ملخص
المنصات عالية الارتفاع (HAPS) هي أنظمة تحلّق فوق سطح الأرض بمسافة 20 كم تقريبًا لتوفير الإنترنت ورصد البيئة. وهذه الأنظمة التي تعمل بالطاقة الشمسية يمكن أن تبقى في الهواء لعدة أشهر للقيام بمهام مثل جلب الإنترنت السريع والموثوق إلى المناطق النائية وتوفير خدمات الاتصالات الحرجة في حالات الطوارئ، مثل الأعاصير أو الكوارث الطبيعية الأخرى. وهناك اختبارات حالية لأنظمة HAPS لتوفير خدمة الاتصال للمجتمعات وتتبع حرائق الغابات وفحص جودة الهواء. وتتمتع هذه الأنظمة بإمكانات رائعة في مجال توفير الإنترنت في كل مكان، بحيث تسدّ فجوة الإنترنت، ولكن هناك تحديات. فهناك حاجة إلى تعديل القواعد الحالية للطائرات لتشمل أنظمة ،HAPS كما يجب تصنيعها بمتانة كافية لمواجهة الظروف القاسية في طبقة الستراتوسفير للغلاف الجوي الأرضي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أيضًا خفض التكاليف لتوفير أنظمة HAPS بأسعار معقولة للمناطق المحرومة من الخدمات. وإذا تم حلّ هذه التحديات، يمكن أن تحدث أنظمة HAPS ثورة في طريقة بقاء الناس على اتصال.
العالم بحاجة إلى اتصال أفضل
إن الوصول إلى خدمة الإنترنت اليوم مهم تقريبًا بقدر الحصول على المياه النظيفة أو الكهرباء. فالإنترنت يساعد الناس في تلقّي التعليم والحصول على معلومات الرعاية الصحية والوظائف والبقاء على اتصال مع الآخرين. ولكن ثلث سكان العالم تقريبًا ما زالوا محرومين من الإنترنت. وتُسمى هذه المشكلة فجوة الإنترنت، وتزداد حدتها في المناطق النائية، مثل الجبال أو الصحاري أو الغابات، والتي يصعب فيها إنشاء وصيانة البنية التحتية مثل أبراج الاتصالات.
لا يعني عدم توفّر الإنترنت الحرمان من التكنولوجيا فحسب، بل قلة الفرص أيضًا. فالأشخاص الذين لا يتوفر لديهم الإنترنت غالبًا ما يعانون الفقر وانعدام المساواة في عالم يعتمد على الاتصال. وأثناء جائحة كورونا، اتضحت أهمية موثوقية الإنترنت إلى حد كبير. فالطلّاب في المناطق غير المزوّدة بخدمة الاتصال واجهوا صعوبات في التعلّم عبر الإنترنت، ولم يستطع الكثير من الناس الوصول إلى معلومات الرعاية الصحية أو العثور على وظائف يمكنهم القيام بها من المنزل.
ولكن ماذا لو أصبح بإمكاننا جلب الإنترنت إلى أبعد الأماكن في العالم والمساعدة في سدّ فجوة الإنترنت؟
إمكانات مبشّرة لتكنولوجيا المنصات عالية الارتفاع
المنصات عالية الارتفاع (HAPS) هي أنظمة خاصة يمكنها العمل في طبقة الستراتوسفير فوق سطح الأرض بمسافة 20 كم تقريبًا، في مكان أعلى كثيرًا من مسار الطائرات. وهذه الأنظمة يمكن أن تأخذ شكل السفن الهوائية (مركبات ضخمة تشبه المناطيد ومملوءة بغازات أخفّ من الهواء)، أو قد تبدو مثل الطائرات، بأن تكون بها أجنحة تساعدها على التنقل في الهواء. وعلوّ هذه المنصات يعطيها ميزة كبيرة، فهي تستطيع توفير خدمة الاتصال لأماكن كبيرة، مع تجنّب التضاريس الصعبة، مثل الجبال الوعرة أو الغابات الكثيفة أو الصحاري الشاسعة، والتي يصعب فيها إنشاء بنى تحتية مثل أبراج الاتصالات [1, 2].
