Frontiers for Young Minds

Frontiers for Young Minds
القائمة
مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 25 أكتوبر 2021

كيف يؤثر السياق الاجتماعي على مخ الإنسان وسلوكه؟

ملخص

عندما نتفاعل مع الآخرين، فإن السياق الذي تحدث فيه أفعالنا يلعب دورًا كبيرًا في تحديد سلوكنا. وهو ما يعني أن فهمنا للأشياء والكلمات والعواطف والمؤشرات الاجتماعية قد يختلف، اعتمادًا على المكان الذي نقابل فيه هذه الأشياء. وهنا نوضح في طيات هذا المقال كيف أن السياق يؤثر على العمليات الذهنية اليومية، بدءًا من كيفية رؤية الناس للأشياء ومرورًا بكيفية تصرفهم مع الآخرين. ثم نقدم بعدها نموذج شبكة السياق الاجتماعي. ويشرح هذا النموذج كيفية معالجة الناس للمؤشرات السياقية عندما يتفاعلون مع المواقف من خلال نشاط الفص الجبهي والصدغي والجزيري في المخ. ثم نبين بعد ذلك أنه عندما تتأثر هذه المناطق في المخ ببعض الأمراض، يجد المرضى صعوبة في معالجة المؤشرات السياقية. وفي النهاية، نصف طرقًا جديدة لاكتشاف السلوك الاجتماعي من خلال بيانات تسجيل نشاط المخ في المواقف اليومية.

مقدمة

كل شيء تفعله يتأثر بالموقف الذي تكون فيه. ويعرف الموقف الذي يحيط بالحدث باسم سياق الحدث. وفي الحقيقة، يعد تحليل السياق أمرًا ضروريًا للتفاعل الاجتماعي، وحتى للبقاء على قيد الحياة في بعض الحالات. تخيل أنك ترى شخصًا ما في حالة من الخوف: فإن ردة فعلك تعتمد على تعبيرات وجهه (مثل حاجباه المرتفعان وعيناه المفتوحتان على اتساعهما) وكذا أيضًا على سياق الموقف. ويمكن أن يكون السياق خارجيًا (هل هناك شيء مخيف حولك؟) أو داخليًا (هل أنا هادئ أم خائف مثله؟) إن مثل هذه المؤشرات السياقية ضرورية لفهمك لأي موقف.

يشكل السياق جميع العمليات في مخك، بدءًا من الإدراك البصري إلى التفاعلات الاجتماعية [1]. فمخك لا يكون أبدًا بعزلة عن العالم من حولك. ويعتمد المعنى الخاص لشيء ما أو لكلمة أو لعاطفة أو لحدث اجتماعي على السياق (الشكل 1). ويمكن أن يكون السياق واضحًا أو خفيًا، أو حقيقيًا أو خاليًا، أو ناجمًا عن وعي أو ناجمًا عن غير وعي. وتظهر أوجه الخداع البصرية البسيطة أهمية السياق (الشكلان 1A و1B). ففي خداع ”إيبنجهاوس” (Ebbinghaus) (الشكل 1A)، تحيط حلقات من الدوائر بدائرتين مركزيتين. والدائرتان المركزيتان لهما نفس الحجم تقريبًا، بيد أن إحداهما تظهر على أنها أصغر من الأخرى. وهذا لأن الدوائر المحيطة تقدم هذا السياق. ويؤثر هذا السياق على إدراكك فيما يتعلق بحجم الدوائر المركزية. شيق جدًا، أليس كذلك؟ وعلى نفس المنوال، في خداع ”جدار المقهى” (Cafe Wall) (الشكل 1B)، يؤثر السياق على إدراكك فيما يتعلق باتجاهات الخطوط. فعلى الرغم من أن هذه الخطوط متوازية، إلا أنك تراها متقاربة أحيانًا أو متباعدة أحيانًا أخرى. ويمكنك محاولة التركيز على الخط في منتصف الشكل وتفحصه باستخدام مسطرة. وتساعدك المؤشرات السياقية أيضًا على التعرف على الأشياء في منظر ما [2]. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون عملية التعرف على الخطوط أسهل عندما تكون في سياق كلمة. ومن ثم، يمكنك رؤية المجموعة ذاتها من الخطوط على أنها حرف H أو حرف A (الشكل 1C). قطعًا أنك لم تقرأ هذه العبارة على أنها “TAE CHT”، أليس هذا صحيحًا؟ وفي النهاية، فإن المؤشرات السياقية مهمة أيضًا للتفاعل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تشكل المناظر البصرية والأصوات والأجسام والأوجه الأخرى والكلمات، كيفية إدراكك للعواطف في وجه ما [3]. فلو رأيت الشكل 1D بمفرده دون سياق، فقد تعتقد أن المرأة تبدو غاضبة. ولكن انظر مرة أخرى، هذا المرة إلى الشكل 1E. وهنا تشاهد لاعبة التنس سيرينا ويليامز (Serena Williams) المتحمسة بعد أن ضمنت أعلى تصنيف في لعبة التنس. ويبين هذا أن إدراك المشاعر يعتمد على معلومات إضافية لا توجد في الوجه ذاته.

