ملخص
كيف كانت طبيعة اللغات التي كان يتحدث بها أسلافنا في عصر ما قبل التاريخ؟ نظرًا إلى أن عصر ما قبل التاريخ يعتبر الفترة التي تسبق السجلات المكتوبة، فلا توجد لدينا سجلات أو كتب من تلك الحقبة، وبما أنه من غير الممكن السفر عبر الزمن، فقد توصل اللغويون (العلماء الذين يدرسون اللغات البشرية) إلى العديد من السبل لمعرفة الكيفية التي كان أسلافنا القدامى يتواصلون بها. وعليه نتناول في هذا المقال هذه الأساليب وما توصل إليه العلماء على مر السنين حول اللغات التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ. لم يكن أسلافنا يتواصلون باستخدام صوت زمجرة (نخير) فقط، بل على العكس من ذلك، ربما يكونون قد تحدثوا بلغات معقدة أو ربما بلغات أكثر تعقيدًا من بعض اللغات الحالية.
مقدمة
يُعرف عصر ما قبل التاريخ على أنه الفترة الممتدة بين استخدام الأدوات الحجرية الأولى واختراع نظم الكتابة الأولى، فهل أنت مهتم بعصر ما قبل التاريخ؟ إذا كنت كذلك، فبالتأكيد أنت تعلم أن أسلافنا عاشوا في الكهوف وارتدوا ملابس مصنوعة من الفراء وعرفوا كيفية مطاردة الحيوانات الكبيرة (مثل حيوانات الماموث!) وكانوا يمتلكون المهارة الكافية لتزيين جدران الكهوف برسومات رائعة. ناهيك عن قدراتهم الرائعة على تصنيع الأسلحة وجمع الفاكهة والخضروات الصالحة للأكل والبقاء على قيد الحياة في بيئة باردة وعدائية مليئة بالحيوانات الخطيرة؛ مثل دببة الكهوف أو الضباع الكبيرة.
حتى إذا كنت تعرف الكثير من الأشياء عن عصر ما قبل التاريخ، فربما لم تفكر أبدًا في اللغة التي كان يتحدث بها أسلافنا القدامى، فهل هي الإنجليزية؟ أم لغة أقدم من تلك، مثل اللاتينية، لغة الرومان؟ أم العبرية، اللغة التي تحدث بها اليهود القدامى، مثل نوح؟ أو ربما كانوا يزمجرون فقط، أو ربما كانوا قادرين على التواصل من خلال الإيماءات فقط، كما تفعل العديد من القردة، وهنا يأتي السؤال: كيف يمكنك معرفة آلية تواصل البشر في عصور ما قبل التاريخ؟ وهو سؤال صعب للغاية، لأننا نتحدث عن أشخاص عاشوا قبل آلاف السنين، ولهذا السبب فإن لا أحد يجرؤ على تقديم ادعاءات دامغة حول طبيعة اللغات التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ.
تخيل أنك تريد معرفة شيء ما عن اللغة المنطوقة قبل 100 عام في موطنك، هذا من شأنه أن يكون أمرًا سهلًا! فقد تتوفر لديك سجلات قديمة، أو قد تعثر، في كل مكان تقريبًا، على رسائل مكتوبة بخط اليد وصحف وكتب من تلك الفترة. ولكن ماذا لو كنت تريد أن تعرف اللغة التي كان يتحدث بها البشر في حقبة سابقة؟ ماذا عن الرومان، على سبيل المثال؟ حسنًا، فقد ترك الرومان أيضًا العديد من الكتابات (قصائد، ومسرحيات، وقصصًا)، بالإضافة إلى أشياء أخرى مثيرة للاهتمام، مثل الكتابات المنقوشة على الجدران، والتي تمكننا من معرفة كيفية استخدام الرومان للغتهم (ماكسيموس كان هنا، بروتوس غبي، أحب كورنيليا، وما إلى ذلك). ولكن، إذا رجعنا إلى ما هو أبعد من ذلك، فسنجد أن رجال الكهوف لم يتمكنوا من الكتابة، ولم يكن لديهم أجهزة تسجيل متاحة لتوثيق لغتهم. وبالطبع، لا يوجد لدينا آلة للسفر عبر الزمن (بعد) للسفر إلى عصر ما قبل التاريخ لنرى الصورة التي كان عليها الأمر، لذا فنحن نواجه مشكلة كبيرة.
