ملخص
نتعرض في بعض الأحيان، إما في المدرسة أو الحياة اليومية، إلى الرفض من قبل زملائنا، أو قد نرى شخصًا يتم استبعاده من نشاط ما. فبماذا يشعر الشخص المستبعد؟ وكيف يعالج المخ المعلومات المتعلقة بالاستبعاد الاجتماعي؟ درس علماء النفس وعلماء الأعصاب الاجتماعي في العقود القليلة الماضية تأثير الاستبعاد الاجتماعي على عقولنا وأمخاخنا وسلوكنا. الاستبعاد الاجتماعي ظاهرة غامضة ومركبة في آن واحد، ولذلك فنحن نعالج المعلومات عنها بطريقة ديناميكية وعادة ما نتأقلم معها بشكل مرن. وقد وصفت في هذا المقال التأثيرات الديناميكية للاستبعاد الاجتماعي على العقل والمخ والسلوك من خلال تطوير نموذج يشرح ما يحدث داخل المخ والأفعال التي يتخذها الأفراد الذين يواجهون الاستبعاد الاجتماعي.
ما المقصود بالاستبعاد الاجتماعي؟
يشير مصطلح “الاستبعاد الاجتماعي” إلى تجربة الانعزال الاجتماعي سواء على المستوى الجسدي (كأن يكون الفرد وحده في عزلة تامة) أو على المستوى العاطفي (مثل التعرض للتجاهل أو أن يخبره الآخرون بأنه غير مرغوب فيه).
حينما يستبعدك شخص ما، فإنك عادة ما تشعر بالأسى أو تواجه إحساسًا “مؤلمًا”، فلماذا يسبب لنا الاستبعاد الاجتماعي مثل هذه المشاعر؟ تكمن أحد الاحتمالات للرد على هذه السؤال في أن الإنسان حيوان اجتماعي، وأنه قد وقع عليه الاختيار خلال عملية التطور ليعيش مع أبناء جنسه. ويخبرنا الاستبعاد الاجتماعي بأن العلاقات الاجتماعية مهددة أو متضررة وذلك من خلال استثارة مشاعر منفرة، وهو ما يعني أن هناك كارثة تلوح في الأفق. وقد أظهرت الأبحاث السابقة التي قام بها علماء النفس (الأشخاص الذين يدرسون العقل والسلوك) وعلماء الأعصاب الاجتماعيون (الأشخاص الذين يدرسون الآليات العصبية والهرمونية والخلوية والوراثية التي تكمن وراء التفاعل الاجتماعي والسلوك) الكثير عما يحدث أثناء الاستبعاد الاجتماعي وبعده. وقبل البدء في شرح آلية تأثير الاستبعاد الاجتماعي على عقولنا ومخنا وسلوكنا بشكل ديناميكي، أود أن أوضح أولًا بإيجاز لغز الألم الاجتماعي الذي يُعرّف على أنه شعور مؤلم تسبب فيه الاستبعاد الاجتماعي.
ألم الاستبعاد الاجتماعي
عادة ما نستخدم المصطلح “مؤلم” لوصف الإحساس الذي نشعر به حين نتعرض للاستبعاد. وهنا يبرز السؤال التالي: لماذا نستخدم هذه الكلمة بالتحديد لوصف ما نشعر به رغم أنه ليس إصابة جسدية أو ألمًا فعليًّا؟ يُعد استخدام مفاهيم “الألم” ومصطلح “مؤلم” لوصف المشاعر التي تنتاب من يتعرض للاستبعاد الاجتماعي أو الرفض من الآخرين أمرًا شائعًا في مختلف لغات التواصل. فأنا أعيش في اليابان، والتي ربما تكون بعيدة للغاية عن المكان الذي تعيش أنت فيه. وفي اليابان، أستخدم كلمة “الألم” لوصف مشاعري حين أنهي علاقة مع محب أو صديق، أو حتى حين يقوم والدي باستبعادي. ومن المحتمل أنك تستخدم أيضًا هذه الكلمة نفسها لوصف شعورك إذا تعرضت لنفس الظروف.