قد تتساءل عن سبب تميّز أنظمة HAPS عن الأقمار الصناعية التي توفّر خدمة الاتصالات من السماء أيضًا. تدور الأقمار الصناعية على ارتفاع أعلى بكثير من أنظمة HAPS، يبلغ 35,000 كم فوق سطح الأرض. وهذه المسافة البعيدة تتسبب في تأخر زمني، اسمه وقت الاستجابة، في الاتصالات. على سبيل المثال، قد تكون واجهت وقت استجابة في شكل تأخّر أثناء مكالمة فيديو. ووقت استجابة منصات HAPS التي تبعد عن سطح الأرض بمسافة 20 كم فقط أقل بكثير، ما يزيد من سرعة وموثوقية الإنترنت. وتركيب هذه المنصات أقل تكلفة أيضًا، كما أنها أسهل في الترقية، مقارنةً بالأقمار الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك، تتميّز منصات HAPS بالقدرة على التكيّف، فهي تعمل بالألواح الشمسية، ما يتيح لها البقاء في الهواء لعدة أشهر في المرة الواحدة بدون الحاجة إلى التزوّد بالوقود. ويمكن نشر هذه المنصات بسرعة في حالات الطوارئ، مثل استعادة الاتصالات بعد كارثة طبيعية أو تحسين التغطية خلال الفعاليات الكبرى، مثل البطولات الرياضية البارزة أو المهرجانات الموسيقية أو المؤتمرات الدولية [3].
والتقدم في مجال المواد وتكنولوجيات الطاقة الشمسية وأنظمة الدفع (الآليات التي تساعد منصات HAPS على التحرك والبقاء في موضعها) قد جعل هذه المنصات أكثر كفاءة وجاهزية للاستخدام في العالم الواقعي.
تكنولوجيا لحلّ المشاكل
يتم اختبار منصات HAPS في استخدامات شيّقة تثبت قدرتها على تحسين الاتصال ورصد البيئة (الشكل 1). وهذه الاختبارات تساعد في تحسين التكنولوجيا وإمكاناتها في العالم الواقعي.
- شكل 1 - يمكن لمنصات HAPS تحسين الاتصال العالمي في عدة حالات.
- (A) يمكنها توصيل الإنترنت إلى أماكن نائية مثل المناطق الجبلية العميقة أو الجزر المعزولة التي يصعب أو يستحيل فيها تركيب الكابلات أو أبراج الاتصالات. (B) وفي ظروف الطقس الخطيرة أو حرائق الغابات أو حالات الطوارئ الأخرى، يمكن لمنصات HAPS توصيل البيانات في الوقت الفعلي إلى جهات الاستجابة في حالات الطوارئ. وتساعد هذه المنصات أيضًا في استعادة الاتصال بعد الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل أو الأعاصير التي تدمّر شبكات الاتصالات. (C) يمكن أن تساعد منصات HAPS الناس في البقاء على اتصال في الفعاليات الكبرى التي يتصل فيها عدد كبير من الناس بالإنترنت في الوقت نفسه، مما يشكّل ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية التقليدية.
من أمثلة هذه المنصات Zephyr من Airbus، وهي طائرة بدون طيار تعمل بالطاقة الشمسية ويمكنها البقاء في طبقة الستراتوسفير لعدة أشهر. وقد أكملت منصة Zephyr عدة رحلات تجريبية ناجحة، وأثبتت قدرتها على توصيل الإنترنت ورصد البيئة من ارتفاعات كبيرة. وفي أحد الاختبارات، وفّرت هذه المنصة تغطية مستمرة في منطقة محددة، وأبرزت كيف يمكنها توفير خدمة الاتصال في الأماكن النائية التي يستحيل فيها تقريبًا تركيب الكابلات أو بناء أبراج الاتصالات، مثل القرى الواقعة في أعماق الجبال، أو الجزر الصغيرة وسط المحيطات. وبتحليق هذه المنصات في السماء، يمكنها توفير الإنترنت عالي السرعة الذي يوصّل هذه المجتمعات المعزولة بالعالم. وهذا الاتصال يتيح للأطفال الدراسة في المدارس على الإنترنت، كما يسمح للعائلات بالحصول على خدمات الطبّ عن بُعد، ويساعد الشركات الصغيرة على الوصول إلى الأسواق العالمية.
