مفاهيم أساسية علوم الأرض نشر بتاريخ: 16 أغسطس 2021

ما المقصود بدورة النيتروجين ولماذا تعد أساسية للحياة؟

ملخص

يُعد النيتروجين، وهو أكثر العناصر وفرة في غلافنا الجوي، عنصرًا بالغ الأهمية للحياة. إذ يوجد النيتروجين في التربة والنباتات والماء الذي نشربه والهواء الذي نستنشقه. كما يعد النيتروجين أيضًا عنصرًا ضروريًا للحياة: فهو وحدة بناء أساسية للحمض النووي (DNA)، الذي يحدد صفاتنا الوراثية، وضروري لنمو النباتات، لذلك فإنه ضروري للغذاء الذي نزرعه. ولكن على غرار الحياة بصفة عامة، يُعد التوازن أمرًا أساسيًا؛ إذ لن تتمكن النباتات من النمو مع وجود كميات قليلة من النيتروجين، مما يؤدي إلى إنتاج محاصيل زراعية قليلة، وعلى الجانب الآخر، تتسبب الكميات الكبيرة من النيتروجين في تسمم النباتات، وإلحاق الضرر ببيئتنا. ينتج عن عدم حصول النباتات على ما يكفيها من النيتروجين إلى اصفرار لونها وضعف نموها وصِغَر حجم أزهارها وثمارها. يستطيع المزارعون إضافة الأسمدة النيتروجينية لإنتاج محاصيل أفضل، إلا أن الكميات الكبيرة من شأنها أن تلحق الضرر بالنباتات والحيوانات، وتلوث النظم المائية. قد يساعدنا فهم دورة النيتروجين – وهي كيفية انتقال النيتروجين من الغلاف الجوي إلى الأرض من خلال التربة، وعودته للغلاف الجوي مرة أخرى في دورة مستمرة - على زراعة محاصيل صحية وحماية بيئتنا.

مقدمة

النيتروجين، أو (N)، حسب اختصاره العلمي، هو عنصر عديم اللون والرائحة. يوجد النيتروجين في التربة الموجودة تحت أقدامنا، وفي الماء الذي نشربه، وفي الهواء الذي نستنشقه. في الحقيقة، يُعد النيتروجين أكثر العناصر وفرة في الغلاف الجوي للأرض: يمثل النيتروجين تقريبًا 78% من الغلاف الجوي! يُعد النيتروجين عنصرًا ضروريًا لجميع الكائنات الحية بما في ذلك نحن البشر. يلعب النيتروجين دورًا أساسيًا في نمو النباتات: إذ لا تستطيع النباتات النمو مع وجود كميات قليلة من النيتروجين، حيث يؤدي هذا الأمر إلى إنتاج محاصيل زراعية قليلة، وفي نفس الوقت تتسبب الكميات الكبيرة من النيتروجين في تسمم النباتات [1]. كما يُعد النيتروجين عنصرًا ضروريًا لإمدادت الغذاء الخاص بنا، إلا أن كميات النيتروجين الزائدة تُلحق الضرر بالبيئة.

لماذا يُعد النيتروجين عنصرًا مهمًا؟

يُعد التوازن الدقيق للمواد، وهو أمر ضروري لاستمرار الحياة، مجالًا بحثيًا مهمًا، ولا سيما توازن النيتروجين في البيئة [2]. عندما تفتقر النباتات للنيتروجين، يصبح لونها أصفر، ويتوقف نموها، وتنتج ثمارًا وأزهارًا أصغر. يعمل المزارعون على إضافة أسمدة تحتوي على النيتروجين لمحاصيلهم، لزيادة نمو المحاصيل، فبدون الأسمدة النيتروجينية، يُقدّر العلماء أننا سوف نفقد ثلث المحاصيل التي نعتمد عليها في غذائنا بالإضافة إلى أنواع أخرى من المنتجات الزراعية. ولكن من الضروري معرفة مقدار النيتروجين اللازم لنمو النباتات، حيث قد تتسبب النسب الزائدة من النيتروجين في تلويث ممرات المياه، وإلحاق الضرر بالحياة المائية.

النيتروجين عنصر أساسي في الحياة!