الهدف من هذا المقال هو إظهار كيف تمكن اللغويون من التعرف على العديد من الأمور حول اللغات التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ. ولتحقيق هذا الأمر، اعتمد اللغويون في الغالب (بجانب أمور أخرى) على خصائص اللغات البشرية الحالية، والتي يعرفونها جيدًا.
تاريخ اللغات
على الأغلب أنك أدركت أن اللغات تتغير مع مرور الوقت، فهي تتغير ببطء وبشكل غير ملحوظ، ولكن ربما تكون قد لاحظت بعض هذه التغييرات. فقد يستخدم والداك بعض الكلمات القديمة التي لن تستخدمها أنت وأصدقاؤك مطلقًا. على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تعبر عن مدى روعة شيء، فيمكنك قول dope أو phat كناية عن "رائع"، ولكن على الجانب الآخر، فقد يستخدم والداك كلمة awesome أو wicked ... وأجدادك كلمة groovy أو hip للتعبير عن المعنى نفسه. ومع ذلك، فليست المفردات فقط التي تتغير بمرور الوقت بل جميع جوانب اللغة، بدءًا من الأصوات مرورًا بالقواعد النحوية ووصولًا إلى كيفية استخدام الكلمات والجمل في أثناء المحادثة، فكل ذلك يتغير بمرور الوقت. هل سبق لك قراءة النسخة الأصلية لأي مسرحية من مسرحيات شكسبير؟ إذا سبق لك ذلك، فسوف تجد العديد من الكلمات والعبارات الغريبة. على سبيل المثال، في المشهد الثاني من الفصل الثاني من مسرحية "روميو وجوليت" (Romeo and Juliet)، يشيد روميو بجمال جوليت قائلًا: "ولكن مهلًا، ما هذا النور الذي ينفذ من تلك النافذة؟ هذا هو المشرق وجوليت شمسه". "But wait, what’s that light in the window over there? It is the east, and Juliet is the sun". ولكن ما كتبه شكسبير بالفعل (وما كان الأشخاص يقولونه في تلك الفترة) هو: "ولكن انتظري، ما ذلك الضوء الذى يعبر من النافذة هناك؟ هذا هو المشرق وجوليت شمسه." "But soft! What light through yonder window breaks? It is the east, and Juliet is the sun". على الرغم من أن كل شيء في هذا الاقتباس مألوف إلى حد ما، فإن هناك كلمة غريبة، ألا وهي كلمة "yonder"، كما أن كلمة "soft" في اللغة الإنجليزية المعاصرة تعد صفة وليست فعلًا. وإذا عدت بالزمن إلى أكثر من ذلك، فستجد أن اللغة الإنجليزية تبدو غريبة حقًا. ربما تكون على دراية بالصلاة الربانية، وهي واحدة من أشهر الصلوات في المسيحية، حيث يُذكر في السطر الأول: "أبانا الذي في السموات" (Our Father, who is in heaven). وكان الأشخاص في القرن العاشر سيقولون بدلًا من ذلك: "Fæder ure þu þe eart on heofonum" على الأرجح أنك لا تفهم أيًا من هذا، أو أن تقرأ بعض أجزائه حتى، وذلك لوجود حروف غير مألوفة أيضًا، مثل æ أو þ. في الواقع، تبدو العبارة التي تعود إلى القرن العاشر أعلاه أشبه بالألمانية أكثر من كونها إنجليزية، ولا يعد هذا بالأمر الغريب، وذلك لأن اللغتين؛ الألمانية والإنجليزية، مرتبطتان ـ حيث يُطلق عليهما لفظ اللغتين الشقيقتين؛ نظرًا لأنهما ينحدران من نفس اللغة "الأم" إن جاز التعبير. وهذا هو السبب في أن العديد من الكلمات الألمانية تبدو مألوفة لدى متحدثي اللغة الإنجليزية. يقول الألمان كلمة Vater بدلا من father "أب"، وكلمة himmel بدلا من heaven "جنة". وعلى العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين يتحدثون اللغات الناشئة عن اللاتينية (مثل الإسبانية)، يستخدمون كلمات أقل شيوعًا لمتحدثي اللغة الإنجليزية، مثل padre "أب" و cielo "جنة"، على التوالي.
