مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 16 مايو 2022

جعل الواقع افتراضيًا: كيف ”يخدع“ الواقع الافتراضي عقلك؟

ملخص

قد يبدو الواقع الافتراضي (VR) وكأنه ينقلك بطريقة سحرية إلى عالم مختلف. فهو تقنية مثيرة للاهتمام، ولكن بعد أن نضع سماعة الرأس، نادرًا ما نتوقف لنتساءل: كيف يبدو كل شيء واقعيًا للغاية، ولماذا؟ لذا سنستكشف، في هذا المقال، بعض المفاهيم والأساليب التي تجعل الواقع الافتراضي مقنعًا للغاية. وسنكتشف أن الواقع الافتراضي فعال لأنه يحاكي التجارب التي نمر بها، وطبيعة العالم الحقيقي من حولنا. حيث تعمل عيوننا وآذاننا بنفس الطريقة سواء كنا في عالم حقيقي أو افتراضي. وعندما نحاكي الطريقة التي نختبر بها العالم الحقيقي؛ على سبيل المثال، من خلال محاكاة المشاهد ثلاثية الأبعاد باستخدام الرؤية المجسمة، يمكن أن يُشعرنا الواقع الافتراضي كما لو كنا في عالم مختلف تمامًا، ولكنه يظل شعورًا واقعيًا جدًا. وبعد قراءة هذا المقال، ستكون لديك معرفة أساسية عما يحدث في الواقع الافتراضي. باختصار، ستكون لديك فكرة عن كيفية تصميم تقنية الواقع الافتراضي للاستفادة من الطريقة التي تعمل بها عقولنا كل يوم. وسترى كيف يخدع الواقع الافتراضي عقولنا للاعتقاد بأننا في مكان آخر كليًا بطرق مشوقة وغير متوقعة في بعض الأحيان.

عالم افتراضي بطابع حقيقي!

يمكن لبيئات الواقع الافتراضي أن تكون صغيرة مثل قمرة قيادة الطائرة، أو كبيرة مثل العالم الافتراضي بأكمله. وقد صُممت هذه البيئات لتكون واقعية قدر الإمكان. ويشير مصطلح الانغماس إلى مدى قدرة التكنولوجيا على محاكاة ما نشعر به ونتصوره في العالم الحقيقي في حياتنا اليومية. ويعتبر الواقع الافتراضي غامرًا عندما تكون تجربتنا في العالم الافتراضي مشابهة لتجربتنا في العالم الحقيقي. ففي العالم الحقيقي، على سبيل المثال، يمكنك المشي أو الركض بسرعات مختلفة. وإذا كنت في عالم افتراضي ويمكنك التحرك بسرعة واحدة فقط، فلن يكون العالم الافتراضي غامرًا لأن تجربتك في الواقع الافتراضي لن تتطابق مع تجربتك في العالم الحقيقي الذي يمكنك فيه المشي أو الركض بسرعات متفاوتة. وقد صُممت التكنولوجيا القائمة وراء الواقع الافتراضي لتجعلنا نشعر كما لو أننا غادرنا المكان الذي نقف فيه وانتقلنا إلى مكان مختلف تمامًا. وكلما كان العالم الافتراضي أكثر إقناعًا (أو غامرًا)، بدأنا في تصديق أننا في البيئة الافتراضية؛ أو على الأقل سنشعر كما لو كنا كذلك.

كيف يحدث ذلك؟ لنتخيل أننا سنبني كونًا بديلًا لكي يُجربه صديق لنا؛ فينبغي أن يكون مقنعًا لنا حتى ننجح في ذلك. وإذا نجحنا في ذلك، ”فسينخدع“ عقل صديقنا من خلال شعوره بأن هذا الكون الذي قمنا بتصميمه يبدو حقيقيًا، على الرغم من أنه يعرف، بطبيعة الحال، أنه ليس حقيقيًا. وإذا لم ننجح في ذلك، فستقتصر تجربة صديقنا في الكون البديل على كيفية إدراك (أو تفسير) عقله للأشياء في العالم الحقيقي. فقد يرى أن التجربة ممتعة، ولكن عقله لن ”ينخدع“ بشكل فعال فيها. والاحتمال الثالث هو أننا فشلنا في الأمر تمامًا. وقد يعني هذا السيناريو الأخير أن صديقنا يشعر بدوار الإنترنت، الذي يظهر عندما ينخدع عقلك بالواقع الافتراضي ويجعلك تشعر بدوار الحركة (ذلك الشعور بالغثيان الذي يشعر به بعض الأشخاص في السيارة أو على متن الطائرة أو القارب). وبعبارة أخرى، يصبح الواقع الافتراضي غير فعال عندما ”يسير“ العالم الافتراضي بشكل مختلف عن العالم الحقيقي.