وقد أظهرت دراسات علم الأعصاب الاجتماعي السابقة أن المناطق التي تنشط في المخ حين نتعرض للألم الجسدي أو الاجتماعي هي ذاتها التي تنشط عند الاستبعاد الاجتماعي. ويستخدم العلماء في الغالب نموذج Cyberball لدراسة الألم الاجتماعي في المختبر [1]. وهذا النموذج عبارة عن مشاركين يلعبون لعبة إلكترونية حيث يقومون برمي الكرة مع لاعبين آخرين أو ثلاثة لاعبين. وخلال اللعب، يُمكن للاعبين الآخرين استبعاد المشارك من خلال إرسال رميات أقل له. وفي إحدى الدراسات ذات الصلة، لعب المشاركون هذه اللعبة أثناء وجودهم داخل جهاز مسح للمخ يسمى جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، والذي بمقدوره تحديد تلك المناطق في المخ التي تنشط وقت القيام بنشاط ما. وحين يشعر المشاركون بالألم الاجتماعي أثناء اللعبة، تنشط منطقة في المخ تسمى القشرة الحزامية الأمامية الظهرية (dACC) [2]. ومن المعروف أيضًا أن هذه القشرة تنشط حين نشعر بالمشاعر السلبية نتيجة الألم الجسدي، مما يقدم طرحًا أن كلًا من الجروح الاجتماعية والجروح الجسدية تُعالج بطريقة مماثلة من قبل المخ (انظر الشكل 1).
ويمكننا أن نستخدم هذا الدليل لنستنتج وجود تطابق بين الألم الجسدي والألم الاجتماعي. ولكن من الممكن أن تكون العلاقة بين الألم الجسدي والألم الاجتماعي أكثر تعقيدًا، فنحن نعلم أن هناك بعض أوجه التشابه بين الألم الجسدي والألم الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قد يكون كل من الألم الجسدي والألم الاجتماعي نابعًا من تجارب قاسية.
ولكن العلاقة بين هذين النوعين من الألم قد تكون أكثر تعقيدًا، لأن القشرة الحزامية الأمامية الظهرية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في بعض المشاعر المعينة الأخرى؛ مثل الشعور بالمفاجأة. فحين يقوم شخص ما باستبعادك، قد تشعر بالألم الاجتماعي وبالدهشة في الوقت ذاته (“لم أتوقع أن يحدث ذلك! لماذا يستبعدونني؟”) بيد أن دراسات أخرى قد أشارت إلى أن نشاط القشرة الحزامية الأمامية الظهرية عند الاستجابة للاستبعاد الاجتماعي ليس نابعًا من الشعور بالدهشة، مؤكدة على أن الدور الرئيسي لهذه القشرة هو معالجة الألم. وعليه، فالدليل القائم الآن يعزز من فكرة أن الاستبعاد الاجتماعي يسبب الألم الاجتماعي بطريقة مباشرة. وكما ترى، فكل هذه الأفكار لا تزال قيد الدراسة! ويحاول الباحثون اليوم دراسة درجة التشابه بين الطريقة التي يعالج فيها المخ الألم الجسدي والألم الاجتماعي، بالإضافة إلى ملاحظة ما تقوم القشرة الحزامية الأمامية الظهرية بفعله حين يصدر المخ استجابة تجاه الاستبعاد الاجتماعي.