تتيح لنا التغيرات اللغوية التي تحدث بمرور الوقت مقارنة الأشكال المختلفة التي اتخذتها اللغة الإنجليزية، بمعنى أننا نسافر إلى الماضي، وإلى طفولة والدينا، وإلى عصر شكسبير، وإلى القرن العاشر لإجراء هذه المقارنات. وإذا ما قارنا بين اللغات الشقيقة مثل الإنجليزية والألمانية، فيمكننا العودة إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى الوقت الذي كان يتم التحدث فيه باللغة الأم (تُسمى اللغة الجرمانية البدائية) حيث لم يكن أي من الإنجليزية أو الألمانية موجودًا بعد. وقد تعلم اللغويون، على مر السنين، أن التغيرات اللغوية تستغرق وقتًا وتخضع للقواعد العامة (لمعرفة المزيد من المعلومات، اطلع على [1]). وقد وظف اللغويون المعلومات التي تم التوصل إليها في مقارنة أزواج من الكلمات ذات الأصوات المتشابهة والتي تحمل نفس المعاني في اللغات ذات الصلة، مثل الألمانية والإنجليزية، ثم استدلوا على الهيئة التي كانت تبدو بها هذه الكلمات قبل مئات أو حتى آلاف السنين (في الجرمانية البدائية). فعند التمعن في هذه الطريقة، سنجد أنها نوع من أنواع السفر عبر الزمن ... لكن بدون آلة سفر عبر الزمن! اكتشف اللغويون أن معظم اللغات الأوروبية مثل الإنجليزية والألمانية، ولغات أخرى أيضًا مثل الروسية والإسبانية واليونانية، هي لغات شقيقة وتنتمي إلى المجموعة الكبيرة نفسها من اللغات، وهي مجموعة اللغات الهندية الأوروبية (شكل 1). كما قام اللغويون "بإعادة تشكيل" اللغة الأم التي تنحدر منها كل هذه اللغات، ويُطلق عليها اللغة الهندية الأوروبية الأولى، والتي كان الناس يتحدثون بها قبل ما يقرب من 5,000 عام.