كيف ”يخدع“ الواقع الافتراضي عقلنا

لفهم مدى فعالية الواقع الافتراضي، نحتاج أولًا إلى فهم القليل عن كيفية إدراك المخ للعالم من حولنا. دعونا نتوقف ونفكر في الحواس التي تجعلنا نشعر بالعالم: البصر والسمع واللمس، على سبيل المثال لا الحصر. ولإدراك العالم، يحتاج المخ أولًا إلى جمع المعلومات من الأعضاء الحسية؛ مثل العينين والأذنين والجلد. ولكن جمع المعلومات يصف فقط الإحساس — وهو عملية نقل المعلومات من أعضاء الحس إلى المخ. وما يحدث بعد ذلك هو أن المخ يفسر هذه المعلومات؛ مما يسمح لنا بفهم ما يحدث في البيئة. وتسمى عملية تفسير المخ لمدخلات الحواس التي تكوّن فهمنا بالإدراك.

على سبيل المثال، يمكننا أن نرى كلبة تركض في أنحاء الغرفة، ونسمع صوتها، ونشعر بفرائها على بشرتنا - وهذه هي الأحاسيس التي ندركها ونشعر بها كتجارب. وتجتمع الأحاسيس كلها معًا من خلال الإدراك لتعطينا تجربة إدراك وجود الكلبة. وهذا التفاعل المشترك بين الأحاسيس (باستخدام البصر والسمع، وغيرهما) والإدراك (تفسير المخ لهذه المعلومات) هو ما يخلق تجربتنا في الواقع.

كيف يمكن لعناصر الواقع الافتراضي أن تخلق نوعًا من الواقع الحقيقي؟

توجد أشياء كثيرة علينا تعقبها إذا أردنا بناء كون بديل! ونظرًا لأن حواسنا متعددة ومعقدة، فسنناقش مثالًا أبسط؛ ألا وهو كون بديل يمكننا تجربته من خلال حاسة البصر وحدها. فلا يزال بإمكاننا جعل هذا المكان مقنعًا لأن المخ يميل إلى الاعتماد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى. دعونا نتخيل أن ما نبتكره هو شيء مشابه لكثبان رملية على كوكب المريخ (الشكل 1). كيف نبدأ بهذه الصورة البسيطة ونجعل صديقنا يدركها كبيئة غامرة؟ أولًا وقبل كل شيء، يحتاج صديقنا إلى أن يكون قادرًا على تخيل صورة الكثبان الرملية ثنائية الأبعاد على كوكب المريخ كما لو كانت حقيقية مثل مشهد ثلاثي الأبعاد للفضاء تراه أنت في الوقت الحالي. ولتحقيق ذلك، سنحتاج إلى البدء في إنشاء شيء في بيئتنا يسمى الرؤية المجسمة.

شكل 1 - كثبان رملية على كوكب المريخ (مأخوذة من: موقع  NASA.GOV).
  • شكل 1 - كثبان رملية على كوكب المريخ (مأخوذة من: موقع NASA.GOV).
  • كيف يمكننا استخدام الواقع الافتراضي لتحويل هذه الصورة ثنائية الأبعاد لكثبان رملية على كوكب المريخ إلى عالم نشعر وكأننا نقف فيه بالفعل؟ الإجابة معقدة وتنطوي على القدرة على خلق رؤية مجسمة من خلال نظارة الواقع الافتراضي وتتبع حركة رأس مرتدي جهاز الواقع الافتراضي.