العمليات الديناميكية في الاستبعاد الاجتماعي
عادة ما نفهم ونعالج المعلومات المتعلقة بالاستبعاد الاجتماعي بطريقة ديناميكية، وذلك بسبب غموضه والطبيعة المركبة التي تكتنفه. فقط تخيل لعبة Cyberball: أنت تتطلع بحماس إلى المشاركة في اللعبة؛ ولكن حين يبدأ اللعب لا يرمي اللاعبان الآخران بالكرة إليك. فتنتظر وتنتظر على أمل أن يتغير الوضع، ولكن اللعبة تنتهي دون أن تحصل على الكرة ولو مرة واحدةً. كيف سيكون شعورك أثناء اللعبة، وكيف سيتعامل مخك مع هذا الموقف عبر الوقت؟
كنا قد اقترحنا من قبل “نموذج معالجة يعتمد على التواصل مع الذات والتواصل البيني مع الآخرين فيما يتعلق بالاستبعاد الاجتماعي” - وهو النموذج الذي يصف ما يحدث داخل عقولنا وأمخاخنا وسلوكنا أثناء الاستبعاد الاجتماعي وبعده [4] (انظر الشكل 2). فحين يتم استبعادنا، نكتشف التأثير المنفر للاستبعاد الاجتماعي، ونقيمه وننظمه. تم تفسير كل من الاكتشاف والتقييم بواسطة “جهاز الإنذار” والذي يصدر إشارات تخبرنا بأن هناك مشكلة تطلب لفت انتباهنا [5]. وقد شرح العلماء كلًا من الرصد والتقييم قياسًا على جهاز إنذار الدخان، والذي يعمل من خلال رصد الدخان (أي اكتشاف وجود خطأ ما أو وضع غير طبيعي)، ومن خلال إطلاق جرس الإنذار (إرسال تحذيرات للفت الانتباه إلى المشكلة) حين يندلع الحريق. وتساعدنا وظائف هذا الجهاز على ملاحظة أن هناك حريق قد حدث، وأن بعض الإجراءات يجب أن تتخذ.
يتوقف صوت الإنذار عند اختفاء أي دخان غير عادي. وأثناء الاستبعاد الاجتماعي، نحتاج لرصد الحدث الذي يمثل تهديدًا لعلاقة ما (اكتشاف وجود أمر خطأ أو غير طبيعي)، وتقييم مدى الألم الذي يسببه (والألم هنا هو صوت الإنذار). يرتبط كلا الجهازين بالقشرة الحزامية الأمامية الظهرية، ومن ثم يتسببان في الألم الاجتماعي. وهناك منطقة أخرى داخل المخ تسمى القشرة الجبهية الأمامية البطنية الجانبية (VLPFC)، والمعروفة بقدرتها على تخفيف وطأة الألم الاجتماعي، إذ تساعد هذه القشرة على تنظيم صوت الإنذار حتى لا يصبح صاخبًا جدًا. يتغير ارتفاع صوت الإنذار (حجم الألم الاجتماعي) عبر الزمن خلال الاستبعاد الاجتماعي بناءًا على درجة التهديد المرتبط بهذا الاستبعاد والمترتب عليه. ولذلك فإننا نبدو دائمًا في حالة رصد وتقييم وتنظيم للألم الاجتماعي أثناء الاستبعاد الاجتماعي.
وهناك طريقة أخرى لدراسة استجابة المخ تجاه الاستبعاد الاجتماعي باستخدام الجهد الدماغي المرتبط بالحدث (ERP)، وهي مجموعة من موجات المخ. ويعتبر جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هو الأمثل لملاحظة مناطق المخ المرتبطة بالاستبعاد الاجتماعي، بينما يتميز الجهد الدماغي المرتبط بالحدث بالقدرة على التعرف على العمليات الإدراكية والمعرفية المرتبطة بالاستبعاد الاجتماعي على مقياس زمني سريع جدًا (في غضون مللي ثوان، والمللي ثانية يساوي 1000/1 من الثانية).
ومن خلال استخدام كلٍّ من تقنيتي التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والجهد الدماغي المرتبط بالحدث، يمكننا معرفة ما يحدث داخل المخ خلال استجابته تجاه كل خطوة من خطوات الاستبعاد الاجتماعي (مثل استجابته تجاه كل رمية للكرة) في معدل زمني فائق السرعة، كما يمكننا أن نتعرف أيضًا على رد فعل المخ تجاه تجربة الاستبعاد الاجتماعي الكاملة (من بداية تجربة الاستبعاد الاجتماعي حتى نهايتها). وعلى غرار الدراسات التي تعتمد على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، فإن الدراسات المبنية على الجهد الدماغي المرتبط بالحدث أظهرت أيضًا أن الاستبعاد الاجتماعي يتسبب في حدوث عمليات الرصد والتقييم والتنظيم. ويرتبط الرصد، باعتباره استجابة لدلالات الاستبعاد الاجتماعي، بمكونات N2 (بعد حوالي 200 مللي ثانية من ظهور دلالات الاستبعاد)، كما يرتبط التقييم بمكونات P3 (بعد حوالي 300 مللي ثانية من ظهور دلالات الاستبعاد)، في حين ترتبط عملية التنظيم بمكون الموجة البطيئة (بعد حوالي 600 مللي ثانية من ظهور دلالات الاستبعاد). وبالإضافة إلى ذلك، كشفت كل من دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ودراسات الجهد الدماغي المرتبط بالحدث أن مناطق الدماغ والعمليات المرتبطة بالرصد والتقييم والتنظيم تتغير عبر الزمن. ولكي نوضح الأمر بصورة أكثر تحديدًا، يمكننا القول إن الأفراد الذين يُستبعدون اجتماعيًا يُظهرون عمليات متزايدة من الرصد والتقييم (أي القشرة الحزامية الأمامية الظهرية) في بداية الاستبعاد الاجتماعي، بينما تصبح عملية التنظيم (أي القشرة الجبهية الأمامية البطنية الجانبية) أكثر قوة في المراحل اللاحقة. وتشير هذه النتائج إلى أن المخ ليس لديه طريقة واحدة بسيطة لمعالجة الاستبعاد الاجتماعي؛ وإنما تتغير استجابة المخ عبر الزمن.
