مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 16 أغسطس 2021

لا تخف، فالمخ يتولى زمام الأمور: آلية استجابة المخ للتوتر

ملخص

إذا هاجمك دب في الغابة، فما الذي ستفعله؟ في هذا المقال، سنتناقش حول طبيعة التوتر والضغط وكيفية استجابة مخنا وأجسامنا له، فثمة العديد من الأشياء الرائعة التي تحدث داخل الجسم البشري عندما نواجه مواقف مخيفة، سنركز على المناطق الموجودة في المخ المسؤولة عن ردود أفعالنا تجاه التوتر. وسنعلم كيفية مساعدة هذه المناطق لأجسامنا حتى تهدأ عندما نواجه شيئًا مخيفًا، وتتضمن الأجزاء الرئيسية في المخ المسؤولة عن الاستجابة للتوتر المحور تحت المهادي النخامي الكظري، واللوزة الدماغية، والقشرة الأمامية الجبهية، كما سيتناول هذا المقال كيفية حصول المخ على المساعدة من مصادر خارجية، وكيفية تكيف الإنسان مع التوتر عندما يكون جزءًا عاديًا من الحياة، هيا نطلع على الأبطال الخارقين الذين يساعدونا على تخطي المواقف المفزعة والمخيفة!

ما هي منظومة الاستجابة للتوتر؟

تخيل شعورك إذا واجهك دب في الغابة، فقد تتسارع نبضات قلبك وتبدأ في التنفس بصعوبة، وقد تتسمر في مكانك، ولن تكن قادرًا على التحرك من شدة الخوف، وقد تشعر بالرغبة في الركض هربًا، وكل ما تشعر به هو أعراض التوتر. فالتوتر هو حالة نفسية وبدنية يشعر بها الإنسان عندما يمر بتجربة صعبة أو خطرة، ويمكن أن ينبع التوتر من مختلف المصادر، فعوامل التوتر العادية عبارة عن أشياء تجعل المرء يشعر بالقلق أو ينتابه الخوف لمدة قصيرة من الوقت مثل التحدث أمام مجموعة كبيرة من الأفراد، أما عوامل التوتر طويلة الأجل ذات التأثير الأكبر فتجعل المرء يشعر بالحزن أو الخوف لمدة طويلة، ومثال على ذلك، وفاة فرد مقرب من أفراد العائلة، والأمر الجيد في هذا الموضوع هو أن عقلك يعمل عمل الأبطال الخارقين، ففي كل يوم يجعلك في مأمن ومعزل عن مصادر التوتر الكثيرة.

يستعين المخ بالأعضاء الأخرى للتهدئة من روعك عند مواجهة مواقف تبعث على الخوف أو الحزن أو التوتر. منظومة الاستجابة للتوتر هي مصطلح يُطلق على فريق الأبطال الخارقين الموجود في جسمك الذي يكون تحت قيادة المخ لمكافحة التوتر. إذ تتخذ هذه المنظومة إجراءتها من خلال إسراع نبضات القلب لزيادة تدفق الدم، والتنفس بسرعة لاستنشاق كمية أكبر من الأكسجين، وإبطاء عملية الهضم لتخزين الدهون والسكريات التي تمدك بالطاقة. وسنتناول في هذا المقال آلية استجابة المخ والجسم للتوتر، وكيفية تنظيم المخ لهذه الاستجابات، كما سنتعرف على المساعدات الخارجية التي يعتمد عليها المخ. فحتى الأبطال الخارقون يحتاجون إلى تقديم يد العون لهم في بعض الأحيان، وسنختتم المقال بكيفية تكيف الإنسان مع التوتر عندما يستمر لمدة طويلة.

الأبطال الخارقون في منظومة الاستجابة للتوتر

عندما يكتشف المخ وجود توتر في البيئة، تبدأ منظومة الاستجابة للتوتر في الدخول في طور العمل، وعلى رأس هذ المنظومة المحور تحت المهادي النخامي الكظري (HPA) (الشكل 1)، وهذا مصطلح طويل للغاية؛ لذا اختصره العلماء في كلمة محور HPA. فعندما يكتشف المخ وجود توتر، يرسل في البداية رسالة إلى جزء من المخ يعرف باسم تحت المهاد، وتتمثل وظيفة تحت المهاد في تنشيط الغدة النخامية، وعلى الرغم من صغر حجم الغدة النخامية - فهي في حجم حبة البازلاء - فإنها مختصة بوظيفة محورية، فهي تفرز الهرمونات التي تعمل عمل الناقلات العصبية في منظومة الاستجابة للتوتر. وتنتقل هذه الهرمونات من المخ إلى الغدد الكظرية التي تقع أعلى الكليتين، وتفرز الغدد الكظرية بدورها الكورتيزول في الجسم.