فالصورة الفوتوغرافية النموذجية هي صورة ساكنة تُرى من منظور واحد. إلا أننا في العالم الحقيقي، عندما نرى مشهدًا، يمكننا التحرك والنظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة. ففي الشكل 2، نرى الكلبة ”لايكا“ تجلس بجوار كرسي. ويمكننا أن نرى، في بعض الأحيان، أجزاءً من الكرسي أكثر مما يمكننا أن نراه من الكلبة لايكا، بحسب منظورنا الخاص. ويعتمد مقدار الرؤية المحجوبة من أجزاء الكلبة لايكا بفعل الكرسي على المكان الذي نقف فيه. ومن المهم أيضًا ملاحظة أننا نحصل على إحساس بالعمق في هذه الصور. فمن خلال الصور، يمكننا القول إن الكرسي (عادة) أقرب إلينا من الكلبة لايكا، لأنه يحجب جزئيًا رؤيتنا لها. وتعتمد معرفة مدى قرب الأشياء أو بُعدها جزئيًا على الرؤية ثنائية العينين.

شكل 2 - خمس زوايا رؤية مختلفة تُظهر أجزاءً أكثر أو أقل من الكلبة لايكا، بحسب المكان الذي يقف فيه المشاهد.
  • شكل 2 - خمس زوايا رؤية مختلفة تُظهر أجزاءً أكثر أو أقل من الكلبة لايكا، بحسب المكان الذي يقف فيه المشاهد.
  • ففي صورة بسيطة، نحتاج إلى صور متعددة لإظهار زوايا المشهد المختلفة. أما الواقع الافتراضي فيسمح لنا بدمج هذه البيئات الفردية، مما يسمح لنا بالتحرك لتقدير زوايا الرؤية المختلفة وإدراك عمق ثلاثي الأبعاد؛ تمامًا كما هو الحال في الحياة الحقيقية.

ويقصد بالرؤية ثنائية العينين أن ترى عينانا اليسرى واليمنى الأشياء من وجهات نظر مختلفة قليلًا لأنهما تقعان على جانبين مختلفين من الوجه. مما يعني أن المخ يجب أن يدمج المعلومات معًا من هذين المنظورين. وتسمى هذه العملية بالتجسيم. حيث تُمكن الرؤية المجسمة المخ من إخبارنا بما إذا كان العنصر قريبًا أم بعيدًا. وبالنسبة لصديقنا، فإن التجسيم هو ما سيحقق له التخيل بأنه داخل الصورة بدلًا من كونه ينظر إليها فقط.

كيفية صنع عالم افتراضي

كيف نخلق رؤية مجسمة لتجربة صديقنا الافتراضية؟ أولًا، نحن بحاجة إلى تزويده بنظارة الواقع الافتراضي. حيث تحاكي نظارات الواقع الافتراضي الرؤية ثنائية العينين من خلال تقديم صور مختلفة قليلًا لكل عين، مما يعطي تصورًا يُظهر الصورة ثنائية الأبعاد باعتبارها بيئة ثلاثية الأبعاد. وقد تكون نظارات الواقع الافتراضي المتقدمة مكلفة وباهظة الثمن، ولكن يمكنك صُنع واحدة غير مكلفة في المنزل باستخدام نظارة جوجل كارد بورد (Google Cardboard) ثم استخدام الهاتف المحمول كشاشة عرض (باستخدام التطبيقات التي تقسم الصورة إلى مشاهد عرض منفصلة لكل عين).

ورؤية شكل مجسم ليست الشيء الوحيد الذي سنحتاج إليه، لأن صديقنا سيرغب في النظر حوله في محيطه كما نفعل عندما نستكشف مكانًا جديدًا.

لذا، نحن بحاجة إلى تقديم فكرة تتبع الرأس. تخيل أنك تسير داخل كاتدرائية جميلة. فهناك احتمالات بأنك ستنظر إلى الأعلى وإلى الأسفل ويمينًا ويسارًا، بل وخلفك أيضًا. في العالم الحقيقي، يحدث ذلك بشكل طبيعي لدرجة أننا حتى لا نلاحظه. إلا أنه خلال اكتشاف كيفية إنشاء بيئة الواقع الافتراضي، غالبًا ما نحتاج إلى التوقف والتشكيك في الأشياء التي نعتبرها عادة أمرًا مسلمًا به.

