ملخص
يتعرض الأطفال في زمننا الحالي لمختلف الوسائل الإعلامية لمدة 7 ساعات يوميًا في المتوسط، ويحدث ذلك كل يوم بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع. وهي مدة أطول من الساعات التي يقضيها البالغون في العمل أسبوعيًا. ولكن ما تأثير هذا الكم الكبير من الاستهلاك الإعلامي؟ لا تزال الأبحاث في هذا المجال في مراحلها الأولى، ولكن يوجد مجال بحثي جديد يدرس العلاقة بين الألعاب الإلكترونية والمخ، ويفيد بأننا سنواجه بعض المفاجآت.
يشكو البالغون باستمرار من آثار الألعاب الإلكترونية وتسطيح المستوى الفكري للنشء. ولكن هل هناك فوائد من ممارسة مثل هذه الألعاب؟
دائمًا ما نسمع أن قضاء وقت طويل أمام شاشات الحاسب الآلي له تأثير سلبي على الرؤية، ولكن المفاجأة أنه ثبت أن بعضًا من الألعاب الأكثر تعرضًا للنقد، والألعاب الفردية المليئة بالأحداث والإثارة التي يحتاج فيها اللاعب دائمًا إلى استهداف الأشرار والزومبي أو الوحوش، تحسن من جودة الرؤية لديك.
تستخدم هذه الدراسات بعض الأدوات من علم الرؤية والبصر، حيث يطلب من المشاركين القيام باختيارات صعبة في الحقيقة حول ما إذا رأيت “بقع جابور” (خطوطًا سوداء وبيضاء صغيرة) أم لا [1]. ومن خلال معالجة مقدار التناقض والتباين في بقع الجابور (الشكل 1)، أو ترددها المكاني (الشكل 2) أو مدة بقائها على الشاشة، أظهرت التجربة أن ألعاب الفيديو الحركية تحسن الرؤية من جوانب عدة.
ومن ضمن الوظائف البصرية التي تحسنها هذه الألعاب (1) حساسية التباين أو قدرة الإنسان على التمييز بين الدرجات المختلفة من اللون الرمادي (الشكل 3)، (2) حدة البصر خلال تزاحم المشهد، أو القدرة على تمييز التفاصيل الدقيقة وسط مشهد كبير؛ مثلًا عندما تقرأ نصًا بخط متناهي الصغر وتبدو لك الحروف وكأنها تتداخل مع بعضها البعض، (3) الحجب البصري أو القدرة على الرؤية والتعرف على المثيرات البصرية التي تظهر لفترة وجيزة للغاية. وقد اشتكى بعض المشاركين في هذه الدراسات من أنهم تمكنوا حتى من رؤية الوميض الضوئي لشاشة الحاسب الآلي الذي يبلغ تردده 60 هرتزًا بسبب لعبهم تلك الألعاب!
مهلًا، ربما الأشخاص الذين يلعبون هذه الألعاب كانت لديهم قدرة بصرية عالية منذ البداية، أليس كذلك؟ كيف يمكننا التيقن من أن الألعاب الإلكترونية هي مصدر هذا التحسن؟
لتأسيس علاقة بين الألعاب الإلكترونية الحركية والقدرة البصرية المعززة، نحتاج إلى دراسات قائمة على التدريب. ففي مثل هذه الدراسات، يتم استقطاب الأشخاص الذين لم يعتادوا لعب أي نوع من الألعاب الإلكترونية للمشاركة في الدراسة. وكجزء من الدراسة، فإن هؤلاء المشاركين يحضرون أولًا إلى المختبر للخضوع إلى عملية يجري فيها قياس قدراتهم البصرية قبل البدء في الدراسة، ثم يوزع المشاركون بطريقة عشوائية على مجموعتين: حيث يطلب من المجموعة الأولى لعب الألعاب الحركية، بينما يطلب من الأخرى ممارسة الألعاب القائمة على التحكم. وفي العديد من الدراسات، تتم مقارنة أنواع مختلفة من الألعاب الإلكترونية المتاحة في الأسواق - على سبيل المثال يطلب من المجموعة التي تلعب ألعاب الحركة والأكشن لعب “كول أوف ديوتي” (Call of Duty)، أو “ميدل أوف أونور” (Medal of Honor)، بينما يلعب المنضمون للمجموعة الضابطة الأخرى ألعابًا اجتماعية مثل “سيمز” (Sims)، أو لعبة من ألعاب إدارة الوقت مثل “ريستورانت إمباير” (Restaurant Empire).