تُعد العودة إلى الماضي 5,000 عامًا، باستخدام "آلة الزمن اللغوية" إنجازًا رائعًا في علم اللغة، ولكن من المؤسف أن هذه الطريقة ليست مثالية، فالتغير اللغوي لا يحدث باستمرار مع مرور الوقت. على سبيل المثال، يستطيع سكان أيسلندا الحاليون قراءة العديد من قصص الفايكنج من القرن العاشر، ويرجع ذلك إلى التغيير البطئ الذي طرأ على اللغة الأيسلندية، وذلك بالمقارنة مع الإنجليزية، حيث تُعد أيسلندا بلدًا منعزلًا. هل يمكنك تخيل قراءة قصة "بيوولف" (Beowulf) أو حكايات "تشوسر" (Chaucer) بدون الاستعانة بقاموس والكثير من الهوامش السفلية المليئة بالملحوظات؟
ثمة صعوبة أخرى يواجهها اللغويون وهي أن اللغات تتغير أيضًا من خلال استعارة الكلمات والأصوات من لغات أخرى غير ذات صلة. على سبيل المثال، يمكن ملاحظة أن الكلمة الإنجليزية pork "لحم خنزير" تشبه الكلمة البرتغالية porco أو الكلمة الرومانية porc أو الكلمة الإسبانية puerco، مقارنةً بالكلمة الألمانية التي تحمل نفس المعنى Schwein. وقد يبدو هذا الأمر غريبًا، وذلك لأن اللغة الإنجليزية، كما سبق الإشارة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة الألمانية وليس باللغات الناشئة عن اللاتينية مثل البرتغالية أو الرومانية أو الإسبانية. كيف يمكننا تفسير هذا الأمر؟ لحل هذا الغموض يتعين علينا أن ننظر إلى ما هو خارج إطار اللغة وأن نرى ما حدث مع المتحدثين بها. ففي القرن الحادي العشر، غزا النورمانديون إنجلترا، والنورمانديون هم أبناء الفايكنج وأحفادهم الذين استقروا سابقًا في شمال فرنسا. ومع ذلك، كان النورمانديون يتحدثون اللغة الفرنسية. في اللغة الفرنسية، تُنطق كلمة pork "لحم الخنزير" porc، واستعارت اللغة الإنجليزية هذه الكلمة. والجدير بالذكر أن استعارة الكلمات أو الأصوات أو القواعد النحوية تحدث في جميع أنحاء العالم وعبر جميع المجموعات اللغوية، ففي بعض الأحيان يكون هناك الكثير من حالات الاستعارة لدرجة أنه يكون من المستحيل معرفة الأصل الفعلي للغة أو اللغات الشقيقة لهذه اللغة، ويمثل ذلك مشكلة حقيقية لعملية سفرنا عبر الزمن إلى عصور ما قبل التاريخ. وبسبب الاستعارة، لا يمكن للغويين أن يكونوا على معرفة تامة بخصائص أي لغة منطوقة قبل أكثر من 8,000 إلى 10,000 سنة، وكان ذلك بعد فترة كبيرة من مغادرة معظم أسلافنا لكهوفهم وبدأوا في زراعة النباتات وبناء المدن الأولى.
العودة بالزمن بمساعدة ناطقي اللغات
هل هذا يعني أننا لن نتمكن من معرفة كيف كان يتحدث أسلافنا القدامى؟ ليس بالضرورة؛ فلحسن الحظ، تمكن اللغويون من العثور على أساليب أخرى لدراسة اللغات التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ وفترات أبعد من ذلك. فبعد عقود من الدراسة، توصل اللغويون إلى أن جميع اللغات البشرية متشابهة للغاية. بدون شك، تبدو اللغات مختلفة (على سبيل المثال، apple "تفاح" بالإنجليزية هي manzana بالإسبانية) كما تختلف القواعد النحوية أيضًا. ومع ذلك، ثمة العديد من الخصائص المشتركة: جميع اللغات لديها أسماء وأفعال وتجمع الأصوات في مقاطع لإنشاء كلمات جديدة وما إلى ذلك، ويعتقد اللغويون أن سبب هذا التشابه يرجع إلى أن اللغات هي نتاج العقل البشري وجميعنا لدينا عقول متشابهة لدرجة كبيرة (للمزيد من التفاصيل والمناقشات المتعمقة، اطلع على [3]). والأكثر من ذلك، نحن الآن على يقين من أن عقول الأشخاص التي كانت تعيش في عصور ما قبل التاريخ لم تكن مختلفة كثيرًا عن عقولنا، على الأقل خلال ال 50,000 عام الماضية. وبالنظر إلى الأمر بهذه الطريقة، يجب أن نتوقع أن جميع اللغات المنطوقة في الماضي كانت مشابهة للغات الحالية.
