ملخص
قنبلة موقوتة: تتكئ بطلة الفيلم على قنبلةٍ موقوتةٍ. بين ثنايا الأضواء البيضاء المتألقة في مكتب المحافظ، وبينما يهوي مؤقت المفجر متجهًا نحو الصفر، تمتلك البطلة محاولة واحدة فقط لتعطيل القنبلة. وعندما أقدمت البطلة على فتح غطاء لوحة التحكم، خرج منها خليط من الأسلاك متعددة الألوان، أشبه بالمعكرونة الإسباغيتي، وعلى الرغم من ذلك، حافظت البطلة على هدوئها. وحدَّثت نفسها قائلةً: “اقطعي السلك الأحمر”، وذلك لأنها اختارته بعناية من بين الأسلاك الأخرى. لا "ليس الأخضر ولا الأزرق - هذا هو!". وبينما كان أمامها بضع ثوانٍ فقط للحيلولة دون وقوع الكارثة، اختارت السلك الصحيح وقَصَّتهُ. وفجأةً! توقَّف العد التنازلي على شاشة المُفجر عند ثانية واحدة، ونجا دار البلدية بأعجوبة.
ما فائدة الألوان؟
استخدم أجدادنا القدماء الألوان لأول مرة للعثور على الفاكهة المتوارية بين الأشجار، إلا أن الألوان لا تزال تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لنا في وقتنا الحالي. فبالرغم من أن مُعظمنا لن يُضطر إلى تعطيل قنبلة (الشكل 1)، فإننا نستخدم الألوان في إرسال جميع أنواع الرسائل المهمة في عالمنا الحديث.
فمثلًا، تتحول ألوان إشارات المرور من اللون الأخضر إلى الأحمر لتخبرنا أن نتوقف (الشكل 2)، وتتحول الأضواء التحذيرية الخاصة بلوحة عدادات السيارة إلى اللّون البرتقالي، وتومِض شاشة شاحن هاتفي باللون الأخضر، لتخبرني أنه يمكنني أن ألعب لعبة "الطيور الغاضبة" مرةً أخرى. الألوان جميلة جدًّا؛ فكِّر مثلًا في كمية الوقت الذي نقضيه في الإعجاب بتعدد الألوان الموجودة في مشهد غروب الشمس واللوحات والمناظر الطبيعية الخلّابة، وتخيل كيف ستكون الألعاب النارية أقل إبهارًا لو اقتصرت ألوانها على الأسود والأبيض. إذن ما هو بالتحديد الشعور الذي تُحدِثه الألوان؟
يُعد علم الألوان من العلوم المليئة بالمفاجآت، وأولى هذه المفاجآت أن رؤية الألوان عملية تحدث في عقلك. فعلى الرغم من أن الإشارات التي تؤدي إلى رؤية الألوان تأتي من عينيك، فإن عقلك هو الذي يساعدك على تمييزها؛ وهو الذي يتيح لك رؤية الفراولة باللون الأحمر، ورؤية السماء باللون الأزرق. تُنشئ عيناك شِفرَة الألوان، كما هو موضح أدناه، ولكن هذه الإشارات المُشفَّرة لا يصبح لها معنى إلا بعد أن تقوم "قشرتك البصرية" (جزء من المُخ موجود في مؤخرة رأسك ومسؤول عن الرؤية) بفكِّ شفرتها. يجب أن تعمل العديد من الأجزاء المختلفة من القشرة البصرية حتى يتسنى لك رؤية الألوان بدقة، وستكون هذه الأجزاء موضوع ورقة بحثية كاملة أخرى.
لكن ربما تكون أكثر الحقائق إثارة للدهشة فيما يتعلق بالألوان هي أنه على الرغم من قدرتك على رؤية الملايين من الألوان المختلفة (كل ألوان قوس قَزح، بالإضافة إلى كل مزيجٍ ممكنٍ من هذه الألوان)، فأنت تمتلك ثلاثة أنواع فقط من مُستكشفات الألوان في عينيك. هذه المُستكشفات عبارة عن أنواع خاصة من الخلايا يطلق عليها "الخلايا المخروطية" (نظرًا لتشابهها مع المخاريط الصغيرة عند فحصها بالمجهر)، ولكل نوع من المخاريط نوع محدد يفضله من الضوء. إذن كيف تستطيع هذه الأنواع الثلاثة من الخلايا، أن تُنبهك بجميع الألوان التي تراها حولك؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لا بد وقبل كل شيء، أن نكتسب بعض المعرفة عن الأسس العلمية للضوء.
