ملخص
رسم العالم غوردون مور في عام 1965 رسمًا بيانيًا يُظهر عدد الترانزستورات –وهي مفاتيح دقيقة يمكننا تشبيهها بـ≫ذرات≪ المكوّنات المادية للحاسوب– التي يمكن وضعها على كل شريحة إلكترونية خلال السنوات السابقة، ولاحظ أن هذا العدد كان يتضاعف كل عام! وتوقّع مور حينها أن يستمر هذا التضاعف السنوي لعقود قادمة، وهي توقّعات طموحة أصبحت تُعرف لاحقًا باسم ≫قانون مور≪. تنطوي عملية بناء أجهزة الحاسوب على قرار مهم يجب اتخاذه هو تحديد ≫اللغة≪ التي ستستخدمها مكونات الحاسوب للتواصل فيما بينها، والتي يُطلق عليها≫مجموعة التعليمات≪. وقد دار نقاش كبير بين العلماء في عام 1980 حول ما إذا كان تغيير شكل هذه التعليمات بات أمرًا ضروريًا مع التطور السريع الذي تشهده أجهزة الحاسوب. كان معظم المصممين -حينها- يعتقدون أنه ينبغي علينا الاستمرار في استخدام الترانزستورات الإضافية، (تماشيًا مع قانون مور) لجعل التعليمات أكثر تعقيدًا، لكنني على العكس من ذلك، كنت أؤمن بأن علينا الإبقاء على بساطة التعليمات، وقد تبيّن أن هذا كان أنجح الأساليب على الإطلاق. وقد نالت هذه الجهود تقديرًا واسعًا تُوِّج بعدة جوائز مرموقة، من أبرزها جائزة تورينغ لعام 2017 من جمعية آلات الحوسبة، وجائزة تشارلز دريبر لعام 2022 من الأكاديمية الوطنية للهندسة.
كيف نجعل الحواسيب تزداد سرعةً يومًا بعد يوم؟
حين كنت في مثل عمرك، كانت أجهزة الحاسوب ضخمة إلى درجة أن حجمها كان يقارب حجم حاويات الشحن: بعرض 2.4 متر، وارتفاع 2.5 متر، وطول 12 مترًا! وعندما حصلت على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب عام 1976 من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، كانت تلك الأجهزة قد تقلّص حجمها لتصبح في حجم الثلاجات، وذلك بفضل استخدام الرقائق الإلكترونية، وكان السبب وراء ذلك واحدة من أروع التنبؤات التقنية وأكثرها دقة في تاريخ التكنولوجيا.
فقد رسم العالم غوردون مور في عام 1965 رسمًا بيانيًا يُظهر عدد الترانزستورات –وهي مفاتيح دقيقة يمكننا تشبيهها بـ≫ذرات≪ المكوّنات الماديةللحاسوب– التي يمكن وضعها على كل شريحة إلكترونية خلال السنوات السابقة، ولاحظ أن هذا العدد كان يتضاعف كل عام! فساهمت الرقائق الإلكترونية في تقليص حجم أجهزة الحاسوب، من حجم حاويات الشحن الضخمة إلى حجم الثلاجات. وقد تنبأ ≫مور≪ حينها بجرأة وعلانية أن هذا التضاعف السنوي سيستمر لعقود قادمة، وأصبح هذا التنبؤ يُعرف باسمقانونمور. ففي الورقة الأصلية التي نشر فيها مور فكرته، ظهر رسم كاريكاتيري (الشكل 1) يتخيّل أن أجهزة الحاسوب في المستقبل ستُباع بجانب الأغراض الشخصية مثل الأزرار وأحمر الشفاه. وفي عام 1976، حقّقت شركة آبل للحواسيب نبوءة مور بإنتاجها أول حواسيب مخصّصة للاستخدام المنزلي.
- شكل 1 - رسم كاريكاتيري ورد في الورقة الأصلية التي قدّم فيها مور قانونه عام 1965، يتنبأ بأن هذا القانون سيؤدّي إلى ظهور أجهزة حاسوب منزلية في المستقبل.