ويعتقد بعض اللغويين أن بعض الاختلافات الموجودة بين اللغات قد تكون نتاج الثقافة أو البيئة التي تُعد عنصرًا مهمًا ومؤثرًا في الأشخاص ناطقي هذه اللغات. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعيش في دولة متقدمة تقنيًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا، فمن المحتمل أن تحتوي لغتك على العديد من أسماء الألوان. وعلى الجانب الآخر، تحتوي اللغات التي يتم التحدث بها في بعض القرى النائية في غينيا الجديدة على كلمتين فقط للألوان: داكن و فاتح. ويعتقد اللغويون أن هذا قد يرجع إلى حقيقة أن الألوان مهمة لمجال الصناعة أو لتصميم الملابس. وخلاصة الأمر، أنه لمن المفيد حقًا أن يكون لديك حصيلة كلمات مخصصة للألوان المختلفة إذا كنت بحاجة إلى التحدث عن الألوان طوال الوقت! لذا، فمن خلال المعلومات المتاحة حول الثقافة والبيئة التي كانت موجودة خلال عصور ما قبل التاريخ، قد يتمكن اللغويون من رصد بعض خصائص اللغات التي تحدث بها الأشخاص في هذه الحقبة.
بدأ اللغويون أيضًا في استخدام أجهزة كمبيوتر عالية الإمكانيات لعقد مقارنات هائلة بين جوانب لغوية معروفة باختلافها بين اللغات، وبين عشرات العوامل الأخرى، مثل الأماكن التي يعيش فيها ناطقو اللغات (صحارى أم غابات؟) أوعدد الناطقين باللغة (هل هي لغة عالمية مثل اللغة الإنجليزية، أم أنها لغة لا يتعدى عدد ناطقيها 100 فرد، مثل لغة موهافي وهي لغة مستخدمة في أريزونا؟) أو كيف يتفاعل ناطقو اللغة مع أشخاص آخرين (هل يعيش ناطقو اللغة في مجتمعات منغلقة أم يتعاملون مع أشخاص يتحدثون لغات أخرى بصورة يومية؟)، وخرجت نتائج جديرة بالاهتمام حيث تم التوصل إلى أن اللغات يمكن أن تتأثر بكل هذه العوامل، على سبيل المثال، تستخدم العديد من اللغات، مثل الصينية أو التايلاندية، نغمات (درجة صوت منخفضة مقابل درجة صوت عالية) لتمييز الكلمات (الشكل 2A). واكتشف اللغويون أن هذه اللغات النغمية توجد في الغالب في المناطق الاستوائية مقارنة بالمناطق المعتدلة والباردة (الشكل 2B)، وقد يرجع ذلك إلى تأثير الهواء البارد الجاف على الأحبال الصوتية.
علاوةً على ذلك، أصبح اللغويون على دراية بأن اللغات التي يتحدث بها عدد قليل من الأشخاص وتلك التي يتحدث بها أشخاص يتفاعلون بشكل متكرر مع أشخاص آخرين ناطقين للغات أخرى، عادةً ما تتشارك في مجموعة من الخصائص الشائعة، مثل امتلاك تصريفات أقل من الأفعال أو الاسماء. وبشكل عام، فإن القواعد النحوية الخاصة بهذه اللغات تتسم بإنها أقل تعقيدًا ومن السهل أن يتعلمها الكبار مقارنة بالقواعد النحوية للغات التي تتحدثها مجموعات صغيرة من الناس الذين يعيشون في مناطق أكثر عزلة. هل تدرس اللغة الألمانية في المدرسة؟ فوفقًا لما ورد أعلاه، اللغة الإنجليزية أقل تعقيدًا من اللغة الألمانية، حيث إن الأفعال الألمانية لها تصريفات مختلفة أكثر من الأفعال الإنجليزية (الشكل 3A). كما أنه في اللغة الإنجليزية، يتميز الفاعل في الجملة بخاصية واحدة فقط: وهي إنه عادةً ما يتم إيجاده قبل الفعل، ولكن في اللغة الألمانية، فثمة ثلاث خصائص للفاعل: حيث عادةً ما يتم وضعه قبل الفعل ويأخذ تصريفات مختلفة حسب موقعه ويطابق الفعل في العدد (الشكل 3B).