علم الضوء
يُعد الضوء الذي تستطيع رؤيته، جزءًا من شيءٍ أكبر يُسمَّى الطيف الكهرومغناطيسي (الشكل 3)، وهو يتضمن الأشعة السينية (التي تستخدم لرؤية العظام المكسورة في المستشفيات) وأشعة جاما (التي تستخدم في تحويل "بروس بانر" إلى الرجل الأخضر في الفيلم الشهير “الرجل الأخضر”)، والموجات الميكروية (التي تستخدم في تسخين الفشار)، والموجات الراديوية (التي تساعدنا على التحدث عبر الهواتف المحمولة) والأشعة فوق البنفسجية (التي ستصيبك بلهيبها، إن لم تستتر في الأيام المشمسة).
يمكننا التفكير في جميع أجزاء الطيف الكهرومغناطيسي باعتبارها مجموعة من الأمواج التي تتحرك في الفضاء. ويطلق على المسافة الموجودة بين أي موجتين متتاليتين الطول الموجي. وللموجات الراديوية طول موجي يساوي طول ملعب كرة قدم تقريبًا، ويبلغ الطول الموجي لفرن الميكروويف ما يقارب حجم النملة، مما يبرر قدرة النملة في بعض الأحيان على النجاة داخل فرن ميكروويف، (من فضلك لا تجرّب هذا في المنزل!). كما نجد أن موجات الضوء المرئي أصغر من حجم البكتيريا.
ينبعث من مُعظم مصادر الضوء من حولنا أمواج عديدة ذات أطوال موجيّة مختلفة. وضوء الشمس خير مثالٍ على ذلك؛ حيث يتألف من خليط مُذهل من كل الأطوال الموجية التي يمكننا رؤيتها. ويُسمَّى هذا الخليط "طيفًا"، وإذا حاولت تمرير هذا الطيف عبر قطعة خاصةً من الزجاج تُسمَّى المنشور الزجاجي، فسينفصل الطيف مكوِّنًا أطوالًا موجية مختلفة يُمكنك عرضها على قطعة من الورق. وفي حالة قمت بهذه الخطوة، فستلاحظ ظهور كل جزء من الطيف بلونه الخاص، بجانب أن خليط الألوان برمته سيبدو مشابهًا لألوان الطيف. كما أنَّك ستلاحظ أن الأطوال الموجية القصيرة تظهر بلونٍ يميل إلى الحُمرة، بينما تظهر الأطوال الموجية الطويلة بلونٍ يميل إلى الزرقة. تتكون ألوان الطيف الحقيقية في السماء بطريقة مماثلة، عدا أن الطبيعة تستخدم قطرات الماء لتُحدِث الانقسام بدلًا من استخدام المنشور الزجاجي.
حسنًا؛ لنعد إلى رؤية الألوان والأمثلة الحياتية. تخيَّل أنك بالخارج في بستان تفاح في وقت الظهيرة في يوم حار ومشمس. كيف ستعرف إذا كانت الثمرة التي ستقطفها ناضجة؟
يداعب ضوء الشمس التفاحة ويسقط عليها، ثم ينعكس الضوء من عليها ويدخل إلى عينيك. والجدير بالذكر أن قشرة التفاح الناضج تحتوي على مادة كيميائية خاصة، وخلال الانعكاس، تمتص هذه المادة الكيميائية بعضًا من طيف ضوء الشمس. إلا أن هذه المادة الكيميائية لا تمتص الأطوال الموجية على نحوٍ متساوٍ؛ حيث تُحجَب الأطوال الموجية القصيرة، في حين تنعكس معظم الأطوال الموجية الطويلة باتجاهك. بعبارة أخرى، يتسبب ارتداد الضوء في تغير طيف ضوء الشمس؛ مما يجعله يحتوي على قدر أقل بكثير من الضوء ذي الطول الموجي القصير.