ماذا عليك أن تفعل إذا سمعت جرس الإنذار يدق دون توقف؟ من المعروف أن كيفية تعاملنا وتأقلمنا مع الاستبعاد الاجتماعي تختلف باختلاف الموقف؛ فالأفراد المستبعدون يعززون جهاز المراقبة الاجتماعي (SMS) الخاص بهم لتحديد كيفية التصرف. وبشكلٍ أكثر تحديدًا، فإنهم يصبحون يقظين للغاية فيما يخص مشاعر وأفكار الآخرين. ومن الجدير بالذكر ان مناطق المخ المرتبطة بفهم أفكار واعتقادات الآخرين (القشرة الجبهية الأمامية الظهرية الإنسية، والتقاطع الصدغي الجداري)، والأجزاء المتعلقة بالعمليات الإدراكية للانتباه (مكون مرتبط بالجهد الدماغي المرتبط بالحدث يسمى P1 )، والتعرف على الوجوه (مكون مرتبط بالجهد الدماغي المرتبط بالحدث يسمى N170) - تشارك جميعها في جهاز المراقبة الاجتماعي. ويساعد هذا النظام الأشخاص المستبعدين على الإبحار في البيئات الاجتماعية. ويقرر الأفراد المستبعدون كيفية التصرف بناء على معطيات جهاز المراقبة الاجتماعي، فإذا كانت هناك دلالات على القبول الاجتماعي مثل توفر فرص لبناء علاقات جديدة ووجوه مبتسمة، فسيظهر الأشخاص المستبعدون سلوكًا محابيا للمجتمع، والذي يشير إلى التصرفات النابعة من الرغبة في مساعدة الآخرين والحصول على قبول الآخرين. فالسلوك المحابي للمجتمع يساعد على تقليل الألم الاجتماعي عن طريق مساعدة الشخص على الشعور بأنه متصل بالآخرين. وعلى الجانب الآخر، قد يتصرف الشخص المستبعد بعدوانية إذا كانت هناك دلالات تشير إلى المخاطر الاجتماعية (الأشخاص الذين يمارسون الاستبعاد الاجتماعي على غيرهم وقرناؤهم)، حيث يساعده التصرف العدواني على حماية نفسه من التعرض لتجارب تالية مستقبلية من تجارب الاستبعاد الاجتماعي. ولكن إذا كان الشخص مستبعدًا اجتماعيًا إلى الحد الذي لا يجد فيه أي شخص آخر في حياته، فكيف له أن يتأقلم في هذا المحيط؟ من المعروف أن الأشخاص المستبعدين في مثل هذه المواقف يستخدمون الصور الذهنية والعقلية المرتبطة بمشاعر التواصل؛ مثل الذكريات مع أفراد العائلة وشخصيات التلفاز المفضلة للتقليل من حدة الألم بشكل مؤقت. وعليه، يتأقلم الأفراد المستبعدون بطريقة مرنة تعتمد على الموقف.