يلعب المشاركون هذه الألعاب خمسة أيام في الأسبوع بمعدل ساعة يوميًا ولمدة 10 أسابيع، ليكون إجمالي عدد ساعات اللعب 50 ساعة. وخلال هذه المدة، لا يسمح لهم بلعب أي ألعاب إلكترونية أخرى. وفي نهاية هذه الفترة التدريبية، يعود المشاركون إلى المختبر لقياس قدراتهم البصرية مرة أخرى. وقد أظهر المشاركون في فريق ألعاب الحركة والأكشن تحسنًا كبيرًا في قدراتهم البصرية في فترة ما بعد التدريب مقارنة بالفترة التي قبله، وجاءت نتائجهم أفضل من نتائج المشاركين في الألعاب الضابطة (الشكل 4). وهو ما يجعلنا نقول إن الألعاب الإلكترونية الحركية تعزز من القدرة البصرية. ونلاحظ أنه إذا لم يكن التدريب مشتملًا على مجموعة ضابطة لمقارنتها بمجموعة الألعاب الحركية، لكان من الممكن أن ننسب ذلك التحسن إلى عوامل أخرى متنوعة مثل رغبة المشاركين في الانضمام إلى تجربة والاهتمام الذي لاقوه من المختبرين أو مجرد قضاء وقت ممتع أمام شاشة الحاسوب!
وانطلاقًا من هذه النتائج، بدأت العديد من الفرق في البحث عن التوظيف الأمثل للألعاب الإلكترونية في مساعدة مرضى الغمش أو كسل العين. ومرض الغمش هو ضعف في الرؤية والإبصار بسبب تجربة رؤية غير عادية تعرض لها الإنسان في بداية حياته (مثل أن يعاني الرضيع من إعتام عدسة العين (المياه البيضاء) بحيث لا يمكن للضوء أن يصل إلى خلف حدقة العين بسبب ضبابية العدسة). وعادة ما يمكن إصلاح المشكلات التي تعاني منها العين، ولكن لأن المخ لم يتلق المدخلات البصرية الصحيحة في بداية نموه، فإنه لا يستطيع التعامل مع الأمر بشكل صحيح، وبالتالي يستمر المريض في معاناته من الرؤية الضعيفة بالرغم من امتلاكه عيون تؤدي وظيفتها بشكل طبيعي. ويبدو أن الألعاب الإلكترونية طريقة جديدة واعدة لتدريب المخ على الرؤية الصحيحة مرة أخرى!
هل توجد أي فوائد أخرى لهذه الألعاب غير الرؤية؟ هل نعرف أي شيء عن فوائدها في الحياة اليومية؟
يوجد عدد من الفوائد الأخرى للألعاب الإلكترونية التي تم توثيقها على مدار السنوات العشر الماضية. فبالإضافة إلى تحسين الرؤية، تعمل الألعاب الإلكترونية الحركية على تحسين مختلف المهارات؛ مثل قدرة الإنسان على التركيز وتعدد المهام أو القدرة على تدوير الأشياء في عقل الإنسان مثلما يحدث عندما يقوم بقراءة خريطة ما لإيجاد طريقه [2]. ولكن، لا يعني هذا أن كل السلوكيات تخضع للتغيير أو أن هذا التغيير دائمًا ما يكون للأفضل!