يُعد النيتروجين عنصرًا أساسيًا في اثنين من الأحماض النووية؛ الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) والحمض النووي الريبي (RNA)، وهما يُعدان من أهم الجزيئات الحيوية الضرورية لجميع الكائنات الحية. يحمل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين المعلومات الوراثية، وهي تعني التعليمات المتعلقة بكيفية تكوين شكل من أشكال الحياة. يؤدي عدم حصول النباتات على كمية كافية من النيتروجين إلى عدم قدرتها على إنتاج الأحماض الأمينية (مواد تحتوي على النيتروجين والهيدروجين، وتكوّن العديد من الخلايا الحية، والعضلات، والأنسجة)، وبدون تلك الأحماض الأمينية، لا يمكن للنباتات تكوين البروتينات الخاصة التي تحتاجها الخلايا النباتية للنمو. يؤدي عدم حصول النباتات على كمية كافية من النيتروجين إلى تأثر نموها بشكل سلبي.، بينما يؤدي الحصول على كمية كبيرة إلى إنتاج النباتات لكتلة حيوية زائدة، أو مواد عضوية، مثل السيقان والأوراق، بدون بنية جذرية كافية. في الحالات القصوى، يمكن أن تتسبب النباتات، التي تحتوي على مستويات مرتفعة للغاية من النيتروجين الممتص من التربة، في تسمم حيوانات المزرعة التي تغذت عليها [3].

ما المقصود بفرط المغذيات وهل يمكن تجنب حدوثه؟

قد تتسرب كمية النيتروجين الزائدة أيضًا - أو تُصرف - من التربة إلى موارد المياه الجوفية، أو قد تنتقل للنظم المائية على شكل جريان سطحي للماء، وتتراكم كمية النيتروجين الزائدة هذه، وتؤدي إلى عملية تُسمى فرط المغذيات. يحدث فرط المغذيات عندما تزداد كمية النيتروجين في الماء، مما يؤدي إلى زيادة نمو النباتات والطحالب. وقد تتسبب زيادة كمية النيتروجين في تحول لون البحيرة إلى اللون الأخضر الفاتح أو ألوان أخرى، مع “أزهار” طحالب كريهة الرائحة تسمى العوالق النباتية (انظر الشكل 1)! عندما تموت العوالق النباتية، تتحلل بفعل الميكروبات الموجودة في الماء. تقلل عملية التحلل من كمية الأكسجين المذاب في الماء، مما قد يؤدي إلى ظهور “منطقة ميتة”، لا تحتوي على كمية كافية من الأكسجين لدعم معظم أشكال الحياة، وينتج عن ذلك موت الكائنات الحية في المنطقة الميتة نتيجة لنقص الأكسجين. تظهر هذه المناطق الميتة في بحيرات المياه العذبة، وأيضًا في البيئات الساحلية حيث تتدفق مياه الأنهار الغنية بالمغذيات من الصرف الزراعي (تدفق الأسمدة) إلى المحيطات [4].

شكل 1 - يوضح ظاهرة فرط المغذيات في مصب مياه الصرف في نهر بوتوماك، واشنطن العاصمة، مقاطعة كولومبيا، حيث أصبح لون المياه في هذا النهر أخضر فاتحًا بسبب فرط المغذيات الناتج عن زيادة النيتروجين والمغذيات الأخرى التي تلوث المياه، مما أدى إلى زيادة العوالق النباتية وأزهار الطحالب، وبالتالي أصبحت المياه عكرة، ويمكن أن تتحول إلى ألوان مختلفة، مثل الأخضر، أو الأصفر، أو الأحمر، أو البني، بناءً على ألوان أزهار الطحالب (ويكيميديا كومنز: https://commons.wikimedia.org/wiki/Category:Eutrophication#/media/File:Potomac_green_water.JPG).
  • شكل 1 - يوضح ظاهرة فرط المغذيات في مصب مياه الصرف في نهر بوتوماك، واشنطن العاصمة، مقاطعة كولومبيا، حيث أصبح لون المياه في هذا النهر أخضر فاتحًا بسبب فرط المغذيات الناتج عن زيادة النيتروجين والمغذيات الأخرى التي تلوث المياه، مما أدى إلى زيادة العوالق النباتية وأزهار الطحالب، وبالتالي أصبحت المياه عكرة، ويمكن أن تتحول إلى ألوان مختلفة، مثل الأخضر، أو الأصفر، أو الأحمر، أو البني، بناءً على ألوان أزهار الطحالب (ويكيميديا كومنز: https://commons.wikimedia.org/wiki/Category:Eutrophication#/media/File:Potomac_green_water.JPG).