شكل 1 - يعمل المحور تحت المهادي النخامي الكظري على إفراز الكورتيزول في مجرى الدم، ويحفز الكورتيزول بدوره الجسم على القيام بعملياته لمكافحة التوتر، كما أنه ينظم المحور تحت المهادي النخامي الكظري.
  • شكل 1 - يعمل المحور تحت المهادي النخامي الكظري على إفراز الكورتيزول في مجرى الدم، ويحفز الكورتيزول بدوره الجسم على القيام بعملياته لمكافحة التوتر، كما أنه ينظم المحور تحت المهادي النخامي الكظري.
  • وعند تفاعل كميات كبيرة من الكورتيزول مع تحت المهاد، يثبط المحور تحت المهادي النخامي الكظري نشاطها، أما اللوزة الدماغية فتقوم بالكشف عن وجود التوتر في البيئة بينما تنظم القشرة الأمامية الجبهية ردة فعلنا تجاه التوتر.

يُعرف الكورتيزول بأنه هرمون التوتر، وهو الناقل العصبي الذي يضع الأعضاء الأخرى في وضع الاستعداد للعمل، فهو يعتبر القوة العظمى لمنظومة الاستجابة للتوتر، كما أن هذا الهرمون يساعد المخ على التفكير بصفاء، ويرسل الطاقة للعضلات المهمة، ويعمل على زيادة نبضات القلب والتنفس، فلك أن تتخيل أن جميع هذه الوظائف البدنية لها أهمية إذا رأيت دبًا وجهًا إلى وجه، فستحتاج حينها أن تفكر بسرعة في طريقة للهروب، وستستخدم عضلاتك للركض، وستزداد نبضات قلبك حتي يضخ القلب كمية كبيرة من الدم إلى العضلات، وستتنفس بسرعة أيضًا لاستنشاق المزيد من الأكسجين [1].

ومن الأجزاء الأخرى المهمة في المخ التي لها دور في منظومة الاستجابة للتوتر هي اللوزة الدماغية. فهذه البنية الدماغية ذات التسمية العجيبة في حجم حبة الفاصوليا الصغيرة، وتقع في منتصف المخ (الشكل 1). واللوزة الدماغية هي بنية في المخ تقوم بالكشف عن وجود توتر، وتحث المحور تحت المهادي النخامي الكظري على الاستجابة، وتستطيع الكشف عن عوامل التوتر الانفعالية والبيولوجية. ويمكن تعريف عوامل التوتر الانفعالية على أنها أشياء موجودة في البيئة قد تشعِرك بالخوف أو الحزن أو الإحباط مثل الدب الذي ذكرناه في المثال السابق، أما عوامل التوتر البيولوجية فيمكن الإشارة إليها على أنها توتر داخلي يشعر به الجسم نتيجة لإصابة أو مرض [1]، فوظائف اللوزة الدماغية تعتبر مهمة للغاية للنجاة، فتخيل ما الذي كان سيحدث إذا كنت لا تستطيع الكشف عن الأشياء التي تسبب لك الأذى أو تبعثك على التوتر، فلن تنجو بحياتك في هذا الكون.

تنشئ اللوزة الدماغية علاقة ترابطية مميزة مع جزء أخر من المخ يُعرف باسم القشرة الأمامية الجبهية، وهذه القشرة تغطي منطقة كبيرة في الجزء الأمامي من المخ (الشكل 1)، ويمكن أن نطلق عليها مركز التحكم في المخ لأنها تساعد على التحكم في الأفكار والأفعال، وتتمثل وظيفتها الرئيسية في التحكم في الاستجابات الانفعالية تجاه التوتر حتى لا يصبح المرء شديد التوتر. وبهذه الطريقة ترتبط اللوزة الدماغية بالقشرة الأمامية الجبهية ارتباطًا خاصًا [2]. إذ تشير اللوزة الدماغية إلى وجود تهديد أو توتر في البيئة، وتساعد القشرة الأمامية الجبهية اللوزة الدماغية في استقبال هذه الأحداث الموترة بشكل يكون أقل فزعًا أو إحباطًا. ومن الضروري استخدام المخ للمساعدة في إبطاء عملية إنتاج الكورتيزول في المحور تحت المهادي النخامي الكظري. وتساعدنا هذه العملية على الهدوء أثناء تعرضنا لعامل توتر عادي من خلال استدراك الموقف باعتباره غير مهدد للحياة. فإذا عدنا إلى مثال الدب، الذي يعتبر خطرًا محدقًا، فسنجد أن هذه العملية ستساعدنا في الهدوء بعدما يرحل الدب بعيدًا.