تتسم جميع الألعاب الإلكترونية المتاحة في الأسواق بالعنف الشديد. وينتج عن التعرض للعنف في وسائط الإعلام سلوك أكثر عدوانية؛ مباشرة بعد التعرض له. وفي المستقبل، نتمنى أن نكون قادرين على الوصول لألعاب إلكترونية خالية من العنف، ولكنها تتميز بنفس آليات الألعاب الحركية لتسخير إمكانياتهم الإيجابية للتغيير نحو الأفضل.
وقد أوضحت الدراسات الحديثة تأثير الألعاب الإلكترونية على الحياة اليومية، حيث أظهرت أن أطباء جراحة المناظير، أو الجراحين الذين يجرون عمليات جراحية بمساعدة الحاسوب، يمارسون مهامهم بشكل أفضل وأكثر تميزًا حين يلعبون الألعاب الإلكترونية [3]. وقد قامت إحدى الدراسات بعقد مقارنة بين مهارات الجراحين صغار السن الذين لا يملكون خبرات طويلة ولكنهم يلعبون الألعاب الإلكترونية بالجراحين من ذوي الخبرة في المجال لسنوات طويلة والذين لا يلعبون الألعاب الإلكترونية بكثرة، حيث أظهرت أن الجراحين الصغار يجرون العمليات الجراحية بطريقة أسرع وبنسبة خطأ أقل.
هل هذه التأثيرات طويلة المدى أم قصيرة المدى؟ وهل تنطبق على الناس من مختلف الأعمار أم على الأطفال فقط؟
يبدو أن فوائد الألعاب الإلكترونية الحركية طويلة المدى. فبالنسبة للرؤية، تظل الآثار الإيجابية للتدريب لمدة 50 ساعة على مدار 10 أسابيع قائمة حتى بعد 5 أشهر من انتهاء التدريب؛ وبالنسبة للمشاركين، فقد تمكنا من متابعتهم لمدة عامين بعد انتهاء التدريب. كما أن دراسة تدريبية أخرى قامت بتقصي تأثير 10 ساعات من لعب الألعاب الإلكترونية على التناوب العقلي، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن التأثير لا يستمر لمدة أيام قليلة فقط بعد انتهاء التدريب، بل يستمر لمدة 5 أشهر. ويعتبر التأثير المستمر وطويل المدى مهم جدًا بالنسبة لنا، إذ نهدف إلى استخدام هذا البحث لأغراض تطبيقية تعليمية أو طبية.
يتمثل أحد العوائق التي تقف في طريق معرفتنا الحالية في أننا لا زلنا لا نستطيع تحديد العمر المناسب الذي يمكننا من خلاله إعادة تحفيز مهارات المخ من خلال الألعاب الإلكترونية. حيث كانت أغلب الدراسات المنشورة قائمة على الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا. وتفيد دراسات قليلة أن ثمة تأثيرات مشابهة واردة للألعاب على الأطفال، وحتى البالغين الأكثر تقدمًا في العمر يمكنهم الاستفادة من هذا النهج. وفي دراسة حديثة، قامت مجموعة Adam Gazzaley [4] بتدريب مشاركين أكبر سنًا على نسخة معدلة من لعبة قيادة، حيث تتعطل القيادة فيها بشكل مستمر بسبب مهام أخرى على المشارك القيام بها. إذ أظهرت الدراسة أن مهارات البالغين الأكبر سنًا في اللعب قد تطورت وأن الأمر لم يقتصر على هذا التطور، بل أشارت الدراسة إلى تطور وتحسن في مهارات أخرى لا تتعلق مباشرة باللعب. ولكن بالتأكيد لا يزال هناك حاجة للمزيد من العمل والأبحاث لتقصي هذا الشأن.