وبالنسبة لنا، نحن الذين آمنّا بقانون مور في سبعينيات القرن الماضي، كان ذلك يعني أن أسرع أجهزة الحاسوب في العالم ستتقلّص في النهاية لتصبح بحجم رقاقة إلكترونية واحدة، لأن المسافة بين مكوّنات الحاسوب ستصبح أقصر، وبالتالي سيستغرق وصول الإشارات الكهربائية وقتًا أقل، أتذكّر أنني قلت ذلك في إحدى المحاضرات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي -حيث أصبحت أستاذًا بعد تخرّجي- في وقتٍ كانت فيه الحواسيب أكبر وأثقل منّي، فضحك الطلاب!
استمرّ قانون مور لعقودٍ طويلة، مما أتاح لنا تصميم أجهزة حاسوب أسرع بفضل زيادة عدد الترانزستورات وتحسّن أدائها، كما تنبأ غوردون مور. ولكي يتسنى وضع عدد أكبر من الترانزستورات على الرقاقة الواحدة، كان لا بد أن تكون الترانزستورات أصغر حجمًا وبالتالي أسرع في الأداء، وقد سمحت أجهزة الحاسوب ذات السرعة العالية بحدوث كثيرٍ من التطوّرات التقنية التي نتمتّع بها اليوم، بأن أصبحت لدينا -مثلًا- الهواتف والساعات الذكية التي يعتمد عليها الكثير منا الآن في حياته اليومية.
ومع استمرار هذا التقدّم، سنحتاج إلى أجهزة حاسوب أقوى بكثير لنواصل السير في هذا الطريق المثير، خاصةً إذا كنا نرغب في تطوير أجهزة حاسوب تستطيع أداء المهام بمستوى الإنسان أو حتى أفضل منه، وهو ما نُطلق عليه ≫الذكاء الاصطناعي≪ .
المجازفة بتطبيق فكرة جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة للمساهمة في تسريع الحواسيب
كما أن المعماري هو من يصمّم المباني، فإن الشخص الذي يصمّم أجهزة الحاسوب يُسمّى ≫مهندسمعمارية الحاسوب≪. ونحن نُفرّق بين أجهزة الحاسوب المادية والبرامج التي تعمل عليها، فنسمّي الأجهزة المادية المكوّنات المادية للحاسوب (وتُترجم في الإنجليزية إلى hardware لأن من الصعب تغييرها) بينما نسمّي البرامج البرمجيات (وتُترجم في الإنجليزية إلى Software لأن من السهل تغييرها). وأحد القرارات المهمّة في هندسة الحاسوب هو تحديد المفردات التي تستخدمها المكوّنات المادية للحاسوب والبرمجيات للتواصل معًا، وتُعرف هذه المفردات باسم مجموعة التعليمات، وتُسمّى ≫الكلمات≪ داخلهاتعليمات. ومن الأمثلة على هذه التعليمات الوظائف التي نراها على أزرار الآلة الحاسبة: الجمع، الطرح، الضرب، القسمة، وتتألف برامج الحاسوب من ملايين التعليمات التي تُنفّذ مليارات المرات في الثانية الواحدة.
وقد طُرح تساؤل مهم في مجال هندسة الحاسوب عام 1980 حول ما إذا كان ينبغي لمجموعة التعليمات في أجهزة الحاسوب ذات الرقاقة الواحدة أن تتّبع نمط الحواسيب الكبيرة متعددة الرقاقات، أم أن تغير طبيعتها لتناسب التطوّر السريع في المعالجات الدقيقة. (المعالج هو الجزء من مكوّنات الحاسوب المادية الذي ينفّذ العمليات الحسابية، ولذلك كان من المنطقي أن يُطلق على المعالج المدمج داخل رقاقة إلكترونية واحدة اسم ≫المعالج الدقيق≪).