الاستبعاد الاجتماعي كجزء من خبراتنا المحفوظة
قمت حتى الآن بوصف كيفية تأثير نموذج واحد من الاستبعاد الاجتماعي على العقل والمخ والسلوك. فكيف يمكن لهذه العمليات أن تتغير إذا كان الاستبعاد الاجتماعي طويل الأمد ومتكررًا؟ يمكننا التكهن حول هذا الأمر من خلال دراسة الفروق الفردية المرتبطة بقلق التعلق وتجنب التعلق، واللذان يرتبط كل منهما بتاريخ الاستبعاد اجتماعي في الماضي [6]. والمقصود بقلق التعلق هذه الدرجة التي يصل فيها قلق الأفراد إلى الحد الذي يخافون فيه من التعرض للاستبعاد من الأفراد القريبين منهم. والأفراد الذين يعانون من قلق التعلق عادة ما يكونون قد مروا بتجارب اجتماعية تضمنت مواقف استبعاد اجتماعي غير متوقعة؛ حيث أغدق عليهم أهلهم أو القائمون على رعايتهم من ذويهم بالمحبة والعطف في لحظة ما، بينما رفضوهم في لحظة أخرى. وعلى الجانب الآخر، يعرف تجنب التعلق بأنه الحالة التي يرفض فيها الأفراد أي قرب أو علاقة حميمية مع الآخرين. والأفراد الذين تظهر عليهم سمات تجنب التعلق عادة ما يكونون قد واجهوا استبعادًا اجتماعيًا مزمنًا من قبل المعنيين برعايتهم والذين لم يمنحوهم أي شعور بالراحة والقبول.
وقد لوحظ أن قلق التعلق يؤدي إلى زيادة نشاط القشرة الحزامية الأمامية الظهرية كاستجابة للاستبعاد الاجتماعي، فالأفراد الذين يعانون من قلق التعلق يريدون أن يتواصلوا مع الآخرين، ولكنهم يشعرون بالتوتر أثناء هذا التواصل. وعليه، نقول إن الاستبعاد الاجتماعي يشير إلى وجود أزمات أكبر عند هؤلاء الأفراد. وعلى النقيض، يؤدي تجنب التعلق إلى انخفاضٍ في نشاط القشرة الحزامية الأمامية الظهرية ردًا على الاستبعاد الاجتماعي، لأن الأفراد المتروكين قد تعرضوا للاستبعاد الاجتماعي بصورة مكثفة. ونتيجة لذلك، لم تعد إشارات الإنذار ذات معنى معلوماتي لهم. ولذلك، يمكننا أن نرى كيف تؤثر التجارب السابقة من الاستبعاد الاجتماعي على الطريقة التي يتعامل بها الفرد مع الحلقات الجديدة من الاستبعاد الاجتماعي.
وقد يغير الاستبعاد الاجتماعي المزمن من طريقة تصرف وسلوك الأفراد بعد التعرض للاستبعاد. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الاستبعاد الاجتماعي المزمن هو أحد الأسباب وراء عمليات إطلاق الأعيرة النارية في المدارس في الولايات المتحدة [7]. ومن الممكن أن يدمر الاستبعاد الاجتماعي قدرتنا على التحكم في سلوكنا المندفع بما في ذلك العدوانية، كما من الممكن أن يميل الأفراد الذين يتعرضون للاستبعاد بشكل متواصل إلى تفسير التصرفات الغامضة على أنها تصرفات عدوانية حتى وإن كانت غير ذلك. ولذا، فإن الاستبعاد الاجتماعي المتكرر وطويل الأمد من شأنه أن يغير من تفسيرات الفرد حول كيفية شعور الآخرين وتفكيرهم وتصرفاتهم. وقد تؤدي هذه التغيرات إلى العنف وتدمير العلاقات، والتي قد تؤدي بدورها إلى ارتكاب الجرائم، ومن ثم مواجهة عقوبات السجن في أسوأ الظروف.