إذن، وبما أن الألعاب الإلكترونية مفيدة بالنسبة لي، هل يخطئ والداي حين يطلبان مني التوقف عنها؟
مهلًا، ليس بهذه السرعة! أولًا، الإفراط في كل نشاط له تأثير سلبي عليك. فكما أن شرب الكثير من الماء ضار بصحتك، وكما أن الإفراط في التدريب قد يرهق عضلات جسمك، فإن الإفراط في هذه الألعاب قد يؤثر أيضًا بالسلب على مخك. ويجب أن يتضمن النظام الحياتي الصحي التدريب البدني والتحفيز الذهني والأنشطة الاجتماعية الأخرى. لذلك إذا تحولت لإنسان منعزل يلعب وحده لساعات، فلن يكون هذا أمرًا صحيًا ويكون أبواك محقين حين يتجادلان معك بهذا الشأن!
ويبقى تحديد معنى “الإفراط في اللعب” قضية شائكة جدًا. فالأبحاث العلمية المنشورة ليست بالتأكيد مبررًا للإفراط في لعب الألعاب الإلكترونية. وتعتبر أغلب الدراسات الحالية أن ممارسة الألعاب الإلكترونية لمدة 30-40 دقيقة يوميًا هي المدة المثالية. ومن خلال ما نعرفه عن التعلم ومرونة المخ، فإن مزيدًا من هذه الألعاب لن يكون أمرًا مستحسنًا، بل قد يكون مرفوضًا. والآن، إذا كنت تقضي 30 دقيقة يوميًا في اللعب على الحاسوب، فمن المؤكد أن قلق والديك عليك سيكون أقل.
وتكمن القضية الأساسية في التساؤل التالي: هل بإمكانك التحكم في عاداتك المتعلقة بممارسة الألعاب الإلكترونية؟ هل تتحمل حقًا المسؤولية، أم أن انجذابك نحو عالم الألعاب شديد لدرجة أنك مستعد لإهمال واجباتك المدرسية وأصدقائك وعائلتك؟ فكلما تقدمت في العمر، ينضج جزء رئيسي من مخك ويتطور، ويعرف هذا الجزء بالقشرة الجبهية. ومن الجدير بالذكر أن هذا هو الجزء الأبطأ نموًا في مخك، ولا يصل إلى درجة النضج قبل سن العشرين! وهو الجزء الرئيسي في المخ المسؤول عن التنظيم الذاتي والتحكم، بالإضافة إلى التخطيط مثل تنظيم يومك الدراسي. إن تعلم كيفية التحكم وتنظيم رغبتك في اللعب في سن مبكرة وتمكنك من فن التوقف أمام رغبة ما بإمكانه أن يعطيك درسًا قيّمًا للغاية فيما يخص وضع القشرة الأمامية على طريق النمو الصحيح.
إذن، فكما ترى، المخ معقد للغاية ولا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عنه. وبالرغم من أن الألعاب الإلكترونية الحركية تحسن من مهاراتك الحياتية اليومية، فإن الإفراط في أي نشاط دائمًا ما يبقى أمرًا سلبيًا مضرًا. لذلك، يجب أن تكون قادرًا على إيقاف نفسك والتحكم في أوقات لعبك. ففي النهاية، وبما أن اللعب قادر على تحسين مهاراتك، يجب أن يكون لك حياة حقيقية تمارس فيها هذه المهارات!
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
المراجع
[1] ↑ Li, R., Polat, U., Makous, W., and Bavelier, D. 2009. Enhancing the contrast sensitivity function through action video game training. Nat. Neurosci. 12:549–551. doi: 10.1038/nn.2296
[2] ↑ Green, C. S., and Bavelier, D. 2012. Learning, attentional control and action video games. Curr Biol. 22:R197–206. doi: 10.1016/j.cub.2012.02.012
[3] ↑ Rosser, J. C. J., Lynch, P J., Cuddihy, L., Gentile, D. A., Klonsky, J., and Merrell, R. 2007. The impact of video games on training surgeons in the 21st century. Arch. Surg. 142:181–6. doi: 10.1001/archsurg.142.2.181
[4] ↑ Anguera, J. A., Boccanfuso, J., Rintoul, J. L., Al-Hashimi, O., Faraji, F, Janowich, J., et al. 2013. Video game training enhances cognitive control in older adults. Nature 501:97–103. doi: 10.1038/nature12486