شكل 1 - السياق يؤثر على كيفية رؤيتك للأشياء B,A.
  • شكل 1 - السياق يؤثر على كيفية رؤيتك للأشياء B,A.
  • يؤثر السياق البصري على كيفية رؤيتك للأشكال C. كما يلعب السياق أيضًا دورًا مهمًا في التعرف على الأشياء. فالأشياء المرتبطة بسياق تكون أسهل في التعرف عليها. تعتبر كلمة “CAT” والتي تعني القطة مثالًا جيدًا على التأثيرات السياقية في التعرف على الحروف (تَم توزيعها بإذن من Chun [2]). E,D كما يؤثر السياق أيضًا على كيفية إدراكك للعواطف [لـ Hanson K. Joseph (عمله الخاص)، CC By-SA 4.0 (http://creativecommons.org/licenses/by-sa/4.0عبر موقع Wikimedia Commons].

كما تساعدك المؤشرات السياقية أيضًا على فهم المواقف الأخرى. فما هو مناسب في مكان ما قد لا يكون مناسبًا في مكان آخر. إن المزاح أمر مسموح في أثناء الدراسة مع أصدقائك، ولكنه ليس كذلك أثناء تأدية الامتحان الحقيقي. وأيضًا، يؤثر السياق على شعورك عندما ترى شيئا ما يحدث لشخص آخر. قم بتصوير شخص ما حال تعرضه للضرب في الشارع: فلو أن هذا الشخص الذي يُضرب هو صديقك المقرب، فهل ستكون ردة فعلك تجاه الموقف نفسها لو كان شخصًا غريبًا؟ إن السبب وراء إجابتك التي ستكون غالبا بالنفي، هو أن التعاطف ربما يـتأثر بالسياق. يحدد السياق إذا ما كنت ستهب للمساعدة أو إذا ما كنت ستجري فزعًا. وبإيجاز، تتشكل المواقف الاجتماعية في ضوء العوامل السياقية التي تؤثر على كيفية شعورك وتصرفك.

إن المؤشرات السياقية مهمة لتفسير المواقف الاجتماعية. ومع ذلك، فإنه قد تم تجاهلها على نطاق واسع في مجال العلوم. ولسد هذه الفجوة، اقترحت مجموعتنا نموذجًا لشبكة السياقات الاجتماعية [1]. يصف هذا النموذج شبكة المخ التي تمزج المعلومات السياقية المستقاة من العمليات الاجتماعية. تجمع شبكة المخ بين نشاط مناطق عديدة مختلفة فيه، وهي مناطق الفص الجبهي والفص الصدغي والقص الجزيري (الشكل 2). وصحيح أن العديد من مناطق المخ الأخرى تشترك في معالجة المعلومات السياقية. فعلى سبيل المثال، يؤثر سياق الشيء الذي يمكنك رؤيته على العمليات الجارية في مناطق الرؤية في مخك [4]. ومع ذلك، فإن الشبكة المقترحة التي يقدمها نموذجنا تشمل المناطق الرئيسية المتضمنة في عملية معالجة السياق الاجتماعي. وحتى عملية إدراك الرؤية السياقية تتضمن نشاط المنطقتين الصدغية والأمامية المشمولتين في نموذجنا [5].