في ذلك الوقت، اعتقد معظم مهندسي معمارية الحاسوب أنه ينبغي لنا الاستفادة من مبدأ قانون مور لزيادة عدد الترانزستورات، ومن ثم جعل التعليمات أكثر تعقيدًا. لكنني كتبت مقالًا بعنوان ≫الدفاع عن جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة (RISC)≪،مجادلًا بضرورة الحفاظ على بساطة (تخفيض) التعليمات (في بعض مجالات الهندسة، ثمة مقولة شهيرة تعبّر عن هذه الفكرة هي ≫حافظ على البساطة، لا تعقّد الأمور≪وتُختصر في الإنجليزية إلى (KISS)). وأرسلت مسودة المقال إلى بعض الأصدقاء في قطاع صناعة الحاسوب لأسمع آراءهم، وقد كانوا يعملون على أجهزة حاسوب بحجم الثلاجات تُستخدم فيها مجموعات تعليمات معقّدة، أطلقت عليها اسم أجهزة الحاسوب ذات مجموعة التعليمات المعقّدة (CISC). لكن بدلًا من إرسال ملاحظاتهم، كتبوا ورقة بحثية تُناقض حُججنا، ونُشرت إلى جانب مقالتي.
وقد أدّى هذا إلى احتدام الجدل داخل مجتمع مهندسي معمارية الحاسوب، عُرف باسم الخلاف حول جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة مقابل جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقدة. وقد دافعتُ مع جون هينيسي -وهو أستاذ شاب آخر من جامعة ستانفورد القريبة- عن فكرة جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة في العديد من المؤتمرات العلمية. ولإضفاء روح الدعابة على النقاش، استخدمتُ صورة سيارة ضخمة وبطيئة لتمثيل جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقدة، وسيارة رياضية صغيرة وسريعة لتمثيل فكرة جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة (انظر الشكل 2).
- شكل 2 - مركبات تُستخدم لتوضيح الفروقات بين الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقّدة والحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة.
- تُظهر الصورتان العلويتان نسخةً حديثة من الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقّدة والحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة قد تساعدان في تبسيط فهم الفكرة، أما الرسمان في الأسفل، فيعرضان النسخة الأصلية من هذه المقارنة. وبما أن هذه الصور رُسمت قبل اختراع برنامج باوربوينت (PowerPoint)، فقد طلبت من رسّامة أن ترسمها لي، وكانت تلك الرسّامة هي زوجتي!
وإلى جانب الأبحاث والمناظرات الفلسفية، اضطلعت جامعتا بيركلي وستانفورد بتصميم معالجات دقيقة تعتمد على فكرة جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة، وعلى سبيل المرح، وضعنا على رقاقة جامعة بيركلي صورة سيارة رياضية مع اسم المشروع (انظر الشكل 3).
- شكل 3 - (A) الرقاقة الإلكترونية لنظام جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة الخاصة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، و (B) صورة مُقرَّبة تُظهر شعار السيارة الرياضية في الزاوية العلوية اليسرى.
- يبلغ طول السيارة 0.4 ملم فقط داخل رقاقة إلكترونية حجمها 4 × 8 ملم، لذا تحتاج إلى عدسة مكبّرة لرؤيتها!
وفي عام 1983، قدّم الطلاب تصاميمهم في المؤتمر الرائد عالميًا حول الرقائق الإلكترونية، وقد أدهشت هذه المداخلات الجمهور الغفير الذي كان حاضرًا وقتها، ومن المذهل أن الطلاب صمّموا معالجًا دقيقًا يفوق في جودته ما أنتجه قطاع صناعة الحواسيب آنذاك! وفي عام 2015، قامت مؤسسة معنية بتاريخ الحوسبة بوضع لوحةٍ نحاسية في حرم جامعة بيركلي تكريمًا لأول معالج دقيق قائم على فكرة جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة.