يوضح الشكل 2 مراحل فرط المغذيات (يمكن الوصول لصور عبر موقع ويكيميديا كومنز https://commons.m.wikimedia.org/wiki/File:Eutrophicationmodel.svg).

شكل 2 - مراحل فرط المغذيات.
  • شكل 2 - مراحل فرط المغذيات.
  • (1) ينتهى المطاف بالمغذيات الزائدة في التربة والأرض. (2) تذوب بعض المغذيات في الماء وتتسرب إلى طبقات التربة العميقة أو تنتقل إليها. وفي النهاية، تُصرف إلى مسطح مائي، مثل البحيرة أو البركة. (3) تتسرب بعض المغذيات من فوق التربة والأرض مباشرة إلى الماء. (4) تساعد المغذيات الزائدة الطحالب على الإزهار. (5) تحجب الطحالب ضوء الشمس. (6) سوف تَضعُف عملية البناء الضوئي وعملية نمو النباتات تحت الماء أو ربما تتوقف. (7) وبعد ذلك، تموت أزهار الطحالب وتسقط إلى قاع المسطح المائي، ثم، تبدأ البكتيريا في تحليل البقايا أو تفتيتها، وتستهلك الأكسجين في هذه العملية. (8) تتسبب عملية التحلل في نقص الأكسجين في الماء، مما يؤدي إلى ظهور "المناطق الميتة." لا تستطيع أشكال الحياة الأكبر، مثل الأسماك، التنفس وتموت. ما يتعرض له المسطح المائي الآن هو ما يسمى بفرط المغذيات.

هل يمكن تجنب حدوث فرط المغذيات. نعم! يستطيع الأشخاص المسؤولون عن موارد المياه استخدام استراتيجيات مختلفة للحد من الآثار الضارة لأزهار الطحالب وظاهرة فرط المغذيات في المسطحات المائية. من ضمن هذه الاستراتيجيات إعادة توجيه المغذيات الزائدة بعيدًا عن البحيرات والمناطق الساحلية سريعة التأثر، واستخدام المبيدات العشبية (مواد كيميائية تُستخدم لمنع نمو النباتات غير المرغوب بها)، أو مبيدات الطحالب (مواد كيميائية تُستخدم للقضاء على الطحالب) لمنع نمو أزهار الطحالب، وتقليل كميات المغذيات أو تركيباتها المستخدمة في الأسمدة الزراعية، بجانب العديد من التقنيات الأخرى [5]. لكن تكمن الصعوبة عادة في إيجاد مصدر الزيادة في كمية النيتروجين والمغذيات الأخرى.

بمجرد أن تتعرض إحدى البحيرات لظاهرة فرط المغذيات، يكون من الصعب السيطرة على الأضرار. قد تكون مبيدات الطحالب باهظة التكلفة، كما أنها لا تعالج مصدر المشكلة: وهو زيادة كمية النيتروجين والمغذيات الأخرى التي تسبب إزهار الطحالب في المقام الأول! من ضمن الحلول الأخرى ما يُسمى بالمعالجة الحيوية، وهي عملية تغيير متعمد للشبكة الغذائية في النظام البيئي المائي لتقليل كمية العوالق النباتية أو التحكم فيها. على سبيل المثال، يمكن للمسؤولين عن الموارد المائية استخدام كائنات حية تتغذى على العوالق النباتية، ويمكن أن تساعد هذه الكائنات الحية على تقليل كميات العوالق النباتية، من خلال أكلها!