شكل 2 - أجزاء المخ التي تعمل سويًا في نموذج شبكة السياق الاجتماعي.
  • شكل 2 - أجزاء المخ التي تعمل سويًا في نموذج شبكة السياق الاجتماعي.
  • يقترح هذا النموذج أن المؤشرات السياقية الاجتماعية تُعالج عن طريق شبكة من المناطق المعينة في المخ. وتتكون هذه الشبكة من منطقة جبهية (الأزرق الفاتح)، ومنطقة صدغية (البرتقالي)، ومنطقة جزيرية (الأخضر)، وعمليات الاتصال بين هذه المناطق.

كيف يعمل مخك على معالجة المؤشرات السياقية في السيناريوهات الاجتماعية؟

لتفسير السياق في الأنماط الاجتماعية، يعتمد مخك على شبكة من مناطق المخ، بما في ذلك مناطق الفص الجبهي والصدغي والجزيري. يُظهر الشكل 2 المناطق الجبهية بالأزرق الفاتح. تساعدك هذه المناطق على تحديث المعلومات السياقية عندما تركز على شيء ما (مثلًا: ضوء إشارة المرور عندما تتمشى في الشارع).

تساعدك هذه المعلومات على توقع ما يمكن حدوثه لاحقًا بناءًا على تجاربك السابقة. وفي حال طرأ تغير على ما تراه (بينما تستمر في سيرك عبر الشارع، يظهر كلب مخيف المظهر من نوع دوبرمان مثلًا)، فإن المناطق الجبهية سوف تنشط وتطرح تنبؤات (”ربما يمثل هذا الكلب تهديدًا!”). وستتأثر هذه التنبؤات بالسياق (”حسنًا، الكلب مقيّد بسلسلة”) وتجربتك السابقة تذكرك بالآتي (”أوه! ولكن هاجمني كلب ذات مرة وكانت تجربة سيئة للغاية”). وفي حالة تلف المناطق الجبهية لشخص ما، فسيجد الشخص صعوبة في إدراك تأثير السياق. ومن ثم، فإن الكلب من نوع دوبرمان قد لا يُرى على أنه تهديد، حتى ولو أن هذا الشخص قد هُوجِم من قِبل كلاب أخرى سابقًا! الدور الرئيسي للمناطق الجبهية هو التنبؤ بمعاني الأفعال عن طريق تحليل الأحداث السياقية التي تحيط بالأفعال.

يُظهر الشكل 2 المناطق الجزيرية باللون الأخضر والتي تعرف أيضًا باسم الفص الجزري. يجمع الفص الجزيري الإشارات مع بعضها من داخل جسدك وخارجه. يستقبل الفص الجزيري إشارات عما يدور في المعدة والقلب والرئتين. كما أنه يعزز قدرتك على الشعور بالعواطف. وحتى الاضطرابات التي تشعر بها أحيانًا في معدتك، فإنها تعتمد على نشاط المخ! تندمج هذه المعلومات مع المؤشرات السياقية من خارج الجسد. ولذا، فعندما ترى الدوبرمان قد أفلت من صاحبه، فيمكنك إدراك أن قلبك قد بدأ في الخفقان على نحوٍ أسرع (إشارة جسدية داخلية). ثم يجمع مخك المؤشرات السياقية الخارجية (”الدوبرمان قد أفلت!”) مع إشارات الجسد، وهو ما يجعلك تشعر بالخوف. والمرضي الذين يعانون من تلف في المناطق الجزيرية ليسوا جيّدين في تعقب إشارات الجسد ودمجها مع عواطف أخرى. ويلعب الفص الجزيري دورًا مهمًا في إضفاء قيمة عاطفية على حدث ما.