لفهم الجدل الدائر حول جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة والحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقّدة، يمكننا استخدام مثال من عالم المواصلات. تخيّل أنك تريد نقل عشرة ركّاب بين مدينتين أيهما سيصل أولًا: سيارة رياضية صغيرة و سريعة أم مركبة كبيرة وبطيئة تستطيع حمل عدد أكبر من الأشخاص؟ تعتمد الإجابة على عدد الرحلات المطلوبة ومدة كل رحلة. فعندما أجرينا قياسًا لأداء المكوّنات المادية للحاسوب، تبيّن أن البرامج التي تستخدم مفردات الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة تقرأ تعليمات أكثر بنسبة تتراوح بين ربع إلى ثلث عدد التعليمات مقارنةً بالحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقّدة (أي أنها تقوم بعدد أكبر من ≫الرحلات≪)، لكنها تقرأ هذه التعليمات بسرعة أكبر من أربع إلى خمس مرات (أي أنها تقوم بـ≫رحلات أسرع≪)، وبذلك، تبيّن أن الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة أسرع بثلاثة إلى أربعة أضعاف من الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المعقدة!
وفي يومنا هذا، تعتمد جميع الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والساعات الذكية على منهجية الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة، والشركة التي توفر معمارية الحاسوب هذه هي شركة أي آر إم (أدفانسد ريسك ماشين)، وتشكّل المعالجات القائمة على منهجية الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة اليوم نحو %99 من إجمالي المعالجات الدقيقة المُنتَجة في العالم. لقد كنّا نؤمن أن أفكارنا ستنجح يومًا ما، لكننا ما زلنا مندهشين من مدى انتشارها [1]! كما أنني ألّفتُ مع صديقي وزميلي في البحث جون هينيسي كتابًا دراسيًا عن معمارية الحاسوب [2]، وقد نلنا العديد من الجوائز تقديرًا لإسهاماتنا في منهجية الحواسيب ذات مجموعة التعليمات المخفّضة وللكتاب الدراسي الذي ألّفناه، من أبرزها جائزة تورينغ لعام 2017 من جمعية آلات الحوسبة، والتي تُعد بمثابة ≫جائزةنوبلفيعلوم الحاسوب≪،و جائزة تشارلز دريبر لعام 2022 من الأكاديمية الوطنية للهندسة، والتي تُعد ≫جائزةنوبلفي مجال الهندسة≪.
كيف سنساهم في زيادة سرعة أجهزة الحاسوب بعد تباطؤ قانون مور؟
بعد أن تضاعف عدد الترانزستورات في كل رقاقة إلكترونية بانتظام لعقودٍ طويلة، بدأ قانون مور أخيرًا بالتباطؤ؛ فلا يزال عدد الترانزستورات في ازدياد، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير مما كان عليه في الماضي. ومع ذلك، لا يزال المبرمجون يعتمدون على أجهزة حاسوب أسرع لتطوير برمجيات جديدة تتطلّب قدرات أعلى ويستمتع بها المستخدمون، مثل ألعاب الفيديو المتقدّمة. فكيف يمكن لمهندس معمارية الحاسوب أن يصمّم أجهزة حاسوب أسرع دون الاعتماد الكبير على قانون مور؟
الخيار الوحيد المتبقي هو بناء أجهزة حاسوب مخصّصة لأغراض محددة، تُكرّس عملها لفئة محدودة من البرمجيات. تقوم الفكرة على تخصيص موارد المكوّنات المادية للحاسوب داخل الرقاقة الإلكترونية لتسريع العمليات المهمّة لتطبيقٍ واحدٍ بعينه، والتي قد لا تكون مهمة لمعظم التطبيقات الأخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كان تطبيقٌ ما يحتاج إلى عمليات ≫ضرب≪ أكثر بكثير من المعتاد، ولكنه يحتاج إلى عدد أقل من عمليات ≫القسمة≪، فيمكن تصميم حاسوب يركّز على عمليات الضرب مع تقليل المكونات المادية اللازمة لعمليات القسمة، واستخدام التوفير الناتج من ذلك لتسريع عملية الضرب. وفي خطاب قبولنا جائزة تورينغ، تنبأتُ أنا وجون هينيسي بأن العقد القادم سيكون العصر الذهبي لمعمارية الحاسوب، ويعود ذلك جزئيًا إلى حاجة المهندسين إلى تصميم معالجات دقيقة مخصّصة لتطبيقات~محدّدة.