ما المقصود تحديدًا بدورة النيتروجين؟

دورة النيتروجين هي دورة متكررة من العمليات ينتقل خلالها النيتروجين عبر الكائنات الحية وغير الحية: الغلاف الجوي، والتربة، والماء، والنباتات، والحيوانات، والبكتيريا. من أجل الانتقال خلال أجزاء الدورة المختلفة، تتغير أشكال النيتروجين؛ ففي الغلاف الجوي، يوجد النيتروجين على شكل غاز (N2)، ولكنه يوجد في التربة على شكل أكسيد النيتروجين (NO)، وثاني أكسيد النيتروجين، NO2، وعندما يُستخدم بمثابة سماد، يمكن أن يوجد في أشكال مختلفة، مثل الأمونيا، NH3، الذي يمكن أن يُعالَج بدرجة أكبر ليُشكل نوع مختلف من الأسمدة، وهو نترات الأمونيوم، أو NH4NO3.

تمر دورة النيتروجين بخمس مراحل، وسنناقش كل مرحلة منها على حدة: التثبيت أو التطاير، والتمعدن، والنترجة، والتجميد، ونزع النيتروجين. في هذه الصورة، تُحوِّل الميكروبات الموجودة في التربة غاز النيتروجين (N2) إلى ما يُسمى بالأمونيا المتطايرة (NH3). لذا يُطلق مصطلح التطاير على عملية التثبيت. التسرب يحدث عندما تذوب أشكال محددة من النيتروجين (مثل النترات، أو NO3) في الماء وتتسرب إلى التربة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى تلويث الممرات المائية.

المرحلة 1: تثبيت النيتروجين

في هذه المرحلة، ينتقل النيتروجين من الغلاف الجوي إلى التربة. يحتوي الغلاف الجوي للأرض على كمية كبيرة من غاز النيتروجين (N2). ولكن هذا النيتروجين “غير متوفر” للنباتات، لأنه لا يمكن للنباتات استخدام الشكل الغازي بشكل مباشر دون أن يمر بمرحلة تحول. ولكي تتمكن النباتات من استخدامه، يجب أن يتحول غاز N2 خلال عملية تسمى تثبيت النيتروجين. تحوّل عملية التثبيت النيتروجين الموجود في الغلاف الجوي إلى أشكال يمكن أن تمتصها النباتات من خلال أنظمتها الجذرية.

يمكن تثبيت كمية قليلة من النيتروجين عندما يوفر البرق الطاقة اللازمة لتفاعل غاز N2 مع الأكسجين، لإنتاج أكسيد النيتروجين، NO، وثاني أكسيد النيتروجين، NO2. بعد ذلك تدخل أشكال النيتروجين هذه إلى التربة من خلال المطر أو الثلج. يمكن تثبيت النيتروجين أيضًا من خلال العملية الصناعية التي تُصنع الأسمدة. يحدث هذا الشكل من التثبيت تحت درجة حرارة وضغط مرتفعين، يتحد خلالها النيتروجين من الغلاف الجوي مع الهيدروجين لتكوين الأمونيا (NH3)، الذي يمكن أن يُعالج فيما بعد بدرجة أكبر لإنتاج نترات الأمونيوم (NH4NO3)، وهو شكل من أشكال النيتروجين الذي يمكن إضافته إلى التربة واستخدامه من قبل النباتات.

تحدث معظم عمليات تثبيت النيتروجين بشكل طبيعي، في التربة، من خلال البكتيريا. في الشكل 3 (الوارد أعلاه)، يمكن رؤية عملية تثبيت النيتروجين وعملية تغير الأشكال التي تحدث في التربة. تلتصق بعض أنواع البكتيريا بجذور النباتات وتكون علاقة تكافلية (تعود بالنفع على كلٍ من النباتات والبكتيريا) مع النبات [6]. تحصل البكتيريا على الطاقة من خلال عملية البناء الضوئي، وفي المقابل، تقوم بتثبيت النيتروجين في الشكل الذي تحتاجه النباتات. بعد ذلك ينتقل النيتروجين المثبت إلى أجزاء النبات الأخرى، ويُستخدم لتكوين الأنسجة النباتية، ليتمكن النبات من النمو. تعيش أنواع البكتيريا الأخرى بحرية في التربة أو الماء، ويمكن أن تثبت النيتروجين دون الحاجة لتكوين هذه العلاقة التكافلية. يمكن لهذه البكتيريا أيضًا تكوين أشكال من النيتروجين تتمكن الكائنات الحية من استخدامها.

شكل 3 - مراحل دورة النيتروجين.

