًا من الطرق. تظهر لنا هذه النتائج أنه على الرغم من المظاهر، تُعد الطيور مُعرضة مثل الحيوانات الأخرى للأنشطة البشرية.
كيف تؤثر الطرق على الطيور؟
ما أهم ما يميز الطيور؟ إذا طرحت ذلك السؤال على الناس، فعلى الأرجح ستكون إجابتهم «أنها يمكنها الطيران»! يمكن للطيور أن تحلق بعيدًا إذا طاردها كلب، ويمكنها التقاط الطعام في الهواء (بعضها يؤدي حركات بهلوانية تمامًا)، ويمكنها حتى الطيران فوق العوائق وحولها، مثل المباني والأشجار.
يبدو أنه لا يوجد الكثير مما لا يستطيع الطائر فعله (بخلاف استخدام الكمبيوتر). ولسوء الحظ، لأن الكثير من الناس اعتقدوا ذلك في الماضي، فقد تطرق عدد قليل جدًا من الدراسات إلى الطيور في المواقف التي يجب أن تنتقل فيها بين بقع الموائل. غير أن الدراسات الحديثة أظهرت أن الطيور قد تجد صعوبة بالغة في عبور المساحات المفتوحة الصغيرة مثل الطرق عند التنقل بين بقع الغابات [1].
واقترح العلماء عدة أسباب لتفسير سبب الضرر الذي يلحقه بناء الطرق ببعض الطيور. تشير إحدى هذه النظريات إلى أننا ببناء الطرق، نفصل الغابات ونقلص مساحة الموائل المتاحة للحيوانات للعيش فيها، وهي عملية نسميها تجزئة الموائل. تمثل تجزئة الموائل مشكلة كبيرة للعديد من الأنواع، لأن الظروف قد تتغير بسرعة كبيرة داخل أجزاء الموائل المتبقية وتصبح غير مناسبة للأنواع، خاصةً حول الحواف (وهي في هذه الحالة المناطق المجاورة للطريق). تخيل أن تستيقظ في صباح أحد الأيام لتجد أن سقف منزلك قد اختفى، ولسببٍ ما لا يمكنك استبداله. دعنا نفترض أنك قررت البقاء في مكانك لوهلة. سرعان ما ستلاحظ أن المطر عندما ينهمر يطال كل شيء، فلا يظل أي شيء جافًا بعدها، وأن الجو يصبح حارًا جدًا في الصيف وباردًا جدًا في الشتاء (وليس لديك مكيف هواء)، وأن عليك مشاركة منزلك مع بعض المخلوقات المحلية الأخرى (قد لا تستطيع التعايش بالضرورة مع ذلك)، وأنه لا يبدو أن غرفة المؤن بها ما يكفي من الطعام، وأن أصدقاءك لن يأتوا لزيارتك لأن المكان في حالة من الفوضى. قد تتمكن من الاستمرار في العيش في منزلك القديم لفترة من الوقت، ولكن عاجلًا أم آجلًا سترغب في الانتقال إلى مكان آخر! هذا ما قد يبدو عليه الأمر عندما تكون طائرًا يعيش في منطقة يُشيد فيها طريق.
وقد خلصت دراسات أخرى إلى أن الطرق عندما تكون مزدحمة بالمرور والضوضاء، فمن المرجح أن تُصاب الطيور في الموائل المحيطة بالإجهاد [2]. ومن المعروف أيضًا أن التعرض للضوضاء الصاخبة يخفي نداءات وأغاني بعض الطيور [2]. فمثلًا، تخيل أن تحاول إجراء محادثة مع صديقك في الخارج أمام مدرستك وتقاطعك شاحنة مارة ذات صوت عالٍ. هذه مشكلة كبيرة للطيور، لأنها تستخدم أغانيها للتواصل مع الطيور الأخرى والدفاع عن أراضيها. لذا، إذا كان أحد أنواع الطيور غير قادر على تغيير صوت نداءاته، فعلى الأرجح سينتقل ذلك النوع إلى منطقة أكثر هدوءًا حيث يمكن سماع أصواته [2]. وستكون النتيجة النهائية أن الطيور ستترك المنطقة القريبة من الطريق مع وجود عدد قليل من الأنواع فيها، وهي الأنواع التي تتحمل الضوضاء.