حتى الأبطال الخارقون يحتاجون يد العون

وعلى الرغم من وجود منظومة الاستجابة للتوتر في أجسامنا فإن البشر يتعاملون مع التوتر بشكل أفضل عندما يحصلون على القليل من المساعدة. تُعرف هذه المساعدة باسم الدعم الاجتماعي، وهي تشير إلى الطرق التي يساعدنا بها الأفراد الأخرون للإحساس بالأمان والحب والاهتمام [1]. فمثلًا، قد يقدم أصدقائك وأسرتك دعمًا اجتماعيًا لك عن طريق احتضانك عندما تشعر بالحزن أو الخوف، أو الخروج معك عندما تشعر بالوحدة، أو الاحتفال معك عندما تشعر بالحماس. فنحن نحتاج إلى الدعم الاجتماعي خصوصًا في الصغر. هل تتذكر عندما ذكرنا آنفًا أن اللوزة الدماغية تجمعها علاقة ترابطية مع القشرة الأمامية الجبهية؟ هذه العلاقة الترابطية تصبح ناضجة عند بلوغ سن المراهقة. لذلك؛ فإن الرضع والأطفال يعتمدون على والديهم ليساعدوهم على الهدوء.

درس العلماء كيفية استجابة المخ للتوتر باستخدام تقنية خاصة يُطلق عليها التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهو يشبه الكاميرا الكبيرة التي تلتقط صورًا للأجزاء الداخلية من أجسامنا باستخدام مغناطيس، وهو يساعد العلماء في اكتشاف المناطق النشطة في المخ عند القيام بمهام محددة. وأجرى العلماء تجربة لمعرفة كيفية مساعدة الأمهات لأطفالهم للتعامل مع التوتر، رأى الأطفال (الذين تتراوح أعمارهم بين 10-4 سنوات) والمراهقون (الذين تتراوح أعمارهم بين 17-11 عامًا) صورًا لوجوه تعبر عن مشاعر عاطفية مختلفة على شاشة الكمبيوتر، بعض من هذه الوجوه كانت تعبر عن مشاعر سلبية مثل الحزن أو الخوف. ولأن رؤية مثل هذه الوجوه التي تعبر عن مشاعر سلبية قد يكون شيئًا موترًا، فإن اللوزة الدماغية عند كل من الأطفال والمراهقين تصبح نشطة عند عرض هذه الوجوه عليهم [2]. فبالنسبة للأطفال الذين كانت أمهاتم بجانبهم عندما عُرِضت عليهم هذه الوجوه تبين أن نشاط اللوزة الدماغية لديهم منخفض (الشكل 2)، كما اتضح وجود علاقات ترابطية ناضجة بين اللوزة الدماغية والقشرة الأمامية الجبهية ناضجة لدى هؤلاء الأطفال عندما تكون أمهاتهم بالقرب منهم، مما يعني أن القشرة الأمامية الجبهية لدى هؤلاء الأطفال كانت نشطة بصورة أكبر واللوزة الدماغية لديهم كانت أقل نشاطًا، الأمر الذي من شأنه مساعدة الأطفال على الشعور بأنهم أقل توترًا. عندما يمد الأفراد - مثل الأمهات في التجربة التي ذكرناها - الطرف الآخر بالدعم الاجتماعي، فإن ذلك يعمل على تنظيم الاستجابة للتوتر، وهذا يُعرف باسم تخفيف وطأة الصدمات الاجتماعية. ويعني التخفيف في هذا السياق الحماية أو الوقاية. وفي التجربة التي أوردناها، كنا نتحدث للتو عن أن وجود أمهات هؤلاء الأطفال كان يخفف من نشاط اللوزة الدماغية أو يحميها من القيام بقدر هائل من النشاط، وهذا النوع من التخفيف من وطأة الصدمات الاجتماعية يُعرف باسم تخفيف الأم لوطأة الصدمات الاجتماعية، ولقد أظهرت الأبحاث أن الأمهات أو غيرهن من مقدمي الرعاية (مثل الأبهات أو جليسات الأطفال) يساعدون في خفض مستويات الكورتيزول عند الرضع والأطفال الذين يواجهون موقفًا موترًا [1].