وكلما كانت التفاحة أكثر نضجًا، ازدادت كمية هذه المادة الكيميائية الماصة للألوان الموجودة في قشرتها، وامتصت قدرًا أكبر من الضوء ذي الأطوال الموجية الأقصر. وتُرسل لنا التفاحة رسالةً مشفرةً من خلال انعكاس جزء معين من طيف ضوء الشمس مفادها: “أنا لذيذة وجاهزة للأكل”1.
شِفرَة الألوان
ليس ضروريًّا أن نعرف بالضبط كيف يبدو طيف الضوء المُنعكس لنتمكن من فَهم هذه الرسالة. كل ما علينا فعله هو أن نعرف أنها تحتوي على الكثير من الضوء ذي الطول الموجي الطويل، وقليل من الضوء ذي الطول الموجي القصير. وهنا يأتي دور الخلايا المخروطية.
تقع الخلايا المخروطية داخل الجزء الخلفي من العينين، ويصل الضوء إليها من خلال ثقب أسود موجود في منتصف عينيك يُسمَّى “بؤبؤ العين”. كنت تعلم أنه ثقب، أليس كذلك؟ ويُستثار كل نوع من أنواع الخلايا المخروطية الثلاثة بجزءٍ مختلف من طيف الضوء - أي بمجموعة مختلفة من الأطوال الموجية. وبسبب افتقار علماء البصريات إلى المخيلة الواسعة، نُسمِّي الخلايا المخروطية التي تُميز الأطوال الموجية الطويلة بـ“الخلايا المخروطية الطويلة” (L cones)، والخلايا المخروطية التي تُميز الأطوال الموجية القصيرة بـ“الخلايا المخروطية القصيرة” (S cones)، والخلايا المخروطية التي تُميز الأطوال الموجية المتوسطة بـ“الخلايا المخروطية المتوسطة” (M cones)، تمامًا كما خمنت! عندما تصل موجات الضوء المنعكسة من على التفاحة إلى الجزء الخلفي من عينيك تُستثار الخلايا المخروطية الطويلة استثارة كبيرة، لأن الطيف يحتوي على الكثير من الأطوال الموجية الطويلة. وتستثار الخلايا المخروطية المتوسطة قليلًا لأنها ستجد بعض الأطوال الموجية المتوسطة، فيما تحافظ الخلايا المخروطية القصيرة على سكونها، لأن الطيف لا يحتوي - على الأرجح - على أطوال موجية قصيرة - وذلك لأن قشرة التفاح قد امتصتها جميعًا. بعد ذلك تُرسل كل خلية مخروطية رسالة إلى مخك لتخبره بمقدار استثارتها.
وبهذه الطريقة، عندما تنعكس هذه المجموعة الكبيرة من ملايين الموجات الضوئية المختلفة من التفاحة، وتذهب مباشرةً إلى عينيك وترتطم بملايين الخلايا المخروطية المتواجدة خلف عينيك، يترتب على ذلك تكوين ثلاث إشارات فقط: عالية ومتوسطة ومنخفضة في كل موقع.
بالنسبة للتفاحة، يمكننا تعيين نسب لهذه الإشارات على النحو الآتي: 90% (للطويلة) و70% (للمتوسطة) و5% (للقصيرة)، وتوضح لنا هذه الأرقام الثلاثة شيئًا مهمًا عن الفاكهة؛ وهو أنها تعكس الكثير من الأطوال الموجية الطويلة، في حين لا تعكس هذا القدر من الضوء ذي الأطوال الموجية القصيرة وبذلك نعلم أنها ناضجة.
وبهذه الطريقة تعمل الألوان على إضفاء بريق جذاب إلى كل ما نراه. فكل الأشياء تعكس ضوءًا تجاه أعيننا، ويُحدث هذا الضوء المُنعكس ردود فعل في خلايانا المخروطية الطويلة والمتوسطة والقصيرة. توجد الآلاف من الخلايا المخروطية الطويلة والمتوسطة في عينيك، وتُرسل كل واحدة منها رسالةً مشفرةً إلى مخك لتخبره بمدى انعكاس موجات الضوء ذات الأطوال الموجية القصيرة والمتوسطة والطويلة من على الأشياء المختلفة التي يمكنك رؤيتها. وتخبرك هذه الأرقام الثلاثة عن المادة الذي يتكون منها هذا الشيء؛ وهذه الشفرة المكونة من ثلاثة أرقام؛ هي ما نسميها ألوانًا.