إذن، يبقى السؤال: ≫ما التطبيقات التي ينبغي أن نُعطيها الأولويّة في الدعم≪؟بالتزامن مع بدء تباطؤ قانون مور، ظهر مجال جديد مهم. كما كتب العالم يان لوكون (الحائز أيضًا على جائزة تورينغ) في مقال آخر من مقالات Frontiers for Young Minds، حقّق أحد فروع الذكاء الاصطناعي تقدّمًا هائلًا قبل أكثر من عقد بقليل. وأحد أسباب هذا التقدّم أن أجهزة الحاسوب أصبحت أخيرًا بالسرعة الكافية لجعل نسخة لوكون من الذكاء الاصطناعي تتفوّق على البدائل في المنافسات المباشرة. من أمثلة ذلك: نظام ذكاء اصطناعي تغلّب على بطلٍ عالمي في لعبة تُدعى ≫غو≪، وآخر حلّ مشكلة بيولوجية عويصة تُعرف باسمطيّالبروتيناتوهوإنجازساهملاحقًافيالحصولعلىجائزة نوبل.
ومن خلال تصميم معالجات دقيقة مخصّصة فقط لمجال الذكاء الاصطناعي، يمكننا الاستمرار في بناء أجهزة حاسوب أسرع بكثير رغم تباطؤ قانون مور. ففي عام 2016، كانت أول رقاقة إلكترونية تجارية مُخصصة للذكاء الاصطناعي أسرع بمقدار 30 مرة من المعالجات الدقيقة التقليدية! ومنذ ذلك الحين، واصلت الشرائح الدقيقة المخصصة للذكاء الاصطناعي تحقيق قفزات مذهلة كل عام. ويُعدّ التأثير الاجتماعي المحتمل لهذه الرقاقات المخصّصة للذكاء الاصطناعي أحد الأسباب التي جعلت قيمة شركة إنفيديا -وهي الشركة المصنعة لها- ترتفع ارتفاعًا هائلًا خلال العام الماضي.
كيف يُصبح الشخص مهندسًا لمعمارية الحاسوب؟
الخطوة الأولى لتصبح مهندسًا لمعمارية الحاسوب هي تعلّم البرمجة، وهي الخطوة نفسها التي جعلتني أقع في حب الحوسبة منذ البداية، فلكي يتمكن مهندس معمارية الحاسوب من اختراع مكونات مادية جديدة للحاسوب، لا بد له أولًا أن يفهم جيدًا كيف تعمل البرمجيات. ففهم البرمجيات هو مفتاح تسريع الأجهزة.
إذا كان لديك حاسوب شخصي تستخدمه للعب، فربما يحتوي على وحدة معالجة الرسومات من شركة إنفيديا، وكما يوحي الاسم، تُعدّ وحدة معالجة الرسومات (GPU) معالجًا مخصّصًا لتطبيقات محدودة النطاق، صُمّم في الأساس لتصميم الرسومات التي تراها في ألعاب الفيديو والأفلام. تحتوي وحدات معالجة الرسومات على مئات من المعالِجات، وتتميز بسرعتها بسبب قدرتها على قراءة عدد أكبر من التعليمات في الثانية الواحدة بالتوازي، أما وحدات معالجة الرسومات الحديثة، فقد أصبحت تدعم الذكاء الاصطناعي أيضًا، فتسعى إلى تحقيق أداء متميز في كلٍّ من الرسومات والذكاء الاصطناعي. وقد ابتكرت شركة إنفيديا لغة البرمجة "كودا" (CUDA) لتسهيل برمجة الرسومات، وسرعان ما استخدمها الباحثون في برمجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي. لذلك، يمكن القول إن الخطوة الثانية نحو أن تصبح مهندسًا لمعمارية الحاسوب هي تعلّم كتابة البرامج السريعة باستخدام لغة كودا على وحدات معالجة الرسومات الحديثة، الأمر الذي سيتطلّب منك فهم الخصائص المادية غير العادية لهذه الوحدات، التي لا نجدها عادةً في أجهزة الحاسوب التقليدية، ويمكنك حتى أن تُجرّب حظك في مجال الذكاء الاصطناعي!