ماذا سيحدث إذا كانت نظارة الواقع الافتراضي لدينا تُظهر دائمًا نفس الجزء من الصورة بغض النظر عن أي مدى ننظر إليه بالأعلى أو بالأسفل؟ حسنًا، لن يكون ذلك مقنعًا نهائيًا! فالبيئة الافتراضية غير المقنعة هي بالضبط ما سنحصل عليه إذا نسينا عنصر تتبع الرأس في الواقع الافتراضي. وعندما ينظر صديقنا إلى الأعلى أو إلى الأسفل، يجب أن تتطابق زاوية الكثبان الرملية على المريخ مع الزاوية التي تتوجه إليها رأس صديقنا. وعندما يستدير، ستضطر البيئة الغامرة إلى أن تظهر له المعلومات البصرية التي كانت ”خلفه“ في السابق. لذلك تراقب عملية تتبع الرأس ببساطة الاتجاه الذي تتجه إليه رأسك باستخدام أداة تسمى مقياس التسارع، والتي يمكنها أن تشعر بما إذا كان هناك شيء ما يتحرك أم لا، وفي أي اتجاه يتحرك. وتحتوي الهواتف الذكية على مقاييس تسارع مدمجة فيها حيث يمكنك من خلالها التمتع بأنواع معينة من الألعاب التي تتضمن إمالة هاتفك. إذ يرصد مقياس التسارع بالهاتف كيفية إمالة هاتفك ثم يضبط حركتك في اللعبة وفقًا لذلك.

كيف يخدع الواقع الافتراضي المخ عن طريق الخطأ أحيانًا؟

يحاكي مقياس التسارع في الواقع الافتراضي ”مقاييس التسارع“ الطبيعية التي نحملها معنا في رؤوسنا. ففي أي وقت نحرك فيه رؤوسنا، تزود الأعضاء الحسية في آذاننا الداخلية - الجهاز الدهليزي - المخ بمعلومات حول كيفية توجيه رؤوسنا في الفراغ. ويلعب الجهاز الدهليزي دورًا بالغ الأهمية في مساعدتنا في الحفاظ على التوازن، وحمايتنا من السقوط أرضًا، وإخبارنا بما إذا كنا مستلقيين أم واقفين. لذلك من شأن عملية بناء خاصية تتبع الرأس في نظارة الواقع الافتراضي لدى صديقنا أن تٌضفي إقناعًا على البيئة الافتراضية إذا نجحنا في ذلك. ولكن إذا سارت الأمور بشكل خاطئ، فسيتعرض صديقنا إلى ما يسمى بدوار الإنترنت. ويحدث دوار الإنترنت في الواقع الافتراضي عندما يشعر الشخص بتشتت التركيز والغثيان. وهو مشابه لما يحدث مع دوار الحركة أثناء محاولة قراءة كتاب في المقعد الخلفي للسيارة. إلا أنه من المثير للاهتمام أن دوار الحركة ودوار الإنترنت ليسا نفس الشيء تمامًا. فنظرة فاحصة على الاختلاف بينهما ستساعدنا على فهم كيف يمكن للواقع الافتراضي أن يكون ناجحًا جدًا في ”خداع“ المخ، وأحيانًا من خلال طرق خاطئة.

ماذا يحدث عندما نصاب بدوار الحركة؟ يحدث دوار الحركة نتيجة تلقي المخ إشارتين متضاربتين. حيث تأتي إحدى الإشارتين من العينين، والأخرى من الأذنين الداخليتين (على وجه التحديد، الأجزاء التي تشعر بإمالة رأسك في الفراغ، وليس الأجزاء التي تكشف الأصوات!). فإذا كنت تحاول قراءة كتاب في سيارة تتحرك، فستنقل عيناك إشارة إلى المخ بأنك لا تتحرك، ولكن النظام الدهليزي الخاص بك يسجل حركة السيارة نظرًا لأنها تميل في المنعطفات وأثناء الضغط على الفرامل وزيادة السرعة.