المرحلة 2: التمعدن

تحدث هذه المرحلة في التربة. إذ ينتقل النيتروجين من المواد العضوية، مثل السماد العضوي أو المواد النباتية، ليكوّن شكلًا غير عضوي من النيتروجين يمكن أن تستخدمه النباتات. وفي النهاية، تُستهلك مغذيات النبات ويموت النبات ويتحلل. تصبح هذه العملية ذات أهمية في المرحلة الثانية من دورة النيتروجين. تحدث عملية التمعدن عندما تُحلل الميكروبات المواد العضوية، مثل السماد العضوي الحيواني أو النباتات المتحللة، أو المواد الحيوانية، وتبدأ في تحويلها إلى شكل من أشكال النيتروجين يمكن للنباتات استخدامه. تحصل جميع النباتات، باستثناء البقوليات (نباتات تحتوي على بذور ذات فلقتين، مثل العدس، أو الفاصوليا، أو البازلاء، أو الفول السوداني) على النيتروجين الذي تحتاجه من خلال التربة، وتحصل البقوليات على النيتروجين من خلال عملية التثبيت التي تحدث في عقدها الجذرية، على النحو الموضح أعلاه.

أول شكل من أشكال النيتروجين ينتج من عملية التمعدن هو الأمونيا، NH3، بعد ذلك يتفاعل غاز NH3 الموجود في التربة مع الماء ليكون الأمونيوم، NH4. يبقى هذا الأمونيوم في التربة، ويصبح متوفرًا لتستخدمه النباتات التي لا تحصل على النيتروجين من خلال علاقة تثبيت النيتروجين التكافلية الموضحة أعلاه.

المرحلة 3: النترجة

المرحلة الثالثة، هي عملية النترجة، وتحدث أيضًا في التربة. أثناء عملية النترجة، تتحول الأمونيا الموجودة في التربة، التي يتم إنتاجها أثناء عملية التمعدن، إلى مركبات تُسمى النيتريت، NO2-، والنترات،NO3-. يمكن أن تستخدم النباتات والحيوانات التي تتغذي على النباتات مركبات النترات. تتمكن بعض أنواع البكتيريا الموجودة في التربة من تحويل الأمونيا إلى مركبات النيتريت. على الرغم من أن النيتريت غير قابل للاستخدام بشكل مباشر من قبل النباتات والحيوانات، فيمكن لأنواع البكتيريا الأخرى تحويل النيتريت إلى نترات — وهو شكل قابل للاستخدام من قبل النباتات والحيوانات. يوفر هذا التفاعل الطاقة للبكتيريا المشاركة في هذه العملية. وتُسمى البكتيريا التي نتحدث عنها “نتروزوموناس” (nitrosomonas) والبكتيريا النِتْرِيَّة. تحول البكتيريا النترية مركبات النيتريت إلى مركبات النترات، وتحول بكتيريا نتروزوموناس الأمونيا إلى نيتريت. يمكن لنوعي البكتيريا العمل فقط في وجود الأكسجين، O2 [7]. تُعتبرعملية النترجة مهمة للنباتات، لأنها تنتج مخزونًا إضافيًا من النيتروجين المتوفر الذي يمكن أن تمتصه النباتات من خلال أنظمتها الجذرية.

المرحلة 4: التجميد

تتمثل المرحلة الرابعة من دورة النيتروجين في عملية التجميد، وتوصف أحيانًا بأنها عكس عملية التمعدن. تتحكم كلتا العمليتين في كمية النيتروجين الموجودة في التربة. تمامًا مثل النباتات، تحتاج الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في التربة إلى النيتروجين باعتباره مصدرًا للطاقة. تمتص هذه الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في التربة النيتروجين من التربة، عندما لا تحتوي بقايا النباتات المتحللة على كمية كافية من النيتروجين. عندما تمتص الكائنات الحية الدقيقة الأمونيوم (NH4+) والنترات (NO3-)، يصبح هذان الشكلان من النيتروجين غير متوفرين للنباتات، وقد يسبب ذلك نقصًا في النيتروجين، أو نضوبه تمامًا. لذا، فإن عملية التجميد تُرسي حدودًا لاستخدام الكائنات الحية الدقيقة للنيتروجين. ومع ذلك، تُعد عملية التمثيل مهمة لأنها تساعد على التحكم في كمية النيتروجين في التربة وتوازنها من خلال فرض قيود عليها، أو منع استخدامها من قبل الكائنات الحية الدقيقة.