وفي النهاية، يُظهر الشكل 2 المناطق الصدغية مميزة باللون البرتقالي. تقوم المناطق الصدغية بربط الشيء أو الشخص الذي تركز عليه بالسياق. وتلعب الذاكرة دورًا رئيسيًا هنا. فعلى سبيل المثال، عندما يفلت الدوبرمان، فإنك تنظر إلى صاحبه وتدرك أنه ذلك الشخص العطوف الذي قابلته الأسبوع الماضي في محل الحيوانات الأليفة. وأيضًا، تربط المناطق الصدغية المعلومات السياقية مع المعلومات من المناطق الجبهية والجزيرية. ويعزز هذا النظام من معرفتك بأن كلاب الدوبرمان تستطيع مهاجمة الأشخاص، وهو ما يدفعك إلى البحث عن حماية.

بإيجاز، تعتمد عملية الربط بين ما تشعر به والسياق الاجتماعي على شبكة المخ التي تشمل المناطق الجبهية والجزيرية والصدغية. وبفضل هذه الشبكة، يمكننا تفسير جميع أنواع الأحداث الاجتماعية. إذ تُعدل المناطق الجبهية وتُحدّث ما تفكر فيه وتشعر به وتفعله اعتمادًا على الأحداث الحاضرة والماضية. وتتنبأ هذه المناطق أيضًا بالأحداث الممكنة في محيطك. يجمع الفص الجزيري الإشارات من داخل وخارج جسدك لإنتاج شعور معين. وتربط المناطق الصدغية الأشياء والأشخاص بالموقف الحالي. وعليه، تعمل جميع أجزاء نموذج شبكة السياق الاجتماعي سويًا لجمع المعلومات السياقية عندما تكون في خضم أحداث اجتماعية.

متى لا يمكن معالجة السياق؟

يساعد نموذجنا على تفسير وشرح النتائج المأخوذة من المرضى المصابين بتلف في المخ. يواجه هؤلاء المرضى صعوبات في معالجة المؤشرات السياقية. فعلى سبيل المثال، يواجه الأشخاص المصابون بالتوحد صعوبة في التواصل بالعين والتفاعل مع الآخرين. ومن الممكن أن تبدر منهم سلوكيات متكررة (مثل التحريك المستمر للألعاب في السيارة) أو الاهتمام المفرط بموضوع ما. كما يمكن أيضًا أن يتصرفوا على نحو غير ملائم، فضلًا عن المشكلات التي تواجههم في التكيف مع أجواء المدرسة والمنزل والعمل. ربما يخفق الأشخاص المصابون بالتوحد في إدراك العواطف في أوجه الآخرين. ومن الممكن أن يقل تعاطفهم أيضًا. أظهرت إحدى الدراسات [6] أن هذه المشكلات مرتبطة بالقدرة المنخفضة على معالجة المعلومات السياقية. ففي إطار الدراسة، قام أشخاص مصابون بالتوحد وأشخاص آخرون أصحاء بأداء مهام تتضمن مهارات اجتماعية مختلفة. وكان مستوى أداء الأشخاص المصابين بالتوحد ضعيفًا في المهام التي تعتمد على المؤشرات السياقية - مثل اكتشاف مشاعر الناس بناءًا على الإيماءات ونبرة الصوت. ولكن كان مستوى أدائهم جيدًا في المهام التي لا تطلب تحليل السياق، مثل المهام التي يمكن إتمامها من خلال اتباع القواعد العامة (مثل: ”لا تلمس أي شخص غريب في الشارع”). ومن ثم، فالمشكلات الاجتماعية التي نراها عادة في الأشخاص المصابين بالتوحد قد تكون بسبب الصعوبة التي يواجهونها في معالجة المؤشرات السياقية.