وهكذا يرسل نظامك الدهليزي معلومات إلى المخ مفادها أنك تتحرك. ولكن لا يمكن لمخك دائمًا التوفيق تمامًا بين هاتين الرسالتين المختلفتين، وفي بعض الأحيان تكون النتيجة هي إصابتك بدوار الحركة. وهذا جزء من السبب الكامن وراء إمكانية تخفيف دوار الحركة عند النظر من النافذة. فمن خلال إرسال العينين إشارات إلى العقل تدل ”بأننا نتحرك”، لم يعد هناك فصل أو تضارب بين الرسالتين المرسلتين من عينيك وأذنيك، وعليه تبدأ في الشعور بالتحسن.

لذا، كيف يمكن أن تشعر بدوار الحركة في الواقع الافتراضي عندما لا تتحرك على الإطلاق؟ بصورة عامة، لا يتم تنشيط نظامك الدهليزي بشكل كبير في الواقع الافتراضي، لأنك غالبًا تكون إما واقفًا أو جالسًا. ولكن الرؤية المجسمة وخاصية تتبع الرأس تمنحانك وهم الحركة. ويُعتقد أن دوار الإنترنت ينتج عن هذا الوهم، وهو يُعرف أيضًا باسم الحركة الذاتية الوهمية (vection). قد تكون قد جرّبت وهم الحركة الذاتية الوهمية إذا كنت سافرت من قبل على متن قطار أو حافلة واعتقدت أنك تتحرك إلى الأمام أو الخلف ولكن في الواقع السيارة المجاورة لك هي التي كانت تتحرك. ويمكن أن ينشأ هذا الوهم في الواقع الافتراضي، لأنه عند التحرك عبر الفضاء الافتراضي (باستخدام وحدة تحكم الألعاب، على سبيل المثال)، تخبرك عيناك ”بأنك تتحرك”، في حين يخبرك نظامك الدهليزي ”بأنك ساكن”. ويمكن أن يحدث دوار الإنترنت أيضًا عندما يكون هناك تأخر زمني بين وقت تحرك رأسك ووقت ضبط الشاشة لمنظور البيئة. ويعاني بعض الأشخاص – على وجه التحديد – من دوار الحركة ودوار الإنترنت برغم أن السبب الدقيق لهذا الاختلاف بين الأفراد ليس معروفًا حتى الآن [1].

ما مدى واقعية الواقع الافتراضي؟

دعونا نفترض أننا قد جمعنا مكونات نظارات الواقع الافتراضي بطريقة صحيحة، وأن صديقنا لم يتعرض لدوار الإنترنت؛ فإننا بذلك نكون قد نجحنا في خلق بيئة افتراضية ناجحة، ولكن كيف لنا أن نعرف إلى أي مدى تكون هذه البيئة حقيقية؟ يعتبر الحضور مفهومًا مهمًا في الواقع الافتراضي. إذ يُستخدم الحضور لقياس مدى شعور الشخص بأنه حاضر الآن في بيئة افتراضية، بدلًا من البيئة الفعلية. وتتمثل إحدى طرق قياس الشعور بالحضور في تسجيل معدل ضربات قلب الشخص وغيرها من علامات الإجهاد. فإذا اقتربت كثيرًا من حافة منحدرة في الحياة الحقيقية، فمن المرجح أنك ستواجه بعض الأحاسيس: مثل تسارع نبضات القلب، وتعرق كف اليد، وتسارع التنفس. ويمكن قياس أعراض الإجهاد هذه نفسها لدى الأشخاص المعرضين للسقوط من على حافة منحدرة افتراضية في بيئة محاكاة. ومن بين الطرق العديدة لاستخدام الواقع الافتراضي في أغراض أخرى غير الألعاب استخدامه في علاج أنواع معينة من الرهاب؛ مثل الخوف من المرتفعات. فمع استخدام الواقع الافتراضي بحذر من قبل المتخصصين في الصحة العقلية، يمكن علاج الأشخاص المصابين برهاب شديد من المرتفعات (أو أنواع أخرى من الرهاب) من خلال عملية تسمى التخلص المنظم من الحساسية، التي يمكنهم من خلالها السيطرة تدريجيًا على خوفهم في بيئة آمنة [2].

