مفاهيم أساسية علم الأعصاب وعلم النفس نشر بتاريخ: 28 فبراير 2022

التذوق: سلسلة تفاعلات تبدأ من اللسان وتنتهي في المخ

ملخص

هل شعرت يومًا بالامتنان تجاه حاسة التذوق؟ حسنًا، يجدر بك ذلك؛ لأنه بفضل هذه الحاسة نستطيع الاستمتاع بأجمل الأشياء في الحياة؛ مثل المذاق الحلو للحلوى، والمذاق المالح لشرائح البطاطس المقلية، والطعم اللّاذع لليمون. ونعلم جميعًا أن الأمر يبدأ من اللسان، ولكن كيف يحدث الأمر في الحقيقة؟ اكتشف العلماء أن التذوق يأتي نتيجة تفاعل متسلسل؛ يبدأ ببروتينات حساسة موجودة على اللسان، ويشق طريقه عبر براعم التذوق، ويدخل إلى الأعصاب حيث ينتهي به المطاف في المخ. وواحدة من أعجب النتائج التي توصلت إليها الأبحاث هي أن حساسية التذوق تختلف من شخص لآخر، فلكل منا عالم المذاق الخاص به، ما يجعلنا نمتلك وجهات نظر مختلفة حول الأطعمة التي نحبها أو نكرهها.

مقدمة

فكّر في وجبتك المفضلة، هل هي البيتزا؟ أم الشوكولاتة؟ أم السوشي؟ تخيل أكلتك المفضلة والمتعة التي تغمرك عندما تتناولها؛ ماذا عن الطعام الذي لا تحبه؟ تحتوي الأطعمة على العديد من الخصائص المختلفة التي تُسهم في إحداث المتعة التي تحصل عليها: الرائحة، والحرارة، وحتى الإحساس الذي تشعر به داخل فمك. ويعد التذوق أحد أهم خصائص الطعام، ويقصد به هذا الشعور بالأشياء الحلوة والحامضة والمالحة والمرة، والذي يأتي من لسانك. ولكن، كيف تنتقل هذه الإشارات من الفم إلى المخ؟

لقد ظلّ هذا الأمر لغزًا محيرًّا لسنوات طويلة، إلا أن العلماء الذين فحصوا اللسان عن قرب قد تمكنوا من اكتشاف بعض التفصيلات المثيرة للاهتمام حول الأجزاء التي تشكل نظام التذوق، وكيف أن هذه الأجزاء تتناسب مع بعضها البعض [1].

نظرة عن قرب على اللسان

ماذا نرى عندما نخرج لساننا وننظر إليه؟ نتوءات؛ الكثير من النتوءات. يعتقد الكثير من الناس أن هذه هي براعم التذوق، إلا أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك (الشكل 1)، فهذه النتوءات التي نراها هي الحليمات، وهي جزء خشن متخصص من بشرتنا. أما براعم التذوق الحقيقية فهي تتكون من خلايا رقيقة متراصة مثل شرائح البرتقال تحت سطح الحليمات، حيث تتوفر لها حماية جيدة. ولا يظهر من براعم التذوق على سطح اللسان سوى أطرافها. ولا يمكن رؤية براعم التذوق بالعين المجردة. ولكن إذا كان بمقدورك تكبير الصورة، فسترى أن كل حليمة بها آلاف من براعم التذوق التي تختلس النظر للخارج [2].

شكل 1 - بنية اللسان.
  • شكل 1 - بنية اللسان.
  • (A) تسمى النتوءات الموجودة على سطح اللسان بالحليمات. (B) تتخفى براعم التذوق تحت سطح الحليمات وبالكاد تظهر. (C) يتكون كل برعم من مجموعة من الخلايا التي تجتمع معًا كقطعة البرتقال. (D) الخلايا التي تشكل براعم التذوق تُخزّن بروتينات مستقبلات التذوق على أطرافها، والتي تتفاعل مع جسيمات الطعام. يرتبط كل برعم تذوق بخلايا عصبية عند قاعدته، كما موضح في الشكل 2.

كاشفات التذوق

يُخزّن كل برعم من براعم التذوق، عند نهاية أطرافه، بروتينات دقيقة تسمى مستقبلات التذوق (الشكل 1) [3]. توجد في أجسامنا آلاف البروتينات المختلفة، والتي يلعب كل منها دورًا خاصًا في بناء الجسم ووظيفته. ويتمثل الدور الذي تلعبه بروتينات مستقبل التذوق في اكتشاف المواد الموجودة داخل الفم؛ مثل جسيمات الطعام. وهناك خمسة أنواع متخصصة من بروتينات مستقبلات التذوق، وكل منها مسؤول عن رصد واكتشاف واحد من المذاقات الرئيسية الخمسة: الحلو، والحامض، والمالح، والمر، والمتبل الشهي (ذلك المذاق “اللحمي” للأطعمة مثل المرق والحساء). تنشّط مستقبلات التذوق عندما يمتزج الطعام الممضوغ مع اللعاب، ومن ثم يتدفق على الحليمات وحولها مثل النهر الهادئ. تتجاهل بروتينات المستقبلات أغلب الخليط، ولكنها تتفاعل مع جسيمات الطعام المستهدفة عند رصدها في الخليط، حيث تُخطر خلاياها باكتشاف إحدى مواد التذوق. ويمكن تخيل هذه العملية لو اعتبرنا أن المستقبلات تشبه الأقفال، بينما تمثل جسيمات الطعام المفاتيح، فمثلما يُفتح القفل بالمفتاح الخاص به، لا يتفاعل مستقبل التذوق إلا مع جسيم الطعام المتوافق معه.