المرحلة 5: نزع النيتروجين

في المرحلة الخامسة من دورة النيتروجين، يعود النيتروجين إلى الهواء في شكل مركبات النترات التي تحولها البكتيريا إلى نيتروجين الغلاف الجوي (N2) من خلال عملية نُطلق عليها عملية نزع النيتروجين. ويؤدي هذا إلى فقدان النيتروجين من التربة بشكل عام؛ حيث يعود الشكل الغازي من النيتروجين إلى الغلاف الجوي حيث بدأنا قصتنا.

النيتروجين عنصر أساسي في الحياة

يُعد دوران النيتروجين خلال النظام البيئي أمرًا ضروريًا للحفاظ على أنظمة بيئية منتجة وصحية مع كمية نيتروجين متوازنة ليست بالكثيرة للغاية أو قليلة للغاية. يعتمد نمو النباتات والكتلة الحيوية (المواد الحية) على توافر النيتروجين. قد يساعدنا فهم كيفية عمل دورة النيتروجين في النبات والتربة على اتخاذ قرارات أفضل حول نوعية المحاصيل التي نزرعها، وأماكن زراعتها، وبذلك يتوفر لدينا إمداد غذائي كافٍ، كما تساعدنا معرفة دورة النيتروجين أيضًا على الحد من التلوث الذي يحدث بسبب إضافة الكثير من الأسمدة إلى التربة. تستطيع نباتات معينة امتصاص المزيد من النيتروجين أو المغذيات الأخرى، مثل الفوسفور، والأسمدة الأخرى، وقد تُستخدم حتى بمثابة “عازل” أو مصفاة، لمنع انتقال الأسمدة الزائدة إلى الممرات المائية. على سبيل المثال، أوضحت دراسة أجراها كلٌ من Haycock و Pinay [8] أن أشجار الحور (بأشجار الحور الإيطالية (Populus italica))، التي تُستخدم بمثابة عازل، تمنع انتقال 99% من النترات إلى المياه الجوفية التي تتدفق أثناء الشتاء، بينما تمنع أعشاب معينة (الزوان المعمر (Lolium perenne L.))، التي تغطي منطقة ضفة النهر، انتقال 84% من النترات إلى النهر.

كما رأينا، يتسبب نقص النيتروجين في التربة إلى عطش النباتات، وفي الوقت ذاته تسبب الزيادة الكبيرة في العناصر المفيدة ضررًا كبيرًا؛ بمعنى آخر، تؤدي كمية النيتروجين الزائدة إلى تسمم النباتات وكذلك الماشية! يُؤدي تلوث مصادرنا المائية بالكميات الزائدة من النيتروجين والمغذيات الأخرى مشكلة كبيرة، حيث تتعرض الحياة البحرية إلى الاختناق من تحلل أزهار الطحالب الميتة. يجب على المزارعين والمجتمعات المحلية العمل على تحسين عملية امتصاص المحاصيل للمغذيات المضافة ومعالجة نفايات الأسمدة العضوية الحيوانية بشكل مناسب. من الضروري أيضًا حماية مناطق العوازل النباتية الطبيعية التي يمكن أن تمنع جريان النيتروجين قبل وصوله إلى المسطحات المائية. ولكن، تزيد خطط إزالة الأشجار الراهنة، لبناء الطرق وغيرها من المباني، المشكلة سوءًا، نظرًا لوجود عدد قليل من النباتات المتروكة لامتصاص المغذيات الزائدة. فمن المهم إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد أنواع النباتات التي من الأفضل أن تزرع في المناطق الساحلية لامتصاص النيتروجين الزائد، والبحث عن طرق أخرى لحل مشكلة النيتروجين الزائد، التي تمتد إلى الأنظمة البيئية المائية، أو تجنبها. وبالعمل على تحقيق فهم كامل لدورة النيتروجين وغيرها من الدورات التي تلعب دورًا في أنظمة الأرض الطبيعية المترابطة، يمكننا فهم كيفية حماية موارد الأرض الطبيعية القيّمة بشكل أفضل.