يتميز الواقع الافتراضي بالقدرة على السماح لنا بتجربة الأشياء التي من المرجح ألا نواجهها في الحياة الحقيقية. فالبيئة الافتراضية التي أنشأناها لصديقنا شملت فقط حاسة الرؤية. ومع ذلك، تتضمن تقنية الواقع الافتراضي المتقدمة حواسًا أخرى أيضًا. وكلما كانت حواسنا أكثر اندماجًا بشكل صحيح في بيئة الواقع الافتراضي، كانت التجربة غامرة أكثر أو أقرب للحقيقية. وكلما كان عالم الواقع الافتراضي غامرًا أكثر، زاد شعورنا بالواقع الحاضر وفقدنا إحساسنا بالمكان الذي نتواجد فيه بالفعل.

الخلاصة

هناك فرق كبير بين التعلم عن شيء من خلال القراءة أو مشاهدة الأفلام الوثائقية، والتعلم عنه من خلال خوض التجربة على أرض الواقع. ففي كثير من الأحيان، نتعرف على مواضيع، مثل علم الفلك، من خلال الكتب المدرسية ومقاطع الفيديو. إلا أنه في المستقبل، قد تشمل فصول تعلم العلوم رحلات ميدانية إلى بيئات الواقع الافتراضي، يمكننا من خلالها استكشاف هذه المساحة العلمية، والشعور كما لو أننا نتجول بين الكثبان الرملية على كوكب المريخ. وفي نهاية المطاف، عرفنا أن هذه التكنولوجيا ”تخدع“ المخ، وتجعلنا نشعر وكأننا في مكان آخر من خلال محاكاة تجارب الإدراك الحسي لدينا في العالم الحقيقي، وإقناعنا بأننا داخل الألعاب، أو على سطح كوكب مختلف. ومن هنا علينا أن نتساءل: كيف تنوي أن تستخدم هذه التقنية المثيرة للاهتمام؟

مسرد للمصطلحات

الانغماس في الواقع الافتراضي (Immersion): مدى جودة الواقع الافتراضي في تقليد العالم الحقيقي كما نعرفه أو محاكاته.

دوار الإنترنت (Cybersickness): الشعور بتشتت التركيز و/أو الغثيان الذي يمكن أن ينتج عن التحرك الوهمي من خلال بيئات افتراضية. ويمكن أن يحدث هذا الشعور المزعج أيضًا بسبب التباطؤ (أو التأخير) بين ما تتوقعه رؤيتك (عيناك) وما يعرضه العالم الافتراضي.

الإحساس (Sensation): الطرق المختلفة التي تتبعها أجسامنا لجمع معلومات عن العالم من حولنا (على سبيل المثال، الرؤية والسمع واللمس والتذوق)، وعملية إرسال تلك المعلومات إلى المخ لإدراكها

الإدراك (Perception): هو عملية قيام عقلنا بتفسير حواسنا وتحويلها إلى تجارب.

الرؤية ثنائية العينين (Binocular Vision): تقع عينانا اليسرى واليمنى في موضعين مختلفين قليلًا في الرأس، والمخ قادر على دمج هذين المنظورين معًا، على غرار النظر من خلال المنظار ثنائي العدسات.

التجسيم (Stereopsis): هو الرؤية في شكل مجسم. وهو الطريقة التي يجمع بها المخ المعلومات البصرية من عينينا اليسرى واليمنى، ويدمجهما في صورة واحدة.

مقياس التسارع (Accelerometer): جهاز يمكنه معرفة ما إذا كان هناك شيء يتحرك أم لا، وفي أي اتجاه.

الحضور (Presence): مدى اتسام البيئة الافتراضية بالإقناع.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] LaViola Jr., J. J. 2000. A discussion of cybersickness in virtual environments. ACM SIGCHI Bull. 32:47–56. doi: 10.1145/333329.333344

[2] Botella, C., Fernández-Álvarez, J., Guillén, V., García-Palacios, A., and Baños, R. 2017. Recent progress in virtual reality exposure therapy for phobias: a systematic review. Curr. Psychiatry Rep. 19:42. doi: 10.1007/s11920-017-0788-4