الخلاصة
سلطت الضوء في هذا المقال على كيفية تأثير الاستبعاد الاجتماعي على العقل والمخ والسلوك. وحيث إن الاستبعاد الاجتماعي ظاهرة غامضة ومركبة، فإننا نعالجها بطريقة ديناميكية. ويعتبر نموذج المعالجة الديناميكية للاستبعاد الاجتماعي مفيدًا لأنه يمدنا بمعلومات حول مناطق المخ المرتبطة بالاستبعاد الاجتماعي والعمليات الإدراكية التي تحدث كرد فعل. هل هناك أي شخص تعرفه يتعامل بحساسية تجاه الاستبعاد الاجتماعي، أو أصبح أكثر عدوانية بعد أن تعرض للاستبعاد الاجتماعي؟
من خلال استخدام الإطار الموضح هنا، يمكننا ملاحظة العمليات التي تتسبب في ردود الأفعال العنيفة من هؤلاء الأشخاص تجاه الاستبعاد الاجتماعي وفهمها. وقد يساعد هذا الفهم في تنمية وسائل وطرق لتحسين ردود أفعال الأفراد تجاه الاستبعاد الاجتماعي، بما في ذلك ردود الأفعال المبالغ فيها للاستبعاد، والتي قد تؤدي إلى العنف.
ما الذي يمكنك أن تفعله لأصدقائك إذا رأيت أنهم يتعرضون للاستبعاد من قبل شخص ما؟ إذا تعرض أصدقاؤك إلى الاستبعاد، فساعدهم بأقصى طاقتك من خلال التحدث إليهم بلطف وود وإظهار التعاطف معهم من خلال أن تقول على سبيل المثال: “أعلم مدى الألم الذي يتضمنه هذا الأمر”. إن هذا النوع من الدعم يمكنه في واقع الأمر تقليل حجم الألم الذي يشعر به الأفراد المستبعدون وتخفيف وطأة الموقف عليهم، وبالتالي يقلل من ميلهم إلى العدوانية.
نتمنى أن تكون قد تعلمت آثار الاستبعاد الاجتماعي على العقل والمخ والسلوك من خلال قراءتك لهذا المقال. ونأمل أن يختفي الاستبعاد الاجتماعي في المستقبل نتيجة لمعرفة كم هو أمر منفر، ونتيجة لمعرفة كيف يستجيب الأشخاص المستبعدون للاستبعاد.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
حصل هذا العمل على دعم Grant-in-Aid for JSPS Fellows (15J07499) من Japan Society for Promotion of Sciences.
مقال المصدر الأصلي
↑ Kawamoto, T., Ura, M., and Nittono, H. 2015. Intrapersonal and interpersonal processes of social exclusion. Front. Neurosci. 9:62. doi: 10.3389/fnins.2015.00062
المراجع
[1] ↑ Williams, K. D., Cheung, C. K., and Choi, W. 2000. Cyberostracism: effects of being ignored over the Internet. J. Pers. Soc. Psychol. 79:748–62. doi: 10.1037/0022-3514.79.5.748
[2] ↑ Eisenberger, N. I., Lieberman, M. D., and Williams, K. D. 2003. Does rejection hurt? An fMRI study of social exclusion. Science 302:290–2. doi: 10.1126/science.1089134
[3] ↑ Kawamoto, T. 2017. “Hurt feelings,” in Learning Social Psychology from Daily Episodes, eds J. Taniguch, T. Soma, Y. Kanemasa, T. Nishimura (Tokyo: Hokujyu-Shuppan) 104–105.
[4] ↑ Kawamoto, T., Ura, M., and Nittono, H. 2015. Intrapersonal and interpersonal processes of social exclusion. Front. Neurosci. 9:62. doi: 10.3389/fnins.2015.00062
[5] ↑ Eisenberger, N. I., and Lieberman, M. D. 2004. Why rejection hurts: a common neural alarm system for physical and social pain. Trends Cogn. Sci. 8:294–300. doi: 10.1016/j.tics.2004.05.010
[6] ↑ Chester, D. S., Pond, R. S. Jr., Richman, S. B., and DeWall, C. N. 2012. The optimal calibration hypothesis: how life history modulates the brain’s social pain network. Front. Evol. Neurosci. 4:10. doi: 10.3389/fnevo.2012.00010
[7] ↑ Leary, M. R., Kowalski, R. M., Smith, L., and Phillips, S. 2003. Teasing, rejection, and violence: case studies of the school shootings. Aggress. Behav. 29(3):202–14. doi: 10.1002/ab.10061