مثال آخر تقدّمه لنا Sceye، وهي شركة تعمل مع وكالة ناسا وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS). فقد تم اختبار منصات HAPS التابعة لشركة Sceye في رصد حرائق الغابات والعواصف. ومن خلال رصد هذه الأحداث من حافة الفضاء، يمكن لهذه المنصات نقل بيانات في الوقت الفعلي إلى جهات الاستجابة في حالات الطوارئ، مما يساعدها على التنبؤ بسلوك الحرائق أو تتبع الطقس الخطير. ومن طبقة الستراتوسفير، تستطيع منصات HAPS أيضًا رصد جودة الهواء وحالات إزالة الغابات وهجرات الحيوانات البرية، مما يوفّر معلومات مهمة تساعد على مواجهة التحديات البيئية، مثل التغير المناخي وفقدان التنوع البيئي. على سبيل المثال، يمكن أن تتبع هذه المنصات مستويات التلوث في منطقة كبيرة، ما يساعد الحكومات في وضع استراتيجيات لتحسين جودة الهواء.
تخضع منصات HAPS أيضًا لاختبارات لمعرفة ما إذا كان بإمكانها استعادة خدمة الاتصال بعد الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير أو الزلازل أو الفيضانات. تخيّل حدوث إعصار يدمّر شبكات الاتصالات في منطقة ساحلية ويعزل مجتمعاتها ويعطّل جهود الإنقاذ. يمكن نشر منصة HAPS بسرعة لتوفير خدمات الإنترنت والهاتف وإعادة توصيل الناس بخدمات الطوارئ وأحبائهم. بل ويمكن لهذه المنصات توجيه الطائرات بدون طيار التي توصّل الإمدادات الطبية، ويمكنها أيضًا مشاركة آخر أخبار الطقس في الوقت الفعلي. وهذه الاختبارات الأولية تثبت الدور الحاسم الذي تؤديه منصات HAPS في إدارة الكوارث.
تحديات كبيرة وفرص أكبر
تتمتع منصات HAPS بإمكانات واعدة مثيرة للاهتمام، ولكن علينا حلّ بعض التحديات. من المشكلات الكبرى أن قواعد الطيران الحالية مصممة للطائرات التقليدية التي تحمل طيارين وركابًا على متنها، وتحلّق في العادة لبضع ساعات فقط في المرة الواحدة. وتركّز العديد من هذه القواعد على سلامة الركاب. ولكنّ منصات HAPS لا تحمل الناس على متنها، وتستطيع البقاء في الهواء لعدة أشهر. وبالتالي، نحتاج إلى قواعد لضمان عمل هذه المنصات بأمان بدون التداخل مع الطائرات أو الأقمار الصناعية الأخرى. وتعمل منظمات مثل منظمة الطيران المدني الدولي على تعديل هذه السياسات [4].
التحدي الآخر هو المتانة، فيجب أن تكون منصات HAPS قادرة على مواجهة الظروف القاسية في طبقة الستراتوسفير التي تشتد فيها البرودة إلى درجة كبيرة ويكون الهواء خفيفًا. وهناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث للتأكّد من عمل منصات HAPS بشكل موثوق في هذه الظروف لفترات طويلة. وتحتاج هذه المنصات أيضًا إلى مصدر طاقة ثابت للبقاء في طبقة الستراتوسفير ومواصلة تشغيل معداتها. ومن الحلول الحالية الخاضعة للاختبار الألواح الشمسية خفيفة الوزن والبطاريات المتقدمة.
التحدي الأخير هو التكلفة، فبالرغم من انخفاض تكلفة منصات HAPS عن الأقمار الصناعية، ما زالت أسعار تشييدها وتشغيلها كبيرة. لمواجهة فجوة الإنترنت بشكل حقيقي وتوفير خدمة الاتصال للمناطق المحرومة، يجب خفض التكاليف حتى نستطيع نشر المنصات بأسعار معقولة على نطاق واسع.