مربع 1 - شرح مفصل لبعض الاختلافات بين قواعد اللغة الإنجليزية واللغة الألمانية.
A- تحتوي اللغة الإنجليزية على تصريفات فعل أقل من اللغة الألمانية وذلك على النحو التالي: (1) اللغة الإنجليزية لها صيغة واحدة فقط لماضي فعل play "يلعب" وهي (played) (لعب). (2). في حين أن اللغة الألمانية تحتوي على أربع صيغ مختلفة (liebte وliebtest و liebten وliebtet). B- معرفة الفاعل في الجملة الإنجليزية أسهل من معرفته في الجملة الألمانية وذلك على النحو التالي: (1) تختلف الجملتان The girl loved the boys "الفتاة أحبت الأولاد" و The boys loved the girl "الأولاد أحبوا الفتاة " من حيث المعنى في اللغة الإنجليزية، والفرق الوحيد بينهما هو كيفية ترتيب الكلمات حيث إن الفاعل (الذي بادر بالحب) هو ما يأتي قبل الفعل. (2) الجمل الألمانية المقابلة للجمل الإنجليزية هي Das Mädchen liebte die Jungs و Die Jungs liebten das Mädchen على التوالي وهنا يظهر الفاعل أيضًا قبل الأفعال كما هو الحال في اللغة الإنجليزية، ولكن تغير الفعل من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع أيضًا (liebte/liebten). وبعبارة أخرى، يمكن تحديد الفاعل في اللغة الألمانية لأنه يتوافق مع الفعل في العدد. (3) علاوةً على ذلك، تختلف الجملتان The boy loved the girl "الولد أحب البنت" boy the loved girl "البنت أحبت الولد" من حيث المعنى في اللغة الإنجليزية، ومرة أخرى، يتمثل الفرق الوحيد في ترتيب الكلمات: حيث يتم وضع الفاعل (الذي يحب) قبل الفعل، في حين أن المفعول به (الذين يُحَبون) يأتي بعد الفعل. (4) وفي الجمل الألمانية المقابلة Der Junge liebte das Mädchen و Das Mädchen liebte den Jungen، فإن الفاعل يأتي أيضا قبل الفعل ويتوافق معه في العدد، كما في (2). ومع ذلك، هناك خاصية ثالثة مثيرة للاهتمام متعلقة بالفاعل في اللغة الألمانية وهي على النحو التالي: تأخذ الكلمة (Junge) تصريف آخر عندما تأتي كمفعول به في الجملة وتكون كالتالي (Jungen).
وبشكل عام، ما اكتشفه اللغويون هو أن العديد من العوامل غير المتعلقة باللغة نفسها، مثل الممارسات الثقافية وعدد الناطقين باللغة وأساليب الحياة المختلفة والبيئة المادية وغيرها الكثير، قد تؤثر على الجوانب التركيبية للغة (لإلقاء نظرة عامة مستوفاة، اطلع على المرجع [5]). والأمر الجيد هو أن علماء الآثار (العلماء الذين يدرسون البقايا الحضارية والثقافية القديمة) وقد توصل علماء مستحاثات البشر (العلماء الذين يدرسون الحفريات البشرية) إلى تحقيق معرفة جيدة بشأن حياة البشر في عصور ما قبل التاريخ، ومن خلال هذه المعلومات، يمكننا محاولة الكشف عن بعض الخبايا المتعلقة بمفردات هذه اللغات القديمة وقواعدها. ونظرًا إلى أن رجال الكهوف قد عاشوا في جماعات صغيرة من الصيادين جامعي الثمار ولم يكن هناك تواصل منتظم بينهم وبين الجماعات الأخرى المماثلة، فيمكننا أن نستنتج أن لغاتهم ربما كانت أكثر تعقيدًا من معظم اللغات الحالية. ومن الواضح أن هذه مجرد صورة عامة تقريبية حيث إننا لن نعرف أبدًا كيف نقول ماموث "بلغة رجال الكهف"، ولن نتمكن أبدًا من ترجمة روايات هاري بوتر إلى تلك اللغة، ولكن في نهاية الأمر ما توصلنا إليه حتى الآن أفضل من لا شيء!