يُعد الضوء حالة خاصة لأننا نرى طيفه دون أن ينعكس من أي شيء، ولكن تنطبق الأفكار نفسها عليه؛ وتظل ألوانه تتكون نتيجة الإشارات مُختلفة القوة التي يكونها الضوء في الخلايا المخروطية بأنواعها الثلاثة.
ربما لاحظت أننا حاولنا ألا نذكر كلمة "ألوان" حتى اقتربنا من نهاية هذا الشرح. تحتوي الكثير من الشروح المتعلقة بالضوء، بما في ذلك تلك الموجودة في الكتب المدرسية، على عبارات مثل: "الأطوال الموجية الطويلة حمراء اللون". وهذا ليس صحيحًا في المطلق. فكما قال إسحق نيوتن، العالم البريطاني الشهير، ذات مرة (نفس الشخص الذي ابتكر نظرية الجاذبية والتفاحة): "الأشعة عديمة الألوان". وبدلًا من ذلك، تٌعد الألوان هي الشفرة التي تُكوِّنُها عيناك عندما يرتطم بهما طيف من الضوء. ربما تبدو الفكرة القائلة إن الألوان لا توجد إلا في رأسك غريبةً نوعًا ما، ولكن فكِّر بها قليلًا معتبرًا إياها ألمًا. فإن الطوبة بذاتها لا تحتوي على "ألم" - ولكنها تُحدِث ألمًا عندما ترتطم بأصابع قدمك. وعلى هذا المنوال، لا يحتوي الضوء على "ألوان" أيضًا، ولكن يستطيع صُنع الألوان عندما يرتطم بعينيك (الشكل 4).
الألوان، وألعاب الفيديو، والهواتف
والآن، ربما تكون قد اكتشفت مشكلة في هذا النظام. فنحن نرغب في استخدام الألوان لنفرِّق بين الأشياء، ولكن الشيء الوحيد الذي تعرفه حقًّا عن لون شيء ما؛ هو الشفرة المكوِّنة من ثلاثة أرقام والتي تنشأ في خلاياك المخروطية. وهذا يعني أن أي مجموعتين من الأشعة الضوئية تستجيب لهما خلاياك المخروطية بالطريقة نفسها، سيظهران باللون نفسه؛ بالرغم من احتوائهما على أطوال موجية مختلفة نسبيًّا. هذا صحيح نظريًّا، وهناك بعض الحالات التي ستخلّط فيها بين شيئين مختلفين وسيبدو لك أن لهما نفس اللون. ولحسن الحظ، يحدث هذا أقل بكثير مما قد تتوقع؛ وليس بمشكلة كبيرة. والأفضل من ذلك هو أنه تبين أن القدرة على محاكاة اللون الخاص بشيءٍ في الحياة الواقعية، باستخدام مجموعة مختلفة من الأطوال الموجية، تعد أمرًا مفيدًا للغاية.
تخيَّل أنَّك تمكنت من قياس الطيف الفعلي لتفاحة ما، وأنك تريد عرض صورة لهذه التفاحة على شاشة التلفاز. تتألف شاشات التلفاز من الكثير من الوحدات الضوئية الصغيرة (البكسلات)، مُرتبةً في نمط يتكرر مَرارًا وتَكرارًا. إذا أخذت عدسة مُكبِّرة وفحصت شاشة التلفاز الخاص بك، أو في الحقيقة أي شاشة تجدها (مثل هذه الشاشة التي هي غالبًا أمامك الآن)، فستتمكن من رؤيتها. ولكن قبل أن تفعل ذلك، خمِّن عدد الأنواع المختلفة من الضوء التي تحتاجها لتعيد إنتاج لون تفاحة ناضجة على وجه التحديد؟
عدد سحري
الإجابة هي ثلاثة؛ لأن كل ما عليك فعله هو أن تخدع الخلايا المخروطية الطويلة والمتوسطة والقصيرة الموجودة في عينيك لتستجيب بالطريقة نفسها التي كانت ستعمل بها لو كانت ترى تفاحةً حقيقية. فتذكَّر؛ لا شيء يهم مُخك إلا الشفرة المكوَّنة من ثلاثة أرقام من الخلايا المخروطية الطويلة والمتوسطة والقصيرة. والآن، اذهب وانظر إلى شاشتك باستخدام عدسة مكبِّرة (أو للتسهيل، انظر إلى الشكل 5A) وسترى أنه لا يوجد سوى ثلاثة أنواع من الضوء في أي شاشة فيديو مُلوَّنة: أحدها أحمر والثاني أخضر والثالث أزرق.