مسرد للمصطلحات

الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (Dna): الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين هو مادة ذاتية التناسخ موجودة تقريبًا في جميع الكائنات الحية، بصفتها المكون الرئيسي للكروموسومات، وحامل المعلومات الجينية.

الحمض النووي الريبي (Rna): الحمض النووي الريبي، هو حمض نووي موجود في جميع الخلايا الحية، ويعمل بمثابة مرسال ينقل التعليمات من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين.

فرط المغذيات (Eutrophication): هو زيادة كمية المغذيات (مثل النيتروجين) الموجودة في بحيرة ما أو غيرها من المسطحات المائية، التي تتسبب في زيادة نمو أشكال الحياة النباتية المائية مثل الطحالب.

العوالق النباتية (Phytoplankton): هي طحالب بحرية صغيرة دقيقة (تُعرف أيضًا بالطحالب الدقيقة) تحتاج ضوء الشمس لتنمو.

المعالجة الحيوية (Bioremediation): استخدام كائنات حية دقيقة أخرى أو مخلوقات حية صغيرة لتتغذي على العناصر المسببة للتلوث وتحللها؛ لتنظيف المكان الملوث.

البكتيريا (Bacteria): كائنات حية دقيقة عادة ما تحتوي على خلية واحدة فقط وتوجد في كل مكان. يمكن أن تؤدي البكتيريا إلى تحلل المواد العضوية في التربة أو تفككها.

التسرب (Leaching): يحدث عندما يُصرف معدن أو مادة كيميائية (مثل النترات، أو NO3)، بعيدًا عن التربة أو غيرها من المواد الموجودة في الأرض ويتسرب إلى المنطقة المحيطة.

البقوليات (Legumes): هي عضو من أعضاء العائلة البقولية: الفاصوليا، والعدس، وفول الصويا، والفول السوداني، والبازلاء، وهي نباتات تحتوي على بذور ذات فلقتين.

الكائنات الحية الدقيقة (Microorganism): كائن حي، أو مخلوق حي، متناهي الصغر، لا يمكن رؤيته بدون المجهر، مثل البكتيريا.

إقرار تضارب المصالح

يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.


المراجع

[1] Britto, D. T., and Kronzuker, H. J. 2002. NH4 toxicity in higher plants: a critical review. J. Plant Physiol. 159:567–84. doi: 10.1078/0176-1617-0774

[2] Weathers, K. C., Groffman, P. M., Dolah, E. V., Bernhardt, E., Grimm, N. B., McMahon, K., et al. 2016. Frontiers in ecosystem ecology from a community perspective: the future is boundless and bright. Ecosystems 19:753–70. doi: 10.1007/s10021-016-9967-0

[3] Brady, N., and Weil, R. 2010. “Nutrient cycles and soil fertility,” in Elements of the Nature and Properties of Soils, 3rd Edn, ed V. R. Anthony (Upper Saddle River, NJ: Pearson Education Inc.), 396–420.

[4] Foth, H. 1990. Chapter 12: “Plant-Soil Macronutrient Relations,” in Fundamentals of Soil Science, 8th Edn, ed John Wiley and Sons (New York, NY: John Wiley Company), 186–209.

[5] Chislock, M. F., Doster, E., Zitomer, R. A., and Wilson, A. E. 2013. Eutrophication: causes, consequences, and controls in aquatic ecosystems. Nat. Educ. Knowl. 4:10. Available online at: https://www.nature.com/scitable/knowledge/library/eutrophication-causes-consequences-and-controls-in-aquatic-102364466

[6] Peoples, M. B., Herridge, D. F., and Ladha, J. K. 1995. Biological nitrogen fixation: an efficient source of nitrogen for sustainable agricultural production? Plant Soil 174:3–28. doi: 10.1007/BF00032239

[7] Manahan, S. E. 2010. Environmental Chemistry, 9th Edn. Boca Raton, FL: CRC Press, 166–72.

[8] Haycock, N. E., and Pinay, G. 1993. Groundwater nitrate dynamics in grass and poplar vegetated riparian buffer strips during the winter. J. Environ. Qual. 22:273–8. doi: 10.2134/jeq1993.00472425002200020007x