وهناك مرض آخر ربما ينتج عن المشكلات في معالجة المعلومات السياقية ويعرف باسم الخرف الجبهي الصدغي المُغير للسلوك. يُظهر الأشخاص المصابون بهذا المرض تغييرات في شخصيتهم وفي طريقة تفاعلهم مع الآخرين، بعد سن الستين تقريبًا. ومن الممكن أن يقوموا بأشياء غير ملائمة على الملأ. فعلى غرار الأشخاص المصابين بالتوحد، من الممكن ألا يظهروا أي تعاطف، بل ربما لا يتمكنون من إدراك المشاعر بسهولة. كما أنهم يجدون صعوبة في التعامل مع تفاصيل السياق المطلوبة لفهم الأحداث الاجتماعية. وقد تعكس كل هذه التغييرات المشكلات الاجتماعية في معالجة معلومات السياق الاجتماعي. وقد تنتج هذه المشكلات بفعل التلف الذي يصيب شبكة المخ الموصوفة أعلاه.

كما يمكن لنموذجنا أيضًا أن يفسر حالة المرضى الذين أصابهم التلف في الفصوص الجبهية أو أولئك الذين يعانون من الشيزوفرينيا (الفصام) أو الاضطراب ثنائي القطب [7]. والشيزوفرينيا هي اضطراب ذهني يتسم بالإدراك الاجتماعي غير المنتظم وعدم القدرة على التمييز بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي (كما هو الحال في الهلوسة). وفي المرضى المصابين بالاضطراب ثنائي القطب، تظهر مشكلات مشابهة، ولكنها أخف وطأة، وهو ما يعد حالة نفسية أخرى تتسم في الأساس بفترات متذبذبة من الإحباط وفترات من المزاج العالي (تعرف بالهوس).

وبإيجاز، من المحتمل أن تكون المشكلات في السلوك الاجتماعي والتي تُرى في العديد من الأمراض مرتبطة بالقدرة الضعيفة على معالجة السياق بعد تلف مناطق معينة في المخ، كما اقترحه نموذجنا (الشكل 2). ويجب أن يعمل البحث العلمي في المستقبل على تقصي مدى صحة هذا النموذج، وإضافة المزيد من المعلومات عن العمليات والمناطق التي يصفها.

تقنيات جديدة لتقييم السلوك الاجتماعي والمعالجة السياقية

إن النتائج المذكورة أعلاه مهمة للعلماء والأطباء. إلا أنه يشوبها قدر كبير من القصور. حيث إنها لا تعكس كيف يتصرف الناس في الحياة اليومية! وقد أتت معظم نتائج البحث من مهام معملية، والتي استجاب فيها شخص ما لصور ومقاطع فيديو. ولا تظهر هذه المهام في الحقيقة الكيفية التي نتصرف بها كل يوم في حياتنا. إن الحياة الاجتماعية أكثر تعقيدًا بكثير من الجلوس على مقعد والضغط على زر عند رؤية الصور على جهاز الحاسوب، أليس ذلك صحيحًا؟ إن الأبحاث القائمة على مثل هذه المهام لا تعكس المواقف الاجتماعية الحقيقية. ففي الحياة اليومية، يتفاعل الناس في سياقات تتغير باستمرار.

ولحسن الحظ، فإن الطرق الجديدة تُمكّن العلماء من تقييم التفاعلات في الحياة الواقعية. المسح الفائق هو إحدى هذه الطرق. تسمح هذه التقنية بقياس نشاط المخ لشخصين أو أكثر عند ممارسة أنشطتهم سويًا. فعلى سبيل المثال، يمكن لكل شخص أن يقبع داخل جهاز ماسح (أنبوبة ضخمة تحتوي على مغانط قوية). ويمكن أن يكتشف هذا الماسح التغييرات التي تطرأ على تدفق الدم في المخ عندما يتفاعل الشخصين مع بعضهما. يستخدم هذا النهج، على سبيل المثال، في دراسة مخ الأم ومخ طفلها حال نظر كل منهما إلى وجه الآخر (الشكل 3A).