ولذلك فإن امتلاك ثلاثة أنواع فقط من الخلايا المخروطية في عينيك فعَّال جدًّا. فهذا يعني أولًا أنَّك لا تحتاج إلى نظامٍ مُعقَّد لنقل معلومات الألوان إلى مُخك (فقط ثلاث إشارات من كل موقع ستفي بالغرض). وثانيًا؛ هذا يعني أنَّك تحتاج إلى ثلاثة أضواء فقط لكل نقطة في شاشة الفيديو، لتُعيد إنتاج (تُحاكي) أي لون في العالم الحقيقي. فتظل هذه مشكلة صعبة؛ لأن إقحام ثلاثة أضواء صغيرة في كل نقطة متواجدة في شاشة التلفاز، يعد عملية صعبة. حيث استغرق المهندسون وقتًا طويلًا لصنع أجهزة تلفاز ملونة بعد أن اخترعوا التلفاز الأبيض والأسود، ولكنهم بارعون حاليًا في ضبط الألوان بدرجة جعلت ألوان التلفاز تبدو واقعية؛ لدرجة أنك لن تلتفت إلى التفكير في النقاط الصغيرة التي تتكون منها كل نقطة ضوئية. إن كنت تمتلك أنواعًا أكثر من الخلايا المخروطية في عينيك (كما هو الحال مع بعض الطيور والجمبري)، فسيكون من المستحيل عمليًّا الحصول على صورة جيدة من التلفاز؛ وسيصبح هاتفك المحمول أو جهاز الألعاب المحمول يدويًّا، مزعجًا إلى حدٍّ كبير.
الطيور والنحل والجمبري
يمتلك مُعظم الأشخاص (وبعض القردة)، ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية كما أوضحنا مُسبقًا. ولكن توجد نسبة كبيرة إلى حدٍّ ما من الأشخاص يمتلكون نوعين فقط من الخلايا المخروطية، وهذا يعني أن رؤيتهم للألوان مختلفة قليلًا. لا يعني امتلاكك لنوعين فقط من الخلايا المخروطية؛ أنَّك سترى عادةً الألوان بالأبيض والأسود فقط، ولكن يعني هذا وجود مشكلة لديك في التفريق بين الأحمر والأخضر، ومن شأن ذلك أن يُصعِب عليك بعض المهام (مثل: قطف الفاكهة، أو تزيين غرفة معيشتك، أو تعطيل القنابل). على الرغم من أن الأشخاص الذين يمتلكون نوعين فقط من الخلايا المخروطية (وفي الغالب هم ذكور) يستطيعون رؤية العديد من الألوان، فإننا نطلق على هذه الحالة “عمى الألوان”.
وبالمثل، يمكن أن تُعاني القطط والكلاب من عمى الألوان - بسبب امتلاكها نوعين فقط من الخلايا المخروطية في أعينها، ولذلك تواجه هذه الكائنات مشكلة أيضًا في التفريق بين اللونين؛ الأحمر والأخضر. ويوضح (الشكل 5B) الطريقة التي سيبدو بها العالم إذا كنت تمتلك نوعين فقط من الخلايا المخروطية. وبالطبع إن كنت تعاني من عمى الألوان، فستبدو لك الصورتين الموجودتين في (الشكل 5B) كأنهما صورةً واحدة.
ربما تفتخر بنفسك بسبب هذه الميزة، بعد أن علمت بأن رؤيتك للألوان أفضل من تلك التي يمتلكها أي كلب. ولكن، اكتشف العلماء مؤخرًا وجود أنواع من الأشخاص يمتلكون أربعة أنواع من الخلايا المخروطية. ويُطلق على هؤلاء الأشخاص (كلهن نساء - عذرًا أيها الأولاد) "الأشخاص ذوو الرؤية الرباعية للألوان"، ونعتقد أنهم يستطيعون رؤية مجموعة إضافية كاملة من الألوان، لا يستطيع معظم الأشخاص رؤيتها. وهو أمر يصعب على معظمنا تخيله؛ فالأمر أشبه بشخصٍ مُصاب بعمى الألوان يحاول تخيل الفارق بين اللونين الأحمر والأخضر. ومن المثير للاهتمام حقًّا أن نحاول تخيل كيف يبدو العالم في أعين الأشخاص المصابين بعمى الألوان، وعلى الرغم من أننا نستطيع دراسة رؤيتهم علميًّا، فإننا لا نستطيع أن نخوض هذه التجربة فعليًّا.