وبعد أن تتعلم أساسيات البرمجة بصفة عامة، وبرمجة وحدات معالجة الرسومات بصفة خاصة، ستكون الخطوة التالية هي قراءة المقالات التي تشرح كيفية عمل مكوّنات الحاسوب المادية، لذلك، أدرجت لك بعض المقترحات في المراجع التالية، مرتّبة حسب مستوى الصعوبة: المقال الأول حديثٌ نُشر في مجلة علمية عن انتشار معمارية جهاز الحاسوب ذي مجموعة التعليمات المخفّضة عمومًا والإصدار الأخير منها المعروف باسم RISC-V [1]. يليه مقال يقدّم نظرة أكثر تفصيلًا على تاريخ أجهزة الحاسوب ذات مجموعة التعليمات المخفّضة [3]. أما المقالان التاليان فقد نُشرا في مجلة ساينتيفيك أمريكان (Scientific American) الموجهة لعامة القرّاء: فيشرح المقال الأول من عام 1983 البنية الداخلية للمعالجات، وبالأخصّ المكونات المادية المعقّدة الخاصة بوحدات التحكم، وكيف أدّى ذلك في النهاية إلى ظهور أجهزة الحاسوب ذات مجموعة التعليمات المخفّضة [4]. في حين يحاول مقال عام 1995 -بمناسبة مرور 150 عامًا على المجلة- أن يتنبأ بمستقبل أجهزة الحاسوب بعد 25 عامًا [5]. أما المرجع التالي، فهو الفصل الأول من كتابنا الدراسي المخصّص لتعريف طلاب الجامعات بتصميم أجهزة الحاسوب [6]، ويليه كتابنا الأكثر تقدّمًا والموجّه لطلاب السنوات الأخيرة في الجامعة [2].
واليوم، يمتلك معظم مهندسي معمارية الحاسوب درجات علمية متقدّمة مثل الماجستير أو الدكتوراه في علوم الحاسوب. وإذا سنحت لك الفرصة، أنصحك بأن تتابع دراستك لبضع سنوات إضافية بعد الحصول على شهادة البكالوريوس للحصول على إحدى هذه الدرجات، إذ أن ذلك سيتيح لك العمل على مشكلات شيّقة ومثيرة للتفكير. ومع الأخذ في الاعتبار أن جيلك قد يعيش لمائة عام على الأقل، فسيظل لديك متسع كبير من الوقت للاستمتاع بتقاعد طويل ومريح. أما أنا، فما زلت أستمتع بعملي بعد نحو خمسين عامًا من حصولي على آخر شهادة جامعية، إذ أنهيت أنا وصديقي جون هينيسي مؤخرًا الطبعة السابعة من كتابنا الدراسي، بعد خمسةٍ وثلاثين عامًا من نشر الطبعة الأولى، ولا يزال لدي متّسع من الوقت للتقاعد... لو شعرت يومًا بالملل من هندسة الحاسوب!
مسرد للمصطلحات
الرقاقة الإلكترونية (Microchip): ↑ يُطلق عليها الاسم الدقيق ≫الدائرة المتكاملة≪،وهو عبارة عن جهاز إلكتروني صغير جدًا وقوي مصنوع من مادة شبه موصلة، ويحتوي على عدد كبير من~الترانزستورات.