شكل 3 - تقنيات جديدة لدراسة معالجة المؤشرات السياقية.
  • شكل 3 - تقنيات جديدة لدراسة معالجة المؤشرات السياقية.
  • A. أم ورضيعها ينظران إلى تعبيرات الوجه لبعضهما البعض بينما يتم تسجيل نشاط المخ لكل منهما (تم توزيعه بإذن من Masayuki وآخرين [8]). B. المسح الفائق للأشخاص وهم يتفاعلون مع بعضهم البعض خلال لعبة Jenga (تم توزيعه بإذن من Liu وآخرين [9]). C. تقنية جديدة لدراسة نشاط المخ تعرف باسم التصوير المتحرك للمخ /الجسد (تم توزيعه بإذن من Makeig وآخرين [10]). D. تجارب المحاكاة بتقنية الواقع الافتراضي لقطار افتراضي في المحطة وعربة قطار افتراضية (تم توزيعه بإذن من Freeman وآخرين [11]).

ومن الممكن أيضًا إجراء هذه التقنية باستخدام معدات التخطيط الكهربي للدماغ. يقيس التخطيط الكهربي للدماغ النشاط الكهربي في المخ. تتصل مستشعرات خاصة تسمى الأقطاب الكهربية بالرأس. ويتم توصيلها بأسلاك إلى جهاز حاسوب يسجل بدوره النشاط الكهربي للمخ. يُظهر الشكل 3B مثالًا على استخدام تقنية المسح الفائق بالتخطيط الكهربي للدماغ. وقد استخدمت هذه الطريقة لقياس نشاط المخ في فردين حال لعبهما لعبة Jenga. ويجب أن يُطبق البحث المستقبلي هذه التقنية في دراسة معالجة المؤشرات السياقية الاجتماعية.

إن أحد أوجه قيود المسح الفائق هو أنه يتطلب أن يبقى المشاركون فيه بلا حراك. وذك على الرغم من أن تفاعلات الحياة اليومية تتضمن العديد من الأنشطة البدنية. ولحسن الحظ، فإن طريقة جديدة تعرف باسم التصوير المتحرك للمخ/الجسد (MoBI، الشكل 3C) تتيح الفرصة لقياس نشاط المخ والحركات الجسدية حينما يتفاعل الناس في المواقف الطبيعية.

وهناك طريقة أخرى شيقة وهي استخدام الواقع الافتراضي. وتتضمن هذه التقنية مواقف زائفة. ومع ذلك، فهي تضع الناس في مواقف مختلفة تتطلب تفاعلًا اجتماعيًا. وهي أقرب للحياة اليومية من المهام المستخدمة في معظم المختبرات. وكمثال، انظر الشكل 3D. فهو يظهر تجربة واقع افتراضي يسافر فيها المشاركون خلال محطة مترو أنفاق في لندن. ويمكن أن يتسع نطاق فهمنا للطريقة التي يؤثر بها السياق على السلوك الاجتماعي جراء دراسات الواقع الافتراضي المستقبلية.

وخلاصة القول إنه يجب أن تستخدم الأبحاث المستقبلية طرقًا جديدة لقياس تفاعلات الحياة اليومية. ويمكن أن يكون هذا النوع من الأبحاث مهمًا جدًا للأطباء لفهم ماذا يحدث في معالجة مؤشرات السياق الاجتماعي في العديد من إصابات المخ أو الأمراض. وهذه المهام الواقعية أكثر حساسية ودقة من معظم التجارب المعملية التي تستخدم في العادة لتقييم المرضى المصابين باضطرابات المخ.

مسرد للمصطلحات

التعاطف (Empathy): القدرة على أن تشعر بنفس الشعور الذي يعتري شخصًا آخر، بمعنى أن ”تضع نفسك في نفس القالب الذي فيه هذا الشخص”.

التوحد (Autism): مصطلح عام يشير لمجموعة من الاضطرابات المعقدة في تطور المخ. وتتسم هذه الاضطرابات بالسلوك المتكرر بالإضافة إلى مستويات مختلفة من الصعوبة أثناء التفاعل الاجتماعي، وكذلك عمليات التواصل اللفظية وغير اللفظية.