شكل 2 - تقارن هذه الدراسة [2] بين مخ الأطفال والمراهقين عندما يرون صورًا لوجوه تعبر عن مشاعر عاطفية مختلفة.
  • شكل 2 - تقارن هذه الدراسة [2] بين مخ الأطفال والمراهقين عندما يرون صورًا لوجوه تعبر عن مشاعر عاطفية مختلفة.
  • عند رؤية صور الوجوه التي تعبر عن مشاعر سلبية (الحزن أو الغضب أو ما إلى ذلك)، يمكن ملاحظة أن نشاط اللوزة الدماغية لدى الأطفال يقل عند وجود أمهاتهم معهم، ويوضح لنا ذلك أن وجود الأمهات كان يخفف وطأة الصدمات التي تتعرض لها منظومة الاستجابة للتوتر لدى الأطفال من خلال تقديم الدعم الاجتماعي لهم، أما بالنسبة للمراهقين، فقد لوحظ زيادة نشاط اللوزة الدماغية عند رؤية هذه الصور على الرغم من وجود أمهاتهم معهم.

والأمر الأكثر إذهالًا هو نتائج هذه الدراسة؛ حيث لم يلاحظ العلماء تخفيف الأم لوطأة الصدمات الاجتماعية عندما رأى المراهقون نفس الصور في حين وجود أمهاتهم بجوارهم. فهل هذا يعني أن المراهقين لم يعودوا بحاجة إلى أمهاتهم؟ يتضح من دليل مستخلص من دراسة أخرى أن المراهقين لا زالوا بحاجة إلى أمهاتهم ولكن بطريقة مختلفة، ففي هذه التجربة، جعل العلماء المراهقين يلعبون لعبة فيديو خطرة متعلقة بقيادة السيارات في حضور أمهاتهم. وفي هذه اللعبة، اقترب المراهقون من إشارة مرور تظهر باللون الأصفر وكانت على وشك أن يتغير لونها إلى اللون الأحمر، وكان عليهم اتخاذ قرارهم بشأن الاستمرار في القيادة وتخطي الإشارة الحمراء وتعريض أنفسهم لخطر وقوع حادث أم التوقف. وقد وجد العلماء أن المراهقين اتخذوا خيارات صائبة وآمنة في وجود أمهاتهم، ومثلما حدث في الدراسة المذكورة أعلاه، فإن وجود الأم ساعد في تحفيز القشرة الأمامية الجبهية على العمل [3]، وتوضح هذا الدراسة أن المراهقين يحتاجون أمهاتهم أيضًا لاتخاذ قرارات صائبة.

ماذا سيحدث إذا استمر التوتر لمدة طويلة؟

للتوتر أشكال عدة، والمثال الذي استخدمناه في هذا المقال هو مواجهة دب. وعادة ما تعتبر مواجهة دب عامل توتر قصير الأجل لأنك قد تخرج من هذا الموقف الموتِر سريعًا، فالشعور بالتوتر أمر عادي وجيد لاكتشاف الخطر الموجود في البيئة، ولكن بالنسبة لبعض الأشخاص، يصبح التوتر جزءًا عاديًا من حياتهم. فتخيل أنك تتعرض للتنمر في المدرسة، فقد يصبح حينها الذهاب إلى المدرسة يوميًا أمرًا مخيفًا وموترًا، فالتوتر قصير الأجل يتسبب في إفراز دفعات قليلة من الكورتيزول ولكن بكميات كبيرة. لكن في حالة النشاط المستمر للمحور تحت المهادي النخامي الكظري، ستتغير منظومة الاستجابة للتوتر حتى تحاول أن تتعامل مع التوتر طويل الأجل [1]، وهذا التغير يتم من خلال إفراز كميات أقل من الكورتيزول لوجود كمية كبيرة من هذا الهرمون في الجسم، مما يتسبب في حدوث خلل في معدل الكورتيزول وقصور أداء منظومة الاستجابة للتوتر.