غير أن جميع هذه المعلومات مُستمدة من عدد قليل فقط من الدراسات. وقد ركزت معظم الدراسات -في الواقع- على تأثيرات الطرق على الحيوانات الأكبر حجمًا، مثل الدببة والموظ والفيلة. وقد أُجريت معظم الحالات القليلة التي خضعت فيها الطيور للدراسة في نصف الكرة الشمالي، الذي تختلف فيه الغابات والطيور إلى حد كبير عن تلك الموجودة في أستراليا. ففي أستراليا -مثلًا- (حيث أُجريت دراستنا)، يستطيع العديد من الطيور التحليق لمسافات بعيدة، قد تصل في بعض الأحيان إلى عبورها أستراليا بأكملها، غالبًا بسبب الطقس غير المتوقع.
ولا تضطر الطيور في أجزاء أخرى من العالم حيث يكون الطقس أكثر توقعًا -مثل إنجلترا وأمريكا- إلى التحليق لهذه المسافات الطويلة. ولم تُجر أي دراسات سابقة عن تأثيرات الطرق على الطيور في أستراليا، وقد دفعنا هذا إلى التفكير «ربما تكون طيورنا مختلفة عن الطيور الواردة في الدراسات الأخرى»، مع وضع ذلك في الاعتبار، طرحنا ثلاثة أسئلة:
- هل أحجام الطرق المختلفة تتسبب في تغيير عدد أنواع الطيور الموجودة في الغابات القريبة؟
- هل أحجام الطرق المختلفة تتسبب في تغيير عدد أنواع الطيور التي تعبر الطرق؟
- هل أنواع الطيور التي تعبر الطريق مختلفة عن الأنواع الموجودة في الغابة القريبة؟
تصميم التجربة
لقد استخدمنا تصميمًا بسيطًا للدراسة: مراقبة جيدة من الطراز القديم للطيور وتسجيل ما رأيناه بعناية. ولنكون أكثر تحديدًا، فإننا فعلنا ما يلي:
- وجدنا 12 طريقًا مناسبين لدراستنا: أربعة صغيرة وأربعة متوسطة وأربعة كبيرة؛
- جلسنا في كل طريق لمدة 20 دقيقة، نحصي أعداد الطيور التي تعبر من أحد جوانب الطريق إلى الجانب الآخر وأنواعها؛
- سرنا مسافة 100 متر خارج الطريق من كلا الجانبين في كل موقع وأحصينا أنواع الطيور التي تعيش هناك لمدة 20 دقيقة؛
- أعدنا النظر في كل موقع وكررنا عملية الإحصاء ثماني مرات، بين أغسطس 2015 وفبراير 2016.
وما جعل دراستنا مختلفة عن الدراسات الأخرى ذات الصلة هو أننا قررنا تجربة شيء جديد: لقد بحثنا في طرق ذات أحجام مختلفة (حارتان وأربع حارات وست حارات) وحللنا قدرات الأنواع على عبور الطريق، من أنواع ذات أحجام مختلفة (<19، 20-29، >30 سم) وسمات مختلفة (أنواع صغيرة تعتمد على الغابات، وأنواع كبيرة تعتمد على الغابات، وأنواع آكلة العسل، وأنواع تعتمد على التنقل وعبور الطرق، وأنواع قادرة على تحمل حياة الحضر). واستخدمنا أيضًا بعض أدوات التقييم والأساليب الرياضية لضمان أن تكون لدينا غابات وطيور مشابهة في كل موقع من مواقع دراستنا.
قلة عدد الطيور التي تعبر الطرق الأوسع
هل أنت على استعداد لعبور شارع صغير للوصول إلى منزل صديقك؟ والآن، ماذا لو استبدلنا طريقًا سريعًا مزدحمًا بذلك الشارع، هل ستظل على استعداد لعبور ذلك الطريق للوصول إلى صديقك؟ اتضح أن الطيور أيضًا لا تحب عبور الطرق الأوسع والأكثر ازدحامًا. كان عدد أقل من أنواع الطيور قادرًا على عبور الطرق الأوسع في دراستنا (انظر شكل 1). والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أننا رأينا هذا النمط أيضًا في الغابات القريبة من هذه الطرق؛ فقد كان عدد الطيور الموجودة في الغابات القريبة من الطرق الكبيرة أقل مقارنةً بعددها في الغابات القريبة من الطرق الصغيرة.