الخرف الجبهي الصدغي المُغير للسلوك (Behavioral Variant Frontotemporal Dementia): مرض يصيب المخ ويتسم بتغييرات تدريجية تطرأ على الشخصية ويظهر في صورة فقدان التعاطف. يواجه المرضى صعوبة في تنظيم سلوكهم، وهو ما يؤدي غالبًا إلى القيام بأعمال غير ملائمة على الصعيد الاجتماعي. تبدأ الأعراض في الظهور على المرضى في سن الستين تقريبًا.

المسح الفائق (Hyperscanning): تقنية جديدة لقياس نشاط المخ لشخصين في الوقت ذاته.

الواقع الافتراضي (Virtual Reality): تكنولوجيا الحاسب الآلي التي تستخدم البرمجيات في توليد صور واقعية وأصوات وغيرها من المشاعر الأخرى التي تصنع نسخة مطابقة من البيئة الحقيقية. تستخدم هذه التقنية شاشات عرض متخصصة أو آلة عرض لاستحضار الحضور البدني في البيئة، وتمكين الأشخاص من التفاعل مع الفضاء الافتراضي وأي أشياء أخرى مصورة هناك.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


شكر وتقدير

مُوِّلت هذه الدراسة بمِنحٍ من CONICYT/FONDECYT Regular (1170010)، وFONDAP 15150012، ومؤسسة INECO.


المراجع

[1] Ibanez, A., and Manes, F. 2012. Contextual social cognition and the behavioral variant of frontotemporal dementia. Neurology 78(17):1354–62. doi: 10.1212/WNL.0b013e3182518375

[2] Chun, M. M. 2000. Contextual cueing of visual attention. Trends Cogn. Sci. 4(5):170–8. doi: 10.1016/S1364-6613(00)01476-5

[3] Barrett, L. F., Mesquita, B., and Gendron, M. 2011. Context in emotion perception. Curr. Direct Psychol. Sci. 20(5):286–90. doi: 10.1177/0963721411422522

[4] Beck, D. M., and Kastner, S. 2005. Stimulus context modulates competition in human extrastriate cortex. Nat. Neurosci. 8(8):1110–6. doi: 10.1038/nn1501

[5] Bar, M. 2004. Visual objects in context. Nat. Rev. Neurosci. 5(8):617–29. doi: 10.1038/nrn1476

[6] Baez, S., and Ibanez, A. 2014. The effects of context processing on social cognition impairments in adults with Asperger’s syndrome. Front. Neurosci. 8:270. doi: 10.3389/fnins.2014.00270

[7] Baez, S, Garcia, A. M., and Ibanez, A. 2016. The Social Context Network Model in psychiatric and neurological diseases. Curr. Top. Behav. Neurosci. 30:379–96. doi: 10.1007/7854_2016_443

[8] Masayuki, H., Takashi, I., Mitsuru, K., Tomoya, K., Hirotoshi, H., Yuko, Y., and Minoru, A. 2014. Hyperscanning MEG for understanding mother-child cerebral interactions. Front Hum Neurosci 8:118. doi: 10.3389/fnhum.2014.00118

[9] Liu, N., Mok, C., Witt, E. E., Pradhan, A. H., Chen, J. E., and Reiss, A. L. 2016. NIRS-based hyperscanning reveals inter-brain neural synchronization during cooperative Jenga game with face-to-face communication. Front Hum Neurosci 10:82. doi: 10.3389/fnhum.2016.00082

[10] Makeig, S., Gramann, K., Jung, T.-P., Sejnowski, T. J., and Poizner, H. 2009. Linking brain, mind and behavior: The promise of mobile brain/body imaging (MoBI). Int J Psychophys 73:985–1000

[11] Evans, N., Lister, R., Antley, A., Dunn, G., and Slater, M. 2014. Height, social comparison, and paranoia: An immersive virtual reality experimental study. Psych Res 218(3):348–52. doi: 10.1016/j.psychres.2013.12.014