الحالة الوحيدة التي تتسبب في حدوث توتر طويل الأجل هو تدني مستوى الرعاية في المراحل الأولى من العمر مثل السكن في دار أيتام دون وجود والدين. ففي إحدى الدراسات (انظر الشكل 3) التي تقارن بين الأطفال الذين يعيشون في دور أيتام وهؤلاء الذين يكونون في كنف والديهم، وعلى غرار الدراسة الأخيرة التي تحدثنا عنها، فقد اطلع العلماء على مخ الأطفال عند رؤيتهم لصور الوجوه المعبرة عن مشاعر عاطفية مختلفة [4]، كما قارنوا بين مخ كل من الأطفال والمراهقين عند رؤيتهم لهذه الوجوه. وركزوا كذلك على العلاقة الترابطية الناشئة بين القشرة الأمامية الجبهية واللوزة الدماغية لدراسة كيفية تنظيم هؤلاء الأطفال للتوتر النفسي، وما توصل إليه العلماء في هذه الدراسة هو أن مخ الأطفال اليتامى يشبه إلى حد كبير مخ المراهقين أكثر مما يشبه الأطفال غير اليتامى، مما يجعلنا نستنتج أن مخ الأطفال كان أكثر نضجًا! مما يعني أن مخهم كان قادرًا على تنظيم عملية التوتر النفسي التي يتعرضون لها دون وجود والديهم بجانبهم.

شكل 3 - يوضح المخ.
  • شكل 3 - يوضح المخ.
  • (A) العلاقة الترابطية التي تجمع بين اللوزة الدماغية والقشرة الأمامية الجبهية، ويوضح الرسم البياني مدى ترابط اللوزة الدماغية والقشرة الأمامية الجبهية عندما يرى الأطفال والمراهقون صور الوجوه المعبرة عن مشاعر عاطفية مختلفة، وتشير الأعمدة المقلوبة (B) إلى أن اللوزة الدماغية تصبح أقل نشاطًا لأن القشرة الأمامية الجبهية تصبح أكثر نشاطًا، وهذا ما يحدث أثناء تنظيم التوتر النفسي، أما الأعمدة الأخرى القائمة في الاتجاه الصحيح (C) فتشير إلى أن معدل نشاط كل من اللوزة الدماغية والقشرة الأمامية الجبهية آخذ في الازدياد، وهذا ما يحدث عندما لا يكون المخ قادرًا على تنظيم التوتر، ويمكنك رؤية أن الأعمدة الخاصة بالأطفال والمراهقين اليتامى في نفس الاتجاه (المقلوب)، بينما الأعمدة الخاصة بالأطفال والمراهقين غير اليتامى ليست في نفس الاتجاه [4]، وهذا يثبت لنا أن عدم الحصول على الرعاية الجيدة في المراحل الأولى من العمر يؤدي إلى نضج هذه المناطق الموجودة في المخ بشكل أسرع.

قد يبدو الموضوع أنه من الجيد أن يتمتع المرء بمخ ناضج، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للبشر، فالإنسان يحتاج لمدة طويلة حتى ينضج. حيث يسمح النمط الطبيعي للتطور البشري للإنسان بتعلم الكثير عن كيفية النضج قبل أن يصبح ناضجًا بالفعل، فالأطفال الذين خضعوا لهذه الدراسة يعيشون في دور أيتام مزدحمة للغاية، ولا يحصلون على كم كافٍ من الحب والعطف من الأشخاص البالغين. فنشأة الطفل في الصغر دون إنشاء علاقة مع شخص بالغ تتسبب في أن يكون مخ الطفل اليتيم أكثر نضجًا قبل آوانه. وأن يصبح الطفل ناضجًا قبل الأوان مرتبط بتعرضه لمستويات عالية من القلق وهي حالة نفسية يشعر المرء فيها بالارتباك والخوف [4]. والأمر الجيد في هذا الموضوع هو أن الطفل المُتبنى يجرب أخيرًا إحساس التخفيف من وطأة الصدمات الاجتماعية على يد الأسرة التي تبنته حينما يعيش في جو يسوده الحب والدعم [1].