وبصورة مذهلة، اتضح أن الأنواع المختلفة من الطيور تتأثر بشكل مختلف. ولقد اتضح لنا أن الطيور المُستبعد عبورها للطريق (من أي حجم) كانت طيور صغيرة الحجم وتحب العيش في الغابات، في حين لا يبدو أن الطيور الكبيرة تمانع في عبور الطرق كثيرًا (انظر شكل 2). والأهم من ذلك، أن النتائج التي توصلنا إليها في هذه التجربة مشابهة لتلك التي توصلت إليها الدراسات الأخرى [1].
حسنًا، عَبَرَ عدد أقل من الطيور الطرق. لكن، ما السبب؟
لماذا تعتقد أن طيور الغابة الصغيرة كانت الأكثر تضررًا من الطرق؟ بادئ ذي بدء، تحب هذه المجموعة من الطيور حقًا العيش في مناطق ذات غطاء نباتي كثيف، حيث يوجد الكثير من الطعام والمساحة المتاحة لعائلاتهم (والكافية للطيور الأخرى أيضًا) والمأوى للاختباء من الحيوانات المفترسة الجائعة [3]. وغالبًا ما يؤدي إنشاء الطرق إلى تغييرات في البيئة المحيطة. فمثلًا، قد تصبح الغابة الكثيفة المجاورة للطريق غابة أكثر انفتاحًا (وهو شيء رأيناه كثيرًا بالقرب من طرقنا)، ويصبح من الصعب العثور على الطعام لأن المساحة التي كانت موجودة هناك قد اختفت بسبب الطرق، لذا قد يكون ثمة العديد من الحيوانات المختلفة التي تقاتل من أجل الحصول على الغذاء.
ربما تؤدي ضوضاء المرور أيضًا إلى جعل الحياة أكثر صعوبة. فقد تواجه بعض الطيور صعوبة في الاتصال والاستماع إلى الآخرين، كما أن ضوضاء المرور تساعد أيضًا الحيوانات المفترسة الجائعة التي لا تريد أن يكون صوتها مسموعًا عند الصيد [2]. ومما يزيد الطين بلة، أن الأضواء الجديدة وخطوط الطاقة والحدائق التي تصاحب غالبًا الطرق الجديدة مثالية لبعض الطيور الأشرس والأكبر حجمًا، مثل طائر آكل الرحيق الصاخب وغراب العقعق، وستسعد هذه الطيور الكبيرة بطرد الطيور الصغيرة للخارج، للاحتفاظ بهذه المناطق لأنفسها [3].
هذه هي بعض الأشياء التي يجب على الطيور الصغيرة التعامل معها في الغابة المجاورة للطريق. وحتى إذا تمكنت هذه الطيور الصغيرة من النجاة من هذه التحديات، فإنها لا تزال بحاجة إلى عبور الطريق. وعلى غرار نتائج العديد من الدراسات السابقة، فقد أحصينا عددًا من الطيور الكبيرة تعبر الطريق أكثر من الطيور الصغيرة، خاصةً الطرق الأكبر. فأجنحة طيور الغابات الصغيرة مناسبة عمومًا للرحلات القصيرة في الغطاء الشجري الكثيف، لذا قد يكون من المستحيل لهم عبور فجوة واسعة خالية من الأشجار في رحلة طيران واحدة، ومن ثم فهي تتجنب عبور الطرق [4]. كما أن نشاط الحيوانات المفترسة تجعل العبور محفوفًا بمزيد من المخاطر لطيور الغابات الصغيرة، لأن من السهل جدًا على الحيوانات المفترسة الإمساك بها عندما تكون خارج الغطاء الشجري [5].
أين تكمن أهمية النتائج التي توصلنا إليها؟
تُعد تجزئة الموائل حاليًا أحد أكبر التهديدات لبقاء العديد من أنواع الكائنات على الأرض، بما في ذلك الطيور. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن البشر يستفيدون من العديد من الخدمات الحيوية، المُسماة خدمات النظام البيئي التي تقدمها الطيور. فمثلًا، يُعد العديد من الطيور مفترسات مهمة لأنواع ''الآفات''، مثل البعوض والقوارض، ويمكن أن تكون الطيور ملقحات أيضًا للعديد من أنواع النباتات [6]. وفي الواقع، خلصت إحدى الدراسات إلى أن 33% من الطيور تشارك في نشر بذور النباتات ذات الأهمية الطبية والاقتصادية للإنسان [6]. وثمة بعض الطيور التي تُعد بالغة الأهمية لعمل النظم البيئية التي تعيش فيها، وبدونها ستتفكك هذه النظم البيئية. ونحن نطلق على هذه الأنواع بالغة الأهمية التي تربط النظم البيئية معًا بـالأنواع الرئيسية.