وهؤلاء النساء لسن الأمثلة الوحيدة على الأشخاص الذين يتمتعون برؤية أفضل منك للألوان! إذ تمتلك بعض الطيور أربعة أنواع من الخلايا المخروطية، ويُشاع عن جمبري فرس النبي الرائع أنه يمكنه رؤية العالم بألوان أكثر من أي حيوان آخر (انظر الشكل 6)، وتمتلك بعض الأنواع من جمبري فرس النبي أكثر من 8 مُستقبلات للضوء (خلايا مخروطية)، ويستطيع رؤية أجزاء مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي مثل الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية. وحتى هذه اللحظة، لم نتمكن من فَهم رؤية الألوان عند هذه الحيوانات فهمًا كاملًا، ولم يتأكد العلماء ممَّا إذا كانوا يستخدمون كل مستقبلات الضوء المختلفة هذه بنفس الطريقة التي يستخدمها البشر أم لا. ولكن النقطة الأهم، إذا بدت لنا الأشياء والحياة بهذا الكم من الألوان الخلابة، في حين أننا نمتلك ثلاثة أنواع فقط من الخلايا المخروطية، فكيف بالأحرى تبدو الحياة في نظر هذه الكائنات!
على حافة الهاوِيَة
وأخيرًا، لنعد إلى القنابل. بمثابة علماء متخصصين في رؤية الألوان، تُعد أفضل لحظات الأفلام بالنسبة لنا هو مشهد من فيلم "الهاوية" عندما يحاول بطل الفيلم تعطيل قنبلة نووية في قاع البحر عن طريق قطع سلك باللون الأزرق المخطَّط، وتجنُّب السلك الأسود. فغطس البطل للقاع ووصل للقنبلة، ومع مرور الوقت اكتشف أن المصباح الذي معه يجعل لوني السلكين مُتطابقين (انظر الشكل 7). لن نفسد نهاية الفيلم عليك، ولكن العلماء على صواب فيما يتعلق بهذه النقطة تحديدًا، لأن مصدر الضوء الذي مع الغواص عبارة عن عصا صفراء مُضيئة والطيف الذي تنتجه لا يحتوي إلا على أطوال موجية متوسطة. وبالنسبة لعقلنا، الفارق الوحيد بين السلكين الأزرق والأسود؛ هو مقدار الضوء ذي الأطوال الموجية القصيرة الذي يعكسه كلٌّ منهما؛ ومن ثَمَّ مقدار النشاط المتكون في الخلايا المخروطية القصيرة بفعل كل لون منهما. وإن لم ترسل العصا المضيئة أطوالًا موجية قصيرة في المقام الأول، فلن يتبقى شيء لتعكسه، وسيبدو كلا السلكين باللون نفسه2. والمغزى من القصة؛ هو أنه لو تعيَّن عليك تعطيل قنبلة على عمق ميلين تحت سطح البحر، فحاوِل إحضار مصباح كهربائي معك.
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
الحواشي
[1] ↑ربما تعتقد أننا نستغل التفاح استغلالًا قاسيًا عن طريق زراعته حتى يتغير لونه للأحمر فور نضوجه، مما يساعدنا على أكله بسهولة. ولكن حقيقة الأمر أن التفاحة دائمًا ما تريد أن تؤكل! فهذه هي الطريقة التي تنشُر بها أشجار التفاح البَرّيّة بذورها. وبهذه الطريقة يُسيطر علينا التفاح بألوانه، بدلًا من أن نسيطر نحن عليه. فكِّر في المرة القادمة التي تأكل فيها وجبة الغذاء المُعلبة!
[2] ↑لا شك أننا لا نفكر في هذه الأشياء، إلا عند مشاهدة الأفلام. وبعدها نمازح أصدقائنا ونخبرهم في حالة لم ينتبهوا إلى هذه التفاصيل. مما يجعلنا نحظى بشعبية كبيرة.