الخلاصة
هذه نهاية قصتنا (حتى الآن)، ولكن أصبحنا نعلم أنه يمكننا أن نسافر عبر الزمن إلى عصور ما قبل التاريخ ولكن بمساعدة آلة زمن خاصة جدًا: وهي آلة الزمن اللغوية. ولقد أصبحنا أيضًا على دراية بأنه من الممكن معرفة بعض خبايا اللغات التي تحدث بها أسلافنا من رجال الكهوف. ولكن في الوقت ذاته تيقنا من عدم قدرتنا على معرفة هذه اللغات بالتفصيل، ولكن الآن، عندما ترى أطفالًا آخرين يتظاهرون بأنهم رجال كهوف ودببة كهوف، يمكنك التأكد من أن الدببة فقط هي التي تتواصل عن طريق صوت الزمجرة (النخير).
مسرد للمصطلحات
عصر ما قبل التاريخ (Prehistory): ↑ الفترة الممتدة بين استخدام الأدوات الحجرية الأولى واختراع نظم الكتابة الأولى.
التغير اللغوي (Language change): ↑ كيفية تغير شكل الكلمات وطريقة استخدامها مع مرور الوقت.
اللغة الأم (Mother language): ↑ لغة منطوقة من الماضي البعيد تغيرت بمرور الوقت وأدت إلى ظهور لغات شقيقة مختلفة يتم التحدث بها في الوقت الحاضر (مثال على ذلك لغات الهندوأوربية الأولى).
علم اللغة (Linguistics): ↑ فرع من العلوم الذي يدرس تركيب اللغات وكيفية استخدامها للتواصل.
الاستعارة (Borrowing): ↑ عملية نقل الأصوات أو الكلمات من لغة إلى لغة أخرى.
الثقافة (culture): ↑ القواعد والمبادئ التي تنظم حياتنا في المجتمع.
جماعات الصيد وجمع الثمار (Hunter-gatherers): ↑ الجماعات التي تحصل على معظم إمداداتهم الغذائية من خلال جمع النباتات البرية وملاحقة الحيوانات البرية.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
أعرب عن عميق امتناني لأبنائي Antonio Benítez Tirado وJavier Benítez Tirado مصدر إلهامي لكتابة هذه الورقة البحثية. تمول وزارة الاقتصاد والقدرة التنافسية الإسبانية حاليًا بحثي حول تطور اللغة (رقم المنحة FFI2016-78034-C2-2-P[AEI/FEDER,UE]).
المراجع
[1] ↑ Campbell, L. 1998. Historical Linguistics. Cambridge, MA: The MIT Press.
[2] ↑ Fitch, W. T. 2007. Linguistics: an invisible hand. Nature 449:665–7. doi: 10.1038/449665a
[3] ↑ Moro, A. 2016. Impossible Languages. Cambridge, MA: The MIT Press.
[4] ↑ Haspelmath, M., Dryer, S., Gil, D., and Comrie, B, editors. 2005. The World Atlas of Language Structures. Oxford: Oxford University Press.
[5] ↑ Lupyan, G., and Dale, R. 2016. Why are there different languages? The role of adaptation in linguistic diversity. Trends Cogn. Sci. 20:649–60. doi: 10.1016/j.tics.2016.07.005