ولسوء الحظ، ومع استمرار النمو السكاني، يزداد أيضًا طلبنا على المزيد من المنازل والطرق الأفضل. وقد أدى هذا إلى تدمير الغابات وتجزئتها على نطاق واسع، مما يهدد بدوره بقاء الطيور وخدمات النظام البيئي التي تقدمها الطيور. لذلك من المهم أن نعزز فهمنا لكيفية تصرف الطيور عندما تواجه تغييرات من صنع الإنسان في البيئة، مثل الطرق.
ونأمل أن تساعد النتائج التي توصلنا إليها في تسليط ضوء الأبحاث المستقبلية على الطيور. فمثلًا، سيكون من المثير للاهتمام مقارنة طرق تفاعل الطيور مع المزيد من الفتحات الطبيعية في غطاء الغابة، مثل الأراضي الخالية من الأشجار أو الأنهار.
نأمل أن يمنحنا عملنا -جنبًا إلى جنب مع هذه الدراسات المستقبلية- فرصة أفضل لحماية حياتنا البرية بينما لا نزال نلبي حاجتنا للانتقال من مكان إلى آخر باستخدام الطرق.
مسرد للمصطلحات
الموئل (Habitat): ↑ هو الموطن الطبيعي أو البيئة الطبيعية للحيوان أو النبات أو أي كائن حي آخر.
تجزئة الموائل (Habitat fragmentation): ↑ هي تقسيم الموائل الكبيرة والمستمرة إلى عدة موائل أصغر منفصلة.
خدمات النظام البيئي (Ecosystem services): ↑ هي المساهمات المباشرة وغير المباشرة للنظم البيئية في رفاهية الإنسان.
النظام البيئي (Ecosystem): ↑ هو مجتمع بيولوجي من الكائنات الحية المتفاعلة وبيئتها المادية.
الأنواع الرئيسية (Keystone species): ↑ هي الأنواع التي تؤدي دورًا فريدًا وبالغ الأهمية في الحفاظ على صحة النظام البيئي ووظيفته؛ وبدون هذه الأنواع، سيكون النظام البيئي مختلفًا للغاية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
يود المؤلفون أن يتقدموا بالشكر لطلاب أكاديمية سيراكيوز للفنون الجميلة وتالي على مراجعتهم ومساهمتهم القيمة في هذا المقال.
مقال المصدر الأصلي
↑ Johnson, C. D., Evans, D., and Jones, D. 2017. Birds and roads: reduced transit for smaller species over roads within an urban environment. Front. Ecol. Evol. 5:36. doi: 10.3389/fevo.2017.00036
المراجع
[1] ↑ Lees, A., and Peres, C. 2009. Gap-crossing movements predict species occupancy in Amazonian forest fragments. Oikos 118:280–90. doi: 10.1111/j.1600-0706.2008.16842.x
[2] ↑ Reijnen, R., and Foppen, R. 2006. Impact of road traffic on breeding bird populations. Ecol. Transp. 12:255–74. doi: 10.1007/1-4020-4504-2_12
[3] ↑ Kutt, A. S., and Martin, T. G. 2010. Bird foraging height predicts bird species response to woody vegetation change. Biodivers. Conserv. 19:2247–62. doi: 10.1007/s10531-010-9840-y
[4] ↑ Keast, A. 1996. Wing shape in insectivorous passerines inhabiting New Guinea and Australian rainforests and eucalypt forest/eucalypt woodland. Auk 113:94–104.
[5] ↑ Desrochers, A., and Hannon, S. 1997. Gap crossing decisions by forest songbirds during the post-fledging period. Conserv. Biol. 11:1204–10. doi: 10.1046/j.1523-1739.1997.96187.x
[6] ↑ Wenny, D., Devault, T., Johnson, M., Kelly, D., Sekercioglu, C., Tomback, D., et al. 2011. Perspectives in ornithology: the need to quantify ecosystem services provided by birds. Auk 128:1–14. doi: 10.1525/auk.2011.10248