وإذا تمكن الباحثون والمهندسون من التغلب على هذه التحديات، يمكن لمنصات HAPS إحداث ثورة في الاتصال العالمي، بحيث توفّر الدعم الحرج في الكوارث وتساعدنا في معرفة المزيد عن كوكبنا. وفي وجود الحلول المناسبة، يمكن أن تصبح هذه المنصات جزءًا رئيسيًا من البنية التحتية العالمية للاتصالات، بحيث نضمن اتصال الجميع في عالم متصل بشكل متزايد.
مسرد للمصطلحات
فجوة الإنترنت (Internet Divide): ↑ الفجوة بين مَن يتاح له ولا يتاح له خدمة الإنترنت، والتي تكون ناتجة في الغالب عن الفقر أو العيش في أماكن نائية أو الافتقار إلى التكنولوجيا.
البنية التحتية (Infrastructure): ↑ الأنظمة الأساسية، مثل الطرق أو الجسور أو أبراج الاتصالات، والتي تساعد المجتمع أو البلد على العمل.
المنصات عالية الارتفاع (High-Altitude Platform Stations): ↑ منصات تحلّق فوق سطح الأرض بمسافة 20 كم (أعلى كثيرًا من الطائرات) لتوفير الإنترنت أو رصد البيئة. ويمكن أن تبقى في الهواء لعدة أشهر دون الهبوط.
الستراتوسفير (Stratosphere): ↑ طبقة في الغلاف الجوي الأرضي أعلى من سطح الأرض بمسافة تبدأ من 10 كم، وهي توجد في المنتصف بين أنظمة HAPS التي تعمل فوقها والطائرات التي تحلّق تحتها.
وقت الاستجابة (Latency): ↑ تأخر قصير في إرسال المعلومات أو استقبالها عبر الإنترنت، نتيجة المسافة التي تقطعها الإشارة أو بطء اتصالات الشبكة، كما في حالة توقّف شاشة لعبة الفيديو أو مكالمة الفيديو.
إقرار تضارب المصالح
ويعلن المؤلف المتبقي أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
شكر وتقدير
حررت المقال وشاركت في كتابته سوزان ديباد الحاصلة على درجة الدكتوراة وخريجة كلية مورنينغسايد للدراسات العليا في العلوم الطبية الحيوية بكلية الطب في جامعة ماساتشوستس تشان (الولايات المتحدة الأمريكية) وكاتبة/محررة علمية في شركة إس جي دي للاستشارات ذ.م.م. تم إنشاء الشكل بواسطة Somersault18:24.
إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي
تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.
مقال المصدر الأصلي
↑ Alouini, M.-S., and DiChristina, M. 2024. “High altitude platform stations. Bridging the internet divide from the stratosphere”, in Top 10 Emerging Technologies of 2024 Flagship Report. World Economic Forum. Available online at: https://www.weforum.org/publications/top-10-emerging-technologies-2024/
المراجع
[1] ↑ Belmekki, B. E. Y., Aljohani, A. J., Althubaity, S. A., Harthi, A. A., Bean, K., Aijaz, A., Alouini, M.-S. 2024. Cellular network from the sky: toward people-centered smart communities. IEEE Open J. Commun. Soc. 5:1916–36. doi: 10.1109/OJCOMS.2024.3378297
[2] ↑ Alouini, M. S., and DiChristina, M. 2024. A third of the world’s population lacks internet connectivity—airborne communication stations could change that. The Conversation. Available online at: https://theconversation.com/a-third-of-the-worlds-population-lacks-internet-connectivity-airborne-communications-stations-could-change-that-234986 (accessed May 14, 2025).
[3] ↑ GSMA. 2021. High Altitude Platform Systems. Towers in the Skies. Available online at: https://www.gsma.com/solutions-and-impact/technologies/networks/wp-content/uploads/2021/06/GSMA-HAPS-Towers-in-the-skies-Whitepaper-2021.pdf (accessed May 14, 2025).
[4] ↑ International Civil Aviation Organization. 2022. Agenda Item 31: Aviation Safety and Air Navigation Standardization. Higher Airspace Operations. Available online at: https://www.icao.int/Meetings/a41/Documents/WP/wp_085_en.pdf (accessed May 14, 2025).