إرسال الإشارات

عندما يتم إخطار إحدى خلايا براعم التذوق برصد مادة معينة مثل الطعام، تبدأ البراعم في الاستجابة (الشكل 2). حيث تُنشّط براعم التذوق عشرات البروتينات داخل الخلية وتحفزها على العمل. وتتعاون هذه البروتينات معًا؛ لتنقل ذرات ذات شحنة كهربائية، تسمى الأيونات، في كل مكان في الخلية لإنتاج تيار كهربائي ضعيف داخلها [2]، علمًا بأن هذا التيار ضعيف جدًا لدرجة أنك لا تشعر به، ولكن الأعصاب الموجودة في اللسان قادرة على رصده؛ فهي أعصاب متخصصة في رصد الإشارات الكهربائية وتمريرها. وعندما تتلقى الأعصاب الموجودة في اللسان هذه الإشارات من خلايا براعم التذوق، فإنها تمررها إلى المزيد والمزيد من الأعصاب، بحيث ترسل رسالة تنتقل مسرعة نحو آخر الفم، ومنه إلى المخ عبر ثقب دقيق في جمجمتك. وهناك، تُنهي قشرة التذوق (مركز التذوق في المخ) المهمة، إذ تخبرك بالمذاق الذي تلقيته سواء أكان حلوًا أو مالحًا أو مُرًّا أو حامضًا أو متبلًا.

شكل 2 - إشارات التذوق.
  • شكل 2 - إشارات التذوق.
  • تبدأ إشارات التذوق حين تستشعر بروتينات المستقبلات جسيمات الطعام على خلايا براعم التذوق. وعندما تستشعر بروتينات الاستقبال أنواعًا مختلفة من الجسيمات، فإنها تعطي أوامرها إلى الخلية الموجودة في براعم التذوق لإرسال تيار صغير منها إلى الجهاز العصبي، والذي يرسل بدوره نبضات إلى المخ. هذا الرسم التوضيحي مبسط، ويظهر خلية في براعم تذوق مع بروتين أحد المستقبلات. وفي الواقع، يحتوي كل برعم تذوق على ملايين من بروتينات المستقبلات.

أوجه الاختلاف في حاسة التذوق

يمتلك جميع البشر نفس جهاز التذوق الأساسي. فحتى الأطفال الذين تعلوا وجوههم التجاعيد حين يأكلون الليمون الحامض، ويبتسمون حين يتذوقون الحلوى، فضلًا عن كراهيتهم للأطعمة المرة، لديهم نفس جهاز التذوق الأساسي. ولكن يختلف الناس عن بعضهم البعض في أشياء أخرى مهمة، فربما لاحظت أن بعضًا منا لديه حساسية أكثر للمذاق مقارنة بالبعض الآخر. على سبيل المثال، الخضراوات التي تنتمي إلى عائلة الكرنب الملفوف تحتوي على مادة تسمى “جويترين”، وهي مادة ذات مذاق شديد المرارة ومثير للاشمئزاز بالنسبة للبعض، بينما لا يميز البعض الآخر طعمها إلا بصعوبة بالغة. ولكن، ما السبب وراء هذا؟ يرجع أحد الأسباب وراء هذا إلى أن عدد براعم التذوق تختلف من شخص لآخر [1]. فكل خلية من خلايا براعم التذوق تُضفي جزءًا من القوة إلى المذاق، لذلك فالأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من براعم التذوق يكونون أكثر حساسية فيه. وينطبق هذا على جميع أنواع المذاق، وليس المر منها فقط، حتى إن العلماء قد صنفوا الأشخاص بحسب اختلاف مستوى حساسيتهم للتذوق؛ حيث يطلقون على الأشخاص الذين يتسمون بأقل مستوى من الحساسية تجاه الطعام اسم “غير الذواقين”.