الترانزستور (Transistor): ↑ هو عبارة عن مفتاح إلكتروني دقيق يمكننا اعتباره ≫الذرّة≪ الأساسية في المكوّنات المادية للحاسوب، ويمكن أن تحتوي الرقاقة الواحدة على مليارات~الترانزستورات.
المكوّنات المادية للحاسوب (Hardware): ↑ هي المكوّنات المادية للحاسوب التي تُشغّل البرامج، ويُطلق عليها في الإنجليزية (HARDWARE) لأن من الصعب تغييرها.
قانون مور (Moore’s Law): ↑ هو تنبؤ قدّمه العالِم غوردون مور مفاده أن عدد الترانزستورات في كل رقاقة إلكترونية سيتضاعف كل عام أو عامين.
الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence (AI)): ↑ هو البرمجيات التي تنفّذ المهام بمستوى يضاهي أداء الإنسان أو يتفوّق عليه.
البرمجيات (Software): ↑ هي البرامج التي تعمل على مكوّنات الحاسوب المادية، ويُطلق عليها في الإنجليزية اسم (SOFTWARE) لأنها سهلة التغيير.
المعالج الدقيق (Microprocessor): ↑ هو معالج مدمج داخل رقاقة إلكترونية واحدة.
المعالج (Processor): ↑ هو الجزء من المكوّنات المادية للحاسوب المسؤول عن تنفيذ العمليات الحسابية.
وحدة معالجة الرسومات (Graphics Processing Unit (GPU)): ↑ هي جهاز حوسبة يُنفِّذ معالجة الرسومات ومهام الذكاء الاصطناعي بكفاءة عالية، لكنه لا يبرع في تشغيل التطبيقات التي تقع خارج هذا النطاق المحدود (ويُعرف باسم وحدة معالجة الرسومات).
إقرار تضارب المصالح
يعلن المؤلفون أن البحث قد أُجري في غياب أي علاقات تجارية أو مالية يمكن تفسيرها على أنها تضارب محتمل في المصالح.
إقرار
أودّ أن أتوجّه بخالص الشكر إلى إلين ما (البالغة من العمر 11 عامًا) وإلى حفيدات أختي/أخي بنيلوب غارنيتي (11 عامًا)، وكلارا ستافورد (11 عامًا)، وإيلا ستافورد (14 عامًا)، على ملاحظاتهنّ القيّمة التي أسهمت في إثراء هذا البحث.
إفصاح أدوات الذكاء الاصطناعي
تم إنشاء النص البديل (alt text) المرفق بالأشكال في هذه المقالة بواسطة "فرونتيرز" (Frontiers) وبدعم من الذكاء الاصطناعي، مع بذل جهود معقولة لضمان دقته، بما يشمل مراجعته من قبل المؤلفين حيثما كان ذلك ممكناً. في حال تحديدكم لأي خطأ، نرجو منكم التواصل معنا.
المراجع
[1] ↑ Kehe, J. 2025. Angelina Jolie was right about computers. Wired 32:27–32.
[2] ↑ Hennessy, J., and Patterson, D. 2019. Computer Architecture: A Quantitative Approach, 6th Edn. Burlington, MA: Morgan Kaufmann.
[3] ↑ Patterson, D. 2022. 2022 Draper Prize Acceptance Remarks. Available online at: https://www.nae.edu/276664/2022-Draper-Prize-Acceptance-Remarks (Accessed August 1, 2024).
[4] ↑ Patterson, D. 1983. Microprogramming. Sci. Am. 248:50–7.
[5] ↑ Patterson, D. 1995. Microprocessors in 2020. Sci. Am. 273:62–7.
[6] ↑ Patterson, D., and Hennessy, J. 2021. “Computer abstractions and technology”, in Computer Organization and Design RISC-V Edition: The Hardware Software Interface, 2nd Edn. Burlington, MA: Morgan Kaufmann, 2–59.