الخلاصة

يواجه المخ مواقف مثيرة للتوتر كل يوم، سواء كانت هذه المواقف تتمثل في مطاردة دب لك أو رؤية عنكبوت صغير في غرفتك، فإن المخ مستعد ومهيأ للتعامل مع التوتر. فالمخ مثل الأبطال الخارقين دومًا على أهبة الاستعداد لإنقاذ الموقف، فبمساعدة المحور تحت المهادي النخامي الكظري واللوزة الدماغية والقشرة الأمامية الجبهية يمكننا تهدئة أنفسنا أثناء التعرض لمواقف موتِرة. إذ لا يقدر المرء على تخطي أي شيء بمفرده، وذلك ينطبق أيضًا على الأبطال الخارقين، فالمخ يعتمد في بعض الأحيان على مساعدة أصدقائنا وأفراد أسرتنا لتخفيف استجابتنا للتوتر، ويقدم لنا الوالدان مساعدة كبيرة لا سيما في الصغر. وفي غياب مقدم الرعاية في الصغر، فقد نجد أن مخ الطفل نضج سريعًا قبل آوانه مما يشعره بالقلق، والقلق بدوره يضخم من هول الأشياء ويجعلها أضعاف حقيقتها، الأمر الذي يجعل الطفل متوترًا بشكل أكبر. ثمة بعض الأشياء التي يمكن فعلها للتعامل مع التوتر بنوعيه سواء كان قصير الأجل أو طويل الأجل في حياتك. فممارسة أي نشاط ممتع بالنسبة لك له دور في إفراز مواد كيميائية معينة تشعرك بالسعادة، كما أن ممارسة التمارين الرياضية وتحريك جسدك من الأشياء الرائعة التي تقلل من حدة التوتر، ويمكن أيضًا التعامل مع التوتر من خلال قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء والأسرة. فتذكر أنه عندما يكون المرء محاطًا بمن يقدمون الدعم الاجتماعي له يشعر بأنه يحصل على قدر من الاهتمام والاعتناء مما يسهم في إبطاء إفراز الكورتيزول، وأفضل ما يمكنك فعله هو إخبار شخص بالغ موثوق به إذا شعرت بالتوتر لمدة طويلة من الوقت.

مسرد للمصطلحات

التوتر (Stress): هو حالة نفسية وبدنية يشعر بها الإنسان عندما يمر بتجربة صعبة أو خطرة.

منظومة الاستجابة للتوتر (Stress response system): يُطلق هذا المصطلح على أجزاء المخ والأعضاء والهرمونات التي تعمل معًا في تناغم لمكافحة التوتر.

المحور تحت المهادي النخامي الكظري (Hypothalamus– pituitary– adrenal (HPA) axis): هو منظومة من الناقلات العصبية التي تبدأ في المخ، فهي ترسل إشارات إلى الأعضاء للاستجابة إلى التوتر من خلال الدخول في وضع النجاة، وتتضمن هذه المنظومة تحت المهاد والغدة النخامية والغدة الكظرية.

الكورتيزول (Cortisol): هو هرمون التوتر أو ناقل عصبي يفرزه المحور تحت المهادي النخامي الكظري لتوجيه الأعضاء الأخرى الموجودة في الجسم بالتعامل مع عامل توتر محدد.

اللوزة الدماغية (Amygdala): هي بنية دماغية تقوم بالكشف عن وجود توتر، وتحث المحور تحت المهادي النخامي الكظري على الاستجابة.

القشرة الأمامية الجبهية (Prefrontal cortex): هي مركز التحكم في المخ الذي يتحكم في الأفكار والأفعال، ويتمثل دورها الرئيسي في التحكم في الاستجابات الانفعالية تجاه التوتر من خلال تنظيم عمل اللوزة الدماغية.

تخفيف وطأة الصدمات الاجتماعية (Social buffering): العملية التي تحدث عندما يساعد الدعم الاجتماعي المخ على تنظيم الاستجابة للتوتر، تخفيف الأم لوطأة الصدمات الاجتماعية هو نوع من التخفيف من وطأة الصدمات الاجتماعية نحصل عليه خصيصًا من أمهاتنا أو غيرهم من مقدمي الرعاية المقربين.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Hostinar, C. E., Sullivan, R. M., and Gunnar, M. R. 2014. Psychobiological mechanisms underlying the social buffering of the hypothalamic–pituitary–adrenocortical axis: a review of animal models and human studies across development. Psychol. Bull. 140(1):256–82. doi: 10.1037/a0032671

[2] Gee, D. G., Gabard-Durnam, L., Telzer, E. H., Humphreys, K. L., Goff, B., Shapiro, M., et al. 2014. Maternal buffering of human amygdala-prefrontal circuitry during childhood but not during adolescence. Psychol. Sci. 25:2067–78. doi: 10.1177/0956797614550878

[3] Guassi Moreira, J. F., and Telzer, E. H. 2016. Mother still knows best: maternal influence uniquely modulated adolescent reward sensitivity during risk taking. Dev. Sci. 1–11. doi: 10.1111/desc.12484

[4] Gee, D. G., Gabard-Durnam, L. J., Flannery, J., Goff, B., Humphreys, K. L., Telzer, E. H., et al. 2013. Early developmental emergence of human amygdala–prefrontal connectivity after maternal deprivation. Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A. 110(39):15638–43. doi: 10.1073/pnas.1307893110