بينما يطلقون على الأشخاص من ذوي المستوى المتوسط في التذوق اسم “الذواقين المتوسطين”؛ أما الأشخاص الذين لديهم أعلى مستوى من الحساسية، فيطلق عليهم “الذواقين الخارقين”. فإلى أي من هذه المجموعات تنتمي أنت؟ وماذا عن أصدقائك؟

كُنّ باحثًا في مجال التذوق

يقوم الباحثون حول العالم باستكشاف عملية التذوق؛ لأن التذوق يؤثر على ما يأكله الناس، وما يأكله الناس يؤثر بدوره على صحتهم [1]. وهناك بعض الأبحاث عن التذوق التي يمكنك القيام بها بنفسك داخل مطبخك. فإحدى النظريات التي يمكنك استكشافها هي أن حساسية التذوق مرسومة على لسانك مثل الخريطة. فلقد تعلمنا من الكتب، لسنوات طويلة، أنه يمكن استشعار المذاق الحلو والمذاق المالح على طرف اللسان، بينما يمكن استشعار الطعام المر في الجزء الخلفي منه. أما الطعام الحامض أو اللاذع، فيتم استشعاره على جانبي اللسان (مربع 1، الشكل). وعادةً ما يُترك مركز اللسان، الذي يحتوي على عدد قليل من براعم التذوق، فارغًا. إلا أن باحثي التذوق يرون حاليًا أن حساسية التذوق لا يمكن تفسيرها وفق خريطة بسيطة.

تفيد الكثير من الكتب والمجلات أن حساسية التذوق تسير وفق خريطة على اللسان: الجزء الأمامي للمذاق الحلو والمالح، بينما الخلفي للمر، في حين أن الجانبين للحامض أو اللاذع (الشكل)؛ (أما الطعم المتبل، والذي يعتبر مكتشف حديثًا، فعادة ما يتم إغفاله). ستختبر هذه التجربة حساسية الأجزاء المختلفة من اللسان تجاه المذاق الحلو والحامض والمالح كي تستطيع أن تقارن بين أنماطك الخاصة وهذه الخريطة.

يقولون إن المذاق يمكن استشعاره في أي مكان في اللسان. جرّب هذا بنفسك من خلال الاختبار الوارد في “جربها بنفسك” (المربع 1). إلى أي مدى يتوافق اختبار حساسية التذوق الخاص بك مع الخريطة؟

المربع 1- جرّبها بنفسك: اختبار خريطة اللسان.

تفيد الكثير من الكتب والمجلات أن حساسية التذوق تسير وفق خريطة على اللسان: الجزء الأمامي للمذاق الحلو والمالح، بينما الخلفي للمر، في حين أن الجانبين للحامض أو اللاذع (الشكل)؛ (أما الطعم المتبل، والذي يعتبر مكتشف حديثًا، فعادة ما يتم إغفاله). ستختبر هذه التجربة حساسية الأجزاء المختلفة من اللسان تجاه المذاق الحلو والحامض والمالح كي تستطيع أن تقارن بين أنماطك الخاصة وهذه الخريطة.

لوازم التجربة:

  • عصير ليمون

  • ملح

  • سكر

  • ثلاثة أكواب صغيرة من الماء

  • ملعقة طعام

  • أعواد أُذُن

الخطوات:

  • اغسل يديك.

  • قم بإعداد محاليل الاختبار:

    • أضف ملعقة كبيرة من عصير الليمون إلى كوب الماء الأول.

    • أضف ملعقة كبيرة من الملح إلى كوب الماء الثاني.

    • أضف ملعقة كبيرة من السكر إلى كوب الماء الثالث.

    • قلّب كل كوب من الأكواب جيّدًا، مع غسل الملعقة قبل الانتقال من محلول لآخر. ولا توجد مشكلة إذا لم يذب الملح أو السكر جيّدًا.

  • اغمس عود أذن في محلول الملح وضعه على آخر لسانك. دون ما تذوقته. كرر العملية مع جانبي اللسان ومنتصفه وطرفه الأمامي. جرّب أماكن أخرى من اللسان أيضًا.

  • ثم أجرِ الاختبار باستخدام المحلولين: الحلو والحامض. تأكد من استخدام عود أذن مختلف كل مرة.

النتائج:

أي مناطق في اللسان يمكنها أن تستشعر مذاق كل مادة مختلفة؟ هل النتائج متوافقة مع الخريطة؟ جرّب هذا الاختبار مع أصدقائك. وأخبرنا، هل لديهم نفس أنماط حساسية التذوق الخاصة بك؟

مسرد للمصطلحات

الحليمات (PapIllae): النتوءات الصغيرة الخشنة الموجودة على سطح اللسان، وهي مسؤولة عن حماية البراعم بداخلها.

براعم التذوق (Taste Bud): حِزمة من الخلايا المتخصصة في استشعار المذاق.

مستقبل تذوق (Taste Receptor): بروتين صغير الحجم موجود على أطراف براعم التذوق، والذي يستقبل جسيمات الطعام.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Bradbury, J. 2004. Taste perception: cracking the code. PLoS Biol. 2(3):E64. doi: 10.1371/journal.pbio.0020064

[2] Smith, D. V., and Margolskee, R. F. 2001. Making sense of taste. Sci. Am. 284:32–9. doi: 10.1038/scientificamerican0301-32

[3] Chaudhari, N., and Roper, S. D. 2010. The cell biology of taste. J. Cell. Biol. 190:285–96. doi: 10.1083/jcb.201003144